كتاب الطهارة

اشارة

نام كتاب: كتاب الطهارة

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى

تاريخ وفات مؤلف: 1414 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 1

ناشر: دار القرآن الكريم

تاريخ نشر: 1407 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

مقرر: محمد هادى مقدس نجفى

تاريخ وفات مقرر: ه ق

[مقدمة المقرر]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه على جميع نعمه و آلائه و الصلاة و السلام على أشرف رسله و خاتم أنبيائه محمّد و آله الذين هم حجج اللّه على عبيده و إمائه سيّما بقيّة اللّه الأعظم صلوات اللّه عليه و على آبائه. و اللعنة على أعدائهم إلى يوم لقائه أمّا بعد فيقول أقلّ الناس جرما و أكثرهم جرما المفتاق الى عفو ربّه الوفي محمد هادي المقدّس النجفي ابن المرحوم المغفور له الحاج الشيخ على المقدّس النجفي الرشتي قده هذا ما تلقيناه ممّا ألقاه استاذنا الأعظم الحجة الآية الحاج السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني دام ظلّه الوارف من مباحث الطهارة و كان شروعه فيها- على ما بالبال- في أواخر سنة ألف و ثمانين و ثلاثمائة هجرية في صحن فاطمة بنت موسى بن جعفر عليها السلام ببلدة قم المحمية ثم انتقل دام ظله بعد ذلك الى المسجد الأعظم المجاور للصحن المطهر و ذلك بعد ارتحال استاذنا الأكبر الحجة الآية المرحوم المغفور له الحاج السيد حسين الطباطبائي البروجردي قدّس سره في تلك السنة و انّى و ان لم استقص جميع أبحاث الأستاذ دام علاه الّا أنّى بذلت غاية جهدي في جمع البحوث الهامّة من أبحاث الأستاذ و هذا الكتاب يحتوي على أبحاث المياه و الأسئار و الطهارات الثلاث اى الوضوء و الغسل و التيمم و أغسال

النساء و أغسال و أحكام الأموات و المطهرات و النجاسات و غير ذلك و سميته (أبحاث حول الطهارة) و اللّه الموفق للسداد.

المؤلف محمد هادي النجفي

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 6

(كتاب الطهارة)

اشارة

و حيث انّه لا فائدة للتعرّض لمعناها صرفنا الكلام عن معناها الى بيان أقسامها و أحكامها المترتّبة عليها. و قبل الخوض في ذلك لا بدّ من تقديم البحث عن المياه و أقسامها لتوقّف الطهارة على فهم أقسامها و أحكامها.

(المبحث الأوّل في المياه و أقسامها)

اشارة

اعلم أن الماء كلّه طاهر و مطهّر من الحدث و الخبث في الجملة إجماعا بل كونه في الجملة مطهّرا للحدث و الخبث من ضروريّات الإسلام. و ماهية الماء ظاهرة عند العرف في أيّ لغة كان و لكن مفهومه غير ظاهر غاية الظهور بحيث لا تبقى له مصاديق مشتبهة أصلا و لذا ترى العرف يشكّون في صدق الماء على الماء الممزوج بشي ء من السكّر أو الملح و كذا الماء الخارج من عين مالحة و أنّه هل هو ماء مالح أو هو ماء الملح.

و الحاصل أنّ مفهوم الماء كأغلب المفاهيم له مصاديق مشتبهة و ليس له مفهوم مبيّن عرفي بحيث لا يشك العرف في شي ء من مصاديقه و حينئذ لا بدّ في كلّ مورد مشتبه من الرجوع الى الأصل الجاري في ذلك المورد ففي المثالين المتقدّمين يرجع في المثال الأوّل منهما إلى أصالة بقاء المائية ليحكم بارتفاع الحدث أو الخبث به و في الثاني منهما يرجع الى أصالة بقاء الحدث أو الخبث إذا استعمل في رفع أحدهما لكن أصالة الطهارة جارية في الماء المذكور إن استعمل في رفع الخبث هذا كلّه في الشبهة المفهومية.

و أمّا الشبهات المصداقيّة بأن كان مفهوم الماء مبيّنا عنده و مفهوم الجلّاب ايضا مبيّنا و لكن شكّ في مورد أنّه ماء و جلّاب فإنّه تجري فيه أصالة الطهارة إذا لاقى النجس و لكن لا يرتفع به الحدث أو الخبث.

أمّا الدليل على كون الماء مطهّرا-

مضافا الى دعوى الإجماع و الضرورة أمّا من الكتاب فآيات منها قوله تعالى (وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً) «1» فانّ الطهور و إن كان مبالغة في الطاهر الّا أنّ بعض أهل اللغة قد فسّره بالمطهّر لغيره و وافقه على ذلك جميع الفقهاء

______________________________

(1) سورة الفرقان الآية 48

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 7

مع أن بعض الآيات يدلّ عليه.

كقوله تعالى (إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) «1» و قوله تعالى (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) «2» و قوله تعالى (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ. الآية) «3» و قد ثبت بالضرورة من الدين أنّ التطهير- أعمّ من ان يكون من الحدث في حال الاختيار أو من الخبث في أكثر الموارد- لا يكون الّا بالماء فبضمّ هذه الآيات الى قوله تعالى (وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً) يعلم جزما أن المراد من الطهور هو المطهر لغيره و ان فرض أنّ اللغة لا تساعد عليه.

و منها قوله تعالى (وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) «4» و هذه الآية تصرّح بكون الماء مطهّرا فلا نحتاج الى ضمّ شي ء إليها و الآيات الأخر هي الآيات التي أشرنا إليها من قوله تعالى (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) إلخ.

و كذا يستدلّ لكون الماء مطهّرا بأخبار كثيرة نذكر بعضها.

فمنها رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: (الماء يُطهِّر وَ لا يُطهَّر) «5».

و منها مرسلة الفقيه عنه عليه السلام قال: كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض و قد وسّع اللّه عزّ و جلّ عليكم بأوسع ممّا بين السماء

و الأرض و جعل لكم الماء طهورا فانظروا كيف تكونون «6».

و منها رواية السرائر قال: «قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المتفق على روايته أنّه خلق الماء طهروا لا ينجّسه شي ء إلّا ما غير طعمه أو لونه أو رائحته» «7» الى غير ذلك من الأخبار.

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 222

(2) سورة المائدة الآية 6

(3) سورة المائدة الآية 6

(4) سورة الأنفال الآية 11

(5) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب المياه الحديث 1- 2

(6) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب المياه الحديث 1- 2

(7) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 8

و ضعف رواية السكوني و غيرها غير ضائر بعد جبر ضعفها بعمل الأصحاب.

ثمّ انّه إذا ثبت من الآيات و الأخبار كون الماء مطهرا فهل يكون فيها إطلاق بحيث يشمل جميع الأشياء أي يكون مطهّرا لجميع الأشياء حتّى الماء المتنجّس و كذا الدهن المتنجّس و الدبس المتنجّس و غير ذلك و الحاصل أنّه كلّما يشك في أنّه هل يطهّره أم لا يؤخذ بإطلاق هذه الأدلّة في مطهّرية الماء له أو ليس فيها إطلاق بل هي بصدد إثبات كون الماء مطهّرا في الجملة على نحو الإهمال و الإجمال و أمّا أنّه مطهّر لما ذا فلا تكون بصدد بيانه بل لا بدّ من استفادة كونه مطهرا لأيّ نوع من المتنجّسات من دليل آخر غير هذه الآيات و الروايات و هي لا يمكن التمسّك بإطلاقها لكيفيّة التطهير أيضا إذا شكّ في أنّه هل يحصل التطهير للمتنجّسات بالماء بأيّ كيفيّة كانت أو لا بدّله من كيفيّة خاصة.

ثمّ انّه إذا فرض الإهمال و الإجمال في الآيات و الروايات فهل يكون المرجع هو العرف بأن يقال:

انّ كلّما يراه العرف أنّه تحصل الطهارة بهذه الكيفية إذا غسل به نقول به فيه دون ما لا يساعد العرف على ذلك.

و كذا إذا شكّ في أنّ الماء هل يكون مطهّرا لبعض الأجسام أم لا فهل يكون مرجعه الشرع أو العرف لا يبعد أن يقال: انّ المرجع- على فرض الإهمال و الإجمال في الآيات و الروايات- هو العرف.

و لكنّ الظاهر أنّه ليس فيها إهمال بل إطلاقها شامل لجميع المتنجّسات التي لها قابلية التطهير فلا يشمل الدهن و الدبس المتنجّسين إلّا في صورة استهلاكهما في الماء فحينئذ كلّ ما يشكّ في قابليته للتطهير يتمسّك فيه بالإطلاق و كذا إذا شك في أنّ التطهير هل يعتبر فيه كيفيّة خاصة أم لا تنفى ايضا بالإطلاق.

ثمّ انّ صاحب الشرائع (قده) قد قسّم المياه إلى ثلاثة أقسام الماء الجاري و ماء البئر و الماء المحقون و سائر أقسامها قد ألحقها بها أمّا الجاري فاختلف فيه أوّلا بأنّه هل يعتبر فيه الجريان أو يكفي فيه النبوع فقط قال في المسالك: المراد بالجاري النابع غير البئر سواء جرى أم لا و إطلاق الجاري عليه مطلقا تغليب أو حقيقة عرفية و الأصحّ اشتراط كريته انتهى.

و لا يخفى عليك أنّ هذا الكلام لا يساعد عليه العرف و اللغة.

أمّا العرف فلا يطلق الجاري عندهم الّا على ما جرى على وجه الأرض و كأنّه أراد

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 9

رحمه اللّه بذلك أنّ المراد بالجاري ليس ما هو الظاهر من هذا اللفظ بل المستفاد من الأخبار أنّه النابع مطلقا.

و لكن لا شاهد له على ما ادّعاه و أمّا اللغة ففي المصباح المنير- للفيّومى- جرى الماء سال خلاف وقف الى أن قال: و الماء الجاري هو

المتدافع في انحدار فاعتبر في معناه السيلان و التدافع.

و اختلف فيه ثانيا بأنّه هل تعتبر فيه الكرية أم لا قال العلامة و الشهيد الثاني قدس سرهما بالأوّل و قال الأكثر بالثاني و هو الأصحّ لعدم الدليل على اشتراط الكرية فيه مع أنّ إطلاق بعض الأخبار في الجاري يدفعه.

ثم إنّه لا فرق في صدق الماء الجاري بين ما إذا خرج الماء من العين متدافعا و بشدّة أو خرج بنزو و ضعف و لا بين أن يخرج من العيون أو يسيل من الثلوج و ان لم تكن له مادّة أو يخرج من منبع كبير بحيث يكون له استمرار و استدامة لصدق اسم الجاري على ذلك كلّه عرفا و لا دليل من الشرع على خلاف ذلك نعم إذا لم تكن له مادة مثل ما إذا سال كرّ من الماء على وجه الأرض بدون وجود المادّة أو كانت له مادّة لكن لا استدامة لها فالظاهر عدم صدق الجاري عليه عرفا و ان صدق لغة.

ثم انّا قد ذكرنا عدم الفرق في الجاري بين كونه أقلّ من الكر للإطلاق المستفاد من أخباره «1».

و يمكن تأسيس أصل كلّى لعدم تنجّس مطلق المياه إذا كانت كرّا أو كانت لها مادّة إلّا ما خرج بالدليل فيكون هذا الأصل هو المرجع عند الشك إذا حصلت ملاقاة الماء للنجس و يستفاد هذا الأصل الكلّي من كثير من الأخبار.

منها الرواية التي رواها ابن إدريس و ادّعى الاتفّاق على روايتها و حكى عن ابن أبى عقيل أنّها متواترة عن أبي عبد اللّه عن آبائه عن النبيّ صلوات اللّه عليهم أجمعين أنّه قال: «خلق اللّه الماء طهورا لا ينجّسه شي ء إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه» «2».

______________________________

(1)

جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9- 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 10

و منها موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يمرّ بالماء و فيه دابّة ميتة قد أنتنت قال: ان كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضّأ و لا تشرب» «1» فانّ لفظ الماء فيهما أريد به الجنس لا واحد من مياه العالم لأنّه في مقام البيان لا الإجمال فالرواية الاولى دالّة على أنّ الماء لا ينجس إلّا إذا تغيّر أحد أوصافه بالنجس و الثانية دالّة- بمفهومها- على عدم تنجّس مطلق المياه إذا لم تكن ريح الميتة الواقعة فيها غالبة على ريحها.

و منها رواية حريز عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ منه و اشرب و إذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا توضّأ و لا تشرب» «2» فانّ لفظ الماء ايضا مطلق شامل لمطلق المياه.

و منها رواية أبي بصير عنه عليه السلام حيث سأله عن الماء النقيع تبول فيه الدواب.

فقال: «ان تغيّر الماء فلا تتوضأ منه و ان لم يتغيّر من أبوالها فتوضّأ منه و كذلك الدم إذا سال في الماء و أشباهه» «3» فإنّ المراد بالماء النقيع هو الماء الراكد و ليس فيه التقييد بالكرية أو الجريان أو غيرهما فيشمل مطلق المياه الّا ما خرج بالدليل. و الحاصل أنّه يستفاد من هذه الأخبار أصل كلّي و قاعدة كلية و هي عدم تنجّس مطلق المياه إلّا إذا تغيّر أحد أوصافه بالنجس و خرج من.

هذه الكلية الماء القليل و الدليل على خروجه عن القاعدة الأخبار الكثيرة المعتبرة و هي

صنفان:

الأوّل الروايات الدالة على عدم انفعال الكر بملاقاة النجس و سنوردها في موضعها إنشاء اللّه تعالى فإنّها دالة بمفهومها على انفعال ما دون الكرّ و هل يستفاد منها أنّه ينفعل بجميع النجاسات أو ينفعل بالنجاسات في الجملة سيجي ء تفصيله.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9- 2

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 1- 8

(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 1- 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 11

الثاني الأخبار الكثيرة الواردة في موارد خاصة.

منها صحيحة علىّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام في رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه هل يصلح الوضوء منه فقال: ان لم يكن شيئا (شيى خ ل) يستبين في الماء فلا بأس و ان كان شيئا بيّنا فلا تتوضّأ (فلا يتوضأ خ ل) منه.

قال «و سألته عن رجل رعف و هو يتوضّأ فقطر قطرة في إنائه هل يصلح الوضوء منه قال: لا» «1» و صدر هذه الرواية يحتمل أن يراد منه فرض العلم الإجمالي بإصابة الدم امّا للإناء أو للماء فحكم عليه السلام بعدم البأس بالوضوء من هذا الماء و لا بدّ من حمله على ما إذا كان ظهر الإناء خارجا عن محلّ الابتلاء حتى لا يكون العلم الإجمالي منجّزا و حينئذ لا دخل للرواية فيما نحن فيه نعم الجملة الثانية أعني قوله ع: و ان كان شيئا بيّنا إلخ مرتبط بما نحن فيه بل هو تصريح للمفهوم من الجملة الأولى.

و يحتمل أن يكون المراد من الرواية أنّ الدم أصاب الإناء قطعا لكن فصّل الامام عليه السلام بين كون الدم شيئا بيّنا في الماء أو غير بيّن فحكم بعدم

جواز الوضوء على الأوّل و جوازه على الثاني و هذا التفصيل هو مختار شيخ الطائفة (قده) في الاستبصار على ما حكى عنه و في المحكي عن المبسوط: ما لا يمكن التحرز عنه مثل رؤس الابر و غيره فإنّه معفوّ عنه لأنّه لا يمكن التّحرز عنه انتهى.

و لكن يدفع هذا الاحتمال ذيل الصحيحة فإنّه ترك التّفصيل بين كون الدم بيّنا في الماء و غيره و حكم ع بعدم جواز الوضوء بوقوع قطرة من الدم في الإناء من غير تفصيل.

اللّهم الّا أن يقال بأنّ المراد من القطرة الدم البيّن و لكن لا يناسب هذا السّؤال من مثل علىّ بن جعفر رضوان اللّه عليه بعد التفصيل الذي ذكره الامام عليه السلام في صدر الرواية فلا بدّ من أن يحمل صدرها على غير ما أريد من ذيلها و هو عدم اصابة الدم للماء و هو الاحتمال الثالث في الرواية و حاصله أنّ انتشار الدم و صيرورته قطعا صغارا صار سببا لتحيّر السائل حيث انّه علم بإصابة الدم للإناء و شك في إصابته للماء فسأل عن

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 12

حكم ذلك فأجاب عليه السلام بأنّه ان لم يستبن شي ء في الماء فلا بأس بالوضوء منه و هذا كناية عن الشك في اصابة الدم للماء و ان كان شيئا بيّنا فلا يتوضّأ منه لأنّه يعلم بإصابة الدم للماء و هذا الاحتمال قريب جدّا بخلاف الاحتمالين الأوّلين فلا بدّ من حمل الرواية عليه لأنّه أظهر الاحتمالات أو حينئذ تصير الرواية شاهدة لما نحن فيه من انفعال الماء القليل بملاقاة النجس لأنه حكم عليه السلام فيها بأنّه إذا كان شيئا بيّنا فلا

يتوضّأ منه و النهى عن التوضّؤ لا بدّ من جهة عروض النجاسة في الماء لأنه الظاهر لا لأجل حصول القذارة فيه فإنّه بمكان من البعد.

و منها صحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة قال: يكفئ الإناء «1».

و منها صحيحة ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه قال: ان كانت يده قذرة فأهرقه (فليهرقه خ ل) و ان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا ممّا قال اللّه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2».

و منها رواية شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد اللّه عليه السلام أيضا في الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها أنّه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي ء «3» فدلّب بمفهومها على تنجّس الماء إذا أدخل يده في الإناء و كانت قذرة بأن أصابها المني كما يظهر ذلك من الأخبار الآتية.

و منها موثقة سماعة عن أبى بصير عن الصادق عليه السلام قال: إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس الّا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة فإن أدخلت يدك في الإناء و فيها شي ء من ذلك فأهرق ذلك الماء «4».

و منها موثقته الأخرى عنه عليه السلام قال: إذا أصابت الرجل جنابة فأدخل يده في الإناء فلا بأس ان لم يكن أصاب يده شي ء من المنى «5».

و منها موثقته الثالثة أيضا قال: سألته عن رجل يمس الطست أو الركوة ثم يدخل يده في الإناء قبل أن يفرغ على كفّيه قال: يهريق من الماء ثلاث حفنات و ان

لم يفعل فلا بأس

______________________________

(1)- جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 7 و الآية في سورة الحج الآية 78

(2)- جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 7 و الآية في سورة الحج الآية 78

(3)- جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 7 و الآية في سورة الحج الآية 78

(4)- جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 3- 8- 9

(5)- جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 3- 8- 9

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 13

و ان كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به ان لم يكن أصاب يده شي ء من المنى و ان كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله «1».

و لكن تعارض هذه الروايات الدالة على انفعال الماء القليل بملاقاة النجس أخبار كثيرة دالة على عدم انفعال الماء القليل.

منها رواية أبي مريم الأنصاري قال: كنت مع أبي عبد اللّه عليه السلام في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركيّ له فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة فأكفأ رأسه و توضّأ بالباقي «2» فإنّ الظاهر من لفظ العذرة هو عذرة الإنسان فدلّت الرواية على عدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس و حمل الدلو على ما يبلغ الكرّ بعيد للغاية كما أنّ حمل العذرة على فضلة مأكول اللحم ايضا بعيد.

و منها رواية محمّد بن ميسر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق و يريد أن يغتسل منه و ليس معه إناء يغرف به و يداه قذرتان قال: يضع يده و (ثم) يتوضّأ ثم

يغتسل هذا ممّا قال اللّه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «3».

و لفظ القليل ظاهر فيما دون الكر و حمله على القليل بمقدار الكرّ خلاف ظاهر لفظ القليل و المقصود أنه يضع يده في الماء و يتوضّأ اى يطهّر يده به لأنّ الوضوء هنا بفتح الواو و هو بمعنى التنظيف لا الوضوء المعهود فإنّه لا يجتمع مع غسل الجنابة.

و هذا المعنى المستفاد من الرواية- أعني عدم انفعال الماء القليل بوضع يده المتنجّسة في الماء- هو المناسب لرفع الحرج الذي استدلّ به الامام عليه السلام دون سائر التأويلات البعيدة عن الرواية لكي لا تنافي الروايات المتقدمة الدالة على انفعال الماء القليل بملاقاته للنجاسة و يمكن حمل النهى الوارد في الروايات المتقدمة- عن الوضوء بالماء الملاقي للنجاسة- على الكراهة في صورة الاختيار و حمل هذين الخبرين على الجواز بدون الكراهة في صورة عدم وجود ماء غيره و كذا يمكن حمل الأخبار الآمرة بإراقة الماء الملاقي للنجاسة على استحباب الإراقة.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث- 3- 8- 9

(2)- جامع أحاديث الشيعة الباب 8 من أبواب المياه الحديث 13- 14

(3)- جامع أحاديث الشيعة الباب 8 من أبواب المياه الحديث 13- 14

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 14

و لكن كلّ ذلك خلاف الظاهر و مناف لعمل معظم الأصحاب القسم الثاني من الأخبار الدالة على انفعال الماء القليل في الجملة هو مفهوم أخبار الكرّ.

فمن الأخبار صحيحة محمّد بن مسلم عن ابى عبد اللّه (ع) قال: قلت له: الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال: إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي ء «1».

و كذا الأخبار الكثيرة الدالة على

أنّ الماء إذا كان قدر كرّ لم ينجّسه شي ء «2». فانّ مفهومها انفعال الماء بملاقاة النجس إذا لم يبلغ حدّ الكر و لكن لا يخفى أنّ نقيض السالبة الكلية التي ذكرت في منطوق هذه الأخبار من قوله (ع) إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شي ء- هي الموجبة الجزئية فلا يستفاد من مفهوم هذه الكلية الّا أنّ الماء إذا لم يكن قدر كرّ ينجّسه شي ء ما لا أنه ينجّسه جميع الأشياء أو جميع النجاسات و حينئذ فيمكن أن يكون منجّس الماء القليل هو الكلب أو الخنزير أو الخمر التي يستفاد من الأخبار تنجيسها للماء القليل.

كصحيحة لبقباق الواردة في سؤر الكلب قال عليه السلام في حق الكلب: انّه رجس نجس لا تتوضّأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء «3».

و سيجي ء البحث في هذه الرواية مفصّلا في مبحث الأواني إنشاء اللّه تعالى.

و صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الكلب يشرب من الإناء قال: اغسل الإناء «4».

و صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: و سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به قال: يغسل سبع مرّات «5».

و مرسلة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما يبلّ الميل من النبيذ ينجّس حبا من ماء يقولها ثلاثا «6».

______________________________

(1)- جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب المياه الحديث 4- 1- 3

(2)- جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب المياه الحديث 4- 1- 3

(3)- جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب الأسئار الحديث 4 الباب 3

(4)- جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب الأسئار الحديث 4 الباب 3

(5)- جامع الأحاديث 23 من أبواب النجاسات الحديث

9

(6)- الوسائل الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 6

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 15

و رواية عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتّى تذهب عاديته و يذهب سكره فقال: لا و اللّه و لا قطرة قطرت في حبّ إلّا أهريق ذلك الحبّ «1» هذا كلّه بالنّسبة إلى النجاسات الثلاث.

و أمّا سائر النجاسات فلا دلالة لروايات الكرّ على تنجيسها للماء القليل و مفهوم روايات الكرّ لا عموم فيه حتّى يتمسّك به.

و القدر المتيقّن من مفهوم روايات الكرّ هو تنجيس هذه الثلاثة- أعني الكلب و الخنزير و الخمر للماء القليل فينزّل المفهوم عليها.

مضافا الى أنّه يمكن أن يقال: انّ أخبار الكر ليس لها مفهوم أصلا بل التحديد بالكرّ لبيان تحقّق موضوع عدم الانفعال و هو مقدار الكرّ فالشّرطية سيقت لبيان تحقق الموضوع مثل ان رزقت ولدا فأختنه و مثل هذه الشرطية ليس لها مفهوم أصلا بل ينتفي الحكم بانتفاء موضوعه لا أنّ انتفاء الموضوع يصير سببا لتحقّق موضوع قضيّة أخرى.

هذا و ربّما يدّعى أنّ الجمع بين الأخبار على نحو ما مرّ من حمل ما دلّ- على النهى عن التوضّؤ بالماء الملاقي للنّجس على الكراهة و ما دلّ على الإراقة على الاستحباب- غير ممكن في موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل معه إناء ان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر و لا يدرى أيّهما هو و ليس يقدر على ماء غيره قال: يهريقهما (جميعا) و يتيمّم «2» فإنّها صريحة في عدم جواز استعمال الإناءين الذين وقع في أحدهما قذر و انتقال تكليفه الى التيمم فيعلم من هذه الموثقة انفعال الماء القليل

بوقوع القذر و التأويل المذكور غير متمشّ فيها و لكن لا يخفى عدم معارضة هذه الموثقة للروايات الدالة على عدم انفعال الماء القليل لفرض السّائل انفعال الماء على سبيل البتّ و الجزم و انّما سأل عن حكم الماءين الذين وقع القذر في أحدهما و اشتبه فسؤاله انّما هو عن حكم المشتبه بعد الفراغ عن نجاسة الماء و ليس سؤاله عن الماء بأنه ينجس بوقوع القذر فيه أم لا و يمكن أن يكون القذر المفروض في كلامه هو الكلب أو الخنزير أو الخمر فلا ينافي ما ذكرناه هذا كلّه بحسب الأخبار و الجمع بينها.

______________________________

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب المياه الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 16

و أمّا أقوال العلماء فذهب الأكثر بل كاد أن يكون إجماعا إلى انفعال الماء القليل بملاقاة مطلق النّجس بل المتنجس و المخالف في ذلك من القدماء الحسن بن أبى عقيل العمّاني و الصدوق في ظاهر كلامه في الفقيه قال في الفقيه: فان دخل رجل الحمّام و لم يكن معه ما يغرف به و يداه قذرتان ضرب يده في الماء و قال: بسم اللّه و هذا ممّا قال اللّه عزّ و جلّ وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1» و كذلك الجنب إذا انتهى الى الماء في الطّريق و لم يكن معه إناء يغرف به و يداه قذرتان يفعل مثل ذلك انتهى و الظّاهر أنّ مستنده هو رواية محمّد بن ميسر المتقدمة «2» فإن قلنا بظهور الرّواية في عدم انفعال الماء القليل بملاقاة المتنجّس كما قوّيناه نقول بظهور كلامه في ذلك و يشهد لذلك استشهاده بالآية فإنه لا يناسب

ذلك كون الماء المفروض كرّا كما لا يخفى. و من المتوسّطين فخر الدين و من المتأخّرين المحدّث الفيض الكاشاني و السّيد عبد اللّه الشوشتري كما ذكر- لك كلّه في مفتاح الكرامة و لكنّ الصّدوق قد خصّ عدم الانفعال بصورة الاضطرار كما يظهر ذلك من قوله و لم يكن معه إناء يغرف به الا أن يقال: انّ هذا القيد لرفع الكراهة و حمل أخبار المنع على الكراهة في صورة الاختيار كما مرّ في رواية محمد بن ميسر ثم انّ مخالفة ابن ابى عقيل و الصّدوق غير ضائر في تحقّق الإجماع لكونهما معلومي النّسب و كذا فخر المحقّقين و الفيض القاساني الّا أن يقال: انّ مستند المجمعين ليس الّا هذه الأخبار و ليس هنا إجماع كاشف قطعي عن قول المعصوم عليه السلام و قد عرفت أنّ الأخبار متعارضة فبعضها دالّ على انفعال الماء القليل و بعضها دالّ على عدم الانفعال.

لكن نقول: انّ أعراض الأصحاب عن أخبار عدم الانفعال يكشف عن عدم حجيّتها و يوجب و ههنا عندنا.

ثم بناء على انفعال الماء القليل كما قوّيناه لا فرق بين أن تكون سطوح الماء متساوية أو مختلفة إذا لم يكن للماء قوّة دافعة فالعالى ينجس بملاقاة النجس لسافله إذا لم يكن له دفع و قوة مثل ما إذا أدخل ابرة نجسة من تحت القربة فإنّه ينجس الماء العالي فيها ايضا و كذا إذا كان الإبريق في أسفله ثقب و اتّصل ماء الإبريق بواسطة الثقب بالأرض النجسة فإنّه ينجس الماء الذي في أعلى الإبريق أيضا و أمّا إذا كان للماء دفع و قوّة فلا ينجس بملاقاة

______________________________

(1)- سورة الحج آية 78.

(2)- جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه الحديث 14

كتاب الطهارة

(للگلبايگاني)، ص: 17

النجس لبعض أجزائه سواء أ كانت السّطوح متساوية أم مختلفة حتّى أنّ السّافل لا ينجس بملاقاة العالي للنجاسة كالفوّارة فالمناط في عدم التنجّس حصول الدّفع و ان كان من مثل السّافل للعالي لا العلوّ فإن العلوّ من حيث هو غير موجب لعدم الانفعال ما لم يكن للماء دفع و قوّة و السّرّ في ذلك هو أنّ سبب التنجّس ليس هو الملاقاة فقط بل السّبب بنظر العرف هو الملاقاة مع حصول السّراية و إذا حصلت الملاقاة و لم تحصل السّراية لا يحكم العرف بالتنجس بمجرد الملاقاة.

و كذا لا فرق بين ورود النّجاسة على الماء و وروده عليها لأنه بعد ما علم أنّ سبب التنجس هو الملاقاة مع السّراية لا يفرق العرف بينهما مع أنّ ملاكهما واحد و هو حصول الملاقاة و السّراية فما ذكره بعض الأعلام- من عدم الدّليل على انفعال القليل بوروده على النّجاسة فإنّ ما دلّ على الانفعال كلّه مورده ورود النّجاسة على الماء- مدفوع بأنّ ذكر مورد ورود النجاسة انّما هو من باب المثال لا الخصوصيّة بقرينة فهم العرف فإنّه إذا ألقيت الأدلّة الدالّة على الانفعال ممّا كانت النجاسة واردة على الماء على العرف لا يفهم العرف منها الخصوصيّة بل يحكمون حكما قطعيّا بأنّ الماء إذا ورد على النّجاسة حكمه أيضا كذلك.

ثم انّ الظّاهر أنه لا خلاف بين العامّة و الخاصّة بأنّ مطلق المياه إذا تغيّر أحد أوصافها الثلاثة أعني الرّيح و اللون و الطعم تنجس سواء أ كان الماء قليلا أم كرّا أم جاريا أم بئرا نعم نسب الى صاحب المدارك الإشكال بالنّسبة إلى اللون لعدم وجوده في الأخبار الصحيحة و لكن النّسبة على خلاف الواقع حيث قال فيها

في كلام له: الأولى نجاسة الماء الجاري باستيلاء النجاسة على أحد أوصافه و المراد بها اللون أو الطّعم أو الرائحة لا مطلق الصّفات كالحرارة و البرودة و هذا مذهب علمائنا كافّة انتهى و هذا الكلام فيه تصريح بخلاف تلك النّسبة.

و كيف كان فمستند نجاسة الماء بتغيّر أحد أوصافه الثلاثة هو الأخبار المستفيضة بل المدّعى تواترها فمنها قوله ص خلق اللّه الماء طهورا لا ينجّسه شي ء إلّا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه «1» و منها صحيحة حريز عن الصّادق عليه السلام قال: كلّما غلب الماء (على) ريح الجيفة فتوضّأ من الماء و اشرب و إذا تغيّر الماء و تغيّر الطّعم فلا توضّأ و لا تشرب «2» و هذه

______________________________

(1)- جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه 9- 1

(2)- جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه 9- 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 18

الرّواية قد دلّت على تنجّس الماء بالرّيح و الطعم و مفهوم قوله: كلّما غلب الماء إلخ أنّه كلّما لم يغلب الماء ريح الجيفة فلا يجوز التوضّؤ و الشّرب منه و لا يكون ذلك الّا بان يغلب ريح الجيفة على الماء لعدم وجود الواسطة بين غلبة الماء على ريح الجيفة و غلبة ريح الجيفة على الماء فح يمكن أن يكون المنطوق هو تغيّر الماء بالرّيح ثم عطف عليه الطّعم فذكر عليه السلام قسمين من أقسام التغيّر في هذه الرواية و هو التغيّر بالريح و الطّعم و لفظ الماء في الرواية مطلق شامل للكرّ و الجاري و ماء الحمّام و غير ذلك.

و منها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت الى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال: ماء البئر واسع

لا يفسده شي ء الّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتّى يذهب الرّيح و يطيب طعمه لأنّ له مادّة «1» و منها ما ذكر فيها اللون مع الرّيح أو اللون فقط كرواية شهاب بن عبد ربّه قال: أتيت أبا عبد اللّه عليه السلام أسأله فابتدأني فقال: ان شئت فاسأل و ان شئت أخبرتك قلت:--- أخبرني قال: جئت لتسألنى عن الغدير يكون في جانبه الجيفة أتوضّأ منه أو لا قال: نعم قال: فتوضّأ من الجانب الآخر الّا أن يغلب على الماء الرّيح فينتن، و جئت لتسأل عن الماء الراكد من الكرّ قال: فما لم يكن فيه تغيّر أو ريح غالبة قلت: فما التغيّر قال: الصّفرة فتوضّأ منه و كلّما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر «2» فان الظاهر من الفقرة الثانية أيضا فرض كون التغيّر بوصف النّجس لا مطلقا و ان لم يذكر شي ء من النّجاسات فيها من الجيفة و غيرها الّا أنّ الفقرة الأولى شاهدة على أنّ فرض التغيّر في الفقرة الثّانية أيضا هو التغّير بالجيفة الّا أنّها مخصوصة بالراكد و نحوه و الأولى مخصوصة بالغدير و يظهر من هذه الرواية التغير باللون ايضا.

و منها رواية العلاء بن فضيل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحياض يبال فيها قال: لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول «3» و مفهومها أنّه إذا غلب لون البول على لون الماء فيه بأس أي ينجس الماء فذكر في هذه الرّواية اللون فقط.

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن الماء النّقيع تبول فيه الدّوابّ

______________________________

(1)- جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 1

(2)- جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب

المياه الحديث 6

(3)- جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 7

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 19

فقال:

ان تغير الماء فلا تتوضّأ منه و كذلك الدّم إذا سال في الماء و أشباهه «1» فانّ تشبيه الدّم بالأبوال ظاهر في كون التغيّر باللون فهذه الرّواية أيضا ممّا يدل على أنّ التغيّر باللون اى بلون النّجاسة يكون منجسا للماء بل نفس ذكر الدّم ظاهر في التغّير اللوني لأنّ الدّم ليس له رائحة منتنة و ان كان له طعم أيضا الّا ان المتبادر منها هو اللون فلا إشكال في اللون أصلا فما قيل من عدم وجود المستند للّون لا وجه له بعد ورود هذه الأخبار.

فتحصّل من جميع الأخبار أنّ الماء مطلقا من أيّ أقسام المياه ينجس بتغيّر أحد أوصافه الثلاثة أعني الرّيح و الطّعم و اللون بالنجس و هل ينجس الماء بتنجس وصفه بغير هذه الثلاثة بأن تغيّر بالثّقل أو الخفّة أو الحرارة أو البرودة و غيرها فيه اشكال لعدم دلالة هذه الأخبار على ذلك نعم في بعض الأخبار ذكر التّغير من غير تقيّد بأحد هذه الأوصاف الثلاثة مثل قوله ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الّا أن يتغير به «2» و غير ذلك.

و لكن يمكن حمله على ما دلّت عليه تلك الأخبار مضافا الى عدم فهم العرف من لفظ التغّير غير التغّير بأحد هذه الأوصاف الثلاثة فينزّل المطلق على المتفاهم العرفي.

(فروع)

(الأوّل)

هل ينجس الماء بتغير أحد أوصافه بالمتنجّس مثل ما إذا تغير لونه أو طعمه بوقوع الدّبس المتنجّس أو تغيّر ريحه بوقوع الدّهن المتنجّس أو الجلاب المتنجس فيه أم لا؟ يمكن أن يقال: انّه يستفاد من الأخبار المتقدّمة أنّه لا بدّ في تنجس الماء بالتغيّر تغيّره بالنجس و

أنّه المتبادر من هذه الأخبار فلا تشمل التغيّر بالمتنجس نعم في بعض الأخبار ما يشمل الفرض مثل صحيحة ابن بزيع ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الّا أن يتغّير «3» فإنّه ليس فيها ذكر النجس بل ذكر لفظ الشي ء الشامل للمتنجّس أيضا الّا أنّ التبادر فيها ابتدائي يدفعه ذيلها عقيب قوله: ريحه أو طعمه فينزح حتّى يذهب الرّيح و يطيب الطعم، فإنّه ظاهر في

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 3- 2

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 3- 2

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 3- 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 20

التنجّس بالنجس فانّ الرّيح المنتنة لا توجد في غير النجس غالبا و كذا الطعم الخبيث لا يحصل من المتنجس فتأمّل.

الفرع (الثاني)

أنّه لا فرق بين ورود النّجس على الماء و ورود الماء على النجس و مورد الأخبار و ان كان هو الأوّل الّا أنّ العرف بعد ما علم أنّ النجس ينجّس الماء القليل لا يفرّق بين المقامين و يعلم أنّ ذكر ورود النجس على الماء من باب المثال لا من باب الخصوصيّة.

(الثالث)

ذكر السيّد الطباطبائي (قدس سره) في العروة الوثقى انّه إذا وقع في الماء دم و شي ء طاهر أحمر فاحمر الماء بالمجموع لم يحكم بالنّجاسة و وجهه ظاهر فانّ السّبب للتغيّر هو المجموع من النجس و الطّاهر فلم يستند التغيّر إلى ملاقاة النجس فقط. و لكن ذكر رحمه اللّه قبله: أنّه إذا تغيّر ريح الماء بالميتة الواقع جزء منها في الماء و جزء منها في الخارج تنجّس الماء و لم يعلم الفرق بين المسألتين فإنّه ان كان كون النجس جزء المستند التّغير يجب الحكم بالنّجاسة في المسألتين و الا فلا نحكم بالنّجاسة في شي ء منهما فإنّه لا فرق بين الرّيح و اللون و لا بين تنجّس الماء بالدّم أو الميتة هذا كلّه فيما إذا تغير أحد أوصاف الماء بملاقاة النجس و أمّا إذا لم يتغيّر فان كان الماء قليلا فقد مرّ البحث فيه و ان كان كرّا لا ينجس و سيأتي الكلام فيه هذا كله في الماء القليل و الجاري.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 21

البحث في ماء الكرّ

و امّا الكرّ فله في الأخبار تحديدان أحدهما بحسب المساحة و الآخر بحسب الوزن أمّا بحسب المساحة ففيها أخبار مختلفة فبعضها يدل على اعتبار بلوغ كلّ من أبعاده الثلاثة الطول و العرض و العمق ثلاثة أشبار و نصف مثل ما رواه في الاستبصار عن الحسن بن صالح الثّوري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا كان الماء في الرّكيّ كرّا لا ينجّسه شي ء قلت:

و كم الكرّ قال: ثلاثة أشبار و نصف طولها في ثلاثة أشبار و نصف عمقها في ثلاثة أشبار و نصف عرضها «1».

و الرّواية و ان كانت ضعيفة السّند الّا أنّ الأصحاب اعتمد و أ عليها و عملوا

بها.

و اشتمالها على ما لم يقل به أحد- و هو اعتبار الكرّية في عدم انفعال ماء البئر- غير ضائر لإمكان حمل هذه الجملة بالخصوص على التقيّة و لا يلزم من ذلك حمل تمام الخبر عليها مع أنّه لا وجه له لعدم اعتبار الكرّية عند العامة في عدم الانفعال بل الماء غير المنفعل عندهم القلّة و القلّتان و عند بعضهم أنّ مطلق المياه لا ينفعل حتّى القليل مضافا الى أنّ الرّكوة بحسب تفسير بعض أهل اللغة هو الحوض الكبير فلا يلزم أن يكون بئرا. و استشكل في الرّواية أيضا بعدم ذكر الطول في نسخ الكافي و انّما ذكر الطول في نسخ الاستبصار فقط فحينئذ ذكر فيها البعد أن برواية الكافي و هو مخالف للإجماع فتسقط الرواية عن الاعتبار و الجواب عنه أوّلا أنّه إذا دار الأمر بين احتمال النقيصة و الزّيادة فاحتمال النقيصة أولى لأنّ النّسيان يصير غالبا سببا للنقيصة لا للزّيادة.

و ثانيا أنّه لو فرض عدم ذكر أحد الأبعاد فلا يضرّ بالمقصود فانّ المراد بالعرض هو السّطح أعم من الطول و العرض لا خصوص العرض المقابل للطّول و يشهد لذلك عدم ذكر الأبعاد الثّلاثة في جميع أخبار الكرّ بحسب تحديده بالمساحة بل ذكر فيها البعدان فقط

______________________________

(1)- جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 22

فيظهر من ذلك أنّ المراد بالعرض هو السّطح الشامل للطول و العرض.

و من روايات الكرّ ما رواه أبو بصير في الصحيح عن الصّادق عليه السلام ايضا--- قال: إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصف (و نصفا خ ل) في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه من الأرض فذلك الكرّ من الماء «1».

و المناقشة فيها

بما مرّ من إهمال ذكر أحد الأبعاد الثلاثة فيها مدفوعة بما عرفت مضافا الى أنه يمكن أن يقال: انّ الأبعاد الثلاثة مذكورة فيها بأن يقال: ثلاثة أشبار و نصف الذي ذكر أوّلا هو البعد الأوّل و في مثله للبعد الثاني و ثلاثة أشبار و نصف الثاني بيان أو بدل لقوله:

في مثله و قوله في عمقه أي ثلاثة أشبار و نصف في عمقه فقوله في عمقه بيان للبعد الثّالث و اكتفى فيه بظهوره من سابقه و هاتان الروايتان هما مستند قول المشهور من اعتبار بلوغ حاصل ضرب كلّ من الأبعاد الثّلاثة في الآخر ثلاثة و أربعين شبرا الّا ثمن شبر.

و قيل: يكفي ستّة و ثلاثون شبرا و مستند هذا القول هو رواية إسماعيل بن جابر قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الماء الذي لا ينجّسه شي ء قال: ذراعان عمقه في ذراع و نصف سعته «2»: بأن يقال: انّه يضرب الذّراعان اللذان هما أربعة أشبار في ذراع و شبر اللذان هما ثلاثة أشبار في ذراع و شبر طولا فيصير مجموع مكسّرة ستة و ثلاثين شبرا.

و لكن لا يخفى أنّ الذّراع أكثر من شبرين فيصير حاصل مضروب الجميع قريبا ممّا قاله المشهور من اعتبار بلوغ مكسرة ثلاثة و أربعين شبرا الّا ثمن شبر فهذه الرواية دلالتها على مذهب المشهور أقوى.

و قيل: يكفى بلوغ حاصل المضروب سبعة و عشرين شبرا و مستنده رواية إسماعيل ابن جابر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الماء الذي لا ينجّسه شي ء فقال: كرّ قلت:

و ما الكرّ قال: ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار «3» قال الصدوق في المجالس: روى أنّ الكرّ هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في

ثلاثة أشبار عمقا «4» و الظاهر أنّ

______________________________

(1)- جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 1

(2)- جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 6

(3)- جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 5

(4)- جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 23

رواية الصّدوق (قدس سره) هي رواية إسماعيل المتقدمة نقلها بالمعنى لا رواية أخرى برأسها و لكن يمكن سقوط لفظ النّصف من هذه الرّواية فيحتمل مطابقتها لقول المشهور فثبت أنّ الأقوى ما عليه المشهور من بلوغ مكسّرة ثلاثة و أربعين شبرا.

هذا كلّه تحديد الكرّ بحسب المساحة و أمّا بحسب الوزن فالأخبار و أقوال العلماء فيه أيضا مختلفة فبعض الأخبار يدلّ على تحديده بحسب الوزن بستمائة رطل مثل صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: و الكرّ ستمائة رطل «1» و بعضها يدلّ على أنّ الكرّ ألف و مائتا رطل مثل مرسلة ابن ابى عمير عنه عليه السلام قال: الكرّ من الماء الذي لا ينجّسه شي ء ألف و مائتا رطل «2» و كيف يمكن التّوفيق بينهما و لكن يمكن أن يقال: انّ طريق الجمع بينهما بعد القطع بأنّ ألفا و مأتي رطل ليس المراد منه الرّطل المكي الذي هو ضعف العراقي لانعقاد الإجماع على خلافه و لأنّه مناف للتحديد بحسب المساحة حتّى على القول باعتبار بلوغها ثلاثة و أربعين شبرا الّا ثمن شبر كما اخترناه- أن يقال: انّ المراد بستمائة رطل في رواية محمّد بن مسلم هو الرطل المكّي و بألف و مأتي رطل في مرسلة ابن أبى عمير هو الرّطل العراقي الذي هو نصف الرّطل المكّي فإنّه لا يمكن حمل الرطل في رواية ابن

أبى عمير على المكّي قطعا لما ذكرناه و لا على المدني الذي هو أكثر من العراقي بمقدار الثلث لمنافاته لرواية محمّد بن مسلم فانّ الرّطل فيها لو حمل على المكّي لا يوافق الألف و مأتي رطل المدني و لمنافاته للتّحديد بالأشبار كما ذكره بعض المحقّقين فإنّ الألف و مأتي رطل المدني أكثر من التحديد بالأشبار بكثير. فتعيّن أنّ المراد بستمائة رطل هو الرّطل المكّي و بألف و مأتي رطل هو العراقي. مضافا الى موافقة ألف و مأتي رطل للتحديد بثلاثة و أربعين شبرا الّا ثمن شبر فإنّه كما قيل قريب من التّحديد المذكور و ان كان لا يبلغ التّحديد المذكور على نحو الدقّة فإنّ الأصل في تحديد الكرّ هو التحديد بالوزن و هو تحديد حقيقي بخلاف الأشبار فإنّها كاشفة عن وجود الكرّ و هي تحديد تقريبي فإنّ الشّارع الحكيم بعد أن لاحظ اختلاف الأشبار في القصر و الطول جعل طريقا للعرف الى الوصول إلى حقيقة الكرّ و لكن راعى فيه الاحتياط فجعل الأكثر طريقا لئلّا يضرّ القصر و الطول في إحراز الكرّية.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب المياه الحديث 4

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 24

هذا في الكر بحسب المساحة و الوزن و أمّا أحكام ماء الكرّ فقد بيّناها في مطاوي بيان أحكام الماء القليل من أنّه لا ينجس بملاقاته للنجس إلّا إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة و ذكرنا أخباره فراجع

البحث في ماء المطر

و امّا ماء المطر فلا ينفعل حال نزوله بملاقاة النجس و يطهّر كلّ ما له قابليّة التطهير بالماء و تدل على ذلك روايات كثيرة.

(منها) مرسلة الكاهلي عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قلت: أمر في الطّريق فيسيل علىّ الميزاب في أوقات أعلم أنّ النّاس وضّاءون قال: قال: لا بأس لا تسأل عنه قلت: و يسيل علىّ من ماء المطر أرى فيه التغيّر و أرى فيه آثار القذر فتقطر القطرات علىّ و ينتضح علىّ و البيت يتوضّأ على سطحه فيكف على ثيابنا قال: ما بذا بأس لا تغسله كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد طهر «1» فإنّها تدلّ على عدم تنجّس ماء المطر بوقوعه على النجس و كونه مطهرا للمتنجّس و لا يمكن أن يكون الماء مطهّرا مع قبوله الانفعال و المراد بماء المطر المفروض في كلام السّائل الماء المجتمع من قطرات المطر لا نفس المطر النّازل من السّماء بدليل أنّه قال أرى فيه التغيّر إلخ فإنّ نفس المطر ما لم يسل على وجه الأرض ليس فيه تغير بل التغير يحصل فيه بسيلانه على وجه الأرض و الظّاهر أنّ المراد بآثار القذر آثار القذارة الظاهرية أي الوسخ و تغير ماء المطر بجريانه على الأرض بوصف المتنجّس لا بوصف النجس فانّ ماء المطر ينجس بتغير أحد أوصافه الثلاثة بملاقاة النجس كسائر المياه و الوضوء بفتح الواو الاستنجاء و الوكوف الرّشح.

و (منها) رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السّماء فتقطر علىّ القطرة قال: ليس به بأس «2».

و (منها) صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في السّطح يبال عليه فيكف فيصيب الثّوب فقال: لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه «3» و غير ذلك من الأخبار

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3- 9- 4

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث

3- 9- 4

(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3- 9- 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 25

الآتية فإنّها تدلّ على عدم انفعال ماء المطر بملاقاته للنّجس ثمّ انّه يشترط في اعتصام ماء المطر عدم انقطاع التّقاطر من السّماء لا لأجل دلالة الأخبار على اعتبار الجريان في عاصميّته لأنّ المراد بالجريان في تلك الأخبار الجريان على وجه الأرض لا الجريان من السّماء كما سيأتي توضيحه. بل لأجل أنّ القدر المتيقّن هو صورة تقاطره من السّماء فما عداه يشكّ في صدق المطر عليه اى بعد انقطاعه يشكّ في أنه عاصم أم لا مضافا الى دعوى الإجماع على اعتبار ذلك.

و هل يعتبر في عاصميّته الجريان على وجه الأرض لو لا المانع أو يكفي مسمّى المطر و إن لم يجر على وجه الأرض فيه وجهان بل قولان و الظاهر هو القول الأوّل و مستنده روايات مستفيضة ذكر فيها الجريان.

(منها) رواية على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثّوب أ يصلّى فيه قبل أن يغسل قال: إذا جرى فيه المطر فلا بأس «1» و ذكر الجريان و ان كان في كلام السائل الا أنّ الامام عليه السلام نبّه بذكره في كلامه ايضا على أنّ مناط عدم البأس هو الجريان و الظاهر أنّ المراد بالجريان الجريان على وجه الأرض لا الجريان من السّماء بقرينة كلمة فيه و الضمير عائد إلى المكان و الجريان في المكان هو الجريان على وجه الأرض و لو كان المراد الجريان من السّماء لقال (ع): إذا جرى عليه المطر مضافا الى أنّ لفظ الجريان غير معلوم الصّدق على الجريان من السّماء بل يطلق عليه

لفظ التقاطر و لفظ المطر مثل قولهم: تقاطر المطر من السّماء أو قولهم أمطرت السّماء و لا يقال:

جرى المطر من السّماء.

و (منها) صحيحة على بن جعفر ايضا عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن البيت يبال على ظهره و يغتسل من الجنابة ثمّ يصيبه المطر أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصّلوة فقال: إذا جرى فلا بأس به.

قال: و سألته عن الرّجل يمرّ في ماء المطر و قد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلّى فيه قبل أن يغسله فقال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلّى فيه و لا بأس به «2» و لكن هذه الرّواية ظاهرة في الجريان من السّماء لأنّ مفروض السّائل و هو الأخذ من ماء المطر و التوضّؤ به

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 7

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 5 و 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 26

انّما يتحقّق فيما إذا جرى على وجه الأرض حتّى يتمكّن من أخذ الماء منه فقيد إذا جرى في الجواب، لا بدّ أن يراد منه الجريان من السّماء الّا أن يقال فيها: ما ذكرناه في الرّواية السّابقة من أنّ هذا القيد انما هو لبيان تحقّق موضوع الحكم مثل أن يقال في السّؤال: إذا كان الرّجل عالما فهل يجب إكرامه فيجاب نعم إذا كان عالما يجب إكرامه فيذكر الشرط المذكور في الجواب تنبيها على أنّه شرط تحقّق الموضوع و هذه الرّواية و ان كان ذيلها مطلقا الّا أنّ قيد إذا جرى في الصّدر كاف للقرينية على عدم إرادة الإطلاق في الذّيل مع أنّ الذّيل له دلالة على تحقّق الجريان لأنّ مفروض السّائل السّؤال عن الرّجل يمرّ

في ماء المطر و هو غير صادق إلّا إذا كان المطر جاريا على وجه الأرض و مع عدم الجريان لا يمرّ في ماء المطر بل يمرّ على الأرض.

و منها روايته الأخرى عن أخيه صلوات اللّه عليه قال: سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب أ يصلّى فيها قبل أن تغسل قال: إذا جرى من ماء المطر فلا بأس يصلى فيه «1» و لكنّ الإنصاف أنّ هذه الرّواية لا دلالة لها على اعتبار الجريان بل الظاهر منها أنّه إذا جرى ما يكف من ماء المطر اى يشترط أن يكون ما يكف من ماء المطر لا من ماء الكنيف و أين هذا من اعتبار الجريان و هذه الأخبار- كما ترى- تدلّ على اعتبار الجريان في مطهّرية المطر و بعض الأخبار المتقدمة «2» ليس فيها قيد الجريان و يمكن الجمع بينهما بأنّ مورد أخبار الجريان هو الكنيف أو المكان المعدّ لتوارد النجاسات و قيد الجريان لا لأجل كونه دخيلا في التّطهير بل لأجل حصول الطهارة لجميع السّطح بواسطة جريان المطر عليه حتّى المكان الذي لم يصبه المطر فإنّه يطهر ايضا بجريان ماء المطر على سطح الأرض و وصوله اليه فلا يمكن الحكم بطهارة السّطح أو بطهارة ما يكف على الثّياب على الإطلاق بل لا بدّ امّا من قيد الجريان حتّى يطهر جميع السّطح و امّا من قيد أنّ كلّ مكان أصابه المطر يطهر فقيد الجريان لدفع هذا الإطلاق لا أنّه شرط في المطهريّة فعلى هذا لا يعتبر في المطهريّة الجريان بل يكفى كون المطر غالبا على النجاسة.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 6

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث

3 و 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 27

البحث في ماء البئر

و أمّا ماء البئر ففيه بحثان الأوّل في مفهوم البئر و معناه لغة أو شرعا قال في المسالك نقلا عن الشهيد: انّها مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعدّاها غالبا و لا يخرج عن مسمّاها عرفا انتهى قلت: الأحكام الثابتة للبئر لا بدّ من إحراز مراد الشّارع من لفظ البئر الواقع في كلامه أمّا بالحقيقة اللغويّة و أصالة عدم النقل عنها في كلام الشارع أو بالحقيقة الشرعيّة ان قلنا بها أو بالإجماع على عدم الفرق بينهما و الا فترتّب الأحكام الشّرعيّة عليها مع عدم إحراز أنّ المراد بالبئر الواقعة في كلام الشارع هي البئر الواقعة في كلامنا و المصطلحة عندنا غير ممكن لاحتمال اختلاف عرفه مع عرفنا.

و لكن الظّاهر أنّ الشّارع ليس له اصطلاح خاصّ بالنّسبة إلى البئر و لا فرق بين المعنى اللغوي و العرفي فيها و معناها العرفي واضح و هو النّابع غير الجاري على وجه الأرض الذي له قعر و هو المرادف لقولنا بالفارسيّة (چاه) و كذا هو مرادف لسائر اللغات المستعملة في هذا المعنى في أيّ لغة كان فليس له اصطلاح خاص في جميع اللغات.

البحث الثّاني في أحكامها

و هل ينفعل ماءها بوقوع النّجس فيها؟ فيه أربعة أقوال (الأوّل) الانفعال مطلقا و هو المشهور بين القدماء (الثاني) عدمه مطلقا و هو المشهور بين المتأخّرين (الثالث) التفصيل بين الكرّ و غيره بعدم الانفعال في الأوّل و الانفعال في الثاني و هو المنقول عن الشّيخ محمّد بن محمّد البصروي من القدماء (الرابع) عدم الانفعال و وجوب نزح المقدّرات تعبّدا نسب ذلك الى العلّامة و الأقوى هو القول الثّاني و يدلّ عليه كثير من الأخبار (منها) صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت الى رجل أسأله

أن يسأل أبا الحسن الرّضا صلوات اللّه عليه فقال: ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الا ان يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه لأنّ له مادّة «1».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 28

و المراد بالواسع الواسع من حيث الحكم يعنى أنّ النّاس في سعة من حيث حكم ماء البئر و هذا نظير قوله عليه السلام: النّاس في سعة ما لا يعلمون و تدلّ على طهارة ماء البئر فإنّ الحكم بنجاستها ضيق على النّاس تنفيه هذه الرواية و قوله: لا يفسده شي ء بيان لقوله واسع و أقوى مصاديق الإفساد النّجاسة و قد نفتها هذه الرواية و قوله: الا أن يتغيّر ريحه إلخ دليل على انحصار الإفساد بما إذا تغير و قوله: لأنّ له مادّة تعليل لقوله واسع اى علّة سعة ماء البئر و عدم فساده بملاقاة النجس هو وجود المادّة العاصمة للماء عن الانفعال و أورد على الاستدلال بالرواية أمور أحدها ما ذكره الشّيخ في الاستبصار من أنّ المراد بأنّه لا يفسده شي ء فسادا لا ينتفع بشي ء منه الّا بعد نزح جميعه الّا ما يغيره انتهى.

أقول: و لنعم ما قال بعض الأعاظم من أنّ طرح الرّواية و ردّ علمها إلى أهلها أولى من إبداء هذا النحو من الاحتمالات العقليّة التي لا يكاد يحتمل المخاطب ارادتها من الرّواية خصوصا في جواب المكاتبة انتهى مع أنّ المعنى الذي ذكره قدّس سرّه مع التغير كذلك فانّ التغير ايضا لا يصير سببا لفساد الماء بحيث لا ينتفع به الّا بعد نزح جميعه بل يكفى النّزح الى أن يذهب التغير فيطهر كما هو ظاهر الرّواية بل صريحها، فعند

ذلك يصير الاستثناء لغوا و هو غير ممكن بالنّسبة إلى كلام الامام عليه السلام مضافا الى أنّ هذا المعنى الذي ذكره مناف لما هو و غيره عليه من وجوب نزح جميع ماء البئر في بعض الموارد مثل ما إذا صبّ في البئر خمر أو أحد الدّماء الثلاثة أو مات فيها إنسان فإنّه (قدس سره) حكم بوجوب نزح الجميع فانحصار الإفساد بالتغيّر لا وجه له حينئذ إلا أن يدّعى بأنّ الحصر إضافي و هو بعيد غايته.

(الثاني) ممّا أورد على المكاتبة أنّ المراد من الإفساد ليس من حيث النجاسة بل الإفساد المنفيّ في الرواية هو الإفساد من حيث القذارة الظّاهريّة أي الوسخ بمعنى ان ماء البئر لا يحتمل و سخابل هو دائما نظيف لأنّ له مادّة و لكن فيه ما لا يخفى فإنّ الإمام عليه السلام ليس من شأنه بيان بعض الأمور العرفيّة التي يعرفها العرف بل من شأنه بيان الأحكام الشّرعية فإن كون ماء البئر بواسطة وجود المادّة لا يحتمل القذارة الظّاهريّة بل و ان صار وسخا يرتفع وسخه بسبب المادّة أمر واضح عند العرف ليس من شأن الإمام بيانه.

الاشكال الثّالث الذي أوردوه على الرواية أنّ سند الرّواية غير سليم فإنّه و ان كان الرّواة كلّهم حتّى محمّد بن إسماعيل بن بزيع موثقين الّا أنّ ابن بزيع قال: كتبت الى رجل

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 29

أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا (ع) و الرّجل الذي كتب اليه ابن بزيع مجهول الحال و ايضا لفظ قال الذي في الرّواية لعلّه كان من كلام ذلك الرّجل لا من كلام الامام عليه السلام فالرواية حينئذ مجهولة و مقطوعة.

و الجواب أنّ الرّواية نقلها ابن بزيع للأصحاب و تلقّاها الأصحاب

بالقبول حتّى أنّ الشيخ مع قوله بنجاسة البئر تلقّاها بالقبول بدليل أنّه أوّلها إلى المعنى الذي ذكره حتّى لا تخالف سائر الأخبار الدالّة على النّجاسة بزعمه و لم يخدش في سندها بل خدش في دلالتها فالظّاهر أنّ ابن بزيع علم أنّ قوله: البئر واسع (إلخ) من كلام الامام عليه السلام امّا لأنّه سمعه من الامام حين سأله ذلك الرّجل و كان ابن بزيع حاضرا في المجلس و لكن كان له مانع من السّؤال من الامام (ع) فكتب الى ذلك الرّجل أن يسأل الإمام (ع) عن حكم ماء البئر فأجاب الامام و سمعه ابن بزيع و إمّا انّ ابن بزيع رأى مكتوب الامام بخطه (ع) فنقل عن الامام (ع) بلفظ قال أو علم أنّ ذلك الرجل الذي قال له هذا الكلام. نقله عن الامام عليه السلام لا انه من قبل نفسه قال هذا الكلام.

و من الاخبار الدالّة على طهارة ماء البئر صحيحة معاوية بن عمّار عن الصّادق عليه السلام قال: سمعته يقول: لا يغسل الثّوب و لا تعاد الصّلوة ممّا وقع في البئر الّا أن ينتن فإن أنتن غسل الثّوب و أعاد الصّلوة و نزحت البئر «1» فإنّ الظّاهر منها أنّ كلّ ميتة وقعت في البئر لا تنجس ماءها إلّا إذا أنتنت فانّ انتان الميتة مستلزم غالبا لتغير الماء فحينئذ يجب نزح ماء البئر الى أن يطيب كما نطقت به الرّواية المتقدّمة.

و (منها) صحيحته الأخرى عنه عليه السلام في الفأرة تقع في البئر فيتوضّأ الرجل و يصلّى و هو لا يعلم (بها خ) أ يعيد الصّلوة و يغسل ثوبه قال: لا يعيد الصلاة و لا يغسل ثوبه «2» و نظيرها بل أظهر منها دلالة موثقة أبان

بن عثمان عنه عليه السلام قال: سئل عن الفأرة تقع في البئر لا يعلم بها إلّا بعد ما يتوضّأ منها إيعاد الوضوء فقال: لا «3» و حمل الفأرة على الفأرة الحية بعيد في الغاية بل لا يحتمله أحد من السّؤال بل المفروض كونها نجسا و السّؤال عن حكم ماء البئر و أبعد منه حمل التوضؤ و الصّلوة على ما

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 5

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه ح 7- 8-

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه ح 7- 8-

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 30

إذا شكّ في كون أحدهما كان قبل وقوع الفأرة فيها أو بعده فإنّ الرّواية و لا سيّما الثّانية كادت تكون صريحة في تأخّر الصّلوة و الوضوء عن وقوعها في البئر.

و منها صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن بئر ماء وقع فيها زبيل (زنبيل) من عذرة رطبة أو يابسة أو زنبيل من سرقين أ يصلح الوضوء منها قال:

لا بأس «1» و الظاهر من لفظ العذرة هو عذرة الإنسان فلا وجه لحمل العذرة على العذرة الطاهرة أو الأعم منها و من النّجسة بل لو حملت على الأعم لدلت على عدم الانفصال ايضا و كذا الظاهر منها اصابة العذرة لماء البئر فلا وجه لحمل الرّواية على ما إذا شك في أصابتها لماء البئر بعد اصابة الزنبيل له.

و منها صحيحة أبي أسامة و أبى يوسف يعقوب بن عثيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا وقع في البئر الطير و الدّجاجة و الفأرة فانزح منها سبع دلاء قلنا: فما تقول في صلوتنا و وضوئنا و ما أصاب ثيابنا فقال:

لا بأس به «2» و دلالتها على طهارة ماء البئر واضحة بل صريحة فالأمر بالنّزح لأجل التنزّه لا لأجل النجاسة.

و منها موثقة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام بئر يستقى منها و يتوضأ به و غسل منه الثّياب و عجن به ثمّ علم أنّه كان فيها ميّت قال (فقال خ ل) لا بأس به و لا يغسل منه الثّوب و لا تعاد منه الصّلوة «3» فإنّ الميّت ظاهر في الميّت النجس دون الطّاهر فانّ الطّاهر ليس موردا للسّؤال.

(هذه) هي الأخبار الدالّة على الطّهارة و فيها إطلاق يشمل الكرّ و ما دونه و هنا أخبار أخر تعارض بظاهرها هذه الروايات (منها) رواية الحسن بن صالح الثوري المتقدّمة «4» في باب الكرّ فانّ فيها التقييد بالكرّ في عدم انفعال ماء البئر و لفظها هكذا: إذا كان الماء في الرّكيّ كرّا لم ينجّسه شي ء فمفهومها إذا لم يكن الماء في الركي كرّا ينجّسه شي ء و هو معارض للروايات المتقدّمة.

و يمكن أن يجاب عن المعارضة بأنّ لفظ الرّكيّ ليس صريحا في البئر فإنّ معنى الرّكيّ

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 5

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 10- 11

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 10- 11

(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب المياه الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 31

كما في القاموس هو الحفرة و فيه ايضا: المركوّ الحوض الكبير فيمكن أن يكون المراد منها في الرّواية هو مطلق الحفرة دون خصوص البئر و ارادة البئر منه في بعض الموارد من باب إطلاق الكلّي على الفرد لا أنّه معناه الحقيقيّ و على فرض كون المراد من الرّكيّ

خصوص البئر في الرّواية لتفسير الرّكيّ بالبئر في كتب اللغويين نقول: بأنّ هذه الرواية يستفاد منها أنّ العاصم لتنجّس البئر هو الكرّيّة و مفهومها عدم وجود العاصم فيما دون الكرّ و سائر الأخبار الدّالّة على عدم انفعال ماء البئر دالة على أنّ العاصم هو وجود المادّة الموجودة فيما دون الكرّ ايضا و دلالة هذه الرّواية على الانفعال بالمفهوم و إطلاق تلك الأخبار منطوق و هو أقوى دلالة من المفهوم فلا يصلح المفهوم لتقييد المنطوق هذا كلّه في بيان الأخبار الدالّة على الطّهارة.

و أمّا الأخبار المتوهّم دلالتها على النّجاسة فهي كثيرة أيضا (منها) رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبت الى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرّضا عليه السلام في البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم أو يسقط فيها شي ء من عذرة كالبعرة و نحوها ما الذي يطهّرها حتّى يحلّ الوضوء منها فوقع عليه السلام بخطّه في كتابي (كتابه خ ل) ينزح دلاء منها «1».

و تقريب الاستدلال بها على النّجاسة هو: انّ السّائل سأل عمّا يطهّر البئر حتّى يحلّ الوضوء منها و يعلم منه أنّ النجاسة كانت مفروغا عنها عنده بوقوع المذكورات في البئر الى أن يتحقّق المطهر و لم يردعه الامام عليه السلام بنفي النّجاسة عن الماء بل أبقاه على اعتقاده فيعلم من ذلك أنّ ماء البئر ينجس بوقوع المذكورات فيها.

و الجواب عن هذه الرواية أنّ ذكر الدلاء بنحو الإهمال و عدم تعيين مقدار النّزح يستكشف منه أنّ الأمر بالنزح لأجل التنزّه لا للوجوب و الّا فلا يصلح ذكر النزح بنحو الإهمال للجواب بعد وضوح أنّه عليه السلام كان في مقام بيان الحكم و بعد ظهور أنّ

السّائل كان جاهلا بالمطهر حتّى سأل- ما الذي يطهّرها فالمراد بما يطهّرها في كلام السّائل ما الذي ترفع قذارتها العرفيّة حتّى يرتفع كراهة الوضوء منها و ان كان حمل جملة حتّى يحل الوضوء منها على ذلك خلاف الظّاهر الّا أنّه لا بدّ من هذا الحمل جمعا بين هذه الرواية و سائر الرّوايات الصريحة

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 6

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 32

في الطّهارة مع أنّ صاحب الكافي بعد نقله لهذه المكاتبة قال بلا فصل: و بهذا الاسناد قال: ماء البئر واسع لا يفسده شي ء الّا أن يتغيّر به «1» فيظهر منه أنّ هذه الرّواية أيضا مكاتبة بنحو مكاتبته السّابقة و يؤيّده أنّ الشيخ (قدس سره) نقلها في التهذيب بسند المكاتبة السّابقة «2» فيحتمل قويّا أنّ الرّوايتين هما مكاتبة واحدة لا مكاتبتان فحينئذ يصلح قوله (ع) ماء البئر واسع (إلخ) ردعا لظاهر قوله: ما الذي يطهّرها و (منها) صحيحة علىّ بن يقطين عن موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن البئر يقع فيها الحمامة و الدّجاجة و الفأرة و الكلب و الهرة فقال يجزيك أن تنزح منها دلاء فإنّ ذلك يطهرها إنشاء اللّه «3» و هذه الرواية أظهر دلالة من سابقتها في دلالتها على تنجّس ماء البئر بوقوع النجس فيها لأنّ السّابقة كانت دلالتها بالتقرير و هذه بتصريح الامام (ع) بأنّ ذلك يطهرها فيعلم منه أنّ الماء صار نجسا بوقوع المذكورات فيها حتّى يطهّره النّزح.

و الجواب في هذه الرواية هو الجواب الذي ذكرناه في تلك الرّواية من أنّ إهمال الدّلاء و عدم ذكر مقدارها مع أنّ بين هذه النجاسات فرقا بينا بحسب الأخبار الواردة في كلّ واحدة منها و

مع أنّه عليه السلام كان في مقام البيان بقرينة قوله (ع): يجزيك يستشعر منه أنّه للتنزّه لا وجوب النزح و يمكن أن يكون قوله (ع) فانّ ذلك يطهرها صدر لأجل التّقية فإنّ العامّة قائلون بنجاسة البئر بوقوع احدى النّجاسات فيها فعبّر (ع) بما يوافق التّقية و أشار الى عدم النجاسة بإهمال الدلاء و الأمر بنزح الدلاء للنظافة.

و منها رواية عمّار الساباطي عن الصادق عليه السلام قال في آخرها: و سئل عن بئر وقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير قال: تنزف كلّها فان غلب عليه الماء فلتنزف يوما الى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما الى الليل و قد طهرت «4».

فانّ قوله: و قد طهرت في ذيلها قد دلّ على أنّ البئر صارت نجسة بوقوع أحد المذكورات فيها و هذه الرّواية أيضا لا تصلح لمعارضة أخبار الطهارة لاشتمالها على ما لم يقل به أحد من الفقهاء

______________________________

(1)- الكافي المجلد 3 الصفحة 5

(2)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 6- 9

(3)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 6- 9

(4)- جامع الأحاديث الباب 19 من أبواب النّجاسات الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 33

و هو وجوب نزح جميع الماء للفأرة و الكلب فإنّ أكثر ما قيل في وقوع الفأرة هو سبع دلاء و في وقوع الكلب أربعون دلوا بل الخنزير أيضا حكمة حكم الكلب عند كثير من الفقهاء و حمل نزح جميع الماء على صورة تغيره بالمذكورات كما فعله الشيخ قده لا يخفى ما فيه ضرورة أنّ التغير ايضا لا يستلزم وجوب نزح جميع الماء بل يكفى نزح مقدار يزول به التغير و كذا في صورة التغير و غلبة

الماء لا معنى للتراوح الى الليل فإنّه إن زال التغيّر قبل الليل طهر و ان لم يزل لا يكفى التّراوح الى الليل بل لا بدّ من النّزح الى أن يزول التغيّر و ان كان الى ليلتين أو ثلاث ليال أو أكثر.

فهذه الرواية غير معمول بها مع أنّها معارضة لسائر الأخبار الواردة في نزح المذكورات و يمكن حمل قوله (ع) و قد طهرت على ما ذكرناه في الروايتين السابقتين من أنّ المراد بالطّهارة رفع القذارة العرفية لا ما يقابل النجاسة و ممّا استدل به على النجاسة صحيحة ابن أبى يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا أتيت البئر و أنت جنب فلم تجد دلوا و لا شيئا تعرف به فتيمم بالصّعيد فانّ ربّ الماء و ربّ الصّعيد واحد و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم ماءهم «1» فانّ جواز التيمّم مع وجود الماء غير ممكن في هذا الفرض إلّا إذا كان وقوع الجنب في البئر مستلزما لنجاسة الماء بان كان بدنه متلطّخا بالمني فيعلم منه تنجّس الماء بملاقاة النجس و ايضا قوله (ع) و لا تفسد على القوم ماءهم ظاهر في الإفساد من حيث النجاسة كما أنّ قوله (ع) في بعض الأخبار المتقدّمة: ماء البئر واسع لا يفسده شي ء «2» ظاهر في عدم الإفساد من حيث النجاسة.

و لكن لا يخفى أنه حينئذ كان التعليل ببطلان غسله أولى من التعليل بإفساد الماء على القوم، لأنّه موهم لجواز الغسل عند عدم إفساد الماء على القوم بأن كانت البئر ملكا له أو لم يكن لأحد فيها حقّ التصرّف فلا بدّ من أن يراد بالإفساد الإفساد من حيث القذارة العرفيّة لا تقذر على القوم مائهم

بأن كان بدنك متلطخا بالمني فتدخل في الماء فيستقذر القوم للماء بمقتضى طبائعهم أو المراد بالإفساد صيرورة الماء ذا وحل اى لا تدخل في البئر فتغير الماء على القوم و تصيّره ذا وحل و هذا الاحتمال الثّاني صادق حتّى مع طهارة البدن و أمّا الإفساد

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمّم الحديث 4

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 34

بمعنى النجاسة فلا يتحقّق مع طهارة البدن مع أنّ الرّواية لها إطلاق يشمل صورة طهارة البدن ايضا فلا بدّ أن يكون المراد بالإفساد فيها هو المعنى الذي ذكرناه اى المعنى الثاني من المعنيين و بهذا ظهر الفرق بين الإفساد هنا و الإفساد في قوله: لا يفسده شي ء.

فان الإفساد هنا ليس بمعنى النّجاسة لما ذكرناه بخلاف الإفساد هناك فإنّه لا بدّ أن يكون بمعنى النجاسة لأن بعد قوله: لا يفسده شي ء قوله: الّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فإنّ تغيّر الرّيح أو الطّعم بغير النّجاسة لا يصير سببا لتنجّس الماء فيعلم أنّ المراد بالإفساد الإفساد من حيث النّجاسة.

و ممّا استدلّ به على النّجاسة صحيحة الفضلاء أعني زرارة و محمّد بن مسلم و أبا بصير قالوا: قلنا له: بئر يتوضّأ منها يجرى البول قريبا منها أ ينجسها قال: فقال ان كانت البئر في أعلى الوادي و الوادي يجري فيه البول من تحتها و كان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ينجّس ذلك شي ء و ان كان أقلّ من ذلك ينجّسها و ان كانت البئر في أسفل الوادي و يمر الماء عليها و كان بين البئر و بينه تسعة أذرع لم ينجّسها و ما كان أقلّ من ذلك

فلا يتوضّأ منه.

قال زرارة: فقلت له: فان كان مجرى البول يلزقها و كان لا يثبت على الأرض فقال: ما لم يكن له قرار فليس به بأس و ان استقرّ منه قليل فإنّه لا يثقب الأرض و لا قعر له حتّى يبلغ البئر و ليس على البئر منه بأس فيتوضّأ منه انّما ذلك إذا استنقع كلّه «1».

و يمكن أن يقال: انّ هذه الرّواية أظهر الرّوايات في دلالتها على نجاسة ماء البئر لأنّ التأويل الذي ذكرناه في قوله (ع): فان ذلك يطهّرها غير متمشّ هنا فانّ التنجيس كالصّريح في المعنى المعروف. و لكن الجواب عن هذه الرواية بأنّ الظاهر أنّ التحديد بعدد معيّن في تباعد النجس عن البئر ليس من باب تشخيص الموضوع بعلم الإمامة فإنّ بيان موضوع الأحكام.

و تشخيصه خصوصا إذا كان من باب الاخبار بالغيب ليس من شأن الإمام عليه السلام بل شأنه بيان الأحكام و تشخيص موضوعاتها موكول الى نظر العرف إلا أن يكون الموضوع من الموضوعات الشّرعيّة فإنّ بيانه موكول حينئذ إلى الشّارع و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل فح يحتمل أن يكون هذا التحديد طريقا الى عدم ملاقاة ما في الكنيف للبئر بأن يكون الشّارع

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب المياه الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 35

لا حظ غلبة الملاقاة عند عدم هذا المقدار من التباعد فجعل هذا المقدار من التباعد طريقا إلى إحراز عدم تحقّق الملاقاة.

و يحتمل أن يكون هذا التحديد إرشادا الى عدم تحقّق الملاقاة عند هذا المقدار من الفصل فعلى كلّ من الاحتمالين لم يعلم أنّ الشّارع جعل هذا التحديد طريقا أو إرشادا الى عدم انفعال ماء البئر بالملاقاة أو بالتغيّر و بعبارة اخرى

أنّ الشّارع جعل هذا النحو طريقا الى عدم تنجّس ماء البئر و أمّا انّ المنجّس هل هو نفس الملاقاة أو مع التغير فلم يعلم من هذا التحديد فيمكن أن يكون قد لاحظ أنّ أقلّ من هذا التحديد ملازم غالبا عند استقرار النجس في محلّه لتغيّر الماء كما يظهر من آخر الحديث فجعل هذا التحديد طريقا و على فرض الإطلاق في الرّواية فلا بدّ من تقييدها برواية الجعفريات مسندا عن الصّادق عن آبائه عن علىّ عليهم السلام أن رجلا أتاه فقال: يا أمير المؤمنين انّ لنا بئرا و هو متوضّؤنا و ربّما عجنّا العجين من مائها و انّ بئر الغائط منها أربعة أذرع و لا نزال نجد رائحة نكرهها من البول و الغائط فقال علىّ عليه السلام: طمّها أو باعد بين الكنيف عنها إذا وجدت ريح العذرة منها «1».

فانّ الظّاهر أنّ ماء البئر تغيّر ريحه بملاقاة الغائط للبئر و سرايته إليها لا بالمجاورة للغائط فانّ المجاورة مع النجس و ان غيّرت ريح الماء ليست منجّسة و أظهر من هذه الرّواية في كونها مقيّدة لإطلاق الرواية المتقدمة ان كان لها إطلاق صحيحة محمّد بن القاسم عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام في البئر يكون بينها و بين الكنيف خمسة أذرع أو أقلّ أو أكثر يتوضّأ منها قال ليس يكره من قرب و لا بعد يتوضّأ منها و يغتسل ما لم يتغيّر الماء «2» فجوّز (ع) الوضوء و الغسل من الماء ما لم يتغيّر و يظهر من هذه الرّواية أنّ مجاورة الكنيف للبئر بأقل من التحديد المذكور في الرّواية السّابقة في ذاتها ليست منجسة و لا مانعة من الوضوء و الغسل و انّما المانع هو ما إذا تغير

الماء بالنّجاسة فيستكشف من هذه الرواية أنّ المانع من الوضوء في الرّواية السّابقة هو تغيّر الماء بالملاقاة و التحديد المذكور فيها طريق غالبيّ إلى تحقّق التغيّر بأقلّ من التحديد المذكور لا أنّ التحديد تعبديّ فبفقدانه يتحقق التنجيس و انّ شكّ في الملاقاة كما لا يخفى.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب المياه الحديث 8

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 36

و ممّا استدلّ على نجاسة ماء البئر بوقوع النجس فيها الأخبار الآمرة «1» بالنّزح بوقوع كلّ واحدة من النجاسات فيها و هي كثيرة جدّا تبلغ أربعين حديثا و لذا ادعى تواترها و تلك الرّوايات فيها الصّحيح و الحسن و الموثّق و لا يجوز طرح جميعها للعلم بصدور كثير منها و الجواب عن تلك الرّوايات أنّ الأمر فيها لا يمكن حمله على الواجب التعبّدي و القول بعدم تنجّس ماء البئر بملاقاته للنجاسة كما عن العلّامة في المنتهى فإنّه خلاف ظاهر الرّوايات فانّ العرف يفهمون من الأمر بالنّزح فيها أنّه مقدمة للغير اى لحصول الطّهارة للبئر أو لحصول النّظافة لها و رفع القذارة الظاهرية عنها.

و ليس النزح مطلوبا بنفسه بل هو مطلوب لغيره فحينئذ هو امّا مقدمة لجواز الوضوء أو الغسل منه شرعا و شرط له و إمّا مقدّمة لحصول النظافة و لكنّ الظاهر هو الثاني للقرائن الخارجيّة و الدّاخلية الدالّة على ذلك دون حصول الطهارة أمّا القرائن الخارجية فهي أخبار الطهارة المتقدّمة و هي كثيرة أيضا و أخبار النّزح و ان كانت ظاهرة في حصول النجاسة الّا أنّ أخبار الطهارة صريحة في الطهارة فلا بدّ من حمل الظاهر على النصّ.

و أمّا القرائن الدّاخليّة فهي القرائن الموجودة في نفس أخبار

النّزح مثل الحكم بصحّة الوضوء من البئر و عدم الأمر بغسل الثّياب إذا توضّأ قبل النّزح ثم تبيّن له أنّ النجس كان واقعا فيها مع الأمر بالنزح في رواية أبي أسامة المتقدّمة و مثل التعارض الواقع بين نفس تلك الأخبار في مقدّرات بعض النجاسات مثل الفأرة فإنّ بعض الأخبار يدلّ على وجوب نزح خمس دلاء «2» و بعضها على وجوب سبع دلاء «3» و مثل هذا التعارض في مقدّرات بعض النجاسات كثير (راجع الباب 10 من أبواب المياه من جامع أحاديث الشيعة.)

و مثل إهمال الدلاء أو توصيفها باليسيرة في بعض أخبار النزح راجع الباب المذكور فإنّها تدل ايضا على عدم الاهتمام بأمر النّزح و من القرائن الدّاخليّة في تلك الأخبار أنّه أمر بالنّزح في بعضها لموت ما ليس له دم سائل كرواية منهال قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: العقرب يخرج من البئر ميتة قال: استق منها عشر دلاء «4» و قارن في بعض تلك الأخبار بالنّزح بين ذي النّفس و غيره مثل صحيحة معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث.

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 14- 35

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 14- 35

(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 14- 35

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 37

عليه السلام عن الفأرة و الوزغة تقع في البئر قال: ينزح منها ثلاث دلاء «1» فهذه القرائن الكثيرة كادت توجب القطع بأنّ الأوامر الواردة في هذه الأخبار ليست على ظواهرها من افادة الوجوب بل هي مقدّمة لحصول النظّافة و على فرض القول بنجاسة البئر في الجملة

فهل يمكن القول بنجاستها مطلقا حتّى ما إذا كانت بمقدار الكرّ أو لا بدّ من قصر الحكم على خصوص القليل منها؟ ظاهر بعض الأخبار الآمرة بالنزح انفعال ماء البئر بملاقاة النجس و لو كان كرّا.

مثل رواية عمرو بن سعيد بن هلال قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة و السّنّور إلى الشاة قال: فقال: كلّ ذلك يقول: سبع دلاء قال: حتّى بلغت الحمار و الجمل فقال: كرّ من ماء «2» فإنّها تدلّ على أنّ الماء الموجود في البئر يكون كرّا أو أكثر حتّى يمكن أن ينزح منها بمقدار الكرّ فتدلّ على تنجّس ماء البئر بوقوع النجس و ان كان و مثل رواية التراوح المتقدمة «3» فإنّها أيضا تدلّ على تنجّس البئر و ان كانت كرّا لفرض كون الماء بمقدار لا يمكن نزح جميعه الّا بالتّراوح و النّزح الى الليل و هذا لا يفرض إلّا في بئر مشتملة على أكرار من الماء دون كرّ واحد فضلا عن أن يكون دون الكرّ إلّا إذا اشتملت على مادة قوية فح يقع التعارض بين الأخبار الدالة على عدم انفعال الماء إذا كان كرّا الشّاملة بإطلاقها للبئر أيضا و بين هذين الخبرين لكنّ التعارض انّما يقع بناء على القول بانفعال ماء البئر.

و أمّا على القول الآخر الذي اخترناه من أنّ الأمر بالنّزح في هذه الروايات للتنزّه و الاستحباب فلا تعارض و يمكن أن يجاب- بناء على القول بالانفعال- بعدم صلاحيّة هذين الخبرين لمعارضة تلك الأخبار فإنّ رواية عمرو بن سعيد مجهولة فانّ عمرو بن سعيد المذكور من أصحاب الباقر عليه السلام و لم يصفوه بمدح و لا قدح و ليس هذا عمرو بن سعيد

بن هلال المدائني الثقة كما توهّم فانّ ذلك من أصحاب الرضا عليه السلام و الرواية الثانية أيضا ضعيفة السّند متروكة الظاهر متهافتة المتن و ليس لنا دليل معتبر يدلّ على انفعال ماء البئر إذا كان كرّا غير هذين الخبرين و قد عرفت حالهما فتبقى أدلّة عدم انفعال الكرّ بلا معارض

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 10- 26

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 10- 26

(3) جامع الأحاديث الباب 19 من أبواب النجاسات الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 38

بالنّسبة إلى البئر و غيرها فإطلاقها أو عمومها شامل للبئر أيضا و لا يفرض مانع لشمولها إلّا أحد أمرين وقوعها في القعر أو وجود المادة لها.

و كلّ واحد منها لا يصلح للمانعية فإنّ الكرّ لا فرق فيه بين وجوده فوق الأرض أو تحتها و وجود المادّة علّة لعدم الانفعال و لا يمكن أن يقال: أن وجود المادّة علّة للانفعال فح لا فرق بحسب إطلاق أدلّة عدم انفعال الكرّ بين البئر و غيرها.

هذا كلّه في صورة عدم تغيّر الماء بوقوع احدى النجاسات في البئر و أمّا إذا تغيّر أحد أوصافه بها فينجس بالاتّفاق من القائلين بنجاسة البئر و القائلين بعدمها و هل يكفي في تطهيره زوال التغيّر بأي نحو كان و لو بصبّ دواء فيه يزيل تغيّره بل و ان زال تغيّره من قبل نفسه أو لا بدّ في إزالة التغيّر من النزح و لا بدّ أوّلا من ذكر الأخبار الواردة في هذه المسألة حتّى يتضح الأمر فنقول: الأخبار في هذه المسألة على ثلاثة أقسام منها ما يدلّ على أنّه لا بدّ أن ينزح حتّى يطيب و هي روايات:

منها صحيحة محمّد بن

إسماعيل بن بزيع المتقدمة «1» و فيها لا يفسده شي ء الّا أن يتغيّر به فينزح حتّى يذهب الرّيح و يطيب طعمه لأنّ له مادّة و منها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّا يقع في الآبار فقال: أمّا الفأرة و أشباهها فينزح منها سبع دلاء الّا أن يتغيّر الماء فينزح حتّى يطيب «2» و منها موثقة سماعة عنه عليه السلام عن الفأرة تقع في البئر أو الطّير فقال: ان أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء الى أن قال:

و ان أنتن حتّى يوجد ريح النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء «3» و منها صحيحة زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الفأرة و السّنّور الى أن قال: و ان تغيّر الماء فخذ منه حتّى يذهب الرّيح «4» و في خبر زرارة فإن غلب الرّيح نزحت حتّى يطيب «5».

و منها ما يدلّ على نزح جميع البئر كخبر معاوية بن عمّار: لا تعاد الصّلوة و لا يغسل الثوب ممّا يقع البئر إلا أن ينتن فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصّلوة و نزحت البئر «6» بناء على دعوى ظهورها في نزح الجميع و مثل رواية أبى خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام سئل في

______________________________

(1)- جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 1

(2)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 18

(3)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 25

(4)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 27- 37- 31

(5)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 27- 37- 31

(6)- جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13-

27- 37- 31

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 39

الفأرة تقع في البئر قال: إذا ماتت و لم تنتن فأربعين دلوا و إذا انتفخت أو نتنت نزح الماء كلّه «1» و مثل رواية منهال المتقدّمة و في آخرها: فان غلب الريح عليها بعد مأة دلو فانزحها كلّها «2» و القسم الثالث من الروايات ما يدل على نزح مائة دلو و فيه خبر واحد و هو خبر منهال المذكور و فيه: و ان كانت جيفة قد أجيفت فاستق منها مأة دلو. الحديث «3».

و يمكن الجمع بين هذه الأخبار بأن يكون نزح الجميع الواقع في خبر منهال محمولا على صورة عدم ارتفاع التغيّر الا بنزح الجميع و يؤيّده ذيل الخبر المذكور فانّ الظاهر من قوله: فان غلب الرّيح إلخ أنّ جميع الماء صار منتنا فح لا يزول نتنه غالبا الّا نزح الجميع و أمّا مأة دلو الواقع في خبر منهال المذكور فغير معمول به عند الأصحاب فالعمل ح با الأخبار الدالّة على وجوب النزح الى أن يطيب الماء اى يرتفع التغيّر.

إذا عرفت ذلك نقول: يظهر من القسم الأوّل من الروايات المتقدّمة أنّ الطيب غاية للنزح لا أنّه علّة له حتّى يقال: انّ العلّة تعمم و تخصّص فحيث انّ علّة النزح هو حصول الطّيب فبأيّ نحو حصل و بأيّ سبب تحقق كفى و لا يلزم أن يكون خصوص النزح فانّ كونه علّة خلاف المتبادر من لفظة حتّى فانّ الظاهر أنّها تفيد الغاية و إذا كانت بمعنى الغاية فليس لها عموم مثل العلّة حتّى يقال: انّها تعمم و تخصّص بل المغيا هو لازم الاتّباع فقط و لو فرض عدم ظهورها في الغاية فليست ظاهرة في العلة أيضا فيحصل الإجمال فيؤخذ بالقدر

المتيقّن من محصّل الطيب و هو النزح بالمقدار المذكور في الروايات و ايضا النزح بحسب المتفاهم العرفي ليس سببا لحصول الطيب، لظهور أن حوضا من الماء إذا صار متغيّرا فالأخذ من مائه لا يصيره طاهرا فلا بدّ من أن يكون الأمر بالنزح في هذه الأخبار لأجل خروج ماء طاهر من المنبع و اختلاطه بالماء المتغيّر حتّى يذهب تغيّره و يصيّره طاهرا و هذا غير ممكن غالبا في زوال التغيّر من قبل نفسه فإنّ أكثر الآبار ما لم يؤخذ من مائها لا يخرج من منبعها شي ء من الماء الطّاهر النظيف إلا شيئا قليلا غير معتدّ به فح لا يحصل الامتزاج بين هذا الماء النجس المتغيّر و بين الماء الطاهر الخارج من المنبع.

نعم إذا فرض أنّه كان ماء البئر قليلا جدّا و صار متغيّرا و صار بحسب بعض العوارض

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 27- 37- 31

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 13- 27- 37- 31

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب المياه الحديث 35

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 40

أو بحسب إتيان بعض الفصول كثيرا بحيث صار غالبا قاهرا على الماء النجس و اختلطا و ذهب التّغير نلتزم بكون ذلك مطهّرا و لا يجب النّزح فالمناط هو ارتفاع التغير و حصول المزج مع الماء الطّاهر فاعتبار النزح في هذه الروّايات باعتبار انه لا يحصل الامتزاج بالماء الطاهر غالبا الّا به نعم لو قلنا بكفاية مطلق الاتّصال بالماء العاصم و لو لم يحصل الامتزاج أمكن القول بكفاية مطلق زوال التغيّر من أىّ سبب حصل مع خروج شي ء من الماء العاصم من المادة

البحث في الماء المستعمل في رفع الخبث

اشارة

هل الماء المستعمل في رفع الخبث طاهر

مطلقا أو نجس مطلقا أو فيه تفصيل بين الغسلة المزيلة للعين أو الغسلة الاولى في البول و غيرها.

نسب القول الأوّل إلى السّيد المرتضى و ابن أبى عقيل لكن الثّاني أعني ابن ابى عقيل قائل بعدم انفعال الماء القليل مطلقا سواء كان واردا أو مورودا عليه و السيّد رحمه اللّه قائل بعدم انفعال القليل إذا كان واردا على النجس لا خصوص الغسالة و علله بأن الماء القليل الوارد إذا تنجّس بوروده على النجس لزم أن لا يكون مطهرا من الخبث أصلا لأنه ماء قليل لاقى نجسا فيعلم منه عدم انفعال الماء الوارد على النجس فظهر عدم صحّة عدّهما من القائلين بطهارة الغسالة فإنّ ابن أبى عقيل قائل بعدم انفعال الماء القليل مطلقا و السيّد قائل بعدم انفعال الماء الوارد و أين قولهما من طهارة ماء الغسالة نعم لازم قول السيّد بعدم نجاسة الماء الوارد عدم نجاسة الغسالة و هو غير القول بطهارة الغسالة.

و استدلّ للقول بنجاسة الغسالة بأمور الأوّل و هو أقواها أدلة انفعال الماء القليل فإنّها بإطلاقها أو عمومها شاملة لماء الغسالة لأنّه ماء قليل لاقى النجس نعم لا بدّ من رفع اليد عن الإطلاق أو العموم بالنّسبة إلى حين الملاقاة قبل الانفعال لتحقّق الإجماع على كون القليل مطهّرا من الخبث و يلزم أن يكون طاهرا الى زوال الخبث بناء على دعوى الإجماع على أنّ الماء النجس لا يرفع حدثا و لا يزيل خبثا الّا أن يدّعى أنّ مورد الإجماع أو القدر المتيقّن منه ما يكون طاهرا قبل ملاقاة المتنجّس اى يشترط أن يكون قبل الملاقاة طاهرا و أمّا اعتبار طهارته حتّى حين الملاقاة فلا إجماع عليه و لا هو مخالف للعقل فإنّه يمكن ان

يكون هذا الماء الذي ينجس بالملاقاة بعد ما كان طاهرا قبل الملاقاة مطهرا للخبث قبل الانفعال بأن ينتقل الخبث من

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 41

المحل الى هذا الماء و يصير الماء حاملا للخبث بعد ما كان المحل حاملا له و العرف يساعد على ذلك أيضا.

الثاني من الأدلّة ما رواه الشّيخ في الخلاف عن العيص بن القاسم قال: سألته عن رجل أصابته قطرة من طست فيه وضوء فقال (ع): ان كان الوضوء من بول أو قذر فليغسل و ان كان وضوئه للصّلوة فلا يضرّه «1» و الظاهر أنّ هذه الرواية نقلها الشيخ (قده) عن كتاب العيص و طريقه الى ذلك الكتاب حسن فلا تكون مرسلة و إضمارها غير ضائر بعد الاطمئنان بأنّ المسئول منه هو الامام عليه السلام و المراد بالوضوء الغسالة و ما روى عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: الماء الذي يغسل به الثّوب أو يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ منه و أشباهه و أمّا الماء الذي يتوضّأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضّأ به «2» الأمر الثالث من الأمور التي استدلّ بها على نجاسة الغسالة دعوى الإجماع على النجاسة كما عن المنتهى و التحرير المعتضدة بالشهرة العظيمة.

و حيث انّا قائلون بالتفصيل بين الغسلة المزيلة للعين و غيرها و الغسلة الاولى و الثانية في البول نذكر أدلة القائلين بالطهارة حتى يتّضح الحال فنقول: استدلّ القائلون بالطهارة بأمور أحدها أصالة الطهارة و فيه أنّ الأصل دليل حيث لا دليل و الدليل هنا موجود كما ذكره القائل بالنجاسة.

و ثانيها ما حكى عن السيّد قده بقوله:

قال النّاصر: لا فرق بين ورود الماء على النجاسة و ورودها عليه ثمّ قال السّيد: و هذه المسألة لا أعرف فيها نصّا و لا قولا صريحا و الشّافعي يفرق بين ورود الماء عليها و ورودها عليه فيعتبر القلّتين في ورود النجاسة على الماء و لا يعتبر ورود الماء على النجاسة الى أن قال: و الذي يقوى في نفسي عاجلا الى أن يقع التأمّل لذلك صحّة ما ذهب إليه الشافعي و الوجه فيه أنّا لو حكمنا بنجاسة القليل الوارد على النجاسة لأدّى ذلك الى أنّ الثّوب لا يطهر إلّا بإيراد كرّ من الماء عليه و ذلك يشقّ انتهى.

و حاصله دعوى الملازمة بين تطهير الثوب و طهارة الماء و لكن الملازمة ممنوعة لأنّ الإجماع الواقع على اعتبار طهارة الماء الذي يغسل به المتنجّس مورده أو القدر المتيقّن منه

______________________________

(1) الخلاف- الطبعة الاولى صفحة 18- المسألة 135

(2) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 42

طهارته قبل الملاقاة مع المتنجّس و أمّا طهارته حتّى حين الملاقاة فلا إجماع عليه فيمكن أن يكون اجتماع النجسين أعني نجاسة الثوب و نجاسة الماء سببا لطهارتهما كما احتمل ذلك في الماء النجس المتمّم كرّا بنجس آخر نعم هذا المعنى مشكل القبول بالنّسبة إلى الغسلة المزيلة للعين أو الغسلة الأولى في البول و لذا اخترنا القول بالنجاسة فيهما.

و الحاصل أنّ الجمع بين أدلّة انفعال الماء القليل و بين أدلة جواز تطهير المتنجّس بالماء القليل إمّا بالالتزام بنجاسة الغسالة بالانفصال بأن يقال بأنّه قبل الانفصال من محلّ المتنجّس طاهر و بالانفصال يصير نجسا فالانفصال صار سببا لتنجّسه و هو بعيد لأنّ الانفصال لا يكون منجّسا و إمّا بأن يقال

بطهارة الغسالة حتّى بعد الانفصال و هو بالنسبة الى غير الغسلة المزيلة و غير الغسلة الاولى في البول لا يبعد الالتزام به و أمّا بالنّسبة إليهما فلا للأخذ بالقدر المتيقّن من المخصّص الخارج عن أدلة انفعال الماء القليل.

أو الالتزام بنجاسة الغسالة حين الملاقاة و بعد الانفصال و لكن يطهر المحل به تعبدا و هو ايضا بعيد و مع ذلك فالأوجه هو الوجه الثاني.

الثالث من أدلة الطهارة أنّه يستفاد من تتبع الأخبار و كثير من الإجماعات أنّ المنجّس لا يطهّر و القول بنجاسة الغسالة خروج عن هذه القاعدة الكليّة فلا بدّ من القول بطهارتها و لا معارض لهذه القاعدة إلّا أدلة انفعال الماء القليل و هي غير شاملة لما نحن فيه لوجود الأدلّة الدالّة على جواز التّطهير بالماء القليل فبضم هذه القاعدة اى أنّ المنجّس لا يطهّر إلى أدلّة جواز التطهير بالقليل- لا مساغ لشمول أدلة انفعال القليل لها و على فرض الشمول يتعارض الدليلان و يتساقطان فالمرجع (ح) هو استصحاب الطهارة.

و لكن قد عرفت وجه الجمع بين أدلّة الانفعال و أدلّة جواز التطهير بالقليل من أنّه لا بدّ من أن نلتزم بأحد أمور ثلاثة إمّا بالالتزام بنجاسة الغسالة بالانفصال و إمّا بالالتزام بنجاستها قبل الانفصال و بعده و لكن يطهر المحل بانفصال الغسالة عنه تعبّدا و إمّا بالالتزام بطهارتها قبل الانفصال و بعده إلا أنّا نلتزم بنجاستها قبل زوال العين لملاقاة الماء القليل للنجاسة.

و هذا الفرض الأوسط لا يلزم منه التطهير بالماء المتنجّس لفرض كون الماء قبل ملاقاته للنجس كان طاهرا و بالملاقاة انتقلت النجاسة من المحل الى الماء فلا يلزم من

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 43

الحكم بنجاسة الغسالة الحكم ببقاء نجاسة المحلّ و

الّا لا يكون الماء القليل مطهّرا و هو خلاف الإجماع.

الرابع من أدلة طهارة الغسالة ما ورد من أمر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بتطهير المسجد من بول الأعرابي بصبّ ذنوب من الماء عليه و من المعلوم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يأمر بطهارة المسجد بما يزيده نجاسة فيلزم أن يكون الماء باقيا على طهارته.

و فيه أوّلا أنّها ضعيفة السّند لأنّ راويها أبو هريرة على ما عن المعتبر و ثانيا يمكن أن يكون الأمر بصبّ ذنوب من الماء بعد زوال عينه بالشمس أو غيرها و الحاصل أنّها قضيّة في واقعة لا يعلم وجهها و الذّنوب هو الدلو.

الخامس ما ورد في غسالة الحمّام من الحكم بطهارتها مثل مرسلة الواسطي عن أبى الحسن صلوات اللّه عليه أنّه سئل عن مجمع الماء في الحمّام من غسالة النّاس قال: لا بأس به «1» و الروايات «2» التي وقع النهى فيها عن الاغتسال بالغسالة محمولة على الكراهة جمعا بينها و بين هذه الرواية الدالّة على الجواز.

و محصّل الكلام منّا في الغسالة انّا تلتزم بطهارة الغسالة في الجملة لا مطلقا و هذه الأدلة الدّالّة على الطهارة أو المدّعى دلالتها لا بدّ من حملها على ما ذكرناه من أنّ المراد غير الغسلة المزيلة للعين أو غير الغسلة الاولى في البول جمعا بينها و بين أدلّة انفعال القليل و غيرها من أدلّة القائلين بالنجاسة ثمّ انّه بناء على نجاسة الغسالة خرج منها ماء الاستنجاء فإنّه ليس بحكم الغسالة إجماعا فإنّه إمّا طاهر كما هو المختار و عليه المشهور أو نجس و لكنّه معفوّ عنه في الصّلوة و غيرها و الدّليل على ذلك أخبار مستفيضة.

منها رواية محمّد بن النعمان

الأحول قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخرج من الخلاء فاستنجى بالماء فيقع ثوبي في الماء الذي استنجيت به فقال: لا بأس به «3».

و منها روايته الأخرى قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: سل عمّا شئت فارتجّت على المسائل فقال: سل مالك فقلت: جعلت فداك الرّجل يستنجى فيقع

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 9

(2) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث

(3) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 15- 16

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 44

ثوبه في الماء الذي يستنجى به فقال: لا بأس فسكت فقال: أو تدري لم صار لا بأس به قلت:

لا و اللّه جعلت فداك قال: انّ الماء أكثر من القذر «1» و يظهر من التعليل الذي يعمّم و يخصّص أنّ علّة عدم انفعال ماء الاستنجاء هو أكثريّة الماء بالنسبة إلى القذر و المراد بالأكثرية ليس الأكثريّة بحسب الوزن أو المساحة كما توهّم و الّا يلزم عدم انفعال القليل إذا كان أكثر من القذر و لو كان القذر كثيرا بل و لو كان واردا على الماء و هذا ممّا لا يلتزم به أحد بل الأكثرية هنا كناية عن غالبيّة الماء و قاهريّته على النجاسة بحيث تصير مغلوبة للماء و مضمحلّة فيه و عموم العلّة يقتضي عدم انفعال مطلق الغسالة و هذا أيضا يؤيّد ما ذكرناه في الغسالة من طهارتها في غير الغسلة المزيلة و غير الغسلة الاولى في البول.

الا أن يخدش في استفادة العلّيّة من هذه الرّواية بأن يقال: أن التعبير ب (لم صار لا بأس به) لا يبعد ظهوره في الحكمة و إذا استظهر منه أنّ الحكمة في عدم انفعال ماء الاستنجاء

أكثرية الماء بالنّسبة إلى القذر لا يمكن تعدّى الحكم عن مورده لأنّ الحكمة منحصرة في موردها لا تتعدّاه و لا أقلّ من الاحتمال فلا يمكن الاستدلال بعموم العلّة مع احتمال كونها حكمة.

و منها رواية الكاهلي عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: أمرّ في الطّريق فيسيل علىّ الميزاب في أوقات أعلم أنّ النّاس يتوضّأون قال: ليس به بأس لا تسأل عنه «2» و المراد بالوضوء الاستنجاء و لكنّ هذه الرواية لا دلالة لها على طهارة ماء الاستنجاء لأنّ الظّاهر من قوله (ع): لا تسأل عنه أنّ السّائل كان شاكّا في أنّ الماء السّائل من الميزاب هل هو ماء الاستنجاء أو غيره و لكن يعلم أنّ هذه الأوقات أوقات استنجاء النّاس فلا تدلّ على طهارة ماء الاستنجاء.

و منها رواية الأحول عنه عليه السلام قال: قلت له: استنجى ثمّ يقع ثوبي فيه و أنا جنب فقال: لا بأس به «3» و الظاهر أنّ قوله: و أنا جنب يكون المراد منه أنّ المحلّ يكون ملوثا بالمني ثمّ أستنجى و أغسل المنى فيقع ثوبي في هذا الماء الذي استنجيت به و غسلت موضع المنى به فقال: لا بأس به.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 15- 16

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3

(3) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 17

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 45

فعلى هذا المعنى الذي تكون الرّواية ظاهرة فيه تدلّ الرّواية على طهارة الغسالة حتّى الغسلة المزيلة للعين من غير الاستنجاء و منها رواية عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أ

ينجّس ذلك ثوبه قال: لا «1» و الظاهر من هذه الأخبار خصوصا الأخيرة منها أنّ ماء الاستنجاء طاهر لا أنّه نجس معفوّ عنه كما توهّم و هل يعمّ الحكم بطهارة ماء الاستنجاء ماء الاستنجاء من البول أيضا أو يختصّ بماء الاستنجاء من الغائط فقط- ربما يقال: انّ الاستنجاء مأخوذ من النجو و هو بمعنى الغائط فلا يقال لغسالة البول: ماء الاستنجاء و لكنّ الظاهر أنّ الاستنجاء بحسب فهم العرف يطلق على الاستنجاء من البول ايضا.

مع أنّ خروج الغائط ملازم غالبا لخروج البول فالاستنجاء من الغائط استنجاء من البول ايضا و لم ينبّه الامام عليه السلام السّائل بأنّ هذا الحكم مختصّ بالاستنجاء من الغائط فترك التفصيل دليل على العموم و لا يمكن حمل كلامه (ع) على صورة عدم خروج البول منه فإنّه حمل على الفرد النّادر.

ثمّ انّ الفقهاء اشترطوا الطهارة ماء الاستنجاء أمورا الأوّل عدم تغيّر الماء بالقذر ففي صورة التغير ينجس لتقدّم أدلّة انفعال الماء بالتغيّر بأحد أوصافه على إطلاق هذه الروايات و إن كانت نسبة هذه الروايات إلى أدلّة الانفعال بالتغيّر عموما من وجه لافتراق هذه الروايات عن أدلّة الانفعال في ماء الاستنجاء غير المتغير و افتراق أدلّة الانفعال عن هذه الروايات في الماء المتغيّر بغير الاستنجاء و اجتماعهما في الماء المتغيّر بالاستنجاء الّا أنّ أدلّة الانفعال بالتغيّر أقوى لدلالتها على انفعال الكرّ و الجاري بالتغيّر فالقليل أولى فتقدّم على إطلاقات أدلّة ماء الاستنجاء.

الثاني عدم وصول نجاسة خارجيّة إلى المحل فإنّه أيضا ليس بطاهر لدلالة أدلّة انفعال مطلق الماء القليل بملاقاة النجس و هذا الماء المستنجي به ليس أقوى اعتصاما من مطلق الماء القليل.

الثالث عدم التعدي من المخرج و المراد منه ان كان التعدّي

إلى شي ء آخر بأن

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 18

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 46

يتعدى الغائط مثلا من المخرج إلى ملابسه أو رجله فلا إشكال في اشتراط هذا الشّرط و إن كان المراد التّعدي إلى أطراف المخرج فلا دليل على اشتراطه بل الإطلاق يدفعه فإنّ الأمزجة بحسب اليبوسة و اللينة مختلفة و لم يفصّل الامام عليه السلام بينهما مع وجود هذا الاختلاف بين الأمزجة فعدم التفصيل دليل على العموم اللّهم الّا أن يكون المراد التعدي إلى أطراف المحل خارجا عن المتعارف.

الرابع أن لا تخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى كالدم و المنى و التحقيق أن يقال: انّه إذا كان بوله أو غائطه دما بحيث يقال: إنّه بال دما أو تغوّط دما يجرى على الماء الذي استنجى به حكم ماء الاستنجاء و ان لم يكن كذلك بان كان الدّم في ضمن بوله أو غائطه فلا يبعد أن يقال بأنّه لا مانع من طهارة الماء (ح) ايضا للإطلاق الذي أشرنا إليه آنفا فانّ وجود الدم مع البول أو الغائط ليس نادرا حتى يقال: انّ الأدلة منصرفة عن الفرد النادر و أمّا المني فقد مر الكلام فيه في ضمن رواية الأحول.

الخامس عدم وجود أجزاء الغائط في الماء و يدلّ على اعتبار هذا الشرط قوله عليه السلام في رواية الأحول المتقدّمة: لأنّ الماء أكثر من القذر «1» و أنّ المراد من هذه الرّواية غالبيّة الماء و قاهريته و مغلوبيّة النجاسة بحيث تصير مضمحلّة عرفا غير مبيّن أجزائها في الماء.

فصل

الماء المستعمل في الوضوء طاهر و مطهّر من الحدث و الخبث و ليس فيه خلاف من العامّة و الخاصّة إلا أبا حنيفة فإنّه قال بنجاسته

نجاسة مغلظة بحيث لا تصحّ الصّلوة معه و الّا تلميذه أبا يوسف فإنّه قال بنجاسة نجاسة مخفّفة و لكن إطلاقات طهارة الماء و طهوريّته حجّة عليهما.

و امّا الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر فيرفع الخبث لأنّه ماء طاهر تشمله إطلاقات أدلّة إزالة النجاسة بالماء القليل و هو إجماعي على الظّاهر و هل يرفع الحدث فيه خلاف فأكثر القدماء على المنع و ظاهر كثير من المتأخّرين على الجواز و استدلّ المانع برواية عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل و قال: الماء الذي يغسل به الثّوب أو يغتسل به الرّجل من الجنابة لا يجوز أن

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 16

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 47

يتوضّأ منه و أشباهه «1».

فإنّ الظّاهر منها أنّ الماء الذي يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يرفع به الحدث ثانيا بل هي صريحة في ذلك و لكن أورد على الاستدلال بالرواية أمران الأوّل من حيث السّند فانّ في السّند أحمد بن هلال الذي ورد فيه عن العسكري صلوات اللّه عليه احذر و الصوفي المتصنع أحمد بن هلال، و رمى بالغلوّ و النصب ايضا و عن العلامة في الخلاصة أنّ روايته غير مقبولة و عن الشيخ في الفهرست أنّه كان غاليا متّهما في دينه.

و لكن يمكن الجواب عن ذلك بأنّه قال النجاشي في حقّه: أنّه صالح الرّواية يعرف منها و ينكر و قد روى فيه ذموم من سيّدنا أبى محمّد العسكري (ع) انتهى. فجعله صالح الرواية و ان كان ذكر بعده: يعرف منها و ينكر فلا يجوز ردّ جميع رواياته و يمكن أن يكون نقله لهذه الرّواية

كان في حال استقامته كما هو الظاهر لأنّه رمى بالوقف فهو في زمان الصادق عليه السلام كان مستقيما ثم انحرف بعد الكاظم عليه السلام و صار واقفيّا أو غيره.

و نقل عن ابن الغضائري أنّه توقّف في حديثه الّا فيما يرويه عنه الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة و عن محمّد بن أبى عمير من كتاب نوادره و هذا لرواية قد رواها عنه الحسن ابن محبوب و الشيخ مع أنّه حكم في الفهرست بأنّه كان غاليا متّهما في دينه حكم في الخلاف بما عليه المشهور من القدماء من عدم جواز رفع الحدث بماء الغسل و استند بهذه الرواية فيظهر منه أنّ الرّواية كانت معتبرة عنده فلا اشكال (ح) في الرواية من حيث السند.

الأمر الثاني في الرواية الاستشكال من حيث الدلالة فقال الفاضل الهمداني قده في طهارته: انّ عدم جواز الاغتسال بالمستعمل في رفع الجنابة الذي دلّت الرواية عليه انّما هو لغلبة اشتمال بدن الجنب على قذر الجنابة لا من حيث رفع حدث الجنابة، و لكنّ الظّاهر أنّ الأمر ليس على ما ذكره قده لأنّ قوله: الماء الذي يغسل به الثوب إلخ نعلم منه علما قطعيّا أنه ليس لخصوص الثوب مدخلية في عدم جواز التوضّؤ بغسالته بل ذكر الثوب من باب المثال فيشمل غسالة كلّ شي ء متنجّس من الجسد و غيره.

فذكر قذر الجنابة ثانيا على ما توهّمه (قده) بعد ذكر الثوب الشامل لقذر الجنابة

______________________________

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المضاف الحديث 13

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 48

بالفرض تكرار فكان ينبغي للإمام أن يذكر بعد الثوب البدن و نحوه بدل ذكر قذر الجنابة الموجب لتوهّم خلاف المقصود.

مع أنّ التعبير بالاغتسال دون الغسل يوجب ظهور الجملة في

الاغتسال لرفع الحدث لا غسل الخبث و الّا كان عليه أن يقول: أو يغسل به الرجل من الجنابة و قيل في عدم دلالة الرواية على ذلك: انّ غسل الثوب لا يلازم نجاسة الثوب فيمكن أن يكون لازالة الوسخ عنه فح يحمل النهي أو النفي في قوله: لا يجوز أن يتوضّأ به و أشباهه على الكراهة أي كراهة التوضّؤ بالماء المستعمل في إزالة الوسخ و المستعمل في رفع الجنابة.

و فيه أنّه خلاف الإجماع للإجماع على عدم كراهة التوضّؤ بالماء المستعمل في إزالة الوسخ و خلاف ما دلّ عليه صدر الرواية من قوله: لا بأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل الشامل بإطلاقه للمستعمل في إزالة الوسخ.

فح تتضمّن الرواية للتناقض مضافا الى أنّه و ان كان غسل الثوب أعم من غسله للنجاسة الا أنّ الغالب غسله من النجاسة فينصرف الإطلاق إلى الفرد الغالب مع أنّ حمل كلمة لا يجوز على الكراهة خلاف المتبادر منها و ممّا استدلّ على عدم جواز استعمال المستعمل في رفع الحديث الأكبر في رفع الحدث صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن ماء الحمّام فقال: ادخله بإزار و لا تغتسل من ماء آخر الّا أن يكون فيه جنب أو يكثر فيه أهله فلا تدري فيه جنب أم لا «1» فانّ الظاهر من قوله الّا أن يكون فيه جنب أنّه لا يجوز الاغتسال (ح) فتدلّ على عدم جواز الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الجنابة و الجواب أنّ صدر الرّواية من قوله ادخله بإزار أنّه في مقام بيان آداب الحمّام و قوله: و لا تغتسل من ماء آخر ليس لبيان عدم جواز الاغتسال بماء آخر قطعا للإجماع على جواز الاغتسال بماء آخر مع

وجود ماء الحمّام.

فالنهي انّما هو لدفع توهّم الخطر من الاغتسال بماء الحمّام كما يظهر هذا التوهّم من كلام السّائل حيث قال: سألته عن ماء الحمّام أو لأولويّة الاغتسال بماء الحمّام مع وجود ماء آخر و قوله: الّا ان يكون فيه جنب معارض للأخبار الكثيرة «2» الدالّة على جواز الاغتسال بماء

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 9

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب المياه الحديث 4 و 5 و 6 و الباب 15 من أبواب المياه الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 49

الحمّام الذي اغتسل منه الجنب و سيجي ء بعضها و لعلّ المراد من ذلك أنّه لا بأس بالاغتسال بماء آخر و لا رجحان للاغتسال بماء الحمام حينئذ أو يكون الأمر المستفاد من قوله: الا أن يكون فيه جنب أمر بالاحتياط الاستحبابي و يؤيّده و كذا يؤيد ما قبله أنّه قال (ع) بعد ذلك: أو يكثر أهله فلا تدري فيه جنب أم لا فانّ احتمال وجود الجنب غير ضائر قطعا.

و ان قلنا بعدم جواز الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر مع أنّ قوله (ع) الّا أن يكون فيه جنب غير صريح في الماء الذي اغتسل فيه الجنب إذ يشمل ما كان فيه جنب و لكن لم يغتسل منه فالنهي لعلّه لقذارة المنى المتلطخ بدنه به.

و ممّا استدلّ به على المنع أيضا صحيحة ابن مسكان قال: حدّثني صاحب لي ثقة أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق و يريد أن يغتسل و ليس معه إناء و الماء في وهدة فإن هو اغتسل به رجع غسله في الماء كيف يصنع قال: ينضح بكفّ بين يديه

و كفا من خلفه و كفا عن يمينه و كفّا عن شماله ثمّ يغتسل «1» فانّ قول السّائل: فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء يظهر منه أنّ ممنوعيّة الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر كان مرتكزا في نفسه و قد قرّره الامام عليه السلام و أمره بصبّ كفّ من الماء من كلّ جانب ليمنع من رجوع الماء إلى الوهدة التي معناها المكان المنخفض من الأرض، و فيه أنّ الرواية لا تدلّ على أنّ المحذور الذي تخيّله السّائل انّما هو الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الجنابة فيمكن أن يكون المحذور هو نجاسة بدن الجنب كما هو الغالب أو اضافة الماء اى صيرورته مضافا برجوع ماء الغسل في الوهدة و اختلاطه بالتّراب أو غير ذلك فليس فيها تصريح أو ظهور في أنّ المحذور الذي تخيّله السّائل و لم يردعه الامام (ع) هو الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الجنابة.

ثمّ انّ صبّ كفّ من الماء من كلّ جانب كيف يصير سببا لعدم رجوع الماء في الوهدة مع أنّه في بعض الأراضي كالأراضي الصلبة يكون بالعكس اى صبّ الماء يصير سببا لسرعة رجوع الماء إلى الأرض المنخفضة فإذا كان مراده (ع) عدم رجوع الماء إلى الوهدة كان اللازم عليه أن يقول: انّه يجمع التّراب حول الوهدة حتّى لا يرجع الماء إليها

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب الغسل الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 50

أو نحو هذا الكلام فالأنسب أن يحمل صبّ كف من كلّ جانب على الاستحباب، كما ورد الأمر به في بعض الأخبار المحمول على الاستحباب مثل رواية الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أتيت ماء فيه قلّة فانضح عن يمينك و

عن يسارك و بين يديك و توضّأ «1».

فإنّ من المعلوم أنّ الأمر هنا ليس للوجوب لأنّه لم يقل به أحد و الحاصل أنّه لم يعلم وجه الأمر بالنضح في كل جانب و هذا الأمر ورد في كثير من الرّوايات كما يجي ء أيضا في الروايات الآتية.

و مما استدلّ على المنع صحيحة محمّد بن مسلم عن الصّادق عليه السلام و قد سئل عن الماء الذي تبول فيه الدواب. و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال: إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شي ء «2».

و لكن الإنصاف أنّ هذه الرواية لا دلالة لها على المنع أصلا فإنّ الظاهر منها أنّ السّائل سأل من جهة النجاسة لا من جهة استعماله في رفع الحدث الأكبر لأنه قرن باغتسال الجنب في الماء بعض الأشياء المنجسة للماء و الجواب ايضا كادان يكون صريحا في ذلك و ممّا استدلّ به على المنع الرّوايات الناهية عن الاغتسال بغسالة ماء الحمّام معلّلا في بعضها «3» بأنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت و هو شرّهم و في بعضها «4» بأنّها مجمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت فيظهر من التعليل الأوّل أنّ إحدى علل النّهى عن الاغتسال بغسالة ماء الحمّام هو اغتسال الجنب من مائه.

و لكن لا يخفى على النّاظر في تلك الأخبار أنّ المستفاد من مجموعها أحد أمرين.

الأوّل أنّ النهى فيها للكراهة لأنّه يغتسل فيها جميع النّاس من أيّ أنواع كانوا من اليهودي و النصراني و المجوسي و الجنب و ولد الزنا و الزّاني و النّاصب فالماء الذي هذا شأنه لا ينبغي الاغتسال به لأنّه مورث لأنواع الأمراض و

يدلّ على أنّ النّهى فيها للكراهة أنّ الامام (ع) بيّن في بعض تلك الأخبار حكمة النّهي عن الاغتسال التي يستفاد منها الكراهة مثل رواية علىّ بن جعفر عن الرضا عليه السلام في حديث قال: من اغتسل من الماء الذي

______________________________

(1) لم أظفر بهذه الرّواية في مظانّها و لم أتذكر من اين نقلنها

(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب المياه الحديث 2

(3) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 11- 12

(4) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 11- 12

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 51

قد اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ الّا نفسه فقلت لأبي الحسن عليه السلام: انّ أهل المدينة يقولون: انّ فيه شفاء من العين فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و النّاصب الذي هو شرّهما و كلّ من خلق اللّه ثم يكون فيه شفاء من العين «1».

الثاني أنّ النهى في هذه الأخبار لأجل نجاسة الغسالة باغتسال هؤلاء الأنجاس فيه و لكن الظاهر هو الوجه الأوّل كما يظهر من الرواية الأخيرة فإنّه (ع) بيّن وجه الحكمة في مرجوحيّة الغسل بمثل هذا الماء بإصابة الجذام فيستفاد منها الكراهة فلم يبق من الأخبار ما يدلّ على المنع إلّا رواية عبد اللّه بن سنان و لكنّها معارضة ببعض الأخبار.

مثل رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الحمّام يغتسل فيه الجنب و غيره اغتسل من مائه قال: نعم لا بأس ان يغتسل منه الجنب و لقد اغتسلت فيه و جئت فغسلت رجليّ و ما غسلتهما إلا ممّا لزق بهما من التّراب «2» فتدلّ صريحا على جواز الاغتسال بالماء الذي اغتسل منه الجنب لكنّ السّائل إمّا أراد بقوله:

الحمّام يغتسل فيه الاغتسال من الحوض الكبير البالغ أضعاف الكرّ و هو بعيد لعدم تداول ذلك في تلك الأزمنة و الأمكنة و امّا أراد الاغتسال من الحياض الصّغيرة بأخذ الماء منها و صبّه على جسده و لكن حيث أنّ الماء الذي اغتسل به ينزو من الأرض و يترشّح فيصيب الماء الذي في الحياض فيصير مستعملا في رفع الحدث الأكبر.

فإن كان مراد السائل هو الفرض الأوّل أي الاغتسال من الحوض الكبير فلا دلالة للرّواية على ما نحن فيه لأنّ كلامنا في الماء القليل و ان كان المراد هو الفرض الثّاني أعني الاغتسال من الحياض الصغار كما هو الظاهر فمن المعلوم أن ورودها لم يكن متعارفا بل غير ممكن فكان الاغتسال بأخذ الماء منها و صبّه على الجسد و نزو الماء و اصابة القطرات من جسد الجنب للحياض الصغار غير ضمائر و إن كان الماء قليلا كما يدلّ عليه بعض الأخبار «3» فضلا عن كون الماء ذا مادّة كما في الحياض الصّغار فهذه الرواية أعني رواية محمّد بن مسلم لا تدلّ على جواز استعمال الماء المستعمل في غسل الجنابة في رفع الحدث و تعارض أيضا رواية عبد اللّه بن

______________________________

(1) وسائل الشيعة الباب 11 من أبواب الماء المضاف الحديث 2

(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 5

(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 52

سنان رواية علىّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام و قال: سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع ما يغتسل منه للجنابة أو يتوضّأ منه للصّلوة إذا كان لا يجد غيره و الماء لا يبلغ صاعا للجنابة و لا مدّا للوضوء و هو متفرّق

فكيف يصنع و هو يتخوّف أن تكون السّباع قد شربت منه.

فقال: ان كانت يده نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه و كفا أمامه و كفّا عن يمينه و كفّا عن شماله فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرّات ثمّ مسح جلده بيده فانّ ذلك يجزيه و ان كان الوضوء غسل وجهه و مسح يده على ذراعيه و رأسه و رجليه و ان كان الماء متفرّقا فقدر أن يجمعه و الّا اغتسل من هذا و من هذا و ان كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه ان يغتسل و يرجع الماء فيه فانّ ذلك يجزيه «1» فانّ قوله فلا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه كالصّريح في جواز الاغتسال بالماء الذي اغتسل به و لكنّ الرواية محمولة على الضرورة كما هي ظاهرة فيها فانّ قوله و ان كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله إلخ كالصريح في أنّ موردها في جواز الاغتسال بالماء الذي رجع من الغسل هو صورة عدم كفاية الماء و لكن يمكن أن يقال: انّه لا ضرورة هنا أي في صورة عدم كفاية الماء لغسله لإمكان الادّهان بهذا الماء الذي لا يكفيه للغسل على النّحو المتعارف فانّ هذا المقام مقام الادّهان فالادّهان يرفع الضرورة إلى استعمال الماء المستعمل فتجويز استعمال هذا الماء المستعمل مع إمكان الادّهان يستلزم تجويزه مطلقا.

مع أنّه قيل بعدم القول بالفصل بين الضّرورة و غيرها فح اى حين تعارض رواية عبد اللّه بن سنان مع هذه الرواية لا بدّ من حمل إحداهما على الأخرى فنقول: انّه يمكن حمل رواية عبد اللّه بن سنان على الكراهة أي

كراهة التوضّؤ بالماء المستعمل في رفع الجنابة بل كراهة رفع الحدث مطلقا بالماء المذكور بقرينة هذه الرواية الصّحيحة الدالّة على الجواز صريحا.

الى هنا انتهت المباحث المتعلّقة بأقسام المياه و أحكام المياه المستعملة في رفع الحدث و الخبث و بقي من أقسام المياه التي لم نتعرّض لأحكامها الماء الجاري و ماء الحمّام و الماء المضاف.

______________________________

(1) جامع الأحاديث باب جملة من آداب الحمّام

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 53

(الماء الجاري)

أمّا الماء الجاري فمجمل الكلام فيه أنّه رافع للحدث و الخبث و لا ينفعل بملاقاة النجس إلّا إذا تغيّر أحد أوصافه الثلاثة و مستند هذه الأحكام بعض الأدلّة المتقدّمة في أقسام المياه من العمومات و الإطلاقات و الروايات الآتية في ماء الحمّام.

و أمّا ماء الحمام فملخص الكلام فيه أنّه إذا كان قليلا و ليس له مادة فحكمه حكم الماء القليل.

و أمّا إذا كانت له مادّة فحكمه حكم الجاري لا ينفعل بملاقاته للنجس إلّا إذا تغيّر أحد أوصافه الثلاثة و يرتفع به الحدث و الخبث و الدليل على ذلك كلّه العمومات و الإطلاقات المتقدّمة و خصوص بعض الروايات الدالّة على عدم انفعاله و أنّه كماء النّهر أو بمنزلة الماء الجاري.

كرواية داود بن سرحان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في ماء الحمّام فقال: هو بمنزلة الماء الجاري «1» و رواية إسماعيل بن جابر عن أبى الحسن عليه السلام قال:

ابتدأني فقال: ماء الحمام لا ينجسه شي ء «2» و رواية حنّان قال: سمعت رجلا يقول لأبي عبد اللّه عليه السلام: انّى أدخل الحمّام في السّحر و فيه الجنب و غير ذلك فأقوم فأغتسل فينتضح علىّ بعد ما أفرغ من مائهم قال: أ ليس هو جار قلت: بلى قال: لا

بأس «3».

و رواية بكر بن حبيب عن أبى جعفر عليه السلام قال: ماء الحمّام لا بأس به إذا كانت له مادّة «4» و رواية ابن أبى يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في حديث: انّ ماء الحمّام كماء النّهر يطهّر بعضه بعضا «5».

و أمّا الماء المضاف فلا يرفع الحدث و الخبث و ينجس بملاقاته للنّجس و لو كان كرّا بل اكرارا و الدليل على ذلك هو الروايات الدالّة على ذلك فمنها رواية زكريّا بن آدم قال:

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 6- 7

(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 6- 7

(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 6- 7

(4) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب المياه الحديث 1- 2- 6- 7

(5) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 11

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 54

سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه مرق و لحم كثير فقال (ع): يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلاب و اللحم اغسله و كله الحديث «1».

و منها رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: انّ أمير المؤمنين عليه السلام قد سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فأره قال: يهراق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل «2» و لكنّ الرّوايتين لا تدلّان على انفعال المضاف من حيث انّه مضاف بل يمكن أن يكون انفعال المرق بوقوع الخمر أو النبيذ أو الفأرة فيه لأجل أنّه ماء قليل أصابته النجاسة لا من جهة أنّه ماء مضاف الّا أن يقال انّ عدم تحمّل المضاف للنجاسة و

تنجّسه بملاقاة النجس له ممّا قام عليه الإجماع فلا بدّ من حمل الروايتين عليه.

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرّجل يكون معه اللبن أ يتوضّأ منه للصّلوة قال: لا انّما هو الماء و الصعيد «3» و أمّا ما روى عن يونس عن ابى الحسن عليه السلام قال: قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد و يتوضّأ به للصّلوة قال: لا بأس بذلك فهو شاذّ غير معمول به فيمكن حمله على التقيّة هذا تمام الكلام في أقسام المياه و أحكامها و الحمد للّه.

المبحث الثاني في الأسئار

و هي جمع السّؤر و هو بقيّة الماء الذي يبقيه الشارب في الإناء أو في الحوض كما في مجمع البحرين ثمّ قال: ثمّ أستعير لبقية الطعام قاله في المغرب و عن الأزهري اتّفق أهل اللغة أنّ سائر الشي ء باقيه قليلا كان أو كثيرا و في ية- سائر مهموز و معناه الباقي لأنّه اسم فاعل من السؤر و هو ما يبقى من الشراب و هذا ممّا يغلط فيه الناس فيضعونه موضع الجميع و قد يقال في تعريفه: السؤر ما باشره جسم حيوان و بمعناه رواية و لعله اصطلاح و عليه حملت الأسئار كسؤر اليهودي و النصراني و غيرهما انتهى كلام صاحب المجمع و حاصله أنّ الأصل في معنى السؤر هو بقيّة الشّراب ثمّ استعمل لبقيّة الطعام ثمّ استعمل في كلّ ما باشره جسم

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب المياه الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب المياه الحديث 2

(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الوضوء الحديث 1- 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 55

حيوان أعم من أن يكون بالشّرب أو الأكل أو غيرهما.

و هذا

المبحث و ان كان داخلا في سائر أبحاث الطهارة من انفعال القليل و عدم انفعال الكثير و تنجّس المضاف بملاقاة النجس و تنجّس كلّ شي ء بملاقاته لشي ء نجس مع رطوبة مسرية و غير ذلك من أبحاث الطهارة الا أنّه حيث وردت أخبار كثيرة في خصوص الأسئار أفرد الفقهاء لها مبحثا على حده بل العامّة أيضا أفردوا لها بابا على حده لورود الروايات من طرقهم ايضا.

و قد اختلفت أقوال العامّة و الخاصّة في الأسئار و اختلاف العامّة أكثر.

فمنهم من ذهب الى أنّ الأسئار كلّها نجسة و منهم الى أنّ الأسئار كلّها طاهرة عدا سؤر الكلب و الخنزير و منهم من فصّل بين مأكول اللحم و غيره فقال بطهارتها في الأوّل دون الثاني و بعضهم قال بالنجاسة الّا أنّه جوز التوضؤ بها الى غير ذلك من أقوالهم و منشأ اختلافهم هو اختلاف ما أدّى اليه نظرهم من الاجتهاد و الأقيسة و أمّا أصحابنا رضوان اللّه عليهم فالمشهور بينهم أنّ سؤر جميع الحيوانات طاهر عدا نجس العين كالكلب و الخنزير و الكافر و قال بعضهم كالشّيخ و الحلّي في السرائر بأنّ سؤر مأكول اللحم طاهر.

و أمّا سؤر غيره فنجس و استثنى الطيور مطلقا و ما يعسر الاجتناب عنه كالسنور و الفأر.

و قال قوم بكراهة سؤر ما كره أكله كالبغال و الحمير و استدلّ من فصّل بين سؤر مأكول اللحم و غيره بمفهوم رواية عمّار بن موسى السّاباطيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عمّا تشرب منه الحمامة فقال: كل ما أكل لحمه فتوضّأ من سؤره و اشرب و عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال: كلّ شي ء من الطّير يتوضّأ ممّا يشرب منه

إلا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا توضّأ منه و لا تشرب «1» فانّ المفهوم من قوله: كلّما أكل لحمه إلخ أنّ كلّما لم يؤكل لحمه فلا تتوضّأ من سؤره و لا تشرب و المستفاد من النهى عن الوضوء و الشرب هو النجاسة لأنّ النهي في أمثال هذه الموارد كناية عن النجاسة كما لا يخفى على من لاحظ نظائرها في الاخبار.

و لكن لا يخفى أنّ مفهوم الوصف ليس بحجّة خصوصا في مثل المقام ممّا وقع جوابا

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 10

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 56

للسّائل فانّ السّائل كان مورد سؤاله بعض أفراد المأكول فأجابه الإمام عليه السلام على النحو الكلي في أفراد المأكول فجوابه (ع) يلزم مطابقته لمورد السّؤال الذي هو المأكول فليس لنحو هذا الوصف مفهوم فإنّه أشبه شي ء بمفهوم اللقب فكأنّ هذا الوصف أخذ موضوعا للحكم.

و على فرض وجود المفهوم له فمفهومه السّالبة الجزئيّة لا السّالبة الكليّة كما ذكرنا ذلك في قوله (ع): إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيى بأنّ مفهومه إذا لم يكن قدر كرّ ينجّسه شي ء من الأشياء على نحو الإهمال لا أنّ مفهومه ينجّسه كلّ شي ء فكذا ههنا فإنّه على فرض تحقّق المفهوم فمفهومه أنّ ما لا يؤكل لحمد ليس حكمه كذلك اى ليس جميع أقسامه مثل مأكول اللحم فيمكن أن يكون ما منع من التوضّؤ بسؤره هو الكلب و الخنزير دون سائر الحيوانات غير مأكولة اللحم و على تقدير تسليم ثبوت الكليّة للمفهوم يعارض هذا المفهوم ما هو أقوى سندا و دلالة و هو ما روى بسند صحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام و قد

سئل عن فضل الهرة و الشاة و البقر و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السّباع فلم يترك السّائل شيئا إلا سأله عنه، فقال لا بأس به، حتى انتهى السائل إلى الكلب فقال (ع): رجس نجس لا تتوضّأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتّراب أوّل مرّة ثم بالماء «1».

و كذا رواية معاوية بن شريح قال: سأل عذافر أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن سؤر السنّور و الشّاة و البقر و البعير و الحمار و الفرس و البغل و السّباع يشرب منه أو يتوضّأ منه قال: نعم اشرب منه و توضّأ منه قال: قلت له: الكلب قال: لا قلت: أ ليس هو سبع قال:

لا و اللّه انّه نجس «2» فإنّه يفهم من السّؤال و الجواب أمران الأوّل أنّ سور السبع طاهر و أنّه كان مرتكزا في ذهنه و أنّه إذا كان الكلب سبعا فلم لا يجوز الشرب و التوضّؤ من سؤره و لم يردعه الامام (ع) عمّا كان في ذهنه بل أجاب (ع) بأنّه ليس بسبع بل الظاهر من الجواب أيضا أنّه إذا كان سبعا كان سؤره طاهرا.

الثاني أنّ علّة عدم جواز شرب سؤره و التوضّؤ به هو نجاسة الكلب فغير المأكول الطاهر لا بدّ أن يكون سؤره طاهرا نعم يستفاد من بعض الأخبار كراهة سؤر غير مأكول اللحم كمرسلة

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 3- 2

(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 3- 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 57

الوشّاء عنه عليه السلام أنّه كان يكره سؤر كلّ شي ء لا يأكل لحمه «1».

و هذه الرواية و ان كانت مرسلة الّا أنّها

كافية في كونها مستندة للكراهة للتّسامح في أدلّة السنن و المكروهات مع أنّه يعضدها مفهوم الرواية المتقدمة التي نفى البأس فيها بالنّسبة إلى المأكول و ألحق المشهور بمكروه اللحم الجلّال و هو المتغذّي بعذرة الإنسان إلى حدّ يحرم لحمد و كذا آكل الجيف بل نقل عن السّيّد و الشيخ و ابن الجنيد بنجاسة سؤر الجلّال و لم يعلم وجهه الّا أن يقال بنجاسة موضع الملاقاة في الجلّال امّا لنجاسة لعابه أو لعدم انفكاك موضع الملاقاة عن التلطّخ بالنجس غالبا أو لنجاسة عرقه كما هو المشهور أو لنجاسة نفس الجلّال كما عن بعض.

لكن لا يخفى ما في الكلّ أمّا الأوّل فهو منتقض ببصاق شارب الخمر فإنّه طاهر و أمّا الثاني فهو مخالف لمفروض المشهور لأنّهم قيّد و إكراهه سؤر الجلّال بخلوّ موضع الملاقاة عن النجاسة فح يصير هذا القول مخالفا للمشهور و كذا بناء على نجاسة عرقه فانّ التلطّخ بالعرق ايضا مخالف لمفروض المشهور المقيّدين له بخلوّ موضع الملاقاة عن النّجاسة.

و أمّا نجاسة الجلّال فهي خلاف ما عليه السيّد و الشيخ و ابن الجنيد من الحكم بطهارته فالقول بنجاسة سؤره ضعيف و أمّا الكراهة فليس لها مستند ايضا سوى مرسلة الوشّاء المتقدّمة بناء على تعميم غير مأكول اللحم الذاتي و العرضي و هو مشكل فانّ المتبادر من غير مأكول اللحم هو الذّاتي و يمكن أن تستفاد الكراهة من رواية العيص الواردة في سؤر الجنب و الحائض و هي ما رواه العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن سؤر الحائض قال: لا توضّأ منه و توضّأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة و تغسل يدها قبل أن تدخلها الإناء «2».

فإنّه يستفاد منها خصوصا

بناء على إسقاط كلمة لا من قوله: لا توضّأ منه كما عن التهذيب و الاستبصار أنها إذا كانت مأمونة فلا بأس بالتوضؤ من سؤرها و مفهومها كراهة التوضؤ أو حرمته إذا لم تكن مأمونة و لا أقلّ من الكراهة فيمكن أن يستشعر منها أنّ العلّة في كراهة التوضّؤ أو حرمته في غير المأمونة هي كونها معرضا لتنجّس سؤرها إذا لم تكن مأمونة

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 13

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الأسئار الحديث 9

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 58

لأنّها لا تبالي من النجس فتستفاد الكليّة من هذه العلّة بأنّ كلّ مورد يكون معرضا لتوارد النجس أو ملاقاته يكره مباشرته و التوضّؤ منه و يستحبّ اجتنابه و لكن استفادة العلية منها مشكلة

المبحث الثالث في الطهارة المائيّة.

اشارة

و هي الوضوء و الغسل و في الوضوء فصلان.

الفصل الأوّل في الأحداث الموجبة للوضوء و الأحداث جمع الحدث و هو بحسب اللغة مطلق ما يحدث بعد ما لم يكن موجودا و في عرف الفقهاء الأشياء الستّة الناقضة للوضوء و قد يطلق على نفس هذه الأشياء و قد يطلق على الحالة الحاصلة للإنسان بعد صدور هذه الأشياء منه.

و كيف كان فهل يكون التقابل بين الطهارة و الحدث من تقابل العدم و الملكة بأن تكون الطهارة أمرا عدميّا و لكن من شأنه الوجود و الحدث أمرا وجوديا أو بالعكس أو من تقابل التضاد بأن كان كلاهما وجودييّن و تظهر الثمرة في الموارد النادرة كما في الإنسان المخلوق السّاعة الذي لم يتحقّق منه حدث فان قلنا: انّ التقابل بينهما من تقابل العدم و الملكة و قلنا بأنّ الطهارة أمر عدمي فلا بدّ لنا من أن نقول: انّ الحدث مانع

للصلاة لأنّه على هذا لا يمكننا أن نقول: انّ الطهارة شرط للصّلوة لأنّه أمر عدمي فح يصحّ من هذا الإنسان الإتيان بالصلاة من دون طهارة لأنّه لم يتحقّق منه الحدث المانع للصّلوة و لكن إذا قلنا بأنّ التقابل بينهما من تقابل التضاد فلا يكفى عدم صدور الحدث منه بل لا بدّ له من الطهارة المائيّة لأنّ الطهارة ح شرط للصلاة كما أنّ الحدث مانع لها.

و يستفاد من الأخبار أنّ الطهارة أمر وجوديّ لأنّه يظهر من غير واحد منها أنّه أطلق على الأحداث الموجبة للوضوء- الناقض فيعلم أنّ الطهارة قابلة لنقض شي ء لها فلا بدّ من كونها أمرا وجوديّا حتّى يصحّ نقض شي ء لها فإنّ الأمر العدمي لا ينقض بشي ء لأنّه عدم محض.

و يعلم ايضا منها أنّ الأحداث من الأمور الوجوديّة فإنّ الأمر العدمي لا يمكن أن يكون ناقضا كما لا يخفى فح يكون التقابل بين الطهارة و الحدث من تقابل التضاد لا تقابل العدم و الملكة.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 59

ثمّ انّ الأحداث النّاقضة للوضوء ستّة كما عن المشهور بل كاد أن يكون إجماعا الأوّل البول الثاني الغائط و يدلّ على كونهما ناقضين أخبار كثيرة فمنها موثقة أو صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام: ما ينقض الوضوء فقالا: ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الذكر و الدّبر من الغائط و البول أو منى أو ريح و النّوم حتّى يذهب العقل الحديث «1».

و منها رواية سالم بن أبى الفضل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين الذين أنعم اللّه بهما عليك «2» و منها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال:

سألته عن الرعاف و الحجامة و كلّ دم سائل فقال: ليس في هذا وضوء انّما الوضوء من طرفيك الأسفلين الذين أنعم اللّه تعالى بهما عليك «3» الى غير ذلك من الأخبار التي سيأتي بعضها.

هل ينقض الوضوء البول أو الغائط الخارج من المحل غير المعتاد أو يختصّ الناقض بخروجه من المحل المعتاد أو يكون غير المعتاد كالمعتاد إذا صار خروج أحدهما منه معتادا فيه وجوه بل أقوال يمكن أن يقال: انّ الأخبار ناظرة إلى بيان ما ينقض الوضوء و ليس لها إطلاق بالنّسبة إلى المحل غير المعتاد بل يمكن دعوى انصرافها الى المحلّ المعتاد لأجل الغلبة لكون الموضع المعتاد من الأفراد الغالبة فلا تحمل الأخبار على الأفراد النادرة كالموضع غير المعتاد مضافا الى التقييد في بعض الأخبار بما يخرج من طرفيك الأسفلين فإنّه ظاهر خصوصا الرواية الاولى من الروايات الثلاث المتقدّمة التي قيّد الأسفلان فيها بالذكر و الدبر في المحل المعتاد.

اللّهم الّا أن يدّعى أنّ التقييد لبيان ما ينقض الوضوء فهو علامة و معرف للنّاقض مثل أن يقال: الذي يرد من هذا الباب هو ابن زيد فانّ العرف لا يفهم من هذا القيد أنّ وروده من هذا الباب له مدخلية في كونه ابن زيد بل يفهم منه أنّ الإتيان بهذا القيد لتعريفه و لكن الظاهر أنّ هذا المورد اى ما نحن فيه ليس من قبيل المثال المذكور فانّ التقييد بما يخرج من الأسفلين و بيان الأسفلين بأنّهما الذكر و الدّبر مع أنّ البول و الغائط معناهما واضح ليس الا للعناية بالخصوص بأن يخرجا من الأسفلين فالخروج من الأسفلين له دخل في ناقضيتهما للوضوء الّا أن يقال: بأنّ العامّة قد عدّوا من النّواقض القي ء و الرعاف و

الحجامة و الفصد و

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 14- 6- 17

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 14- 6- 17

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 14- 6- 17

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 60

البلغم و غير ذلك من الأشياء الكثيرة.

فهذا التقييد لأجل ردّ قولهم و أنّ الناقض هو البول و الغائط و الريح ممّا يخرج من الأسفلين فما يخرج من غير الأسفلين من القي ء و غيره لا ينقض الوضوء فهذا الحصر إضافيّ بالنّسبة إلى أقوال العامّة و يؤيّده ما روى عن العلل عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: انّما وجب الوضوء ممّا خرج من الطرفين خاصّة دون سائر الأشياء لأنّ الطرفين هما طريق النّجاسة و ليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه الّا منهما فأمروا بالطهارة عند ما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم الحديث «1» فيظهر من هذا الحديث أنّ ملاك الأمر بالطهارة إصابة النجاسة من أنفسهم و هذا المعنى يتحقق بإصابة النجاسة للإنسان من الطريق غير المعتاد.

الثالث من النواقض الرّيح سواء أ كان مع الصوت أم بدونه و تدل على ناقضيتها أخبار كثيرة منها رواية زكريا بن آدم قال: سألت الرضا عليه السلام عن النّاصور أ ينقض الوضوء قال: انّما ينقض الوضوء ثلاث: البول و الغائط و الرّيح «2» و منها رواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يوجب الوضوء الا من غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها «3».

و منها رواية معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: انّ الشّيطان ينفخ في دبر الإنسان حتّى يخيّل إليه أنّه

قد خرج منه ريح فلا ينقض الوضوء الّا ريح تسمعها أو تجد ريحها «4» و الظّاهر أنّ مناط كونها ناقضة هو نفس خروجها سواء سمع صوتها أو وجد ريحها أولا.

و التنبيه في بعض هذه الأخبار بسماع صوتها أو وجدان ريحها انّما هو لأجل العلم بخروجها لا انّ لكل واحد من سماع صوتها أو وجدان ريحها دخلا في النّاقضيّة فكلّ واحد منهما علامة لخروجها كما يظهر من بعض الأخبار مثل رواية معاوية بن عمّار المتقدّمة و مثل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه أنّه قال للصّادق عليه السلام: أجد الرّيح في بطني حتّى أظنّ أنّها قد خرجت فقال: ليس عليك وضوء حتّى تسمع الصّوت أو تجد الرّيح ثمّ قال (ع): انّ

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب ما ينقض الوضوء الحديث 17

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2- 1- 19

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2- 1- 19

(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2- 1- 19

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 61

إبليس يجلس بين أليتي الرّجل فيحدث ليشككه «1» فانّ الظاهر من هذين الخبرين أنّ سماع الصوت أو وجدان الرّيح علامة موجبة لحصول العلم بخروجها.

و يدلّ على كون مطلق خروج الرّيح ناقضا سواء سمع صوتها أو وجد ريحها أم لا رواية قرب الاسناد عن علىّ بن جعفر عن أخيه موسى صلوات اللّه عليه قال: و سألته عن رجل يكون في الصّلوة فيعلم أنّ ريحا قد خرجت فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها قال (ع):

يعيد الوضوء و الصّلوة و لا يعتدّ بشي ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقينا «2» الرابع من النواقض النّوم

لا مطلقه بل ما يكون غالبا على السّمع و البصر و مستند ذلك روايات متضافرة.

منها رواية سعد عن الصادق عليه السلام قال: أذنان و عينان تنام العينان و لا تنام الأذنان و ذلك لا ينقض الوضوء فإذا نامت العينان و الأذنان انتقض الوضوء «3».

و منها رواية زرارة أو موثقته قال: قلت له: الرجل ينام و هو على وضوء أ توجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء فقال: يا زرارة قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذن فإذا نامت العين و الاذن و القلب وجب الوضوء الخبر «4».

و منها رواية ابن بكير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ ما يعنى بذلك قال: إذا قمتم من النّوم قلت: ينقض النوم الوضوء فقال: نعم إذا كان يغلب على السمع و لا يسمع الصوت «5» فيظهر من هذه الروايات أنّ مطلق النّوم غير ناقض بل الناقض هو النوم الغالب على السّمع و البصر و عبّر عن هذا المعنى في بعض الروايات بالغالب على القلب أو الذاهب بالعقل مثل قول علىّ عليه السلام في حديث الأربعمأة إذا خالط النوم القلب فقد وجب الوضوء «6» و مثل الرواية المروية عن الرضا عليه السلام و قد سئل عن الرّجل ينام على دابّته فقال: إذا ذهب النّوم خ بالعقل فليعد الوضوء «7» و لكن ليس في بعض الأخبار التّقييد بكونه غالبا على السّمع بل يستفاد منه أنّ مطلق النوم ناقض كرواية عبد الحميد بن العواض عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 20- 21

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 20-

21

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النواقض الحديث 30- 33- 28

(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النواقض الحديث 30- 33- 28

(5) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النواقض الحديث 30- 33- 28

(6) جامع الأحاديث من أبواب نواقض الوضوء الحديث 29- 31

(7) جامع الأحاديث من أبواب نواقض الوضوء الحديث 29- 31

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 62

يقول: من نام و هو راكع أو ساجد أو ماش على أى الحالات فعليه الوضوء «1».

و من البعيد جدّا إمكان المشي مع غلبة النّوم على السّمع و القلب و مثل رواية زرارة عن إحداهما عليهما السلام قال: لا ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك الأسفلين أو النوم «2» و مثل رواية إسحاق بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا ينقض الوضوء إلا حدث و النوم حدث «3» و مثل رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل ينام و هو ساجد قال: ينصرف و يتوضّأ «4».

فليس في هذه الرّوايات التّفصيل بين النّوم الغالب على السّمع بل فيها إطلاق يشمل غير الغالب على السّمع و لكن يمكن الجمع بين هذه الروايات و الروايات المقيّدة بالغالب على السّمع بأن يقال: انّ النوم الحقيقي هو ما غلب على السّمع و القلب.

و أمّا الغالب على العين فقط فليس بنوم لصحّة سلب النّوم عنه و إطلاق النّوم عليه في بعض الأحيان مجاز بالمشارفة لكونه مشرفا على النّوم فالتقييد في تلك الأخبار لبيان حقيقة النّوم لا لإخراج بعض أفراد النوم عن هذا الحكم فلا تنافي الأخبار المطلقة.

الخامس من النّواقض كلّ ما أزال العقل من سكر أو إغماء أو جنون و ادّعى كثير من الفقهاء عليه الإجماع و

ان تردّد فيه صاحب الحدائق (ره) على ما حكى عنه الّا أنّه لم يفت بالخلاف و غيره ايضا لم يفت بالخلاف و غيره ايضا لم يفت بالخلاف و استدلّ على ناقضيتّه بصحيحة معمر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل به علّة لا يقدر على الاضطجاع و الوضوء يشتدّ عليه و هو قاعد مستند بالوسائد فربّما أغفى و هو قاعد على تلك الحال قال: يتوضّأ قلت له: انّ الوضوء يشتدّ عليه لحال علّته فقال: إذا خفي عليه الصّوت فقد وجب عليه الوضوء «5» الخبر.

و الإغفاء و ان فسّر في كتب اللغة بالنّوم الّا أنّ المراد هنا بقرينة شدّة مرضه كما يظهر من قوله: انّ الوضوء يشتدّ عليه لحال علّته هو الإغماء و ايضا قوله (ع) في ذيل الخبر: إذا خفي عليه الصّوت يشمل ما إذا خفي بسبب الإغماء ايضا.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 25- 11

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 25- 11

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 24- 26

(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 24- 26

(5) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 43

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 63

و فيه أنّ الإغفاء كما صرّح هو به بمعنى النّوم و شدّة المرض ليست قرينة لكون الإغفاء بمعنى الإغماء بل الظاهر أنّ المراد أنّه لا يقدر على الاضطجاع لشدّة مرضه فهو متكئ على الوسائد فيغلب عليه النّوم في هذه الحال و هذا المعنى كثير مطّرد بالنّسبة إلى المريض و أمّا قوله: إذا خفي عليه الصّوت إلخ فليس فيه عموم يشمل الإغماء لأنّ الضمير في قوله:

فيه عائد الى الرجل المغفى.

و استدلّ ايضا على ناقضيّة الإغماء و غيره ممّا يزيل العقل بالأخبار الدالّة على وجوب الوضوء بالنّوم الذاهب بالعقل بأن يقال: إنّ علّة وجوب الوضوء بالنّوم الذاهب بالعقل هو زوال العقل فإذا كان زوال العقل بالنّوم موجبا لوجوب الوضوء فزواله بالإغماء و السّكر اولى بإيجابه.

و فيه أنّ تلك الأخبار ناظرة إلى بيان تحديد النّوم الناقض للوضوء و لا يستفاد منها أنّ العلّة التّامّة لوجوب الوضوء هو زوال العقل فيمكن أن يكون زوال العقل المقارن للنّوم موجبا للوضوء لا مطلق زوال العقل نعم القول به موافق للاحتياط.

السّادس من النّواقض الاستحاضة القليلة كما ذكره كثير من من الفقهاء و انّما قيّدوه بالقليلة لأنّ المتوسّطة و الكثيرة موجبتان للغسل ايضا و انّما الكلام في نواقض الوضوء فقط و لكن يرد عليهم أنّ المتوسّطة أيضا موجبة للوضوء فقط في بعض الموارد مثل ما إذا أتت بالغسل الواجب عليها في اليوم أو الليلة مرّة واحدة ثمّ رأت بعد ذلك الدم فإنّه لا يجب عليها لكلّ صلاة الّا الوضوء الى اليوم الآتي أو الليلة الآتية و غير هذه الستّة غير ناقض للوضوء مثل المذي و الوذي و الودي و مسّ الفرج و لمس النّساء و خروج الدّم و القي ء و غير ذلك.

و لكن قد ورد الأمر بالوضوء في بعض هذه الموارد في بعض الأخبار كالمذي فإنّه في كثير من الأخبار قد ورد الأمر بالوضوء فيه أو الحكم بنقض الوضوء بخروجه.

كرواية محمّد بن إسماعيل عن أبى الحسن عليه السلام قال: سألته عن المذي فأمرني بالوضوء منه ثمّ أعدت عليه سنة أخرى فأمرني بالوضوء منه و قال: انّ عليّا عليه السلام أمر المقداد أن يسأل رسول اللّه صلّى اللّه

عليه و آله و استحيي أن يسأله فقال: فيه الوضوء قلت: فان لم أتوضّأ قال: لا بأس به «1» و مثل رواية يعقوب بن يقطين قال: سألت أبا الحسن

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 16

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 64

عليه السلام عن الرجل يمذي و هو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة قال: المذي منه الوضوء «1» و لكن يعارض الروايتين غير واحد من الأخبار الدالة على عدم وجوب اعادة الوضوء بخروج المذي.

منها رواية بريد بن معاوية العجلي قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن المذي فقال: لا ينقض الوضوء و لا يغسل منه ثوب و لا جسد انّما هو بمنزلة المخاط و البصاق «2» و بمضمونها أخبار كثيرة و لذا جمع بينهما بعض العلماء بحمل ما ورد من الأمر فيه بالوضوء على ما إذا خرج بشهوة و ما ورد من عدم نقضه للوضوء على ما إذا خرج بغير شهوة و يدل على هذا الجمع بعض الأخبار منها رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: المذي يخرج من الرجل قال: أحدّ لك فيه حدّا قال: قلت: نعم جعلت فداك قال: ان خرج منك على شهوة فتوضّأ و ان خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء «3».

بل في بعض الأخبار الحكم بنقض الوضوء ان خرج بشهوة و هو رواية على بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن المذي أ ينقض الوضوء قال: ان كان من شهوة نقض «4».

و لكن يعارض هذا التفصيل مضافا الى أنّ المذي هو ما خرج بشهوة و لذّة و أمّا ما خرج بغير شهوة فليس بمذى كما يدلّ عليه

كلام أهل اللغة و يدل عليه بعض الأخبار كرواية ابن رباط عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يخرج من الإحليل المنى و المذي و الودي الى أن قال: و أمّا المذي فهو يخرج من شهوة و لا شي ء فيه «5» مضافا الى ما ذكر إطلاق كثير من الأخبار الدالّة على عدم نقض الوضوء به فإنّه يشمل ما إذا خرج من شهوة و يعارض هذا التفصيل أيضا رواية محمد ابن أبى عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ليس في المذي من الشهوة و لا من الإنعاظ و لا من القبلة و لا من مسّ الفرج و لا من

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 19- (7)

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 19- (7)

(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النواقض الحديث 22

(4) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النواقض الحديث 20

(5) الوسائل الباب 12 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 6

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 65

المضاجعة وضوء الخبر «1».

و رواية عمر بن يزيد قال: اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة و لبست أثوابي و تطيبت فمرت بي وصيفة ففخذت لها فأمذيت أنا و أمنت هي فدخلني من ذلك ضيق فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك فقال: ليس عليك وضوء «2» الخبر.

و من المعلوم أنّ الإمذاء من التفخيذ لا يكون الّا من شهوة فالأولى أن يقال: انّ الأخبار الدالة على نقض الوضوء بالمذي أو الآمرة بالوضوء محمولة على التقيّة لأنّ العامّة يحكمون بنقض الوضوء بخروج المذي أو محمولة على الاستحباب اى استحباب الوضوء بخروج المذي و يشهد للحمل الثاني

رواية محمّد بن إسماعيل المتقدّمة «3» فإنّه عليه السلام بعد ما أمره في السنة الأولى و كذا في السنة الثانية بالوضوء حكم في آخر الرواية بأنّه لا بأس ان لم يتوضّأ فلو كانت الرواية صادرة تقيّة لا يمكن الحكم فيها بأنه لا بأس بأن لم يتوضأ فلا بدّ من أن يكون الأمر فيها و كذا في سائر الأخبار محمولا على الاستحباب.

و كذا الدم فقد ورد الأمر بالوضوء بخروجه في بعض الأخبار.

منها رواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أصابه دم سائل قال: يتوضأ و يعيد و ان لم يكن سائلا توضّأ و بنى الخبر «4».

و منها رواية الحسن بن على ابن بنت الياس قال: سمعته يقول: رأيت أبي (ع) و قدر عف بعد ما توضأ دما سائلا فتوضّأ «5» و لكن يعارض هذين الخبرين أخبار كثيرة منها رواية أبي بصير عن الصّادق عليه السلام قال سألته عن الرعاف و الحجامة و كلّ دم سائل فقال:

ليس في هذا وضوء انّما الوضوء من طرفيك الأسفلين الذين أنعم اللّه بهما عليك «6».

و منها رواية أبي هلال قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: أ ينقض الرعاف و القي ء و نتف الإبط الوضوء فقال: و ما تصنع بهذا هذا قول المغيرة بن سعيد لعن اللّه المغيرة، يجزيك من

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النواقض الحديث 8

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب النواقض الحديث 13

(3) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 16

(4) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 21- 22

(5) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 21- 22

(6) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث

17

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 66

الرعاف و القي ء أن تغسله و لا تعيد الوضوء «1».

و غير ذلك من الأخبار الدالّة على عدم نقض خروج الدّم للوضوء صريحا.

فتحمل الروايتان على أنّ المراد من الوضوء غسل موضع الدّم لا الوضوء بمعنى الطهارة من الحدث أو تحملان على استحباب الوضوء بعد خروج الدم أو على التقيّة و لعلّ الأخير أظهر لحكم كثير من العامّة ببطلان الوضوء بخروج الدم

فصل 2

في أحكام الخلوة و هي أمور الأول يجب ستر العورة من كلّ ناظر محترم سواء أ كان النّاظر مماثلا للمنظور إليه أم غير مماثل حتّى الطفل المميّز و كذا يحرم النظر إلى عورة الغير كذلك فههنا مسئلتان.

الاولى وجوب غضّ البصر عن عورة الغير سواء أ كان مماثلا للمنظور إليه في الذكورة و الأنوثة أم غير مماثل و سواء كان المنظور اليه مكلّفا أم غير مكلّف لكنّه كان مميّزا و الدليل عليه صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا ينظر الرّجل إلى عورة أخيه «2» و الأخ له إطلاق يشمل الطفل المميّز و لكن له ظهور في كون المنظور اليه مسلما لأنّ المسلم أخ المسلم و سيجي ء بعض الأخبار الدالّة على أنّ النّظر إلى عورة الكافر كالنّظر إلى عورة الحمار كمرسلة محمّد بن أبى عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: النظر إلى عورة ما ليس بمسلم مثل النّظر إلى عورة الحمار «3».

المسألة الثّانية وجوب ستر العورة و يدلّ عليه قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ «4» بضميمة مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام حيث سئل عن هذه الآية فقال: كلّ ما كان في كتاب اللّه من ذكر حفظ

الفرج فهو من الزّنا

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب النواقض الحديث 9

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الخلوة الحديث 1

(3) الوسائل الباب 6 من أبواب آداب الحمّام الحديث 5

(4) سورة النور آية 30

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 67

إلّا في هذا الموضع فإنّه للحفظ من أن ينظر اليه «1».

بل يمكن أن يقال: انّ نفس الآية بدون ضمّ الرواية إليها دالّة على وجوب الستر للمقابلة الواقعة بين الأمر بالغضّ و حفظ الفرج حيث انّه يستفاد منها أنّ المراد بذكر حفظ الفرج بعد الأمر بالغضّ الحفظ من النّظر لا من الزنا هذا ما ذكره الأستاذ دام ظلّه و ان كان استفادة ذلك من الآية لا تخلو من اشكال.

و يدلّ على وجوب ستر العورة أيضا كثير من الأخبار منها رواية النعماني عن على عليه السلام في قوله تعالى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ الآية قال: معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكّنه من النّظر الى فرجه الحديث «2» و منها مرسلة حسن بن على بن شعبة في تحف العقول عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: يا علىّ إيّاك و دخول الحمام بغير مئزر ملعون النّاظر و المنظور اليه «3» و منها رواية حمزة بن أحمد عن أبى الحسن الأوّل عليه السلام قال: سألته أو سأله غيري عن الحمّام. فقال: ادخله بمئزر و غضّ بصرك الحديث «4» الى غير ذلك من الأخبار و لكن في بعض الأخبار ما يدلّ على كراهة إبداء العورة كرواية ابن ابى يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته أ يتجرّد الرّجل عند صبّ الماء ترى عورته أو يصبّ عليه الماء أو يرى هو عورة النّاس

قال: كان أبى يكره ذلك من كلّ أحد «5» و رواية الصدوق عنه عليه السلام قال: إنما أكره النظر إلى عورة المسلم الحديث «6» و الرواية الأولى دالة على كراهيّة النظر أيضا الّا أن الروايتين لا تصلحان لمعارضة الروايات الكثيرة فإنّ عمل الأصحاب قد استقر على تلك الروايات فهاتان الروايتان معرض عنهما فلا بدّ من حملهما على التقيّة.

أو يقال: انّ الكراهة هنا ليست بالمعنى المصطلح عند الفقهاء و هو المرجوح مع جواز الارتكاب بل الكراهة هنا بمعنى ممنوع الفعل و مثل هذا الاستعمال في الأخبار كثير.

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الخلوة الحديث 3

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الخلوة الحديث 5

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب الحمّام الحديث 5- 2

(4) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب الحمّام الحديث 5- 2

(5) الوسائل الباب 6 من أبواب آداب الحمّام الحديث 2

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، در يك جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1407 ه ق

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)؛ ص: 67

(6) الوسائل الباب 6 من أبواب آداب الحمّام الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 68

و أمّا تحديد العورة فيظهر من بعض الأخبار أنّها القبل و الدبر فقط دون الفخذ و السّرة و غيرهما كالأليتين و هي رواية بعض الأصحاب عن أبى الحسن الماضي عليه السلام قال:

العورة عورتان القبل و الدبر و الدبر مستور بالأليتين فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة «1» و رواية محمّد بن حكيم قال الميثمي لا أعلمه إلّا قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام أو من رآه متجرّدا و على عورته ثوب فقال: انّ الفخذ ليست من العورة «2» و مرسلة الصّدوق عن الصّادق

عليه السلام قال: الفخذ ليست من العورة «3».

و لكن في بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ ما بين السّرة و الركبة من العورة أيضا و هي رواية بشير النبّال قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحمّام فقال: تريد الحمّام قلت: نعم فأمر بإسخان الماء ثمّ دخل فاتّزر بإزار فغطّى ركبتيه و سرّته الى أن قال: هكذا فافعل و هذه الرواية و ان كانت ظاهرة في ذلك لأنّ الأمر ظاهر في الوجوب الّا أنّها معارضة بالأخبار الدالّة صريحا على أنّ العورة هي القبل و الدبر و أن الفخذ و السّرة ليستا من العورة فلا بدّ من حمل الأمر في هذه الرواية على الاستحباب.

و يظهر من أخبار وجوب الستر و حرمة النظر إلى عورة الغير أن العلة في ذلك هي التحذير عن الوقوع في الحرام كالزنا و اللواط و هذه العلّة موجودة في الطفل المميّز الذي يكون في معرض اللذّة و الشهوة و امّا الطفل غير المميّز فحيث انه ليس في معرض اللذّة و الشهوة لا يحرم النّظر الى عورته.

الثاني من أحكام الخلوة حرمة استقبال القبلة أو استدبارها و علّل هذا الحكم مضافا الى الأخبار الدالّة على ذلك بوجوب احترام القبلة فاستقبالها بالبول و الغائط هتك لها. و لا يخفى أنّ الاحترام و هتكه قد يكون عرفيّا و قد يكون شرعيّا.

فيمكن أن يجعل الشارع شيئا احتراما لشي ء مع أنّه بنظر العرف ليس كذلك فإنّه قد يجعل الشارع شيئا مستحبّا مع أنّه بنظر العرف يكون هتكا مثلا قد جعل الشارع التسمية و كذا ذكر اللّه حين التخلية مستحبّا مع أنّه بنظر العرف لو لا الشرع يكون هتكا فإنّه إذا قيل لأحد: انّى حين الدخول الى بيت التخلية

أذكرك يغضبه ذلك فان كان مراد القائل بأنّ

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الحمّام الحديث 2- 1

(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الحمّام الحديث 2- 1

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب آداب الحمام الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 69

الاستقبال و الاستدبار بالبول و الغائط هتك عرفيّ بالنّسبة إلى القبلة فيمكن الخدشة فيه خصوصا الاستدبار فإنّه ليس بهتك أصلا بنظر العرف و لم يفرق العرف بينهما و بين إخراج الريح في الهتك.

مع أنّه لم يلزم أحد بحرمة إخراج! الريح بحذاء القبلة و ان كان مراده من الاحترام و الهتك الاحترام و الهتك الشّرعيين بأن جعل الشارع الاستقبال و الاستدبار بالبول و الغائط هتكا للقبلة و جعل الانحراف عنها احتراما لها من دون فهم العرف ذلك فالظّاهر أنّه كذلك لكنّه ليس دليلا برأسه بل هو تمسّك بمفاد الأخبار.

ثمّ ان الدليل على حرمة استقبال القبلة و استدبارها بالبول و الغائط أوّلا هو دعوى الإجماع على ذلك فإنّه لم ينقل الخلاف عن أحد الّا من الشّاذ و ثانيا هو الأخبار الدالّة على ذلك فإنّها و إن كانت بين مرفوعة و مرسلة و ضعيفة و لم يكن فيها صحيحة السّند الّا أنّ عمل الأصحاب قد جبرها فإنّ الأصحاب على الظاهر قد اعتمد و أعلى هذه الأخبار فيما أفتوا به لا على الدليل المتقدم و لا على غيره فعملهم جابر لضعف هذه الأخبار.

فمن الأخبار رواية محمّد بن يعقوب الكليني عن علىّ بن إبراهيم قال: خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد اللّه عليه السلام: و أبو الحسن موسى عليه السلام قائم فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم فقال: اجتنب أفنية المساجد و شطوط الأنهار و

مساقط الثّمار و منازل النزّال و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول و ارفع ثوبك وضع حيث شئت «1» و منها ما رواه عن الحسين بن زيد عن الصّادق عليه السلام عن آبائه عن النبيّ صلوات اللّه عليهم أجمعين أنّه قال في حديث المناهي الطويل: إذا دخلتم الغائط فتجنّبوا القبلة «2».

و عن الفقيه أنه قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن استقبال القبلة ببول أو غائط «3».

و منها خبر عيسى بن عبد اللّه الهاشمي عن أبيه عن جعدة عن علىّ عليه السلام

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التخلّي الحديث 2

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الخلوة الحديث 2- 3

(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الخلوة الحديث 2- 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 70

قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لكن شرّقوا أو غرّبوا «1».

و لا فرق في حرمة الاستقبال و الاستدبار بالبول و الغائط بين كونه جالسا حين التخلّي أو قائما أو نائما مضطجعا أو مستلقيا لإطلاق هذه الأخبار و هل يحرم الاستقبال و الاستدبار في حال الاستنجاء أيضا أم لا يمكن أن يقال: انّه يستفاد من بعض هذه الأخبار أنّ المنهيّ عنه هو الاستقبال و الاستدبار بالبول و الغائط كما صرّحت بذلك رواية الفقيه و بعض الأخبار كرواية عيسى بن عبد اللّه المتقدّمة و ان لم يكن فيه تقييد بالبول و الغائط الّا أنّه يمكن حمله على ذلك بقرينة رواية الفقيه.

و هل تشمل هذه الأخبار ما إذا جلس في مقابل القبلة و لكن وجّه عورته الى غيرها حال التخلّي و كذا العكس بأن كان مقاديم بدنه الى

غيرها و لكن وجّه بعورته حين التّخلّي إليها يمكن دعوى ظهور هذه الأخبار في حرمة الاستقبال بالبول و الغائط بأن كان خروج البول و الغائط إلى جهة القبلة لا حرمة الجلوس حذائها و إن كان البول أو الغائط الى غير جهة القبلة.

و ربّما يستظهر ذلك من رواية محمد بن إسماعيل قال: دخلت على أبى الحسن الرضا عليه السلام و في منزله كنيف مستقبل القبلة و سمعته يقول: من بال حذاء القبلة ثمّ ذكر فانحرف عنها أجلا لا للقبلة و تعظيما لها لم يقم من مقعده ذلك حتّى يغفر له «2» و يستفاد من هذه الرواية أن بناء الكنيف حذاء القبلة جائز و يلزمه جواز الجلوس إلى القبلة و لكن ينحرف بعورته عنها حين التّخلّي لكنّ الأحوط ترك ذلك.

الثالث من أحكام الخلوة وجوب إزالة النجاسة اى البول و الغائط وجوبا شرطيّا للصلاة و الطواف مثلا أمّا البول فيجب غسله بالماء و لا يجزى غيره و تدلّ على ذلك بعد دعوى الإجماع كما ادّعاه غير واحد أخبار.

منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة الّا بطهور الى أن قال: و أمّا

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الخلوة الحديث 5

(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب التخلّي الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 71

البول فلا بدّ من غسله «1».

و منها رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الوضوء الذي افترضه اللّه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال قال: يغسل ذكره و يذهب الغائط ثم يتوضّأ مرّتين مرّتين «2» فانّ المتبادر من الغسل هو الغسل بالماء بل لا يطلق الغسل على الإذهاب بغير الماء.

و منها رواية بريد بن معاوية

عن أبي جعفر عليه السلام انّه قال: يجزى من الغائط المسح بالأحجار و لا يجزى من البول الا الماء «3».

و هل يكفى غسله مرّة واحدة أو لا بدّ من غسله مرتين المشهور هو الأول لإطلاق الأخبار و عدم تقييده بالمرّتين فيها مع أنّها في مقام البيان و قوله (ع) في رواية يونس بن يعقوب المتقدّمة: مرّتين مرّتين الظاهر أنّه قيد للوضوء لا غسل الذكر و يمكن أن يكون المراد منه الإسباغ في الوضوء.

و أمّا رواية محمّد بن إدريس الحلّي عن كتاب نوادر أحمد بن محمد بن أبى نصر البزنطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صبّ عليه الماء مرّتين «4» فلا تفيد التقييد في الروايات السابقة كما قيل لأنّ الظاهر من قوله: يصيب الجسد اصابة البول للجسد من الخارج لأنّ لفظ الإصابة ظاهر في ذلك إذ خروج البول من الموضع لا تطلق عليه الإصابة فح يختصّ الحكم بوجوب المرّتين بغير محلّ البول و امّا الغائط فيجزي في تطهير المحلّ منه غسله بالماء و تطهيره بالأحجار أيضا و يدلّ على ذلك كثير من الأخبار.

و منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن التمسّح بالأحجار فقال كان الحسين بن علىّ عليهما السلام يمسح بثلاثة أحجار «5».

و منها رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجزى من الغائط التمسّح

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلّي الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 17 من أبواب الوضوء الحديث 22

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب آداب التخلّي الحديث 7

(4) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام الخلوة

(5) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلّي الحديث 15

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 72

بالأحجار و لا

يجزى من البول الّا الماء «1» و منها رواية زرارة عنه عليه السلام قال: جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله و يجوز أن يمسح رجليه و لا يغسلهما «2».

أقول: العجان مثل كتاب- كما في المصباح- ما بين الخصية و حلقة الدّبر و المراد أنّه يجزى مسحه بالأحجار و لا يجب غسله لا أنّه لا يجوز غسله ضرورة أنّ الأصل في المطهّرات هو التطهير بالماء و قوله: و يجوز أن يمسح رجليه إلخ يمكن أن يكون المراد منه التنظير اى كما أنّ الأرض تطهر باطن القدمين بالمشي عليها و لا يجب غسلهما كذلك موضع الغائط لا يجب غسله و يكفي في تطهيره إزالة النجاسة بالأحجار و أمّا إذا كان المراد منه أنّ الأحجار تطهر الرجلين إذا تنجّستا بتعدّي النّجاسة إليهما فهو مخالف للإجماع.

و منها رواية بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: جرت السنّة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار و يتبع بالماء «3».

و يستفاد من هذه الرواية أنّه لا بدّ في الأحجار من أن تكون أبكارا أي لم تستعمل بعد في الاستنجاء و الرواية و إن كانت مرسلة الا أنّ الأصحاب قد عملوا بها و أفتوا بمضمونها و المراد بالبكارة ان كان عدم مسبوقية الاستعمال في استنجاء آخر أصلا كما ذكرناه سواء أ كان في استنجاء نفسه أم غيره و سواء أ كان قد طهّرها بعد الاستنجاء أم استنجى بالموضع الطاهر منها أو كسر موضع الاستنجاء الأوّل منها و استنجى بالباقي منها أم لا فالظاهر عدم اعتبار البكارة فيها بهذا المعنى و لا أظنّ أنّ أحدا من الفقهاء قال بذلك.

و ان كان المراد بالبكارة المذكورة في هذه

الرواية و في كلام الأصحاب كونها طاهرة سواء أ كانت غير مستنجى بها أو استنجى بالموضع الطاهر منها أو كسر موضع الاستنجاء الأوّل منها و استنجى بالباقي أو استنجى بها بعد تطهيرها فالظاهر اعتبار البكارة بهذا المعنى لأنّه لم يعهد في الشرع تطهير المتنجّس أو النجس للشي ء المتنجس نعم يمكن أن يقال بكفاية طهارة الموضع الذي يريد الاستنجاء به من الحجر و لا يجب طهارة جميعه فإنّ الرواية مع فرض اعتبارها لا يستفاد منها التعبد المحض بل المستفاد منها ما هو المغروس في أذهان

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلّي الحديث 8- 3

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلّي الحديث 8- 3

(3) الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 73

العرف من أنّ المطهر لا بدّ من أن يكون طاهرا و يستفاد من ذيل الرواية أنّه يعتبر أن يتبع الاستجمار بالماء و ظاهره الوجوب و هو ينافي ما عليه المشهور بل الإجماع من التخيير بين الاستجمار و الغسل بالماء و كذا يستفاد التّخيير بينهما من الأخبار.

و امّا الرواية العامية المروية عن على عليه السلام قال: انكم كنتم تبعرون بعرا و اليوم تثلطون ثلطا فأتبعوا الماء الأحجار «1» فهي ضعيفة السند و يمكن حملها على الاستحباب أو على احتمال التعدي و هل يكفي إزالة العين و لو كانت بدون ثلاثة أحجار بأن حصل النقاء بحجر أو حجرين أو لا بدّ من ثلاثة أحجار مقتضى رواية ابن مغيرة عن ابى الحسن (ع) قال: قلت له هل للاستنجاء حدّ قال: لا حتّى ينقى ما ثمة «2» أنّ حدّ الاستنجاء الذي لا بدّ من الانتهاء اليه هو حصول النقاء فإذا حصل

فلا يجب هناك شي ء.

لكن مقتضى الأخبار الكثيرة التي قد تقدّم بعضها أنّ حدّ الاستنجاء هو النقاء بثلاثة أحجار فيمكن الجمع بين رواية المغيرة و تلك الروايات بأن يقال: انّ حدّ الاستنجاء هما معا اى النقاء و المسح بثلاثة أحجار فح إذا حصل النقاء قبل ثلاثة أحجار فلا يكفى ذلك بل لا بدّ من إتمام ثلاثة أحجار و إذا لم يحصل بثلاثة أحجار فلا بدّ من التمسح بالأحجار حتّى يحصل النّقاء.

المبحث الرابع في الوضوء و واجباته

اشارة

واجبات الوضوء أمور الأوّل النيّة و يجب فيها الخلوص فلو جاء به رياء بطل على المشهور بل كاد أن يكون إجماعا و تدل على ذلك أخبار متضافرة.

منها رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

انّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به فإذا صعد بحسناته يقول اللّه عزّ و جل: اجعلوها في سجّين فإنّه ليس إيّاي أراد بها الحديث «3».

و منها رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: يجاء بالعبد يوم القيمة قد صلّى

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التخلّي الحديث 9

(2) الوسائل الباب 13 من أبواب آداب الخلوة الحديث 1

(3) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات العبادات الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 74

فقال: يا ربّ قد صلّيت ابتغاء وجهك فيقال له: هل صلّيت ليقال: ما أحسن صلاة فلان اذهبوا به الى النّار «1».

و منها رواية مسعدة بن زياد عنه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سئل فيما النجاة غدا فقال: إنّما النّجاة في أن لا تخادعوا اللّه فيخدعكم فإنّه من يخادع اللّه يخدعه و يخدع عنه الايمان و نفسه يخدع لو يشعر قيل له: فكيف يخادع

اللّه قال: يعمل بما أمره اللّه ثم يريد به غيره فاتقوا اللّه في الرياء فإنه الشّرك باللّه انّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر حبط عملك و بطل أجرك فلا خلاص لك فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له الى غير ذلك من الأخبار و قد جمعنا روايات الرّياء في المجلّد الأوّل من كتابنا مرقاة الكمال فراجع.

و يستفاد من هذه الروايات و غيرها حرمة الرياء و بطلان عمل المرائي.

فما عن السيّد- من أنّ عمل المرائي صحيح مسقط للأمر و لكنّه غير مقبول عند اللّه لأنّ الصحّة أعمّ من القبول كما يدلّ على ذلك قوله تعالى إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ «2»- ضعيف جدّا مناف لظاهر الأخبار و امّا غير الرياء من الضمائم سواء أ كانت راجحة مثل الصلاة في المسجد أو مرجوحة مثل الصلاة في الحمام أو مباحة متساوية الطرفين فان كانت داعيا مستقلا إلى إتيان الوضوء سواء أ كان له داع إلهي ايضا الى إتيانه بحيث يكون كلّ من الداعيين سببا مستقلّا لإتيانه أو يكون الداعي الإلهي تابع للداعي غير الإلهي فالظاهر هو الحكم بالبطلان ايضا لعدم استناد الفعل اليه تعالى بالخصوص بل اليه و الى غيره.

و أمّا إذا كان الداعي الإلهي محرّكا له بالاستقلال نحو إتيان الفعل و لكن قد انضمّ الى هذا الداعي دواع أخر تابعة لهذا الداعي بحيث يسند الفعل اليه تعالى فالظاهر هو الحكم بالصحّة لعدم الدليل على بطلان العمل الذي يكون مع داعيه الإلهي غيره مما لا يكون رياء مضافا الى أنّه قلّما يتّفق خلوص النيّة من جميع الدّواعي النّفسانيّة بحيث لا يكون المقصود من إتيان العمل الا وجهه تعالى فقط و

الالتزام ببطلان العمل في جميع هذه الموارد كما ترى.

الثاني من الواجبات غسل الوجه و المشهور اعتبار الغسل من الأعلى و الذي استدلّ

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات العبادات الحديث 10

(2) سورة المائدة الآية 27

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 75

به أو يمكن الاستدلال به لاعتبار ذلك هو الاخبار.

منها رواية عبد اللّه بن جعفر الحميري في قرب الاسناد بإسناده عن ابى جرير الرقاشي قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: كيف التوضّؤ للصّلوة فقال: لا تعمّق في الوضوء و لا تلطم وجهك بالماء لطما و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء و كذلك فامسح الماء على ذراعيك و رأسك و قدمك «1».

و أبو جرير الرقاشي و ان كان مجهولا الّا أنّ رواية ابن محبوب عنه دليل على أنّه كان موثّقا عنده مضافا الى انّ الرواية معمول بها عند الأصحاب فضعفها منجبر بعملهم و لكن يمكن المناقشة في دلالتها بأنّ الظاهر منها أنّه عليه السلام في مقام بيان مستحبّات الوضوء لا واجباته بدليل قوله: لا تعمق في الوضوء و لا تلطم وجهك بالماء لطما مع أنّ من المقطوع به أنّه يجوز الوضوء بنحو لطم الوجه بالماء و لا يجب غسله بالمسح اى بإيصال الماء الى أجزاء الوجه بإمرار اليد عليه فالمراد من الرواية- و اللّه العالم- أن لا تدقّق في الوضوء حتّى ينجر الى الوسواس و لا ينبغي أن تلطم وجهك بالماء بل الأولى أن توصل الماء الى وجهك بإمرار اليد عليه و بعد العلم بأن بعض هذه الأمور ليس بواجب- فمن المستبعد جدّا كون الغسل من الأعلى مع كونه مذكورا في عداد المستحبّات واجبا مع أنّه يمكن أن يقال: انّه لبيان حدّ الغسل

الواجب أو لبيان حدّ المغسول الذي يجب غسله اى يجب الغسل من الأعلى اى قصاص الشعر كما في الرواية الآتية إلى الذقن فهي لبيان الحدّين للغسل لا لبيان كيفيّة الغسل.

و منها رواية زرارة أنّه قال لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي أن يوضّأ الذي قال اللّه عزّ و جلّ فقال: الوجه الذي قال اللّه و أمر اللّه عزّ و جلّ بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه ان زاد عليه لم يوجر و ان نقص منه أثم- ما دارت عليه الوسطى و الإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن و ما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه و ما سوى ذلك فليس من الوجه فقال له: الصدغ من الوجه فقال: لا «2» فانّ قوله (ع) من قصاص الشعر الى الذقن ظاهر في وجوب الغسل من قصاص الشعر الى الذقن دون العكس و لكنّ الظاهر من الرواية انه عليه السلام بصدد بيان حدّ الوجه

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 22

(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الوضوء الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 76

طولا و عرضا كما يشهد به ما في السؤال حيث سأل ذرارة عن حدّ الوجه و ليس فيها إشعار بأنّه (ع) بصدد بيان كيفية الغسل و أنّه يجب أن يكون من الأعلى أو يجوز العكس.

و منها الأخبار التي بينت فيها وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هي كثيرة أوضحها دلالة رواية زرارة قال: حكى لنا أبو جعفر عليه السلام وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فدعا بقدح من ماء فأدخل يده اليمنى فأخذ كفّا

من ماء فأسد لها على وجهه من أعلى الوجه ثمّ مسح بيده الجانبين جميعا ثم أعاد اليسرى في الإناء فأسدلها على اليمنى ثم مسح جوانبها ثمّ أعاد اليمنى في الإناء ثمّ صبّها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى ثمّ مسح ببقيّة ما بقي في يديه رأسه و رجليه و لم يعدهما «1».

بتقريب أنّه صلّى اللّه عليه و آله غسل وجهه من أعلى الوجه فيعلم من فعله أنّه واجب.

و لكن فيه أنّ فعله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يدل على الوجوب لاحتمال أن يكون للاستحباب أو من باب المتعارف لدى العرف فانّ المتعارف عندهم غسل الوجه من الأعلى و لكن لا من قصاص الشعر فيمكن أن يكون فعله (ص) كان كذلك.

الا أنّه يمكن أن يقال: انّ هذه الأخبار و ان كان دلالتها قاصرة في إفادة الوجوب فاللازم الرجوع الى المطلقات مثل قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ الآية «2» و لازم ذلك جواز الغسل بأيّ نحو اتّفق الّا أنّ المشهور بل كاد أن يكون إجماعا اعتبار البدأة من الأعلى فيمكن استناد المشهور الى هذه الأخبار التي عرفت قصور دلالتها على المطلوب و يمكن استناد هم الى دليل آخر لم يصل إلينا فح نشك في الخروج عن عهدة التكليف اليقيني إذا لم نراع ما عليه المشهور فانّ المكلف به هي الطهارة و الأفعال محصّلاتها فإذا غسلنا الوجه من غير الأعلى نشك في تحقق المكلّف به بذلك فيلزم مراعاة الاحتياط حتّى نعلم بالخروج عن عهدة التكليف ثمّ على فرض وجوب البدأة من الأعلى هل يجب مراعاة الأعلى فالأعلى بمعنى وجوب الغسل من قصاص الشّعر أو يكفي الأعلى العرفي

و ان كان من فوق الحاجب- لا يبعد جواز الاكتفاء بالثّاني فإنّ الغسل من الأعلى على تقدير وجوبه لا

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 6

(2) سورة المائدة آية 6.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 77

يبعد أن يكون إرشادا إلى المعنى العرفيّ فإنّ العرف يكون بناؤه على الغسل من أعلى الوجه إلى الأسفل دون العكس فيمكن أن لا يكون هنا تعبد في وجوب الابتداء من الأعلى بل هو إرشاد إلى المتداول عند العرف و العرف إذا غسل أحدهم وجهه من فوق الحاجب أو من وسط الجبين يقولون: انّه غسل من الأعلى كما هو ظاهر.

نعم على هذا يجب غسل ما فوق الحاجب الى قصاص الشعر بعده حتّى يتحقق التحديد المذكور في الروايات.

ثم انّ حدّ الوجه طولا من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن و عرضا ما أحاطت عليه الإبهام و الوسطى كما دلّت عليه الرواية المتقدّمة و عليه إجماع العلماء فما خرج من هذين الحدّين كالصدغ و العذار و مقدار قليل من الجبينين و غيرها فهو خارج عن حدّ الوجه فلا يجب غسله.

و أمّا اللحية فإن كانت خفيفة بحيث ترى البشرة من تحتها يجب غسلها و غسل ما تحتها من البشرة و وجهه واضح فإنّ البشرة الظاهرة يجب غسلها و غسل ما عليها من الشعر لأنّه من توابعها و أمّا إذا كانت كثيفة بأن أحاطت بالبشرة فلا يجب غسل البشرة التي تحتها و يجب غسلها لصدق الوجه عليها عرفا و الآية المباركة قد دلّت على وجوب غسل الوجه و البشرة المختفية تحت اللحية لا يصدق عليها الوجه بخلاف اللحية مضافا الى أنّه قد فسر الوجه في كتب اللغة بأنّه ما يواجه به فانّ ما يواجه به

هي اللحية دون البشرة المختفية تحتها و مضافا الى دلالة بعض الأخبار على ذلك.

منها رواية محمّد بن مسلم عن عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرّجل أ يبطن لحيته قال: لا «1» اى يغسل تحت لحيته و باطنها فقال (ع): لا و منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أ رأيت ما أحاط به الشعر فقال: كلّ ما أحاط به من الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجرى عليه الماء «2».

هذا كله في غير مسترسل اللحية و أمّا مسترسل اللحية أي صاحب اللحية التي خرجت عن حدّ الوجه فلا يجب غسله لعدم صدق الوجه على ما خرج عن حدّ الوجه عرفا نعم يجب ح غسل ما كان في حدّ الوجه فقط.

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الوضوء الحديث 6

(2) الوسائل الباب 46 من أبواب الوضوء الحديث 3.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 78

الثالث من واجبات الوضوء غسل اليدين كما دلّت عليه الآية المتقدّمة و يجب البدأة من المرفق و لا يجوز العكس على المشهور بل ادّعى عليه الإجماع و استدلّ عليه بالوضوءات البيانية التي حكى الامام عليه السلام فيها وضوءات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فإنّه بها بعد ما غسل وجهه غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لا يردّ الماء الى المرفقين ثمّ غمس كفّه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق الى الكفّ لا يردّ الماء «1» الخبر.

فقوله: لا يردّ الماء الى المرفق يمكن أن يكون من كلام الامام عليه السلام حاكيا وضوء النبيّ صلّى اللّه عليه

و آله و سلّم و يمكن أن يكون من كلام الراوي كما هو الظّاهر اى لا يردّ الامام الماء الى المرفق فان كان من كلام الامام (ع) يستشعر منه عدم جواز ردّ الماء الى المرفق فيكون كلامه تعريضا لفعل العامة حيث خالفوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمّا إذا كان من كلام الراوي فلا يدلّ على عدم جواز الرد الى المرفق لأنه حكاية عن فعل الامام (ع) بأنّه لا يردّ الماء الى المرفق و عدم ردّه الى المرفق أعم من عدم جوازه لجواز أن يكون عدم ردّه للماء الى المرفق لكون الغسل من الأعلى من أفضل الأفراد فلا يدلّ على المنع من الردّ و في رواية أخرى من الوضوءات البيانيّة أنّه عليه السلام بعد أن غسل وجهه غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى فأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه ثمّ غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه الحديث «2».

فانّ هذا الخبر صريح في أنّه (ع) غسل يديه من المرفق إلى أطراف الأصابع و هو حاك فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لكن هذا الخبر أضعف دلالة من الخبر السّابق حيث انّ الغسل من المرفق لا يدلّ على أكثر من الجواز و قد جوّز العامّة عامتهم على ما حكى عنهم بأنّ الغسل من المرفق جائز ايضا كجواز النكس و لم ينف ع خلافه فلا يدلّ على عدم جواز النكس فيمكن أن يكون غسله من المرفق من جهة كونه أفضل و لكن يمكن أن يقال: انّ الآية و إن كانت مطلقة و

مقتضى الإطلاق جواز الغسل من كلّ من الجانبين إلا أنّا نعلم من

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 11

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 79

هذه الأخبار أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله غسل يديه من المرفق و لم نعلم أنّه غسل يديه من الأصابع إلى المرفق فالغسل من المرفق متيقّن الجواز دون العكس فإنّه مشكوك الجواز و اللازم ح هو الأخذ بالمتيقّن مع أنّ بعض الأخبار ظاهرة بل كادت تكون صريحة في عدم جواز النكس و إن كان سندها مخدوشا.

منها ما رواه الشيخ المفيد في الإرشاد مرسلا عن محمّد بن الفضل أنّ على بن يقطين (ره) كتب الى أبى الحسن موسى عليه السلام يسأله عن الوضوء فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام- فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء و الذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلّل شعر لحيتك و تغسل يديك الى المرفقين ثلاثا و تمسح ظاهر أذنيك و باطنهما و تغسل رجليك الى الكعبين ثلاثا و لا تخالف ذلك الى غيره.

فلما وصل الكتاب الى على بن يقطين تعجّب ممّا رسم له أبو الحسن عليه السلام فيه ممّا جميع الصحابة على خلافه ثمّ قال: مولاي أعلم بما قال و أنا أمتثل أمره فكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ و سعى بعلي بن يقطين الى الرشيد و قيل: انّه رافضي فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر فلمّا نظر الى وضوئه ناداه: كذب يا على بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب ابى الحسن عليه السلام: ابتدأ

من الآن يا على بن يقطين و توضّأ كما أمرك اللّه تعالى اغسل وجهك مرّة فريضة و أخرى إسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح بمقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كان يخاف عليك و السلام «1».

فانّ قوله ع و اغسل يديك من المرفقين كالصريح في أنّه يجب أن يكون الغسل من المرفق حيث انّه وقعت هذه العبارة بعد قوله و تغسل يديك الى المرفقين الظاهر في كون الغسل منكوسا الذي ورد تقية و بعد زوالها أمره ع بكون الغسل من المرفقين و هو ظاهر بل كاد أن يكون صريحا في أنّه على نحو اللزوم.

و من الروايات الدالة على اعتبار الغسل من المرفقين رواية

______________________________

(1) الإرشاد لشيخنا المفيد قده صفحة 276

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 80

هيثم بن عروة التميمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله تعالى فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ فقلت: هكذا و مسحت من ظهر كفّى الى المرافق فقال: ليس هكذا تنزيلها انّما هي فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ من الْمَرٰافِقِ ثمّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه «1».

فإنّ قوله ليس هكذا تنزيلها يحتمل وجهين الأوّل أن يكون المراد أنّ تنزيلها من عند اللّه تعالى على رسوله كان بلفظ من المرافق فحرفوها و جعلوا مكان من الى فتدلّ الرواية على وقوع التحريف في الآية.

الثاني أن يكون المراد من التنزيل المعنى. اى ليس مراده تعالى من الآية الغسل من ظهر الكفّ الى المرافق بل يكون المراد فاغسلوا من المرافق إلى أطراف الأصابع فيكون مراده ع أنّ الى بمعنى من أو أنّ إلى في الآية ليس لانتهاء الغسل بل لانتهاء الحدّ المغسول و الظاهر

من الاحتمالين في الرواية هو الاحتمال الثاني فتكون الرواية كالنصّ في لزوم الغسل من المرفق و هي و إن كانت ضعيفة السّند الّا أنّ عمل الأصحاب جابر لضعفها فتحصل ممّا ذكرناه أنّ الأحوط هو الابتداء من المرفقين بل استقرّ عليه مذهب الإماميّة رضوان اللّه عليهم أجمعين.

الرابع من واجبات الوضوء مسح الرأس و لا يجب مسح جميعه إجماعا منّا بل يكفى المسح على الربع المقدّم منه كما يدلّ عليه غير واحد من الأخبار منها رواية محمّد بن مسلم عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: مسح الرأس على مقدّمه «2» و منها رواية حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أحدهما عليه السلام في الرجل يتوضّأ و عليه العمامة قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدّم رأسه «3» و لا يجوز المسح على غير المقدّم على المشهور بل ادّعى عليه الإجماع و ما يدلّ على الجواز من رواية الحسين بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يمسح رأسه من خلفه و عليه عمامة بإصبعه أ يجزيه ذلك فقال: نعم «4» و رواية الحسين بن أبى العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المسح على

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الوضوء الحديث 1

(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الوضوء الحديث 1- 3

(3) الوسائل الباب 22 من أبواب الوضوء الحديث 1- 3

(4) الوسائل الباب 22 من أبواب الوضوء الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 81

الرأس فقال: كأنّي أنظر الى عكنة في قفاء أبى يمر عليها يده و سألته عن الوضوء بمسح الرأس على مقدّمه و مؤخره فقال: كأنّي أنظر الى عكنة في رقبة أبي يمسح عليها

«1».

و روايته عنه عليه السلام قال: امسح الرأس على مقدّمه و مؤخره «2» فهي محمولة على التقيّة لمخالفتها لمذهب الأصحاب و هل يكفى المسح على كلّ جزء من المقدّم الى وسط الرأس أو لا بدّ من المسح على خصوص الناصية- مقتضى بعض الأخبار هو الثاني مثل رواية زرارة أنه عليه السلام قال: انّ اللّه وتر و يحبّ الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلث غرفات واحدة للوجه و اثنتان للذراعين و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك «3».

و مثل رواية حسين بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال إنّما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها تضع الخمار عنها و إذا كان الظهر و العصر و المغرب و العشاء تمسح بناصيتها «4» فح فهل تخصّص تلك الأخبار الدالّة على كون المسح على مقدّم الرأس بهذين الخبرين الدالّين على كون المسح على الناصية أو لا بدّ من طرحهما و العمل على الأخبار السّابقة- لا يبعد أن يقال: انّ هذين الخبرين لا يصلحان لتخصيص الأخبار السابقة لأنّ الناصية كما تطلق بحسب الشائع على ما بين النزعتين كذلك تطلق على مقدّم الرأس أيضا كما عن القاموس فح يمكن أن يكون المراد بالناصية هنا هو مقدّم الرأس دون ما هو الشائع من معناها مضافا الى أنّ الخبر الثاني صدره معارض لذيله فانّ صدره يدلّ على كفاية المسح على الرأس مطلقا من غير تقييد الرأس بالناصية فإذا كان المراد من الذيل هو المعنى الشّائع من الناصية لزم التناقض بين الصّدر و الذيل و من المعلوم ضرورة عدم الفرق بين صلاة الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء.

ثم انّه يحب المسح ببقية بلّة اليد و

لا يجوز استيناف ماء جديد و تدلّ على ذلك روايات كثيرة. فمنها رواية الإسراء حيث بين اللّه تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كيفية الوضوء الى أن قال له: ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء الحديث «5» و منها

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الوضوء الحديث 5- 6

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الوضوء الحديث 5- 6

(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2

(4) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 5

(5) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 82

حكاية الباقر عليه السلام لوضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى أن قال الراوي: ثمّ مسح بما بقي في يده رأسه و رجليه و لم يعدهما في الإناء «1».

و منها رواية زرارة المتقدّمة عن ابى جعفر عليه السلام الى أن قال: و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك «2».

و منها رواية الصدوق في الفقيه قال: قال الصادق عليه السلام: ان نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلّة وضوئك الخبر «3» الى غير ذلك من الأخبار.

و لكن في بعض الاخبار ما يدلّ على جواز استيناف ماء جديد بل في بعض الأخبار ما يدلّ على وجوبه منها رواية ابن أبي عمارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام امسح رأسي ببلل يدي قال: خذ لرأسك ماء جديدا «4» و منها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مسح الرأس قلت: أمسح بما على يدي من الندى رأسي قال: لا بل تضع يدك في الماء ثمّ تمسح «5».

و منها رواية معمّر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن

عليه السلام أ يجزي الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه فقال برأسه: لا فقلت: أ بماء جديد فقال برأسه: نعم «6» و الرواية و إن كانت في مسح القدمين الّا أنّه لا فرق بين مسح الرأس و مسح القدمين و لكن يمكن أن يجاب عن هذه الأخبار بأنّ الأصحاب قد أعرضوا عنها و لم يفتوا بمضمونها فلا بدّ من حملها على التقيّة لموافقتها لمذهب العامة خصوصا الخبرين الدالين على لزوم كون المسح بماء جديد فإنّهما مخالفان لمذهب جميع فقهائنا فإنّ ابن الجنيد و ان جوّز المسح بماء جديد الّا أنّه جوّز المسح ايضا ببقيّة بلل اليد و لم يحكم بوجوب المسح بماء جديد.

ثمّ انّ المسح لا بدّ أن يكون باليد و لا يجوز أن يكون بغيرها و الآية المتقدّمة و ان لم يكن فيها تقييد بكون المسح باليد إلا أنّه يمكن دعوى الانصراف الى المسح باليد فإنّه إذا قيل

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 10

(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2

(3) الوسائل الباب 33 من أبواب الوضوء الحديث 5

(4) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 6

(5) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 4- 5

(6) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 4- 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 83

لأحد: امسح الشي ء الفلاني يتبادر الى ذهنه أنّ المسح باليد مضافا الى دلالة بعض الأخبار على ذلك مثل قوله عليه السلام: و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك «1» و قول اللّه تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في ليلة المعراج: ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك الحديث «2» و حكاية أبي جعفر عليه السلام لوضوء رسول اللّه

صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال الراوي: ثمّ مسح أي أبو جعفر عليه السلام بما بقي في يده رأسه و رجليه الحديث «3» و غير ذلك من الأخبار.

و هل يشترط كون المسح باليد اليمنى أم لا- مقتضى رواية زرارة المتقدّمة أعني قوله و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك هو الاشتراط لأنّها ظاهرة في الاشتراط لأنّ الجملة الخبرية إذا استعملت في الإنشاء كانت أظهر في إفادة الوجوب من الجملة الإنشائيّة و حينئذ يمكن تقييد المطلقات بها و لكن يرد عليه أنّ المطلقات غير قابلة للتقييد لأنّها في مقام البيان و كيف يمكن أن يكون المسح باليد اليمنى واجبا و مع ذلك لم يبيّن الشارع ذلك من بدء ظهور الإسلام إلى زمان الباقر عليه السلام ثم بيّنه الباقر (عليه السلام) للنّاس مع عدم أيّ مفسدة في بيان ذلك للنّبي ص و الأئمة من بعده.

اللّهم الّا أن يقال أنّ عدم بيان النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذلك انّما هو لأجل كونه متعارفا بين الناس فكأنّه لأجل تعارفه كان مستغنيا عن البيان.

ثمّ إنّه على فرض وجوب المسح بالكف اليمنى إذا تعذّر المسح بها هل ينتقل الفرض الى المسح باليد اليسرى أو ينتقل الفرض الى المسح بظهر الكفّ اليمنى أو الى الزند من اليمنى؟- لا يبعد أن يقال: بانتقال الفرض الى ظهر الكفّ اليمنى أو الى الزند إذا قطعت الكفّ اليمنى لأنّ الميسور من اليد اليمنى هو ظهر الكفّ عند تعذّر الباطن دون اليد اليسرى فإنّها بنظر العرف ليست ميسور اليد اليمنى بل ميسورها هو ظهر الكفّ أو الزند عند قطع الكفّ.

نعم لو فرض قطع اليد اليمنى بأسرها يمكن أن تصير اليد اليسرى ميسورا لليد اليمنى

ثمّ لا بدّ أن يؤثر الماسح في الممسوح للتبادر من الأمر بالمسح فإنّه إذا قيل لأحد: امسح يدك مع الدهن على جراحتك مثلا يفهم منه أنّه لا بدّ من إيصال الدهن إلى الجراحة لا مجرّد المسح

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2

(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 8

(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 10

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 84

بدون تأثير الدهن بالجراحة فح لا بدّ من أن يكون التأثير ببقية البلل في اليد فقط فلا يجوز اختلاطه بماء آخر لأنّه لا يصدق عليه المسح ببقية بلل الوضوء بل به و بغيره فاللازم جفاف موضع المسح لأنّه إذا اختلط بلل الوضوء مع ماء موضع المسح لم يحصل التأثير بماء الوضوء.

ثمّ أنّه يجوز الأخذ من بلل اللحية و الحاجب و أشفار العين كما دلّت عليه رواية مالك ابن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من نسي مسح رأسه ثمّ ذكر أنّه لم يسمح رأسه فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه و ليمسح رأسه و ان لم يكن في لحيته بلل فلينصرف و ليعد الوضوء «1».

و رواية الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام ان نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلّة وضوئك فان لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقي منه في لحيتك و امسح به رأسك و رجليك و ان لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و أشفار عينيك و امسح به رأسك و رجليك و ان لم يبق من بلة وضوئك شي ء أعدت الوضوء «2» و رواية خلف بن حمّاد عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه

السلام قال: قلت له: الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة قال: إن كان في لحيته بلل فليمسح به قلت: فان لم يكن له لحية قال: يمسح من حاجبيه أو أشفار عينيه «3» و غير ذلك من الأخبار.

و هل يجوز الأخذ من اللحية أو الحاجب أو أشفار العينين مطلقا أو يختصّ بصورة جفاف ما على الكفّ من البلل- مقتضى هذه الأخبار جواز الأخذ في صورة نسيان المسح حتّى يجفّ ما على اليد فلا تشمل صورة وجود البلل في الكفّ و لكن يمكن أن يقال: انّ هذه الأخبار و إن كان مفروضها هو صورة جفاف ما على اليد الّا أنّ التأمّل فيها يعطي أنّها في مقام بيان العلاج في صورة الجفاف.

يعنى انّه إذا جفّ يدك فعلاج وضوئك أن تأخذ من بلل لحيتك و تمسح بها رأسك لا أنّها تقييد بصورة الجفاف و يؤيده أنّه ع عبّر في رواية الصدوق عن البلّة التي في اللحية ببلّة الوضوء حيث قال ع: و ان لم يبق من بلّة وضوئك شي ء أعدت الوضوء و التقييد في هذه الأخبار مضافا الى أنّه ظاهر في بيان العلاج- انّما هو لأجل أنّه في صورة وجود البلل في الكفّ

______________________________

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 7 و 8

(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 7 و 8

(3) الوسائل الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 85

لا يحتاج إلى الأخذ من سائر مواضع الوضوء لا أنّ جواز الأخذ مخصوص بصورة الجفاف و الحاصل أنّ المتيقّن هو وجوب كون المسح ببلّة الوضوء و الزائد منه يدفع بالإطلاق و يستفاد ذلك من رواية الصدوق المتقدّمة حيث انّه ليس فيها

من بلّة الكفّ بل فيها ان نسيت مسح رأسك فامسح عليه و علي رجليك من بلّة وضوئك و بعض الأخبار الدالّة على كون المسح ببلّة اليد أو الكف أو اليمنى «1» مثل بعض الأخبار المتقدّمة يمكن أن يكون الوجه فيها هو كون المتعارف المسح بنداوة اليد أو اليمنى مع نداوتها لا أنّ المستفاد منها كون المسح لا بدّ من أن يكون بنداوة اليد فالمظنون هو كون ذكر اليد من باب كونها المتعارفة في المسح.

و ان قيل: انّ هذا الظن لا دليل على حجّيته قلنا انّا لا نعلم ايضا بورود التقييد على المطلقات الدالّة على كون المسح بنداوة الوضوء و لم نعلم بحصول التقييد بهذه الأخبار لما ذكرنا فيها من احتمال كون ذكر بلّة اليد من باب التعارف و على هذا الاحتمال الذي ذكرناه و قويناه يمكن الالتزام بأمور الأول انّه لا فرق بين جفاف اليد و عدمه في جواز الأخذ من اللحية أو الحاجب أو أشفار العينين.

الثاني أنّه لا فرق بين المذكورات و غيرها من سائر أعضاء الوضوء في جواز الأخذ منها مطلقا الثالث لا ترتيب بين اللحية و الحاجبين و أشفار العينين فيجوز الأخذ من الحاجب و أشفار العين مع وجود البلّة في اللحية بل يجوز الأخذ من سائر أعضاء الوضوء مع وجود البلّة في اللحية و الحاجب و أشفار العين و ذكر اللحية و الحاجب في الرواية لكونهما مظنّة بقاء بلّة الوضوء دون سائر الأعضاء لا أنّ لهما خصوصيّة في ذلك.

(فرع)

اشارة

يجوز المسح مقبلا و مدبرا كما دلّ عليه بعض الأخبار فمنها رواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا «2» و منها

روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا «3» و منها رواية يونس قال: أخبرني من

______________________________

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2 و الباب 15 و الباب 21 من أبواب الوضوء الحديث 1 و 8

(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 1

(3) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 86

رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى- يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم الى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم و يقول: الأمر في مسح الرجلين موسّع من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا فإنّه من الأمر الموسّع إنشاء اللّه «1» و لكنّ هذين الخبرين قد دلّا على جواز النكس في القدمين و لم يذكر فيهما مسح الرأس و الرواية الاولى و إن كان فيها مسح الوضوء الشامل لمسح الرأس أيضا الّا أنّه يمكن أن يكون مسح الوضوء اشتباها من الراوي أو النسّاخ و أصله ما في الرواية الثانية من روايتي حمّاد بن عثمان اى مسح القدمين فصحّف و منشأ هذا الاحتمال هو كون راوي الخبرين واحدا و هو حماد بن عثمان و الراوي عنه الى أن ينتهي إلى الشيخ الناقل هذا الخبر في كتاب التهذيب كلّهم متّحد في الخبرين فيمكن أن يكونا رواية واحدة و صحيحة ما في الرواية الثانية فالدليل على جواز النكس في القدمين معلوم الوجود بخلاف مسح الرأس لعدم العلم بوجود دليل على جواز النكس فيه.

و لكن يمكن دفع هذا الإشكال بأنّ الدليل الدالّ على جواز النكس في القدمين و ان لم يدلّ على جوازه في مسح الرأس الّا أنّه لا ينفى الجواز عن مسح الرأس

لأنّ مفهوم اللقب ليس بحجّة فيتمسّك لجوازه بإطلاقات الأدلّة كقوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ و مثل الأخبار البيانيّة و غيرها فإنّه ليس في شي ء منها التقييد بكون مسح الرأس مقبلا فيتمسّك لجواز النكس بهذه الإطلاقات.

و دعوى غلبة كون المسح مقبلا- فلو لم تكن مانعة من انصراف الإطلاق إليه فلا أقلّ من مانعيتّها في ظهور الأدلّة في الإطلاق- ممنوعة لعدم تحقّق الغلبة فإنّه إذا أمر الشّارع أو غيره بمسح رأس اليتيم مثلا فإنّه لا ينقدح في ذهن أحد المسح مقبلا بل المسح مقبلا و مدبرا بنظر العرف سواء.

ثمّ انّه يجوز المسح على البشرة و على الشعر النابت عليها في مقدّم الرأس إجماعا و يمكن استفادة ذلك من الآية و الأخبار أمّا الاستفادة من الآية فبأن يقال: انّ في قوله فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ و قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ فرقا فإنّ الأول يقتضي وجوب

______________________________

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 3.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 87

غسل ما يطلق عليه الوجه و الوجه كما مرّ تفسيره عن أهل اللغة ما يواجه الإنسان فالبشرة التي تحت الشعر لا يجب غسلها لأنها غير مواجهة للإنسان.

بخلاف الشعر فإنّه يواجهه فيجب غسله فلذا أفتى الفقهاء بعدم كفاية غسل ما تحت الشعر بدون الشعر و الثاني و هو قوله تعالى وَ امْسَحُوا إلخ يقتضي جواز الاكتفاء بمسح كلّ من الشعر و البشرة لأنّ مسح الرأس يصدق على كلّ واحد منهما و امّا الاستفادة من الأخبار فبأن يقال: انّه يطلق على كلّ منهما مقدّم الرأس و الناصية و غير ذلك من العبارات الواقعة في الأخبار.

و أمّا الاستدلال على جواز المسح على الشعر النابت في مقدّم

الرأس برواية الناصية بأن يقال: بأنّ الناصية لا تطلق الّا على الشعر النابت في مقدّم الرأس فتدلّ الرواية على جواز المسح على الناصية التي هي الشعر الذي في مقدّم الرأس- فضعيف فانّ مقتضاه هو وجوب المسح على خصوص الشعر المقدّم و أمّا على ما ذكرنا من جواز المسح على كلّ منهما فرواية الناصية لا تنافيه لأنّ الناصية كما تطلق على شعر مقدّم الرأس كذلك تطلق على نفس مقدّم الرأس أيضا.

هذا كلّه في الشعر غير المتجاوز عن حدّ الرأس و أمّا الشعر المتجاوز عن حد الرأس و الشعر المسترسل من موضع آخر على موضع المسح فيمكن أن يدّعى بعدم صدق البشرة عليه فإنه بنظر العرف كالحائل الموجود على الرأس.

و على فرض عدم كونه كالحائل فالقدر المتيقن من صدق الرأس و مقدمه و الناصية و البشرة هو بشرة الرأس و الشعر غير المتجاوز و أمّا الشعر المتجاوز فيشك في صدق المذكورات عليه فمقتضى الشّك هو الاحتياط هذا كلّه في شعر الرأس.

و امّا الحائل كالعمامة و نحوها من الحوائل حتّى الحائل الرقيق فقد ادّعى الإجماع المحصّل و المنقول على مانعيّته و تدلّ على مانعيّته أيضا رواية حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أحدهما عليه السلام في الرجل يتوضّأ و عليه العمامة قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدّم رأسه «1» و رواية عبد اللّه بن الحسين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال إنّما المرأة إذا أصبحت مسحت

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 88

رأسها تضع الخمار عنها الخبر «1» و أمّا الحنّاء فمقتضى صحيحة عمر بن يزيد قال: سألت

أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخضب رأسه بالحنّاء ثم يبدو له في الوضوء قال: يمسح فوق الحنّاء «2» و صحيحة محمّد بن مسلم عن عليه السلام في الرجل يحلق رأسه ثم يطليه بالحنّاء ثمّ يتوضّأ للصلاة فقال: لا بأس بأن يمسح رأسه و الحنّاء عليه «3» هو جواز المسح عليه فانّ الظاهر من الصحيحتين هو جواز المسح على نفس الحنّاء و ان احتمل في الصحيحتين بعض التأويلات الّا أنّها خلاف الظاهر.

و لكن مقتضى مرفوعة محمّد بن يحيى عنه عليه السلام في الذي يخضب رأسه بالحنّاء ثم يبدو له في الوضوء قال: لا يجوز حتّى يصيب بشرة رأسه بالماء «4» هو عدم الجواز و الصحيحتان مع صحّتهما قد أعرض الأصحاب عنهما فإنّه قد ادّعى الإجماع على عدم الجواز نعم نسب الى الشيخ- القول بالجواز و عبارته في الاستبصار على ما حكى عنه و إن كانت توهم ذلك الّا أنّ عبارته في محكي المبسوط تنفى جواز المسح على الحائل و إطلاقها شامل للحنّاء أيضا و رواية محمّد بن يحيى و إن كانت مرفوعة الّا أنّها منجبرة بعمل الأصحاب بها.

ثمّ انّه يكفى مسح مقدّم الرأس طولا بمقدار صدق المسح و عرضا بمقدار إصبع واحدة و الأفضل ثلاثة أصابع فلا يجب الاستيعاب و تدلّ على ذلك روايات.

منها صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ألا تخبرني من أين علمت و قلت: أنّ المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين فضحك فقال: يا زرارة قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و نزل به الكتاب من اللّه عزّ و جلّ لأنّ اللّه عزّ و جلّ قال (يقول خ ل) فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن

يغسل ثم قال: و أيديكم إلى المرافق فوصل اليدين الى المرفقين بالوجه فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن يغسلا الى المرفقين ثمّ فصل بين الكلام فقال: و امسحوا برؤسكم فعرفنا حين قال: برؤسكم أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: و أرجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلهما (وصلها خ ل) بالرأس أنّ المسح على بعضهما (بعضها خ ل) ثم فسّر ذلك رسول اللّه صلّى

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 5

(2) الوسائل الباب 37 من أبواب الوضوء الحديث 3- 4- 1

(3) الوسائل الباب 37 من أبواب الوضوء الحديث 3- 4- 1

(4) الوسائل الباب 37 من أبواب الوضوء الحديث 3- 4- 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 89

اللّه عليه و آله للناس فضيّعوه الحديث «1».

و منها رواية زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك «2» و منها مرسلة حمّاد عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يتوضّأ و عليه العمامة قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدّم رأسه «3».

و منها رواية حمّاد ايضا عن الحسين قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل توضّأ و هو معتمّ فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد فقال: ليدخل إصبعه «4».

الى غير ذلك من الأخبار و لكن قيل: انّه يعتبر أن يكون المسح بثلاثة أصابع استناد الى حسنة زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمها قدر ثلاث أصابع و لا تلقى عنها خمارها «5» و رواية معمّر بن عمر عنه عليه السلام قال:

يجزى من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع و كذلك الرجل (الرجلين خ ل) «6».

و لكنّ الروايتين لا تكافئان تلك الروايات المتقدّمة لأنّها و ان كانت ضعيفة أو مرسلة الّا أنّ عمل أكثر الأصحاب عليها فهي منجبرة بعملهم و هاتان الروايتان لم يعمل بهما الّا الشاذّ مع أنّه يمكن حملهما على الأفضلية دون الإلزام.

الخامس من واجبات الوضوء

مسح الرجلين و يدلّ على وجوبه أوّلا آية الوضوء المتقدّمة و هي قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فإنّه بناء أعلى الخفض في أرجلكم كما في بعض القراءات و تدلّ على ذلك أيضا رواية غالب بن هذيل قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ على الخفض هي أم على النصب قال: بل هي على الخفض «7» فح فالآية صريحة في أنّ الواجب هو المسح و قيل: انّ قراءة

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1- 4

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1- 4

(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث- 1- 2

(4) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث- 1- 2

(5) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 3- 5

(6) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 3- 5

(7) المستدرك الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 90

الخفض مجمع عليها بخلاف قراءة النّصب فإنها مختلف فيها فقيل: انّه عطف على محلّ رؤسكم فتدلّ الآية على وجوب مسح القدمين و قال المخالفون: إنّ أرجلكم عطف على وجوهكم و قولهم هذا مبنىّ على قراءة النصب فتدل الآية بناء على قولهم على وجوب غسل الرجلين أو جوازه.

و أمّا على قراءة الجر

فحملوا الآية ايضا على ذلك بأن قالوا: انّ أرجلكم عطف على وجوهكم و انّما جرّها للمجاورة مع رؤسكم مثل قول العرب: هذا حجر ضبّ خرب بجرّ خرب مع أنّه صفة لحجر لمجاورته لضبّ و لكن يدفع قولهم: انّ الجر بالمجاورة أوّلا لم يثبت الّا عند الشّاذ و على فرض ثبوته فهو شاذّ لا يمكن حمل التّنزيل عليه و ثانيا انّ مورد الجر على المجاورة هو في صورة عدم وجود العاطف كما صرحوا به في محلّه و ما نحن فيه ليس كذلك.

و الحاصل أنّ الآية ظاهرة بل كادت أن تكون صريحة في أنّ أرجلكم عطف على رؤسكم و مخالفونا و ان كان أكثرهم قد أوجبوا الغسل الّا أن كثيرا من أخبارهم قد تضمّن المسح ايضا و لازم ذلك هو القول بجواز كلّ واحد من الغسل و المسح عندهم و لكنّ أكثرهم قد أوجبوا الغسل كما ذكرنا.

و أمّا أخبارنا فتدل أكثرها على خصوص المسح و هي كثيرة جدّا بحيث بالغ السيّد المرتضى (ره) في الانتصار على ما حكى عنه و قال: انّها أكثر من عدد الرمل و الحصى فمنها الروايات البيانيّة المبيّنة لوضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد قدّمنا بعضها فإنّه ليس فيها الّا المسح على القدمين فراجعها.

و منها رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و ذكر المسح فقال: و امسح على مقدّم رأسك و امسح على القدمين «1» و منها رواية سالم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المسح على الرجلين قال: هو الذي نزل به جبرئيل «2» و منها رواية ابني أعين عنه عليه السلام قال في المسح: تمسح النعلين و

لا تدخل يدك تحت الشراك و إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك «3» الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي قد عبّر في جميعها بالمسح على القدمين و بعض الأخبار التي يظهر

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1- 4

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 1- 4

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 91

منها وجوب الغسل أو جوازه مثل خبر أيّوب بن نوح قال: كتبت الى ابى الحسن عليه السلام: أسأله عن المسح على القدمين فقال: الوضوء بالمسح و لا يجب فيه الا ذاك و من غسل فلا بأس «1» و خبر عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتوضّأ الوضوء كلّه الّا رجليه ثمّ يخوض بهما الماء خوضا قال: أجزأه ذلك «2»- فهما محمولان على التقيّة.

ثم انّه يجب المسح من أطراف الأصابع إلى الكعبين كما هو مفاد الآية و الأخبار.

مثل رواية ابني أعين المتقدّمة و هل يكفى مسح ظاهر القدم أو لا بدّ من مسح الباطن ايضا ظاهر الآية- الأوّل فإنّ الكعبين هما قبّتا القدم الموجودتان في ظاهره فإذا قيل لأحد: امسح رجليك الى الكعبين لا يتبادر منه الّا المسح على الموضع الذي يكون الكعب فيه موجودا مضافا الى دلالة بعض الأخبار بل كثير من الأخبار على كفاية المسح من رؤس الأصابع إلى الكعبين مثل رواية ابني أعين المتقدّمة و مثل بعض الروايات البيانية فانّ في بعضها أنّه (ص) مسح مقدّم رأسه و ظهر قدميه ببلّة يساره و بقية بلّة يمناه و في بعضها قال ع و تمسح ببلّة

يمناك ناصيتك و ما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى و تمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى «3» الخبر فانّ في هذين الخبرين و ان لم يكن المسح من رءوس الأصابع إلى الكعبين الّا أنّه عبّر بظهر القدم فيستفاد منهما وجوب مسح الظهر فقط دون الباطن.

و في بعضها قال ع: ثم قال (اى اللّه تعالى) وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فإذا مسح بشي ء من رأسه أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه «4» الخبر.

و لكن في بعض الأخبار ما يدلّ على وجوب مسح القدمين ظاهرهما و باطنهما مثل مرفوعة أحمد بن محمّد بن عيسى عن أبى بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في مسح القدمين و مسح الرأس فقال: مسح الرأس واحدة الى أن قال: و مسح القدمين ظاهرهما

______________________________

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الوضوء الحديث 13

(2) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 18

(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الوضوء الحديث 2

(4) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 92

و باطنهما «1» و رواية سماعة عنه عليه السلام قال: إذا توضّأت فامسح قدميك ظاهرهما و باطنهما ثمّ قال: هكذا فوضع يده على الكعب و ضرب الأخرى على باطن قدميه ثمّ مسحهما إلى الأصابع «2».

و حمل الشيخ (قده) هذين الخبرين على ما حكى عنه على التقيّة قال لأنّهما موافقان لمذهب بعض العامة ممّن يرى المسح و يقول باستيعاب الرجل.

ثم انّه يكفى في مسح القدمين مسماه كما في مسح الرأس و لو بإصبع واحدة من حيث العرض لعدم تعيين مقداره في الآية فيؤخذ بالإطلاق مع أنّ الباء في برؤسكم و

أرجلكم امّا للتبعيض أو للإلصاق و الملابسة و على كلّ من الاحتمالين تدلّ على كفاية المسح ببعض الرأس و القدمين مضافا الى دلالة صحيحة زرارة المتقدمة «3» على ذلك حيث قال في حديث طويل: ثم فصّل بين الكلام فقال: و امسحوا برؤسكم فعرفنا حين قال: برؤسكم أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء.

ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: و أرجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما، الخبر.

و يدلّ على كفاية المسح و لو بإصبع واحدة من حيث العرض رواية الأخوين اى زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال في المسح: و إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك «4».

و استدلّ المحدّث القاساني و البحراني صاحب الحدائق- على ما هو المحكي عنهما- بهذه الرواية على كفاية المسمّى من حيث الطول أيضا بأن يقال: انّ قوله ع: ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع بدل أو بيان من قدميك فيصير المعنى ح إذا مسحت بشي ء من قدميك الذين هما من أطراف الأصابع إلى الكعبين اى بشي ء منهما فقد أجزأك فيشمل الطول و العرض ايضا و قوّى هذا الاحتمال الأستاذ دام ظلّه و لكن يمكن أن يقال: انّه لا يتعيّن جعل ما بدلا من قدميك لاحتمال كونها بدلا عن الشي ء فيصير المعنى- و اللّه العالم- فإذا مسحت ببعض قدميك و ذلك

______________________________

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7- 6- 1

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7- 6- 1

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7- 6- 1

(4) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء

الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 93

البعض هو ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك فتدل الرواية على الاستيعاب الطولى اى استيعاب المسح لما بين الأصابع إلى الكعبين.

و لكنّها تدلّ على كفاية المسمّى عرضا لمكان الباء التي سمعت من رواية زرارة أنّها للتبعيض و هذا الاحتمال الذي ذكرناه مكافئ للاحتمال الذي ذكره الأستاذ دام ظلّه و لا دليل على تعيين أحد الاحتمالين على الآخر مضافا الى أنّ المشهور بل كاد أن يكون إجماعا على خلاف ما ذكره القاساني و صاحب الحدائق (ره).

ثم انّه قد تعارض هذه الرواية من حيث العرض رواية محمّد بن أبى نصر عن أبى الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفّه على الأصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم فقلت: جعلت فداك لو أنّ رجلا قال بإصبعين من أصابعه هكذا فقال: لا الّا (بكفيه) كلها «1» فانّ الظاهر منها هو وجوب كون المسح بتمام الكف و وجوب الابتداء من الأصابع و الانتهاء الى الكعبين و هذه الرواية معارضة مع صحيحة زرارة المتقدّمة «2» الدالّة على كفاية المسح ببعض القدمين بل قد يقال انّ الجمع بين هذه الرواية و بعض الروايات المتقدمة الدالّة على كفاية المسمّى في المسح- أنّ الشي ء المذكور في بعض الروايات المتقدّمة بقوله: فإذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك- تفسره هذه الرواية بأن المراد بالشي ء هو تمام ظاهر القدم اى المقدار الذي تستوعبه الكفّ.

و لكن يمكن دفع المعارضة امّا من حيث الطول فبأن يقال: انّ صحيحة الأخوين المتقدّمة «3» لا تعارض هذه الرواية لأنّ هذه الرواية حاكية عن الفعل و الفعل

لا يدلّ على الوجوب لإمكان إتيانه عليه السلام بأفضل الأفراد و أمّا من حيث العرض فبأن يقال: انّ ظاهر هذه الرواية هو الاستيعاب من حيث العرض و لو فرض أنّ مراده ع بتمام الكفّ الكفّ من حيث الطول اى المسح بطول الكفّ لا بعرضها يلزم منه الاستيعاب أيضا أو قريب منه و وجوب الاستيعاب العرضي مخالف للإجماع كما ادّعاه غير واحد من الأصحاب.

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 4

(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7- 4

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوضوء الحديث 7- 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 94

فهذه الرواية غير معمول بها بين الأصحاب.

و أمّا رواية معمّر بن عمر بن أبي جعفر عليه السلام قال: يجزى من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع و كذلك الرجل «1» فيجاب عنها بأنّها لا يستفاد منها الوجوب لقوله يجزى الظاهر في الأعم من الوجوب لإمكان أن يكون الأفضل و هو المسح بثلاث أصابع- أحد فردي الواجب المخير و لكنّ لفظ يجزى ظاهر في عدم إجزاء الأقلّ من ذلك كما لا يخفى و على فرض دلالتها على الوجوب العيني فصدرها مخالف للإجماع كما ادّعى و مخالف للأخبار الكثيرة الدالّة على كفاية مسح الرأس بإصبع واحدة.

ثمّ انّه يجب إنهاء المسح الى الكعبين للآية و الأخبار الكثيرة التي تقدّم بعضها و اختلف في معنى الكعبين فقيل: هما المفصل و هو مجمع الساق و القدم و يمكن دلالة صحيحة الأخوين على ذلك فان فيها: فقلنا اين الكعبان فقال: هاهنا يعنى المفصل دون عظم الساق «2».

فانّ كلمة دون امّا بمعنى غير أو بمعنى تحت فمعناها (ح) انّ الكعبين هما المفصل لأعظم السّاق أو تحت عظم السّاق و

قيل انّ الكعبين هما قبتا القدم و هما العظم الذي له نتوّ أي علوّ في ظهر القدم.

و تدلّ عليه رواية أحمد بن محمّد بن أبى نصر عن أبى الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفّه على الأصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم الخبر «3».

بأن يقال: انّ الكعبين هما في ظاهر القدم فقوله ع: الى ظاهر القدم لا يمكن أن يكون المراد منه الظاهر في قبال الباطن بل المراد بالظاهر هو المكان المرتفع فيكون معنى الرواية أنّه مسحهما الى الكعبين اى المكان المرتفع في القدمين فيكون قوله ع: الى ظاهر القدم بدلا أو بيانا لقوله الى الكعبين فتكون الرواية دالة على كفاية المسح إلى قبّة القدم

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 5

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوضوء الحديث 3

(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 95

و الأحوط المسح الى المفصل و إن كان المسح إلى قبّة القدم لا يخلو عن وجه ثمّ انّه هل يجوز النكس في مسح القدمين بأن يمسح من الكعبين إلى أطراف الأصابع؟ ظاهر المشهور ذلك لإطلاق الآية فإنّ الى و إن كانت للغاية فمفادها «ح» انّ المسح مغيّى بالكعبين و مقتضاه عدم جواز النكس فإنّه إذا قيل: سرت من البصرة إلى الكوفة كان المنتهى الكوفة الّا أن قوله تعالى إِلَى الْمَرٰافِقِ حيث انّه بالإجماع غاية للمغسول لا الغسل فلا بدّ من جهة اتّحاد السياق من أن تكون الى في قوله تعالى إِلَى الْكَعْبَيْنِ غاية للممسوح لا المسح فح تصير الآية مطلقة بالنّسبة إلى النكس و لم يكن المسح مقبلا متعارفا بين الناس حتّى يحمل

إطلاق الآية عليه.

مضافا الى دلالة بعض الأخبار على جواز النكس مثل رواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلا و مدبرا «1» و رواية يونس عمّن رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم الى الكعب و من الكعب إلى أعلى القدم و يقول: الأمر في مسح الرجلين موسّع من شاء مسح مقبلا و من شاء مسح مدبرا فإنّه من الأمر الموسّع إنشاء اللّه تعالى «2».

و هل يجب الترتيب بين الرجلين بأن تقدّم اليمنى في المسح على اليسرى أولا إطلاق الآية- و كثير من الأخبار و كذا الأخبار البيانيّة التي هي في مقام البيان بل بعضها قد ذكر فيها كثير من المستحبات- يقتضي عدم ذلك و في بعض الأخبار ما يدل على وجوب الترتيب كرواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و ذكر المسح فقال: امسح على مقدّم رأسك و امسح على القدمين و ابدأ بالشقّ الأيمن «3» و خبر أبي هريرة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا توضّأ بدأ بميامنه «4» و خبر النجاشي مسندا عن عبد الرحمن بن محمّد بن عبيد اللّه بن أبى رافع و كان كاتب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أنّه ع كان يقول: إذا توضّأ أحدكم للصّلوة فليبدأ باليمنى (باليمين) قبل الشمال من جسده «5».

و لكن لا يخفى أنّ هذه الروايات لا تصلح لمعارضة تلك الروايات المطلقة الواردة

______________________________

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 2- 3

(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الوضوء الحديث 2- 3

(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الوضوء الحديث 1

(4) الوسائل

الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث 3- 4

(5) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث 3- 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 96

في مقام البيان مضافا الى أنّه يمكن أن يقال: انّ الرواية الأولى و ان كان سندها صحيحا أو موثّقا أنّ الأمر بالابتداء بالشقّ الأيمن لا ظهور فيه بالنّسبة الى الرجل اليمنى لاحتمال أن يراد بالشق الأيمن اليد اليمنى لا الرجل اليمنى فانّ التعبير بالشق الأيمن عن الرجل اليمنى خلاف المتعارف و الرواية الثانية ضعيفة السند و الثالثة يمكن أن يكون المراد باليمنى فيها هو اليد اليمنى لا الرجل اليمنى بقرينة قوله: قبل الشمال فانّ الرجل يعبّر عنها باليسرى لا الشمال و على فرض صحّة سندها و دلالتها على ذلك فلا بدّ من حملها على الاستحباب لمعارضتها للروايات المطلقة الواردة في مقام البيان الآبية عن التقييد مع أنّ في بعض الأخبار ما يدلّ ظاهرا و صريحا على جواز الجمع بين الرجلين.

أمّا ما يدلّ ظاهرا على جواز الجمع فهو خبر محمد بن الحنفيّة عن أبيه عليه السلام و هو طويل و مشتمل على الأدعية لكلّ من غسل الوجه و غسل اليدين و مسح الرجلين الى أن وصل الى مسح الرجلين قال: ثمّ مسح رجليه فقال: اللّهم ثبّتني على الصّراط يوم تزلّ فيه الأقدام و اجعل سعيي فيما يرضيك عنّى يا ذا الجلال و الإكرام «1» فيظهر من هذا الخبر مع اهتمامه بذكر المستحبّات و عدم اهتمامه بذكر الترتيب بين الرجلين أنّ الترتيب غير معتبر بينهما و كذا يدلّ ظاهرا على جواز الجمع بل جواز تقديم الرجل اليسرى- خبر زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: تابع بين الوضوء كما قال اللّه عزّ و جل: ابدأ بالوجه

ثمّ باليدين ثم امسح الرأس و الرجلين و لا تقدّمنّ شيئا بين يدي شي ء تخالف ما أمرت به فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع و ان مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثمّ أعد على الرجل ابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جل به «2».

فانّ هذا الخبر مع كونه في مقام بيان الترتيب بين الأعضاء لم يتعرض للترتيب بين الرجلين فهو كالصريح في عدم وجوب الترتيب بينهما.

و أمّا ما يدلّ صريحا على جواز المسح على الرجلين معا فهو رواية الاحتجاج عن الحميري عن مولانا الحجّة عجّل اللّه تعالى فرجه أنّه كتب اليه ع يسأله عن المسح على الرّجلين بأيّهما يبدأ باليمنى أو يمسح عليهما جميعا معا فأجاب ع يمسح عليهما جميعا معا فان بدأ

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الوضوء الحديث 1

(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 97

بإحداهما قبل الأخرى فلا يبدأ إلا باليمين «1» و مكاتبة الحميري مقبولة عند الأصحاب و لكن ذيل هذه الرواية معارض للأخبار المطلقة حيث انّ ذيلها يدلّ على أنّه إذا بدأ بإحداهما فلا يبدأ إلّا باليمنى و يمكن حمله على الاستحباب جمعا بينه و بين الرّوايات المطلقة الآبية عن التقييد الدالّة بإطلاقها على عدم وجوب الترتيب بينهما مطلقا.

السادس من واجبات الوضوء

الترتيب بأن يبدأ أوّلا بالوجه ثمّ باليد اليمنى ثم باليسرى ثمّ يمسح رأسه ثم رجليه و يدلّ على وجوبه حسنة زرارة المتقدّمة عن أبي جعفر عليه السلام حيث قال: تابع بين الوضوء كما قال اللّه عزّ و جل ابدأ بالوجه ثمّ باليدين ثمّ امسح الرأس و الرجلين و لا تقدّمنّ شيئا بين يدي شي ء تخالف

ما أمرت به فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع و ان مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثمّ أعد على الرجل ابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جل به، و قيل: انّ الآية أيضا تدلّ على وجوب الترتيب.

و لكن دلالتها على ذلك مشكلة فإنّ الواو لا تدلّ على ذلك فإنّها لا تدلّ على أزيد من مطلق الجمع و لكن هذه الرواية دالّة على أنّ الآية تدلّ على ذلك حيث انّه ع استشهد بها لوجوب الترتيب.

ثمّ انّه إذا أخلّ بالترتيب سواء كان ذلك عمدا أم نسيانا أعاد على ما يحصل معه الترتيب كما تدلّ عليه هذه الرواية مثلا إذا غسل يده اليمنى قبل وجهه يجب عليه الابتداء من الوجه و هكذا و هل يختص هذا الحكم بما إذا لم يغسل وجهه بل غسل يده فقط أو يعم ما إذا غسل وجهه بعد غسل يده اليمنى و بعبارة أخرى وجوب الابتداء بالوجه فيما إذا أخلّ بالترتيب يختص بالفرض الأوّل أو يعم الفرض الثاني أيضا-؟ المستفاد من بعض الروايات هو الثاني يعني يجب البدئة بالوجه في المثال و ان غسل وجهه بعد غسل يده اليمنى و الرواية التي أشرنا إليها هي رواية زرارة المتقدّمة آنفا فإن قوله ع فان غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه- ظاهر في تحقّق غسل الوجه بعد الذراع.

______________________________

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الوضوء الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 98

و أظهر من هذه الرواية رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا نسيت غسل وجهك فغسلت ذراعيك قبل وجهك فاغسل وجهك ثمّ اغسل ذراعيك بعد الوجه فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن

فأعد على غسل الأيمن ثم اغسل اليسار الخبر «1».

فانّ الظاهر من لفظ الإعادة أنّه غسل وجهه بعد يده اليمنى و غسل يده اليمنى بعد اليسرى فيستفاد منها أنّه يجب عليه اعادة غسل العضو السابق و ان غسله بعد العضو اللاحق و بهذا المضمون روايات أوردها في الوسائل «2» و لكن في بعض الأخبار ما يدلّ على كفاية غسل العضو اللاحق من دون اعادة غسل العضو السابق إذا غسله بعد العضو اللاحق مثل رواية ابن ابى يعفور عن الصادق عليه السلام قال: إذا بدأت بيسارك قبل يمينك و مسحت رأسك و رجليك ثمّ استيقنت بعد أنّك بدأت بها غسلت يسارك ثمّ مسحت رأسك و رجليك «3» و رواية منصور بن حازم عنه عليه السلام في حديث تقديم السعى على الطواف قال: ألا ترى أنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك «4».

و تلك الأخبار الأول و ان كانت ظاهرة في وجوب اعادة غسل العضو المغسول بعد العضو اللاحق الّا أنّ هذين الخبرين صريحان في كفاية غسل العضو اللاحق من دون اعادة غسل العضو السابق المغسول و الطائفة الاولى من الروايات و إن كانت أصحّ سندا الّا أنّ عمل الأصحاب على الطائفة الثانية من الأخبار فإنّ من الأصحاب من عبّر بمضامين تلك الأخبار الأول و لم يزد على تلك المضامين شيئا و منهم من أفتى صريحا بكفاية غسل العضو اللاحق و لم نظفر بقول من يقول صريحا بلزوم اعادة الغسل على العضو السابق فكأنّ هذين الخبرين قد عمل الأصحاب بهما و الأخبار المتقدّمة معرض عنها عندهم و اللّه العالم.

السابع من الواجبات الموالاة

و الظاهر أنّ وجوبها إجماعيّ في الجملة عند الخاصّة كما ادّعاه غير واحد و

أمّا العامّة

______________________________

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث 8

(2) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء

(3) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث 1- 6

(4) الوسائل الباب 35 من أبواب الوضوء الحديث 1- 6

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 99

فعند الشافعي في أحد قوليه اعتبارها بمعنى أنّه إذا فرّق بين أعضاء الوضوء الى أن تجفّ بطل وضوؤه و عند أبي حنيفة عدم اعتبارها و عند مالك التفصيل بين ما إذا فرّق بين الأعضاء لا لعذر فيبطل و بين ما إذا فرّق لعذر فلا يبطل و لم يعتبر الجفاف في بطلانه.

ثمّ انّ أقوال الخاصّة في اعتبار ماهيّة الموالاة مختلفة فبعضهم عرّفها بأنّها عدم الجفاف و بعضهم قد عرّفها بأنّها عدم الفصل الطويل بين الغسلات و المسحات و لم يعتبر الجفاف و بعضهم قد اعتبر في تحقّقها كلا الأمرين و القول الرابع وجوب الموالاة نفسيّا و حرمة التأخير و ان لم يتحقق الجفاف و بطلان الوضوء بتحقّق الجفاف و لا بدّ أوّلا من ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب حتّى ينكشف الحال فنقول- و باللّه الاستعانة-:

روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتّى يبس وضوؤك فأعد وضوءك فانّ الوضوء لا يبعّض «1» قوله: فانّ الوضوء لا يبعض- الظاهر أنّ المراد منه أنّ الوضوء ليس كالغسل في إمكان إتيان أجزائه و أبعاضه متفرقة بل لا بدّ من إتيان أبعاضه متوالية فلا يجوز أن يفرق بين أجزائه فيستفاد من التعليل عدم جواز الفصل بين أجزائه سواء جفّ السابق أم لا لأن العلّة تخصّص و تعمّم و مصداق الفصل في الرواية و إن كان جفاف الوضوء اى ماء الوضوء الّا

أنّ ذكر العلّة بعده يشمل ما إذا لم يجفّ ايضا و لكن تحقّق التبعيض في الوضوء الّا أن يقال: انّ التبعيض و إن كان يشمل ما ذكر في بادى النظر لكن ذكر الجفاف قبله بمنزلة ذكر حدّ التبعيض اى حدّ التبعيض الموجب للبطلان هو جفاف العضو السابق فح لا تشمل العلّة الفصل الطويل الذي لا يوجب الجفاف.

و روى معاوية بن عمّار في الصحيح قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ربّما توضّأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت علىّ بالماء فيجفّ وضوئي قال: أعد «2» فيستفاد من هذه الرواية ايضا أنّ المناط في الموالاة عدم جفاف العضو السّابق الّا أن يقال: انّ اعتبار عدم جفاف العضو السابق في تحقق الموالاة لا ينفى تحققها بعدم الفصل الطويل ايضا فتحصّل أنّ المستفاد من الروايتين في ماهيّة الموالاة هو عدم جفاف العضو السابق دون الفصل الطويل ماحيا لصورة الوضوء بطل حينئذ و ان لم يتحقّق الجفاف

______________________________

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الوضوء الحديث 2- 3

(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الوضوء الحديث 2- 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 100

المبحث الخامس في الأغسال الواجبة

اشارة

و هي ستّة الجنابة و الحيض و النفاس و الاستحاضة و غسل مسّ الميّت و غسل الميّت المسلم خلافا للصدوق و السيّد المرتضى قدس سرهما في جعلهما غسل مسّ الميّت مستحبّا و خلافا لبعض آخر في جعلها تسعة بإضافة غسل الناظر الى المصلوب بعد ثلاثة أيّام و غسل من فاتته صلاة الخسوف في وقتها فأراد القضاء في خارج الوقت و غسل يوم الجمعة و في هذا المبحث فصول

الفصل الأول

اشارة

في غسل الجنابة و وجوبه مجمع عليه بين المسلمين لدلالة الكتاب العزيز عليه قال اللّه تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا «1».

و المراد بالتطهّر هنا غسل الجنابة بالاتّفاق و سبب الجنابة أمران الأوّل الانزال سواء أ كان في النوم أم اليقظة و سواء أ كان بشهوة أم بغيرها خلافا لأبي حنيفة في تقييده بشهوة و ربّما يستشعر ذلك من بعض الأخبار الآتية و سيأتي الجواب عنه و سببيّة الانزال للجنابة بالنّسبة الى الرجل اجماعية و أمّا المرأة فسببيّته للجنابة بالنّسبة إليها مشهورة و تدلّ عليه أخبار مستفيضة منها صحيحة محمّد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام في الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج و تنزل المرأة هل عليها غسل قال: نعم «2» و المراد أنّ الجماع قد تحقّق في ما دون الفرج و لم يتحقّق في الفرج و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة ترى أنّ الرجل يجامعها في المنام في فرجها حتّى تنزل قال: تغتسل «3».

و منها رواية إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يلمس فرج جاريته حتّى تنزل الماء من غير أن يباشر يعبث بها بيده حتّى تنزل قال: إذا

أنزلت من شهوة فعليها الغسل «4» و منها رواية يحيى بن أبي طلحة أنّه سأل عبدا صالحا عليه السلام

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 6

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 3- 7- 2

(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 3- 7- 2

(4) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 3- 7- 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 101

عن رجل مسّ فرج امرأته أو جاريته يعبث بها حتّى أنزلت أ عليها غسل أم لا قال: قد أنزلت من شهوة قلت: بلى قال: عليها غسل «1» و هذان الخبران و إن كان ظاهرهما اعتبار كون الانزال من شهوة الّا أنّ الظاهر أنّ الشهوة ليست قيدا في كون الانزال موجبا للغسل بل يكون من قبيل المعرف لتحقق خروج المني، ضرورة وجوب الغسل بخروج المنى و ان لم يكن من شهوة و هو إجماعي بين المسلمين إلا أبي حنيفة.

ثم انّ هذه الروايات تعارضها روايات كثيرة دالّة على عدم وجوب الغسل على المرأة بالإنزال:

منها رواية محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: كيف جعل على المرأة إذا رأت في النوم أنّ الرجل يجامعها في فرجها- الغسل و لم يجعل عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج في اليقظة فأمنت قال لأنّها رأت في منامها أنّ الرجل يجامعها في فرجها فوجب عليها الغسل و الآخر انّما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل لأنّه لم يدخله الخبر «2».

و هذه الرواية لم يعلم ما المراد منها لأنّ ظاهرها أنّ المرأة إذا رأت في المنام أنّ الرجل يجامعها يجب عليها الغسل مع أنّ من المعلوم بطلانه إلّا إذا أمنت فيمكن أن يكون مقصوده (ع) من هذا الكلام و ما بعده التعمية

على السائل أو الحاضرين في مجلسه و اللّه العالم.

و منها رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يضع ذكره على فرج المرأة فيمني أ عليها غسل فقال: ان أصابها من الماء شي ء فلتغسله و ليس عليها شي ء الّا أن يدخله قلت: فإن أمنت هي و لم يدخله قال: ليس عليها غسل (الغسل) «3» و منها روايته ايضا قال: اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة و لبست ثيابي و تطيّبت فمرت بي وصيفة ففخذت لها فأمذيت أنا و أمنت هي فدخلني من ذلك ضيق فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك فقال: ليس عليك وضوء و لا عليها غسل «4» و يمكن الجواب عن هذه الروايات بأنّها من الأحكام السياسية يعنى أنّ احتلام المرأة و إنزالها و ان كان موجبا للغسل عليها كالرجل الّا أنّه لا ينبغي أعلامها بذلك لأنّها تأخذه وسيلة إلى الزنا فتزني و تغتسل فيقال لها: ما شأنك فتقول

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 15

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 19

(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 18 و 20

(4) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 18 و 20

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 102

احتلمت كما يظهر ذلك من رواية أديم بن الحر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل عليها غسل؟ قال: نعم و لا تحدّثوهن بذلك فيتّخذنه علّة «1».

و كذا رواية عبيد بن زرارة قال: قلت له: هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل قال: لا و أيّكم يرضى أن يرى أو يصبر على ذلك أن يرى ابنته أو أخته

أو امّه أو زوجته أو أحدا من قرابته قائمة تغتسل فيقول: مالك فتقول: احتلمت و ليس لها بعل ثم قال: لا ليس عليهنّ ذلك و قد وضع اللّه عليكم ذلك فقال: و ان كنتم جنبا فاطّهّروا و لم يقل ذلك لهن «2» و يستفاد من سياقها التعمية و إبهام الأمر حتى لا ينتهي الأمر ببيان حكم إنزال المرأة إلى اغتسال المرأة التي ليس لها بعل بحجة الاحتلام.

فانّ هذا المعنى معلوم أنه لا يصبر عليه أحد و الّا فلا معنى لقوله ع- لو لا التعمية- و قد وضع اللّه ذلك عليكم الى قوله: و لم يقل ذلك لهنّ مع أنّ من المعلوم عدم اختصاص حكم الجنب بالرجل فكما أنّ الرجل يجنب و يجب عليه الغسل فكذا المرأة بل هو ضروري بين المسلمين فالآية أيضا غير مختصّة بالرجل فهي نظير قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ غير المختصّة بالرجل و الحاصل أنّ مقصوده ع إخفاء الأمر عليهنّ حتّى لا يقعن في مفسدة أهم و ثانيا على فرض دلالة هذه الأخبار على عدم وجوب الغسل عليها بالإنزال فهي معرض عنها عند الأصحاب و لم يعمل بمضمونها أحد من الأصحاب إلّا الصدوق ره في المقنع على ما حكى عنه و يمكن حمل كلامه بأن المراد بالاحتلام- هو رؤيا الانزال أي بأن رأت في المنام أنّها أنزلت لا أنّها أنزلت حقيقة فيوافق قوله قول المشهور.

ثمّ انّ المشهور اعتبروا في كون ماء منيّا عند الشك أحد أمور ثلاثة أو جميعها و هي الشهوة و الخروج بدفع و قوّة و فتور الجسد فعند فقدان جميع هذه العلامات لا يحكم بكونه منيّا الّا أن يعلم بأنّه مني أمّا الدليل على اعتبار الشهوة في

الحكم بأنّه منّي فلما مرّ في الخبرين الواردين في إنزال المرأة «3» و كذا ما يأتي من بعض الأخبار و أمّا ما دلّ على اعتبار الدفع و الدفق فقوله

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 12

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 22

(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 2 و 15

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 103

تعالى فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسٰانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مٰاءٍ دٰافِقٍ «1» و ما رواه عبد اللّه بن أبى يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يرى في المنام و يجد الشهوة فيستيقظ و ينظر فلا يجد شيئا ثمّ يمكث الهوين بعد فيخرج قال: إن كان مريضا فليغتسل و ان لم يكن مريضا فلا شي ء عليه قال: قلت (فما فرق) الفرق بينهما فقال: لأنّ الرجل إذا كان صحيحا جاء الماء بدفقة (بدفعة) قوية و ان كان مريضا لم يجئ إلّا بعد «2» و هذه الرواية تدلّ على كون المني يجي ء من شهوة من الشخص الصحيح و تدلّ ايضا أنّه يجي ء بدفع و دفق.

و أمّا ما يدلّ على اعتبار الفتور في الجسد فما رواه بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يخرج من الإحليل المنى و المذي و الودي و الوذي فأمّا المني فهو الذي يسترخي له العظام و يفتر منه الجسد و فيه الغسل «3» الخبر.

ثمّ أنّه قيل بملازمة هذه العلامات الثلاث بعضها مع بعض يعني إذا تحقّقت الشهوة عند خروج المنى تحقّق الوصفان ايضا و هما الدفق و فتور الجسد و يستفاد من بعض الأخبار اعتبار اجتماع الأوصاف الثلاثة و هي رواية على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته

عن الرجل يلعب مع المرية و يقبّلها فيخرج منه المنى فما عليه قال: إذا جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه (بخروجه) فعليه الغسل و ان كان انما هو شي ء لم يجد له فترة و لا شهوة فلا بأس «4» و الظاهر أنّ هذه أمارات لكون الماء منيا لا أنّه مع العلم بكونه منيا يعتبر فيه الشهوة و الدفع و الفتور فإنّه ممّا لم يقل به أحد من الخاصّة و هذه الرواية و إن كان ظاهر صدرها اعتبار الأوصاف الثلاثة الّا أنّ ظاهر ذيلها هو الاكتفاء بالوصفين.

فيمكن أن يقال بكفاية كلّ واحد منها في كونها امارة بكون الخارج منيّا، و لا يعتبر اجتماعها فلذا اكتفى في الروايات بذكر واحد منها فإنّه قد ذكر في بعض الأخبار

______________________________

(1) سورة الطارق الآية 5 و 6

(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الجنابة الحديث 3.

(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الجنابة الحديث 17

(4) الوسائل الباب 8 من أبواب الجنابة الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 104

الشهوة أو هي مع الدفق و في بعضها فتور الجسد فيستفاد من مجموعها مع انضمام بعضها مع بعض و تقييد بعضها ببعض أنّ الأوصاف الثلاثة بأجمعها امارة بكون الخارج منيّا عند الشكّ لكنّ المتيقّن بكون الخارج منيّا عند الشك هو ما إذا اجتمعت الأوصاف الثلاثة و أمّا الاكتفاء بواحد منها كما قيل فمشكل فلا يترك فيه الاحتياط بالجمع بين الغسل و الوضوء لو كان قبل ذلك محدثا نعم لا يبعد الاكتفاء باثنين منها لذيل رواية علىّ بن جعفر المتقدّمة.

الثاني من الأسباب الموجبة لغسل الجنابة الجماع و هو إجماعيّ بين المسلمين في الجملة نعم اختلف العامة فيما إذا جامع و لم ينزل فالمشهور فيما بينهم

هو وجوب الغسل و القول غير المشهور فيما بينهم هو عدم وجوب الغسل في الجماع من غير إنزال و أمّا الخاصّة فإنّهم حكموا بوجوب الغسل بالجماع مطلقا أنزل أم لم ينزل من غير خلاف بينهم و انّما الخلاف بينهم فيما يتحقّق به الجماع الموجب للغسل فبعضهم اعتبر دخول جميع الذكر و المشهور كفاية دخول الحشفة أو مقدارها من مقطوع الحشفة و منشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار في التعبير.

فبعضها عبّر بالدخول كرواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته متى يجب الغسل على الرجل و المرية فقال: إذا أدخله وجب الغسل و المهر و الرجم «1» و في رواية البزنطي عن الرضا عليه السلام إذا أولجه «2» و هل يستفاد من هذه الرّواية اعتبار دخول تمامه أو يستفاد منها اعتبار مطلق الدخول و لو ببعض الحشفة و ان قيّدت في بعض الأخبار الآتية بالدّخول بتمام الحشفة الظاهر هو الثاني و كثير من الأخبار قد قيّد الجماع بالتقاء الختانين فمنها رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام عن علىّ عليه السلام قال: إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل «3» و منها رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يجامع المرية قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل فقال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة قال: نعم «4» الى غير ذلك من الأخبار (راجع الوسائل ب 6 من أبواب الجنابة) و هذه الروايات مثل روايات الدخول مجملة فإنّها بظاهرها تشمل- الا هذه الرواية

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 8 و 4

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب

الجنابة الحديث 1 و 8 و 4

(3) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 8 و 4

(4) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 105

الأخيرة- مطلق التقاء الختانين و ان لم يتحقق الدخول و مثلها في الإجمال رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: كان على عليه السلام يقول: إذا مسّ الختان الختان فقد وجب الغسل «1» و رواية على بن يقطين عن ابى الحسن عليه السلام قال: إذا وضع الختان على الختان فقد وجب الغسل «2» و روايته عنه عليه السلام قال: إذا وقع الختان على الختان فقد وجب الغسل «3» فانّ هذه الأخبار ليست بصريحة في اعتبار الدخول الّا أن يقال: انّ هذه التعبيرات كناية قطعيّة عن الجماع بمعنى الدخول كما يشهد بذلك ملاحظة جميع أخبار الباب بل في بعض الأخبار التصريح بذلك كرواية محمّد بن إسماعيل المتقدمة فإنّه قال في ذيلها: فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة قال: نعم.

ثمّ انّ التعبير بدخول الحشفة أو غيبوبتها ليس تقييدا على الظاهر حتّى يقال: انّها لا تشمل مقطوع الحشفة بل الظاهر أنّ المراد بيان المقدار الذي يحصل به الجنابة و يتحقّق به وجوب الغسل فالمعنى- و اللّه العالم- انّ ما يجب بسببه الغسل- هو غيبوبة الحشفة أي هذا المقدار من الذكر فح نقول بوجوب الغسل في مقطوع الحشفة إذا أدخل مقدارها.

فروع
الأوّل

- انّه لا فرق في الجماع بين الصغير و الكبير في تحقّق الجنابة و بين الفاعل و المفعول و ان كان كلاهما صغيرين أو أحدهما صغيرا و يدلّ على ذلك- مضافا الى نقل الإجماع من المشايخ على ذلك- إطلاقات الأدلّة فإن قوله: إذا أدخله أو إذا أولجه

فقد وجب الغسل يستفاد منه أنّ الدخول مطلقا سبب لوجوب الغسل و لكن يمكن المناقشة في الصغير بأنّه لا يمكن توجّه الوجوب إليه لأنّه غير مكلف فانّ من شرائط الوجوب البلوغ، فلا بدّ امّا أن يقيّد السبب و هو التقاء الختانين بأن يقال: انّ التقاء الختانين بعد البلوغ موجب للغسل و مقتضاه عدم تحقّق الجنابة بالتقاء الختانين قبل البلوغ.

و امّا أن يقيد المسبّب و هو وجوب الغسل بأن يقال: إذا التقى الختانان مطلقا اى سواء كان قبل البلوغ أم بعده وجوب الغسل بعد البلوغ و مقتضاه تحقّق الجنابة بالتقائهما

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 2 و 3 و 4

(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الجنابة الحديث 2 و 3 و 4

(3) لم أظفر بها في مظانّها نعم نقلها الهمداني في مصباحه صفحة 223

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 106

و لو كان قبل البلوغ لكن وجوب الغسل متوقف على البلوغ و لا ترجيح لأحد التقييدين على الآخر فلا بدّ من التوقّف الّا أن يقال بترجيح الثاني لأنّه يستفاد من بعض الأخبار المبيّنة لعلة وجوب الغسل من حدث الجنابة أنّ السّبب في وجوب غسل الجنابة هو حصول القذارة للبدن و أنّها لا تزول الّا بالغسل و هذا لا فرق فيه بين الصغير و الكبير مع ان الجنابة حكم وضعي غير موقوف على البلوغ كالنجاسة فإنّها تعرض للجسم سواء فيها الصغير و الكبير و سواء إنسانا أو حيوانا أو جمادا و الحاصل أنّه يمكن أن يجعل الشّارع حكما وضعيّا غير مشروط بالتّكليف كالنّجاسات و الضّمانات و الأحداث و غيرها.

الفرع الثاني

أنّه لا فرق في الجماع بين القبل و الدبر و قد ادّعى عليه السيّد و ابن إدريس

على ما حكى عنهما الإجماع و يدل عليه إطلاقات الأدلّة و الروايات المتقدّمة كقوله (ع) إذا أدخله فقد وجب الغسل و قوله (ع) تعالى: أو لامستم النساء فإنّه و إن كان من المقطوع به أنه ليس المراد منه اللمس المطلق بل هو كناية عن الجماع الّا أنّه لم يقيّد فيه بالجماع في القبل و في بعض الأخبار أنّ عليّا عليه السلام سئل عن الرجل يجامع امرأته أو أهله ممّا دون الفرج فيقضى شهوته قال: عليه الغسل «1» فانّ لفظ الفرج كما عن بعض أهل اللغة يشمل القبل و الدبر مضافا الى ورود بعض الأخبار في خصوص ما نحن فيه بوجوب الغسل مثل رواية حفص بن سوقة عمن أخبره قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يأتي أهله من خلفها قال: هو أحد المأتيّين فيه الغسل «2» و لكن يعارضها رواية البرقي مرفوعا عنه عليه السلام قال: إذا اتى الرجل المرية في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما فإن أنزل فعليه الغسل و لا غسل عليها «3» و رواية بعض الكوفيين مرفوعا عنه عليه السلام قال: إذا أتى الرجل المرية في دبرها (في الدبر) و هي صائمة لم ينقض صومها

______________________________

(1) لم أعثر عليها في مظانها

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 2

(3) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 107

و ليس عليها غسل «1».

و يمكن أن يجاب عن هذين الخبرين بأنّهما ضعيفا السّند بواسطة الرفع و الإرسال مضافا الى إعراض الأصحاب عنهما و الرواية الأولى أي رواية حضص و إن كانت مرسلة الّا أنّ المشهور قد عملوا بها و اعتمدوا عليها و أفتوا

بمضمونها مضافا الى أنّها موافقة لإطلاقات الأدلّة المتقدّمة الثالث من الفروع- أنّ الوطي مع البهيمة سواء كان في قبلها أو دبرها هل يكون كالجماع مع الإنسان أولا- المشهور كما ادّعاه بعضهم ذلك و يمكن استفادة ذلك من بعض الإطلاقات المستفادة من الأخبار المتقدّمة مثل قوله عليه السلام: إذا أدخله فقد وجب الغسل.

و قوله في الرواية المتقدّمة حين سأله السائل عن رجل يأتي أهله من خلفها، هو أحد المأتيّين فيه الغسل بناء على عود الضمير- اى هو- الى مطلق الخلف لا خصوص خلف المرءة اى الخلف مطلقا سواء كان من الاثني أو الذكر أو الحيوان- هو أحد المأتيّين اى الشيئين الذين من شأنهما أن يؤتى إليهما سواء كان بنحو الحلال أو بنحو الحرام فيشمل ح وطي البهيمة و الغلام لكن استفادة وطي البهيمة من الرواية مشكلة و كذا استفادة ذلك من إطلاقات الأدلّة فإنّه يمكن أن يقال: انّها منصرفة عن وطي البهيمة اللّهم الّا أن يقال: انّ الانصراف بدويّ يرتفع بملاحظة علّة وجوب غسل الجنابة و أنّه بسبب حصول القذارة و رافعها الغسل و المسألة بعد لا تخلو عن الاشكال لعدم العلم بشمول الإطلاقات لوطي البهيمة فلا يترك الاحتياط بالجمع فيه بين الغسل و الوضوء للمحدث بالحدث الأصغر.

و أمّا أحكام الجنابة فأمران الأوّل حرمة قراءة سور العزائم أو خصوص قراءة آيات السجدة على ما يأتي من الاختلاف عند الخاصّة و أمّا العامّة فبعضهم منعوا الجنب من قراءة القرآن مطلقا و استدلّوا لذلك بما رووه عن على عليه السلام أنّه كان صلّى اللّه عليه و آله لا يمنعه من قراءة القرآن شي ء إلّا الجنابة.

و بعضهم جوّز القراءة له مطلقا سواء أ كانت سور العزائم أم آيات السجدة

أم غيرها و لم يعتنوا بالرواية المذكورة و قالوا: «من أين علم علىّ (عليه السلام) أنّ النبيّ صلّى اللّه

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 3.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 108

عليه (و آله) و سلّم ترك القراءة لأجل الجنابة و هذا ظن منه» نعوذ باللّه من الخذلان و من الفرية و البهتان.

ثمّ انّ المحرم هل هو قراءة خصوص آيات السجدة أو تمام السورة من حيث المجموع أو تشمل الحرمة قراءة آية واحدة بل كلمة واحدة من هذه السور- وجوه بل أقوال و لا بدّ أوّلا من ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب فنقول- و باللّه الاستعانة- انّ الأخبار الواردة في قراءة الجنب للقرآن على أربعة أوجه فمنها ما يدلّ على جواز القراءة له مطلقا اى من غير تقييد بغير السجدة كرواية زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: تقرأ الحائض القرآن و النّفساء و الجنب «1».

و رواية فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس بأن يتلو الحائض و الجنب القرآن «2» و منها ما يدلّ على المنع من القراءة له مطلقا.

مثل رواية ابن ابى الدنيا المعمر قال: سمعت علىّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه لا يحجبه أو يحجزه من قرائه القرآن إلّا الجنابة «3».

و في بعض الأخبار ما يدلّ على جواز قراءة الجنب للقرآن و استثنى فيه السجدة مثل رواية زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الحائض و الجنب هل يقرءان من القرآن شيئا قال: نعم ما شاء الّا السجدة «4» و رواية محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: الجنب و الحائض

يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقرئان من القرآن ما شاء اللّه الّا السجدة «5».

و بعض الأخبار ما يدلّ على تحديد قراءة الجنب بسبع أو سبعين آية و هو رواية سماعة قال: سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن قال: ما بينه و بين سبع آيات «6» و في رواية زرعة عن سماعة قال: سبعين آية «7».

ثمّ انّه يمكن الجمع بين الطائفتين الأوّلتين من الأخبار و الطائفة الأخيرة منها بحمل أخبار النهى على الكراهة فيما عدا السبع أو السّبعين آية بقرينة هذه الرواية الأخيرة و أمّا الطائفة

______________________________

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 5

(2) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة الحديث 1 و 5

(3) مستدرك الوسائل الجلد 1 صفحة 68

(4) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة

(5) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة

(6) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة

(7) الوسائل الباب 19 من أبواب الجنابة

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 109

الثالثة فهل المراد من المستثنى اى السجدة هو سورة السجدة أو آيها قال المشهور بالأوّل بقرينة إطلاق الآية على السورة كإطلاق البقرة التي تكون حكايتها في ضمن السورة و هكذا في كثير من السور القرآنيّة و هذا المعنى أي تسمية الكل باسم الجزء كثير شائع في كلام العرب فالظاهر أنّ المراد من السجدة في الروايتين المتقدّمتين هو سورة السجدة دون آياتها و يؤيده استفادة المشهور ذلك من الروايتين مضافا الى ورود خصوص ذلك في روايتين الاولى ما رواه في المعتبر قال: يجوز للجنب و الحائض أن يقرءا ما شاءا من القرآن إلّا سور العزائم الأربع و هي اقرأ باسم ربّك الذي خلق و النجم و تنزيل السجدة و حم السجدة روى ذلك البزنطي في

جامعه عن المثنّى عن الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام «1».

فإنّه يظهر من قوله روى ذلك إلخ أنّ عبارة الرواية هي سور العزائم و الرواية الثانية رواية فقه الرضا عليه السلام قال: و لا بأس بذكر اللّه و قراءة القرآن و أنت جنب إلّا العزائم التي تسجد فيها الحديث «2» فإنّ العزائم هي السور دون الآيات و لكن في الجميع نظر أمّا إطلاق الآية على السورة فباعتبار اشتمالها عليها فح إطلاق الآية و ارادة نفسها أكثر «3» و امّا استفادة المشهور من الروايتين ذلك فهي اجتهاد منهم و استظهار من الروايتين فلا يكون لنا حجّة و أمّا ما في المعتبر فالظاهر أنّه استفاد من رواية البزنطي ذلك لا أنّ لفظ الرّواية كان هو السورة بقرينة ذكره تينك الروايتين اللتين فيهما ذكر السجدة حجّة لقوله بعد ذكر كلام العامّة ردّا عليهم فيعلم أنّه استفاد من السجدة السّورة فيمكن أن يكون رواية البزنطي أيضا مثل هاتين الروايتين.

و أمّا رواية فقه الرضا (ع) فإنّها و إن كانت ظاهرة في قول المشهور الّا أنّها غير قابلة للاعتماد لعدم اعتماد العلماء على صحّة انتساب فقه الرضا الى الرضا عليه السلام و الحاصل أنّ السجدة لا يستفاد منها أكثر من آية السّجدة فالظاهر حرمة قراءة آية السجدة للجنب فقط دون السور المشتملة عليها.

ثم على فرض حرمة قراءة السورة هل يكون مجموع السورة من حيث المجموع حراما أو

______________________________

(1) المعتبر صفحة 49

(2) مستدرك الوسائل صفحة 68.

(3) لا يخفى عليك ما فيه

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 110

تشمل الحرمة أبعاضها أيضا بأن يكون قراءة كلّ آية منها حراما حتّى البسملة- فيه قولان مستند القول الأوّل أنّ السّورة لأجل اشتمالها على آية السّجدة

تكون قرائتها محرمة و يمكن أن يجاب عنه بأنّه يؤول الأمر إلى حرمة قراءة آية السّجدة فقط فإنّه على هذا القول لا ينبغي الحكم بحرمة قراءة جميع السورة بدون قراءة آية السجدة لعدم اشتمالها على آية السّجدة فح لا وجه للحكم بحرمة قراءة جميع السورة و مستند القول الثاني أنّ مناسبة الحكم و الموضوع تثبت حرمة جميعها اى كلّ آية منها فإنّ ملاحظة الحكم مع موضوعه مختلفة ففي بعض الموارد يستفاد أنّ المراد المجموع مثلا إذا قيل: ابن لي سجدا فإنّه يستفاد منه ارادة بناء مسجد بتمامه و كذا إذا قيل: اقرأ سورة يس فإنّه يقتضي أيضا إرادة قرائتها بتمامها و لا يجوز الاكتفاء بقراءة آية أو آيتين منها.

و في بعض الموارد يكون المراد كلّ جزء من المجموع مثلا إذا قيل: لا تخرب المسجد فإنّه يستفاد منه أنّ تخريب كلّ جزء من المسجد منهي عنه فيمكن أن يكون ما نحن فيه من هذا القبيل فإنّه إذا قيل: لا تقرأ سورة السجدة فإنّه يستفاد منه أنّ قراءة كلّ جزء منها مبغوض عنده.

الثاني من المحرمات على الجنب مسّ كتابة القرآن و هو إجماعي و يدلّ على ذلك قوله تعالى لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «1» فانّ الجنب لا يكون من المطهرين قطعا و لكن يمكن أن يخدش في دلالتها على المطلوب بأنّ الضمير في لا يمسّه راجع الى الكتاب فح تشمل الآية جلد الكتاب و ورقه الذي ليس عليه الكتابة فلا بد من حملها على الكراهة للإجماع على جواز مسّ ما عدا الكتابة و يمكن الجواب عن هذه الخدشة بأّن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي كون المراد بالكتاب الكتابة فقط دون الورق و الجلد و يدلّ ايضا على

حرمة مسّ الجنب للمصحف أخبار.

منها رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبى الحسن عليه السلام قال: المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنبا و لا تمسّ خيطه (خطه) و لا تعلّقه انّ اللّه تعالى يقول: لا يمسّه الّا المطهرون «2» و هذه الرواية صدرها ظاهر في إرادة ما ذكرناه من حرمة مسّ كتابة المصحف

______________________________

(1) سورة الواقعة الآية 56

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 111

الّا أنّ ذيلها يوجب الوهن في التمسّك بصدرها لأنّ قوله على ما في بعض النسخ: و لا تمسّ خيطه بدل خطّه و كذا قوله: و لا تعلّقه يجعلها ظاهرة في كراهة المسّ لأنّ مسّ خيطه و تعليقه جائز بالإجماع.

و منها رواية حريز عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كان إسماعيل بن أبي عبد اللّه عنده فقال: يا بنيّ اقرأ المصحف قال: انّى لست على وضوء فقال: لا تمسّ الكتاب و مسّ الورق و اقرأ «1» و هذه الرواية فيها قرينة ظاهرة على أنّ المراد بالكتاب هو نفس الكتابة لأنّ فيها التصريح بجواز مسّ الورق فيعلم منه أنّ الكتاب في هذه الرواية و كذا الرواية الآتية و كذا الآية يراد منه ما عدا الورق و غيره يعنى يراد منه نفس الكتابة.

و منها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّن قرأ في المصحف و هو على غير وضوء قال: لا بأس و لا يمسّ الكتاب (الكتابة خ ل) «2» و هذه النّسخة اى نسخة الكتابة ايضا مؤيدة لكون المراد بالكتاب الكتابة ثمّ انّ هاتين الرّوايتين و إن كان موردهما غير المتوضّئ إلّا أنّهما تشملان الجنب ايضا بطريق

أولى لأنّ الجنب على غير وضوء مع الزّيادة و هي كونه متلبّسا بالحدث الأكبر.

و منها رواية محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب الخبر «3» و هذه الرّواية لا تدلّ على وجوب الافتتاح من وراء الثّوب لأنّ مسّ حواشي القرآن و مسّ ما عدا خطوط القرآن جائز بالإجماع فلا بدّ من حملها على الاستحباب لأنّه لا ملازمة بين قراءة القرآن و مسّ خطوطه الّا أن يقال: انّ المعلوم من مصاحف ذلك الزّمان هو تحقّق المسّ بالافتتاح و لكن دون إثبات ذلك خرط القتاد.

و منها ما في مجمع البيان في قوله تعالى: لا يمسّه الا المطهّرون قال: و قيل: المطهّرون من الأحداث و الجنابات و قالوا: لا يجوز للجنب و الحائض و المحدث مس المصحف عن محمّد بن علىّ الباقر عليه السلام و طاوس و عطاء و سالم و غيرهم انتهى «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الجنابة الحديث 3 و 2

(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الوضوء الحديث 1

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب الجنابة الحديث 5

(4) مجمع البيان جلد 9 صفحة 226

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 112

و لكن هذه الرواية مضافا الى أنّها مرسلة يمكن أن تكون منقولة بالمعنى و انّ صاحب مجمع البيان استفاد منها ما ذكره فيمكن أن يكون اجتهادا له من الرواية لا أنّ عبارة الرواية كانت كذلك.

و منها رواية فقه الرضا عليه السلام قال: و لا تمسّ القرآن إذا كنت جنبا أو أنت على غير وضوء «1» و هذه الرواية و إن كانت ظاهرة في المطلوب الّا أنّها ضعيفة السند غير معتمد عليها كما مر و الحاصل أنّ الروايات

الصحيحة لا تكون نصا في حرمة المسّ و ما كانت نصّا لم تكن معتبرة و لكن عمدة الأدلّة هو الإجماع في المسئلة و كذا لا يجوز مسّ شي ء عليه اسم اللّه للجنب سواء أ كان درهما أم دينارا أم غيرهما و يدلّ على ذلك رواية عمّار بن موسى السّاباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يمسّ الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّه «2» و في التهذيب هذه الزيادة: و لا يستنجى و عليه خاتم فيه اسم اللّه و لا يجامع و هو عليه و لا يدخل المخرج و هو عليه.

و لكن رواية المعتبر المنقولة عن ابى الربيع عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجنب يمسّ الدراهم و فيها اسم اللّه و اسم رسوله فقال: لا بأس به ربما فعلت ذلك «3» معارضة للرواية الأولى و كذا رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: سألته هل يمسّ الرّجل الدرهم الأبيض و هو جنب فقال: و اللّه انى لأوتى بالدرهم فآخذه و أنا جنب «4» و الظاهر انّ المراد بالدرهم الأبيض الدرهم الذي يكون عليه اسم اللّه أو سورة القرآن أو نحوذ لك ممّا يكون محترما إذ لا معنى للسؤال من مسّ الدّرهم من حيث كونه درهما فإنّه ليس موردا للتوهم.

و كذا رواية إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: سألته عن الجنب و الطامث يمسّان أيديهما الدراهم البيض قال: لا بأس «5» فهذه الروايات معارضة للرواية الاولى، و يمكن أن يجاب عنها بأنّها معرض عنها عند الأصحاب فيمكن حملها على التقيّة أو على عدم مسّ خصوص اسم اللّه فإنّها لم تكن صريحة في جواز مسّ اسم اللّه

بل على جواز مسّ الدّرهم و لا ملازمة بينهما كما لا يخفى.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل جلد 1 صفحة 43

(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الجنابة الحديث 1

(3) الوسائل الباب 18 من أبواب الجنابة الحديث 3

(4) الوسائل الباب 18 من أبواب الجنابة الحديث 2

(5) المعتبر للمحقّق صفحة 50

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 113

الفصل الثالث في واجبات الغسل

اشارة

و هي أمور الأوّل النيّة و لا يجب أزيد من نيّة الاستباحة أو رفع الحدث لعدم الدّليل على اعتبار أزيد من ذلك و لو شكّ في اعتبار شي ء منهما أو غيرهما من الشّرائط كالكون على الطهارة أو اعتبار نيّة غاية من الغايات كالصّلوة أو دخول المساجد و نحو ذلك فان قلنا بأن المأمور به في باب الغسل هو تحصيل الطّهارة الواقعية لا نفس هذه الأفعال يجب ح الإتيان بكلّ شي ء يحتمل دخله في تحقق المأمور به لأنّه بدون إتيان ذلك المحتمل الاعتبار يشكّ في تحقّق المأمور به.

و أمّا إذا قلنا بأنّ المأمور به هو نفس هذه الأفعال و لا يجب على المكلّف وراء هذه الأفعال شي ء آخر فلا يجب إتيان ما يحتمل دخله في المأمور به لأصالة البراءة و الظاهر هو الثّاني و ان قيل بالأوّل فإنّ ظاهر قوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا و ان كان ظاهرا في الأوّل إلا أنّ قوله تعالى وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا «1» مبتن لقوله تعالى فَاطَّهَّرُوا فإنّه يعلم منه أنّ المراد بالتطهّر هو الاغتسال لا تحصيل الطهارة و كذا يستفاد هذا المعنى من روايات باب الجنابة مثل قوله (ع) صبّ على رأسه ثلاث أكف «2» و قوله ثمّ أفض على رأسك «3» و قوله (ع): و كلّ شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته

«4» و قوله (ع) ليصبّ على رأسه ثلاث مرّات «5» و غير ذلك من التعبيرات الواردة في كيفية غسل الجنابة فإنّه يستفاد منها أنّ المأمور به هو غسل البدن و صبّ الماء عليه و مسّ البدن به لا تحصيل الطّهارة الّا أنّ ذلك كله لا يخلو عن تأمل لأنّ الظاهر أنّ الأفعال مقدّمات لحصول المأمور به الذي هو الطهارة.

ثم انّه يجب استدامة النيّة إلى آخر العمل بمعنى عدم نية الخلاف بناء على أنّ المراد من النيّة هي الداعي كما هو الحقّ لا الاخطار بالبال فلذا أفتى الفقهاء ببطلان الصّوم عند قصد الإفطار و ان رجع عن قصده و بطلان الصّلوة عند ارادة قطعها إذا أتى ببعض

______________________________

(1) سورة النساء الآية 43

(2) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2- 6- 5- 8

(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2- 6- 5- 8

(4) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2- 6- 5- 8

(5) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 2- 6- 5- 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 114

الأفعال مع نيّة الخلاف و أمّا إذا لم يأت بشي ء بعد نيّة الخلاف و رجع عن قصده قبل الإتيان بشي ء فقد حكم بعض الفقهاء بعدم بطلان الصّلوة و أمّا إذا قلنا بأنّ النيّة هي الاخطار بالبال كما اختاره بعض فاللازم هو الاستدامة الإجماليّة يعني يجب استمرار الاخطار إجمالا لعدم إمكان الاخطار التّفصيلي أو تعسّره و استمرار الاخطار الإجمالي هو بمعنى وجود الداعي على إتمام العمل.

الثاني من واجبات الغسل غسل تمام البشرة و يدل على وجوب التمام قوله (ع) في رواية زرارة: ثم تغسل جسمك من لدن قرنك الى قدميك الخبر «1» فهذا التعبير يستفاد منه بحسب

المتفاهم العرفي- أنّ الواجب غسل تمام البدن و كذا يجب إيصال الماء الى ما تحت الشعر و إن كان يكفي في غسل الوجه في الوضوء غسل الشعر منه و لا يجب غسل البشرة التي تحته كما قدّمناه في باب الوضوء لأنّ موضوع وجوب الغسل هناك هو الوجه و الوجه صادق على شعره لأنّ الوجه هو ما يواجه به و الشعر ممّا يواجه به ايضا بخلاف الموضوع هنا فإنّه الجسد كما تقدّم في رواية زرارة و الجسد لا يصدق على الشعر مضافا الى دلالة الأخبار الكثيرة على وجوب إيصال الماء تحت الشعر و أصوله مثل رواية دعائم الإسلام عن علىّ عليه السلام أنّه قال في حديث: و بلّ الشعر حتى يصل الماء إلى البشرة «2» و مثل بعض الأخبار الآمرة للنّساء بالمبالغة بغسل رأسها «3» فإنّه يستفاد منها أنّ الأمر بالمبالغة لإيصال الماء إلى البشرة و مثل ما روى عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: تحت كلّ شعرة جنابة فبلوا الشعر و انقوا البشرة «4».

ثم انّ المشهور أنّه لا يجب غسل الشعر و حكى عن صاحب الحدائق القول بوجوبه و احتمل ذلك من عبارة المفيد (ره) و استدلّ لذلك برواية حجر بن زائدة عن الصّادق عليه السلام قال: من ترك شعرة من الجنابة متعمّدا فهو في النّار «5» ثمّ قال صاحب الحدائق: التأويل بالحمل على أنّ المراد بالشعرة ما هو قدرها من الجسد لكونها مجازا شائعا كما ذكروا و ان

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 5

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 13

(3) راجع جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل

(4) كنز العمّال للمتّقي الهندي الجلد

5 صفحة 135 على ما حكى عنه

(5) الوسائل الباب 1 من أبواب الجنابة الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 115

احتمل الّا أنّه خلاف الأصل فلا يصار اليه الا بدليل الى أن قال: و يزيدك بيانا و تأكيدا ما روى عنه مرسلا من قوله (ص): تحت كلّ شعرة جنابة فبلّوا الشعر و انقوا البشرة و استدلّ أيضا بالأمر بمبالغة النساء في غسل رؤسهن في صحيحة محمّد بن مسلم و حسنة الجميل «1» و قال: قبل ذلك: انّا نمنع صدق الجسد على الشعر و لو مجازا كيف و قد حكموا بوجوب غسله في يدي المتوضّى معلّلين تارة بدخوله في محلّ الفرض و أخرى بأنّه من توابع اليد فإذا كان داخلا في اليد فاليد داخلة في الجسد و لو سلّم خروجه من الجسد فلا يخرج من الدخول في الرأس و الجانب الأيمن و الأيسر المعبر بها في جملة من الأخبار انتهى ملخّصا.

و قال الفاضل الهمداني: دعوى صدق الجسد على الشّعر حقيقة ممنوعة و مجازا غير مجدية و كذا دعوى صدق الرأس على الشّعر المتدلّي عليه و على اللحية غير مسلّمة بلى الرأس اسم للعضو المخصوص نعم إطلاقه عليه و على ما عليه من الشّعر مسامحة شايعة و لأجلها لا نستبعد ارادة غسل المجموع من الأمر بغسل الرأس بل لا يبعد دعوى ظهوره في إرادة ذلك لكن الأخبار الواردة في غسل الرأس و الجانبين مسوقة لبيان التّرتيب فلا يستفاد منها الا وجوب غسل الأعضاء في الجملة و أمّا غسل ما هو خارج عن مسمى الجسد فلا انتهى كلامه رفع مقامه و حكى عن الشهيد أنّه قال: الفارق بين اليد في الوضوء و الجسم في الغسل النصّ انتهى و لعل

مراده من النص ما عن كتاب الجعفريّات بإسناده عن الصادق عن أبيه عليهما السلام أنّ عليّا عليه السلام كان يقول: إذا اغتسلت المرية من الجنابة فلا بأس أن لا تنقض شعرها تصبّ عليه الماء ثلاث حفنات ثمّ تعصره «2».

و ما عن الفقيه بإسناده عن عمّار السّاباطي انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحائض تغتسل و على جسدها الزعفران لم يذهب به الماء قال: لا بأس به و عن المرية تغتسل و قد امتشطت بقرامل و لم تنقض شعرها كم يجزيها من الماء قال: مثل التي نشرت شعرها و هو ثلاث حفنات على رأسها الخبر «3» و الحفنات جمع الحفنة و هي كما في المصباح- مل ء الكفّين و هاتان الروايتان يستفاد منهما عدم وجوب نقض الشعر و حلّه عند العسل فهو امّا لأجل وصول الماء الى جميع أجزاء الشعر

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 21 و 22

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 19 و 25

(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 19 و 25

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 116

بدون الحل و هو غير ممكن غالبا و لا أقلّ من أن يكون معرضا لعدم وصول الماء أو للشكّ في الوصول و إمّا لأجل عدم وجوب غسل الشعر و هو المطلوب و امّا حسنة الجميل و صحيحة محمّد ابن مسلم المتقدمتان فهما ليستا على خلاف هاتين الروايتين لأن الأمر بمبالغة غسل رؤسهن انّما هو لأجل وصول الماء إلى البشرة لا لأجل وصوله الى أجزاء الشّعر كما لا يخفى على من تأمّل فيها غاية التأمّل.

و أمّا رواية حجر بن زائدة و الرواية المروية عن النبيّ صلّى اللّه عليه

و آله المتقدمتان فالإنصاف أنّهما تدلّان على وجوب غسل الشّعر و لكن لا تدلّان على الوجوب الذّاتي النفسي فيمكن أن يكون الوجوب غيريا أو تبعيا بمعنى أنّ وجوب غسل الشعر لأجل وجوب إيصال الماء إلى البشرة و ليس لوجوب غسل الشعر مصلحة ذاتيّة فح لو وصل الماء إلى البشرة من دون وصوله الى الشّعر لكفى و لا ينافيه إثبات العقاب على تركه في قوله (ص) من ترك شعرة من الجنابة فهو في النّار لأنّ ترك غسلها يؤدى غالبا الى ترك ذي المقدّمة فالعقاب في الحقيقة على ترك ذي المقدّمة أي إيصال الماء إلى البشرة.

و اسناد العقاب الى ترك المقدّمة صحيح عند أهل المحاورة مثل أن يقول السيّد لعبده: اذهب الى السوق و اشتر اللحم و ان لم تذهب الى السّوق عاقبتك مع أنّ العقاب في الحقيقة على ترك شراء اللحم و أمّا الوجوب التبعي فالالتزام به في الشعرات الصغار لا بأس به لكون غسلها بنظر العرف هو غسل الجسد لا غسل شي ء آخر ما وراء الجسد و أمّا الشعرات الطوال فهي بنظر العرف شي ء لا يشمله الجسد و لا تكون تابعة له بل هي شي ء آخر فح الأقوى عدم وجوب غسل الشّعرات الطوال و وجوب غسل الشعرات القصار التي تكون بنظر العرف تابعة للجسد ثم انّه يجب غسل ظاهر البدن دون الباطن مثل باطن العينين و باطن الأذنين و باطن الأنفين و باطن الفم لدلالة كثير من الأخبار عليه.

فمنها مرسلة أبي يحيى الواسطي عمّن حدّثه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الجنب يتمضمض قال: لا انّما يجنب الظاهر و لا يجنب الباطن و الفم من الباطن «1» قوله (ع): لا لنفى الوجوب دون الجواز

أو الاستحباب لأنّ المضمضة مستحبة للجنب و يوضح ذلك الرواية الآتية.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 28

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 117

و منها روايته عنه ايضا عليه السلام أنّه قال في غسل الجنابة ان شئت أن تمضمض و تستنشق فافعل و ليس بواجب انّ الغسل على ما ظهر لا على ما بطن «1» و كثير من الأخبار بهذا المضمون.

الثالث من الواجبات الترتيب بين أعضاء الغسل أمّا الترتيب بين الرأس و الطرفين فوجوبه إجماعيّ على ما حكى الّا من الصّدوقين و كلامهما المحكي ليس صريحا في الخلاف أمّا الدّليل على وجوبه فالآية أعني قوله تعالى وَ لٰا جُنُباً إِلّٰا عٰابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا- ليست دالة على الوجوب لأنّ الاغتسال إن كان من الغسل بالضمّ فيمكن أن يقال: انّها ليست بصدد بيان كيفيّة الاغتسال فليس فيها إطلاق بالنّسبة إلى التّرتيب.

و أما إذا كان من الغسل بالفتح ففيها إطلاق لأن الغسل مفهومه واضح عند العرف و هو غسل البدن و مفهومه ليس مشروطا بشرط لدى العرف و لم يثبت بحسب اللغة مجي ء الاغتسال من الغسل بالضمّ فيجوز الأخذ بإطلاق الاغتسال لنفى وجوب الترتيب.

و أمّا الأخبار فكثيرة فمنها مطلقة مع أنّها في مقام البيان كرواية زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة قال: تبدأ فتغسل كفّيك ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك و مرافقك ثمّ تمضمض و استنشق ثمّ تغسل رأسك من قرنك الى قدمك ليس قبله و لا بعده وضوء و كلّ شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته و لو أنّ رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و ان لم يدلك جسده «2» و هذه الرواية مع أنّه

(ع) ذكر فيها مستحبّات الغسل- كما ترى- لا تعرّض فيها للترتيب و لا يمكن أن يقال: انّها ليست في مقام البيان و كيف لا و قد ذكر (ع) فيها أجزائه المستحبّة و حملها على الغسل الارتماسي أبعد فإنّ قوله (ع) و لو أنّ رجلا ارتمس إلخ ظاهر بل كاد أن يكون صريحا في الغسل الارتماسي و هو ظاهر في مغايرته للجملة الاولى أعنى قوله (ع) ثمّ تغسل من قرنك الى قدمك فإنّه ظاهر في الغسل الترتيبي خصوصا مع ذيله و هو قوله: كلّ شي ء أمسسته الماء فقد أنقيته فانّ إمساس الماء يصدق على مطلق الإمساس و ان لم يحصل الارتماس.

و مثل رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 29

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 12

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 118

فقال: تصبّ على يديك الماء فتغسل كفّيك ثمّ تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجك ثم تمضمض و تستنشق و تصبّ الماء على رأسك ثلاث مراّت و تغسل وجهك و تفيض على جسدك الماء «1».

و مثل رواية ابن أبى نصر قال: قال الرضا عليه السلام: في غسل الجنابة تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك ثمّ تدخلها في الإناء ثمّ اغسل ما أصاب منك ثمّ أفض على رأسك و سائر جسدك «2» و هاتان الروايتان و ان ذكر فيهما أوّلا الرأس و لكن حيث كان عطف الجسد عليه بالواو و هي لا تدلّ على الترتيب فلا تدلّان على وجوب الترتيب بين الرأس و الجسد و مثلهما في عدم الدلالة على الترتيب رواية الحكم بن الحكيم قال: سألت أبا عبد

اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة فقال: أفض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها الى أن قال: و أفض على رأسك و جسدك فاغتسل «3» و لكن بعض الأخبار يدلّ على وجوب الترتيب بين الرأس و سائر الجسد فمنها صحيحة زرارة قال: قلت: كيف يغتسل الجنب فقال: ان لم يكن أصاب كفّه شي ء غمسها في الماء ثمّ بدا بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكفّ ثمّ على منكبه الأيمن مرتين و على منكبه الأيسر مرّتين فما جرى عليه الماء فقد أجزأه «4».

و هذه الرّواية تدل على وجوب الترتيب بين الرأس و سائر الجسد و لكن لا تدلّ على الترتيب بين الشقّ الأيمن و الأيسر لعدم دلالة الواو على أزيد من مطلق الجمع الّا أن يقال: أنّ عطف المنكب الأيمن بثم بعد الرأس يكشف عن أن غسل الأيمن لا بدّ من أن يكون بعد غسل الرأس فقهرا غسل الأيسر يكون بعد الأيمن و هو معنى الترتيب و منها رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن غسل الجنابة فقال: تبدأ بكفّيك فتغسلهما ثمّ تغسل فرجك ثمّ تصبّ الماء على رأسك ثلاثا ثمّ تصبّ الماء على سائر جسدك مرّتين الخبر «5» و منها رواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل الى أن قال (ع): ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مراّت ملأ كفّيه ثمّ يضرب بكفّ من ماء على صدره و كفّ بين كتفيه ثم يفيض الماء على جسده كلّه الخبر «6» و هذه الرواية من الأخبار التي تدلّ

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 7 و 8

(2) جامع الأحاديث الباب

2 من أبواب الغسل الحديث 7 و 8

(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 11- 1

(4) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 11- 1

(5) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 2- 3

(6) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 2- 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 119

على وجوب غسل جميع البدن في الغسل.

و من الأخبار الدالّة على وجوب تقديم غسل الرأس خبر حريز الوارد في الوضوء قال: قلت: فان جفّ الأول قبل أن أغسل الذي يليه قال: جفّ أو لم يجف اغسل ما بقي قلت: و كذلك غسل الجنابة قال: هو بتلك المنزلة و ابدأ بالرأس ثمّ أفض على سائر جسدك قلت: و ان كان بعض يوم قال: نعم «1» و هذه الرّواية تدل على وجوب الترتيب من جهتين الأولى قوله: هو بتلك المنزلة يعني كما أنّ الوضوء لا بدّ أن يغسل الأوّل من الأعضاء فيه ثم يغسل ما يليه فكذلك غسل الجنابة الثانية قوله و ابدأ بالرأس فإنّه أقوى دلالة على وجوب الترتيب بين الرأس و سائر الجسد من لفظ ثمّ و منها حسنة زرارة قال: من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثمّ بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدا من اعادة الغسل «2».

و هذه الرّواية أقوى دلالة من جميع الروايات على الترتيب بين الرأس و البدن و لكن في دلالة جميع هذه الأخبار على وجوب الترتيب نظر أمّا رواية زرارة و محمد بن مسلم و سماعة فلأنّ لفظ ثمّ و إن كان يفيد الترتيب إلا أنّه للتّرتيب مع التراخي و حيث أنّه لا يعتبر التّراخي في غسل أعضاء الغسل فلا بدّ اما حمله على وجوب

الترتيب بدون التّراخي و هو خلاف معناه الموضوع له أو على عدم افادته للترتيب كما أنّ من المعلوم عدم افادة ثمّ هنا للتّراخى الّا أنّ يقال: انّ ثمّ استعملت في معناها و هو الترتيب مع التراخي إلا أنّا علمنا من الخارج أنّ التراخي ليس واجبا بل يكون جائزا و على فرض إفادتها للترتيب فلا بدّ من حلمها على الاستحباب جمعا بينها و بين المطلقات الدّالّة بإطلاقها على عدم وجوب الترتيب لأنّها في مقام البيان فلا يمكن تقييدها بهذه الأخبار.

و امّا رواية حريز فمضافا الى عدم إمكان التزام مضمونها في باب الوضوء- يظهر منها أنّ مورد السّؤال هو الموالاة لا الترتيب فأجاب (ع) هو بتلك المنزلة أي كما أنّ الوضوء إذا جفّ أو لم يجفّ السّابق من الأعضاء لا يضرّ في صحته فكذا الغسل يعنى لا يعتبر الموالاة في الغسل كما يوضحه ذيل الرواية أعني قوله: قلت: و ان كان بعض يوم قال: نعم و أمّا قوله في نفس هذه الرواية أعني رواية حريز: و ابدأ بالرأس فيمكن حمله على الاستحباب جمعا بينها و بين

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 27 من أبواب الوضوء الحديث 22

(2) الوسائل الباب 28 من أبواب الجنابة الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 120

المطلقات.

و أما حسنة زرارة فيظهر من قوله: ثمّ بدا له أن يغسل رأسه أنّه كان من أوّل الأمر عازما على غسل بدنه فقط بدون رأسه فكان عازما على إتيان شي ء باطل في الشرع فلم يكن مأمورا به فبطلانه من جهة عدم الأمر به لا لفوات الترتيب فلذا قال: لم يجد بدا من اعادة الغسل و الدّليل على هذا الظهور أنّ لفظ بدا و إن كان معناه الظهور بعد الخفاء

الّا أنّ هذا التعبير يستعمل غالبا في ظهور النّدم يعنى أنّه كان بانيا على غسل الجسد بدون الرأس ثم ندم و غسل رأسه.

فعمدة المستند حينئذ في المسألة أي وجوب الترتيب بين الرأس و الجسد هو الإجماع ان لم يعلم استناد المجمعين الى هذه الأخبار و بعد ذلك فالمسئلة لا تخلو من اشكال فلا يترك الاحتياط بمراعاة الترتيب بين الرأس و الجسد هذا كلّه في التّرتيب بين الرأس و الجسد و أمّا الترتيب بين الشق الأيمن و الأيسر فهو واجب على المشهور و قد استدل له برواية زرارة قال: قلت: كيف يغتسل الجنب فقال: ان لم يكن أصاب كفّه شي ء غمسها في الماء ثمّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكفّ ثم صبّ على منكبه الأيمن مرتين و على منكبه الأيسر مرتين الخبر «1» و اعترض عليه بأنّ الواو لا تفيد الترتيب و أجيب بأنّها و ان لم تفد الترتيب الّا أنّ ذكر المنكب الأيسر بعد المنكب الأيمن و بعد الرأس يفيد أنّ الغسل له ثلاثة أجزاء و ذكر المنكب الأيمن بعد الرأس بثمّ يفيد أنّ الأيمن لا بدّ أن يغسل بعد الرأس فقهرا المنكب الأيسر الذي هو من أجزاء الغسل بحسب هذه الرواية يقع غسله بعد المنكب الأيمن و هو معنى الترتيب.

و لكن يمكن الجواب عن هذا الجواب بأنّه يمكن غسلهما معا كما يستفاد ذلك من الأخبار المطلقة مثل قوله (ع) بعد الأمر بغسل رأسه و تفيض على جسدك الماء «2».

و استدلّ ايضا لوجوب الترتيب بأخبار غسل الميّت و تشبيه غسل الميّت بغسل الجنابة مع أنّ المستفاد من تلك الأخبار وجوب الترتيب فيستفاد من التشبيه، ثبوت حكم المشبه أعنى غسل الميّت

في المشبه به اعنى غسل الجنابة و لا بدّ أوّلا من ذكر تلك الأخبار حتّى يعلم أنّه هل يستفاد منها وجوب الترتيب في غسل الميّت ثمّ ينظر في التّشبيه و انّه هل يستفاد

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 1- 7

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 1- 7

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 121

منه ذلك أم لا.

فنقول: روى الكليني بإسناده عن عبد اللّه الكاهلي عن الصادق في حديث قال: ثمّ ابدأ بفرجه بماء السّدر و الحرض فاغسله ثلاث غسلات و أكثر من الماء و امسح بطنه مسحا رفيقا ثم تحوّل الى رأسه و ابدأ بشقّه الأيمن من لحيته و رأسه ثمّ ثن بشقّه الأيسر من رأسه و لحيته و وجهه و اغسله برفق الى أن قال: ثمّ أضجعه على شقّه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثم اغسله من قرنه الى قدميه و امسح يدك على ظهره و بطنه ثلاث غسلات ثمّ ردّه الى جنبه الأيمن حتّى يبدو لك الأيسر فاغسله ما بين قرنه الى قدميه و امسح يدك على ظهره و بطنه ثلاث غسلات ثمّ (خ ل) ردّه الى قفاه فابدأ بفرجه بماء الكافور فاصنع كما صنعت أوّل مرّة اغسله ثلاث غسلات بماء الكافور و الحرض «1» و امسح يدك على بطنه مسحا رفيقا ثم تحول الى رأسه فاصنع كما صنعت أوّلا بلحيته من جانبيه كلاهما و رأسه و وجهه بماء الكافور ثلاث غسلات ثم ردّه الى الجانب الأيسر حتّى يبدو لك الأيمن فاغسله من قرنه الى قدميه ثلاث غسلات ثمّ ردّه الى الجانب الأيمن حتى يبدو لك الأيسر فاغسله من قرنه الى قدميه ثلاث غسلات و أدخل يدك تحت منكبيه

و ذراعيه و يكون الذراع و الكفّ مع جنبه طاهرة كلّما غسلت شيئا منه أدخلت يدك تحت منكبيه و في باطن ذراعيه ثمّ رده الى ظهره ثم اغسله بماء قراح كما صنعت أوّلا تبدأ بالفرج ثمّ تحول إلى الرأس و اللحية و الوجه حتّى تصنع كما صنعت أوّلا بماء قراح الخبر «2».

و يستفاد من هذا الخبر وجوب التّرتيب بين الرأس و الشق الأيمن و الأيسر و لكن قال الأستاذ دام ظلّه: انّ الابتداء بالشّقّ الأيمن في غسل الرأس ليس بواجب كما ربّما يظهر من هذا الخبر حيث قال (ع) و ابدأ بشقّه الأيمن من لحيته و رأسه فلا بدّ من أن يكون ذلك لأجل التّسهيل فيمكن أن يكون الابتداء بالمنكب الأيمن أيضا كذلك أو لأجل كون المتعارف هو الابتداء بالأيمن ثم قوله عليه السلام بعد غسل الرأس: ثمّ أضجعه على شقّه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثمّ اغسله من قرنه الى قدميه معناه ما ذا فلا بدّ أن يكون الأمر بغسل الرأس قبل ذلك من باب المقدمة و الا فلا معنى للغسل من القرن الى القدم فيكون الشروع في واجبات الغسل من قوله (ع): ثمّ اغسله من قرنه الى قدميه فح يجوز غسل الرأس بعضه مع الجانب الأيمن و

______________________________

(1) أي الأشنان

(2) الكافي جلد 3 صفحة 140 من الطبعة الحديثة

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 122

بعضه مع الجانب الأيسر و أين هذا من الترتيب الذي نحن بصدد إثباته اللّهم الّا أن يقال: معناه من قرن الأيمن و قرن الأيسر و معناه- كما مرّ- جميعه فح الضمير في قرنه و قدمه راجع الى الشقّ الأيمن و الأيسر لا الى الميّت و لكن هذا المعنى خلاف الظّاهر.

و روى الصّدوق

في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: غسل الميّت مثل غسل الجنب «1» و في رواية يونس عنهم عليهم السلام في حديث قال بعد ذكر بعض المقدّمات و المستحبات: ثمّ اغسل رأسه بالرغوة «2» و بالغ في ذلك الى أن قال: ثم أضجعه على جانبه الأيسر و صبّ الماء من نصف رأسه الى قدميه (مه خ ل) ثلاث مرّات الى أن قال: ثمّ أضجعه على جانبه الأيمن فافعل به مثل ذلك «3».

فانّ هذه الرواية مثل الرّواية الأولى فإنّ قوله (ع) ثم اغسل رأسه ان كان بعنوان الغسل فلا معنى لقوله (ع) و صبّ الماء من نصف رأسه الى قدميه لأنّه قد غسل الرّأس أوّلا و لا معنى لغسل نصفه ثانيا مع الطرف الأيمن و نصفه الآخر مع الأيسر و ان كان غسل الرأس من باب المقدّمة كما يكون ما قبله من المذكورات في الرواية كذلك فح يجوز غسل الرأس مع البدن و لا يجب تقديمه عليه فلا يجب الترتيب بين أجزاء الغسل نعم بعض روايات غسل الميت ظاهر في وجوب الترتيب مثل حسنة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أردت غسل الميّت فاجعل بينك و بينه ثوبا يستر (عنك خ) عورته امّا قميص قميصا خ ل و امّا غيره ثم تبدأ بكفّيه و (تغسل) رأسه ثلاث مرّات ثمّ سائر جسده و ابدأ بشقّه الأيمن الحديث «4» و مثل رواية أبي العباس عنه عليه السلام قال: سألته عن غسل الميّت فقال: أقعده و أغمز بطنه غمزا رفيقا ثمّ طهّره من غمز البطن ثمّ تضجعه ثم تغسله تبدأ بميامنه الحديث «5» و لكن حملهما على ما حملنا عليه الروايتين المتقدّمتين ممكن فالترتيب غير

مستفاد وجوبه من أخبار غسل الميّت هذا.

و لكنّ الإنصاف أنّ هاتين الرّوايتين غير خاليتين عن الظهور في وجوب الترتيب

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 15- 3

(2) اى السّدر

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 15- 3

(4) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 8- 13

(5) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 8- 13

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 123

خصوصا الرواية الاولى و لم يتعرّض الأستاذ لهاتين الروايتين و لا لدلالتهما و كيف كان فعلى فرض عدم دلالة الأخبار على وجوب التّرتيب فيمكن إثباته بالإجماع الّا أن يقال: انّه على فرض استفادة وجوب الترتيب من هذه الأخبار في غسل الميّت لا يستفاد ذلك في غسل الجنابة لأنّ التّشبيه انّما هو بالنسبة إلى الخواص المعلومة الثابتة للمشبه به لا الخواصّ المشكوكة الوجود مثلا إذا قيل: زيد كالأسد فلا بدّ أن يكون هذا التشبيه باعتبار وجود الخواصّ المعلومة الوجود في الأسد حتّى يثبت ذلك لزيد بالتشبيه و لا يمكن إثبات بعض الخواصّ لزيد المشكوك وجوده في الأسد بهذا التّشبيه و هذا أمر معلوم لا سترة عليه و ح فالمفروض فيما نحن فيه عدم العلم بوجوب الترتيب في غسل الجنابة حتّى يقال: ان قوله (ع) في الرواية المتقدّمة: غسل الميّت مثل غسل الجنب «1» انّ غسل الجنابة كما يعتبر فيه التّرتيب فكذلك غسل الميّت.

فلا بدّ أن يكون التّشبيه باعتبار الأشياء المعلوم وجودها في غسل الجنابة من مثل غسل جميع البدن و غير ذلك ثمّ انّه على فرض إجمال الدليل و عدم تمامية الإجماع و الشكّ في اعتبار الترتيب في صحّة الغسل فلا بدّ من الاحتياط بإتيانه مع

التّرتيب لاشتغال الذّمّة يقينا و عدم العلم بفراغها إلّا بإتيانه مرتّبا لأنّ المأمور به هو نفس الطّهارة و هذه الأفعال محصّلاتها و بدون إتيانه مرتّبا نشك في الإتيان بالمحصّل و هو مورد للاحتياط إجماعا فتأمل.

ثمّ انّ الرّقبة هل هي داخلة في الرأس أم هي داخلة في البدن أو هي مستقلة- لا يستفاد من الأخبار شي ء من ذلك نعم روى مرسلا: تصبّ على الصدر من مدّ العنق ثمّ تمسح سائر بدنك بيديك «2» فبناء على هذه الرواية لا بد من غسل العنق مع البدن و لكنّ الأحوط غسلها مع الرأس و البدن و كذا العورة يجب غسلها قبلا و دبرا قطعا و لكن هل يجب غسلها مستقلا أو غسلها مع الجانب الأيمن أو مع الجانب الأيسر أو بالتنصيف لا يستفاد من الأخبار في ذلك شي ء.

نعم في بعض الأخبار الأمر بغسل الفرج و لكن قبل الشروع في غسل الرأس مثل رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة قال: تصبّ على يديك الماء فتغسل كفّيك ثمّ تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجيك ثم تمضمض و تستنشق و تصبّ

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 15

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 124

الماء على رأسك ثلاث مرّات و تغسل وجهك و تفيض على جسدك الماء «1» و في بعض الأخبار: ثمّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثمّ اغسل فرجك «2» و هذه الرواية يستفاد منها أن الأمر بغسل الفرج لأجل تنقيته عن النّجاسة كما في بعض أخبار غسل الميّت الأمر بتنقية فرجه كرواية يونس المتقدّمة قالوا عليهم السلام ثمّ اغسل فرجه

و نقّه ثمّ اغسل فرجه و نقّه ثمّ اغسل رأسه بالرغوة الخبر «3» و لكن في رواية عبد اللّه الكاهلي المتقدّمة الأمر بغسل الفرج في كلّ واحد من الغسلات الثلاث فلاحظها «4» فيحتمل أن يجب غسل الفرج مستقلا قبل الشروع في غسل الرأس فإن أردت الاحتياط التّام فاغسله على حده أوّلا أو آخرا و اغسله ايضا مع كلّ من الجانبين و يمكن الاحتياط أيضا بغسله بقصد ما في الذمّة بأن ينوي أنّه إذا كان الواجب غسله مستقلا فأغسله كذلك و إن كان الواجب غسله مع كلّ الطّرفين أو غسل بعضه مع الطرف الأيمن و بعضه مع الطرف الأيسر فأغسله كذلك.

ثم انّه لا يجب البدأة من الأعلى في الغسل فيجوز النكس على المشهور خلافا لبعض و قد استدلّ هذا البعض ببعض الأخبار الآمرة بصبّ الماء على المنكب الأيمن و الأيسر كخبر حريز المتقدّم: ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين و على منكبه الأيسر مرّتين الخبر «5» و يمكن الجواب عن هذه الرواية بأنّها واردة مورد المتعارف من صبّ الماء على البدن من فوق و استشكل بأنّه كيف حملوا الأخبار الواردة في باب الوضوء على المتعارف و حكموا بوجوب الغسل من الأعلى و هنا لم يحكموا بذلك مع أنّ الأخبار هنا محمولة على المتعارف ايضا و أجاب الأستاذ دام ظله بأنّ الفارق هو النصّ فانّ بعض الأخبار في باب الغسل يدلّ صريحا على عدم وجوب البدأة من الأعلى مثل رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اغتسل أبى من الجنابة فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء فقال له: ما كان عليك لو سكت ثمّ مسح تلك اللمعة بيده

«6» و مثل رواية الجعفريّات عن علىّ عليه السلام انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اغتسل من جنابة فإذا لمعة من جسده لم يصبها ماء فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من بلل شعره فمسح ذلك الموضع ثمّ صلّى بالنّاس «7».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 7- 11

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 7- 11

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 2- 3- 18

(4) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 2- 3- 18

(5) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 2- 3- 18

(6) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الغسل الحديث 1 و 2

(7) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الغسل الحديث 1 و 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 125

فانّ حمل هذين الخبرين على الجزء الأخير من البدن حتّى يحصل البدأة من الأعلى خلاف الظّاهر بل يمكن أن يستفاد منهما عدم وجوب التّرتيب لأنّ اللمعة التي كانت في بدنه التي لم يصبها الماء لم يبينها الامام عليه السلام بأنّها كانت في اليسرى أو غيرها فإطلاقها يفيد عدم الفرق بين اليسرى و غيرها لأنّه إذا كان هذا الحكم مختصّا باليسرى و لم ينبّهه الامام عليه السلام على ذلك مع أنّه (ع) كان في مقام البيان كان إغراء بالجهل و إلقاء السّامع في خلاف الواقع و محال وقوع ذلك منه عليه السلام فتأمّل.

فرع: إذا علم بعد الفراغ من الغسل أنّه لم يصب الماء لمعة من بدنه و لم يدر أنّها في أيّ موضع هي فإن قلنا بعدم وجوب التّرتيب يكفى غسل ما احتمل أنّه لم يغسله و لا يجب

غسل العضو اللاحق بتمامه بعد ذلك مثلا إذا تيقّن أنّه ترك امّا غسل منكبه الأيمن أو منكبه الأيسر يكفي- بناء على عدم وجوب التّرتيب- غسل المنكب الأيمن أو المنكب الأيسر و لا يجب اعادة الشق الأيسر بتمامه.

و أمّا إذا قلنا بوجوب التّرتيب بعد غسل المنكب الأيمن فلا بد من الإعادة على الأيسر بتمامه و لكن يمكن أن يقال: انّه يكفى غسل المنكب الأيسر فقط كما ذكره بعض الفقهاء بأن يقال: انّه بعد ما علم إجمالا بعدم غسل المنكب الأيمن أو الأيسر يعلم تفصيلا وجوب غسل المنكب الأيسر لا محالة لأنّ المنكب الأيسر إمّا واجب الغسل لأجل عدم غسله أو لأجل فوات الترتيب بين الأيمن و الأيسر لعدم غسل لأيمن قبل الأيسر فيصير وجوب غسل الأيسر معلوما تفصيلا و وجوب غسل المنكب الأيمن مشكوكا بالشك البدويّ فتجري فيه أصالة البراءة فيجب عليه غسل المنكب الأيسر فقط لا جميع الجانب الأيسر لأنّه و ان كان يحتمل أن يكون وجوب غسل المنكب الأيسر لأجل فوات الترتيب بين الأيمن و الأيسر و لازمه هو وجوب غسل تمام الجانب الأيسر لأنّ هذا الاحتمال أحد طرفي المعلوم بالإجمال الّا أنّه يصير من قبيل الأقلّ و الأكثر الارتباطيين الذين يجرى البراءة في أكثرهما على المختار.

فصل:

لا يعتبر الموالاة في الغسل على القول المشهور فيجوز غسل الرأس في أوّل النّهار و غسل الجانب الأيمن في وسطه و الجانب الأيسر في آخره و استدل له بالأصل أي أصالة عدم وجوب الموالاة أو استصحاب عدم وجوبها بالعدم الأزلي و بإطلاقات الأدلّة من الآيات و الروايات فانّ قوله: ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكفّ و قوله: ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص:

126

و على منكبه الأيسر مرتين «1» مطلق يصدق على ما لو صبّ على رأسه أوّل النّهار و على جانبه الأيمن وسطه و على الأيسر آخره و لكن الاستدلال بالأصل و الاستصحاب لا وجه له فيما إذا كان هناك دليل لفظي و أمّا الاستدلال بالإطلاقات فيمكن الخدشة فيه بأنّه إذا قيل لأحد: اغسل يدك مرّتين مثلا أو قيل لأحد: اغسل جانبك الأيمن و جانبك الأيسر فغسل يده مرّة في هذه السّنة و أخرى في السّنة القادمة أو غسل جانبه الأيمن في هذا الشهر و جانبه الأيسر في الشّهر القادم فربّما لا يصدق عليه بنظر العرف أنّه امتثل أمر مولاه.

و لكن عمدة الدّليل على عدم اعتبار الموالاة هو دلالة بعض الأخبار على ذلك كخبر حريز المتقدم قال (ع): ثمّ ابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك قال: قلت: و ان كان بعض يوم قال: نعم «2» و مثل رواية هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فسطاطه و هو يكلّم امرأة فأبطأت عليه فقال: ادنه هذه أمّ إسماعيل جائت و أنا أزعم أنّ هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجّها عام أوّل، كنت أردت الإحرام فقلت: ضعوا لي الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستحففتها فأصبت منها فقلت: اغسلي رأسك و امسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك و لا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمست مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء فحلقت رأسها و ضربتها فقلت لها: هذا المكان الذي أحبط اللّه فيه حجّك «3».

فانّ الروايتين صريحتان في جواز تأخير غسل بعض الأطراف بعد غسل طرف أو

طرفين.

الفصل الرابع من واجبات الغسل

تطهير تمام البدن من كلّ نجاسة و فيه أقوال.

الأوّل أنّه يجب تطهير تمام البدن قبل الشّروع في الغسل.

الثاني أنّه يجب غسل العضو الذي يريد غسله و لا يجب غسل تمام البدن

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميّت الحديث 18

(2) الوسائل الباب 29 من أبواب الجنابة الحديث 2

(3) الوسائل الباب 29 من أبواب غسل الجنابة الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 127

قبل الشروع في الغسل مثلا يجوز أن يغسل الرأس و يشرع في الغسل و إن كان سائر البدن نجسا و كذا الطرف الأيمن و إن كان الطرف الأيسر نجسا.

الثالث أنّه يكفى تطهير البدن من النجاسة بنفس الاغتسال و لا يجب قبله بأن يصبّ على رأسه النجس مثلا الماء بقصد إزالة النجاسة و بقصد الغسل.

الرابع أنّه يجوز الاغتسال و لو كان بدنه نجسا و لا يجب إزالة النّجاسة من البدن بشرط لا تكون حائلة لوصول الماء و هذا القول في غاية الضّعف و الأقوى وجوب غسل النجاسة قبل غسل ذلك العضو و لا يجب غسلها من جميع البدن قبل الشّروع في الغسل و الدّليل على وجوب تطهير المحلّ يريد غسله روايات كثيرة.

الروايات المتقدّمة الآمرة بغسل الفرج قبل الشّروع في الغسل و كذا الروايات الواردة في غسل الأموات.

و منها صحيحة الحكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن غسل الجنابة فقال: أفض على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها ثمّ غسل ما أصاب جسدك من أذى ثم اغسل فرجك و أفض على رأسك و جسدك فاغتسل الخبر «1» و هذه الرواية صريحة أو ظاهرة في وجوب تطهير البدن أوّلا ثم الغسل و لكن يعلم منها و من أمثالها أنّ وجوب غسل

البدن قبل الشروع في الغسل ليس له موضوعيّة بل لأجل التّسهيل لأنّه يعلم منها أنّ المناط هو طهارة البدن عند الغسل و هي حاصلة بتطهير كلّ عضو قبل غسله.

مضافا الى أنّ ذيل هذه الرّواية كالصريح فيما ذكرنا قال (ع) بعد قوله: فاغتسل: فان كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك و ان كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك الخبر فانّ من الواضح أنّ غسل الرجلين إذا كان في مكان قذر لا يمكن الّا بعد غسل الرأس و الشقّ الأيمن إلى حدّ الرجل و بعده الشقّ الأيسر إلى حدّ الرجل ثمّ يغسل رجله من القذارة ثم يصبّ الماء عليها بقصد الغسل و لا يمكن حمل هذه الأوامر على الاستحباب بقرينة ذكر بعض المستحبّات قبلها أو بعدها لأنّ الأوامر الاستحابيّة فيها علم استحبابها من الخارج من إجماع أو غيره و لا يمكن حمل كلّ أمر فيها على الاستحباب لأجل الأوامر الاستحبابيّة بل لا بدّ من حمل كلّ أمر على الوجوب إلّا إذا علم من الخارج استحبابيّته.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 7

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 128

ثمّ انّه استدلّ بذيل هذه الصحيحة على عدم وجوب إزالة النجاسة من البدن قبل الغسل أو حينه بتقريب أنّ قوله (ع) فان كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك يستفاد منه أنّ غسل الرّجل من النّجس جائز و لو بعد الغسل.

و لكن ليس في الرواية ظهور في وجوب غسل الرجل بعد الغسل بل بقرينة صدرها المراد هو غسل الرجل من القذارة قبل أن يصبّ عليها الماء بقصد الغسل كما استظهرناه منها و كيف كان فاطلاقات سائر الأخبار التي هي في مقام البيان تعارض هذه الروايات

الّا أن يقال: هذه الروايات تخصّص تلك الإطلاقات مع أنّ من العلوم عدم بقاء الإطلاقات على حالها لورود المقيدات الكثيرة عليها من طهارة ماء الغسل و عدم غصبيّته و عدم غصبية مكان الغسل و غير ذلك من الشرائط التي هي اجماعيّة فلا بدّ من تقييدها فلتكن هذه الرّوايات من مقيداتها و المسألة بعد غير خالية عن الإشكال بملاحظة الإطلاقات الواردة مورد البيان و مورد الحاجة فلا يترك فيها الاحتياط بإزالة النّجس عن العضو الذي يريد غسله قبل الشروع في غسل ذلك العضو.

ثمّ انّه استدلّ أيضا لازالة النّجس قبل الغسل باشتراط طهارة ماء الغسل إجماعا فلو لم يكن إزالة النجاسة عن البدن قبل الغسل معتبرة يلزم تجويز الاغتسال بالماء المتنجّس لأنّه ينجس ماء الغسل بصبه على الموضع النّجس و أجيب بنقض ذلك بالماء المستعمل في رفع الخبث بناء على نجاسة الغسالة مع أنّه نجس و مزيل للخبث فالذي عليه الإجماع من عدم مطهريّة الماء النجس للحدث و الخبث مورده ما إذا كان نجسا قبل ملاقاته للمحلّ النجس لا ما إذا صار نجسا بسبب الصبّ على الموضع النجس فيمكن أن نقول هنا بأنّه لا مانع من الاغتسال بهذا الماء الذي يصير نجسا بملاقاته للمحلّ النجس مضافا الى انّ هذا الاشكال غير جار فيما إذا اغتسل بماء الكرّ بأن كان الاغتسال و ازالة النّجاسة في آن واحد.

و ربّما استدل أيضا لوجوب إزالة النجاسة قبل الغسل بما هو المركوز في أذهان المتشرّعة من اعتبار كون محلّ الغسل طاهرا و لكن يرد عليه بأنّ ارتكازهم انّما نشأ من فتاوى الأصحاب الذين حكموا بوجوب طهارة أعضاء الغسل فمع قطع النظر عن هذه الفتاوى لا يعلم وجود هذا الارتكاز.

و هل يجب المباشرة

في غسل الأعضاء أو تجوز الاستنابة- المشهور هو الأوّل و ربّما

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 129

يستدل لذلك بالآية المباركة. فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً «1» بناء على أنّ المراد بالشرك في العبادة الشرك في إتيانها اى إتيانها مشتركا.

و لكنّ الظاهر المنساق الى الذّهن هو الشرك في المعبود بأن يأتي بالفعل لله تعالى و لغيره و هو معنى الرياء الّا أنّ في بعض الأخبار ما يدلّ على المعنى الأول كالرواية المرويّة عن الفقيه. كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضّأ لم يدع أحدا يصبّ عليه الماء فقيل له: يا أمير المؤمنين لم لا تدعهم يصبّون عليك الماء فقال: لا أحبّ أن أشرك في صلاتي أحدا قال اللّه تعالى فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ الآية «2» فإنّه يظهر من هذه الرواية أنّ المراد من الآية الشرك في الفعل و كالرواية المرويّة عن الكافي بإسناده عن الوشّاء قال: دخلت على الرضا عليه السلام و بين يديه إبريق يريد أن يتهيّأ منه للصّلوة فدنوت منه لأصبّ عليه فأبى ذلك و قال: مه يا حسن فقلت له: لم تنهاني أن أصبّ على يديك تكره أن أو جر قال: تؤجر أنت و أوزر أنا فقلت له: و كيف ذلك فقال: أما سمعت اللّه عزّ و جل يقول و تلا هذه الآية و ها أنا ذا أتوضّأ للصّلوة و هي العبادة فأكره أن يشاركني فيها أحد «3».

و لكن في بعض الأخبار في باب الرياء «4» ما يدلّ على المعنى الثاني.

فيمكن أن يكون لفظ الشرك قد استعمل في المعنيين و كيف كان فلا تدلّ الروايتان على عدم جواز الاستنابة لأنّ التّشريك في إتيان

فعل، غير الاستنابة لأن الاستنابة هي إتيان غير المأمور بالفعل على سبيل النّيابة و التشريك هو إتيان المأمور بالفعل مع مساعدة الغير له فغاية ما تدلّ عليه الرّوايتان هو حرمة تشريك الغير في إتيان المأمور به و هذا أجبني عمّا نحن فيه من عدم جواز الاستنابة في فعل الغسل و لكن يمكن أن يستدلّ لعدم جواز الاستنابة بإطلاقات الآية و الأخبار الآمرة بإتيان الجنب الغسل الظاهرة في المباشرة دون التسبيب

فصل

في الغسل الارتماسي و يتحقّق بانغماس جميع بدنه في الماء دفعة واحدة و يسقط

______________________________

(1) آخر سورة الكهف

(2) الوسائل الباب 47 من أبواب الوضوء الحديث 1- 2

(3) الوسائل الباب 47 من أبواب الوضوء الحديث 1- 2

(4) راجع صفحة 98 من جامع الأحاديث من مقدمة الكتاب

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 130

الترتيب بين الأعضاء ح كما قاله في الشرائع و المعتبر و عن بعض الفقهاء اعتبار الترتيب الحكمي فيه و لكن بعض الأخبار الواردة فيه يردّ ذلك ففي رواية زرارة المتقدّمة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: و لو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك و ان لم يدلك جسده «1» و في حسنة الحلبي عنه عليه السلام قال: إذا ارتمس الرجل ارتماسة واحدة أجزأه ذلك عن غسله «2» و في رواية السّكوني عنه عليه السلام قال: قلت له: الرّجل يجنب فيرتمس في الماء ارتماسة واحدة و يخرج يجزيه ذلك من غسله قال: نعم «3» و في مرسلة الحلبي قال: حدّثني من سمعه يقول إذا اغتمس الجنب في الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله «4» و هذه الروايات- كما ترى- غير متعرّضة لوجوب الترتيب أصلا مع أنّها في مقام البيان

فباطلاقها يدفع وجوب الترتيب الحكمي و الاعتباري اللّهم الّا أن يقال: انّ المستفاد من الأخبار المتقدّمة المشتملة على بيان التّرتيب- أنّ الغسل منحصر في فرد واحد و هو ما اشتمل على الترتيب و يستفاد من هذه الأخبار اى أخبار الغسل الارتماسي- أنّ هذا النحو من الغسل بدل من الغسل الترتيبي بقرينة قوله أجزأه ذلك أو يجزيه ذلك المشعر بأنّ الأصل في الغسل هو الغسل الترتيبي و الارتماسي بدل عنه فهو مجز عنه لا أنّه فرد برأسه فح إذا لم يمكن الترتيب الحقيقي فلا بدّ من الترتيب الحكمي.

و لكن يدفع هذا الاحتمال- أنّ التعبير بقوله: أجزأه ذلك أو يجزيه ذلك ليس له اشعار بذلك فإنّه يصحّ التعبير عن أحد فردي الواجب المخيّر أنه مجز عن الواجب مثلا يصحّ أن يقال: انّ إطعام ستّين مسكينا في الإفطار العمدي للصّوم مجز عن عتق الرّقبة فلفظ الاجزاء لم يكن صريحا و لا ظاهرا في كون شي ء بدلا عن الآخر فيمكن بل يظهر من الأخبار أنّ الغسل الارتماسي أحد فردي الواجب المخيّر.

ثمّ انّ الغسل الارتماسيّ هل يتحقق بارتماس البدن في الماء دفعة واحدة حقيقة أو دفعة عرفيّة أو يمكن أن يتحقق تدريجا بحيث يتحقّق شيئا فشيئا بوصول كلّ جزء من الجسد في الماء و ان طال الزّمان مثلا يدخل رجليه في الماء فيتحقّق الغسل بالنّسبة إلى الرجلين و بعد ساعة يدخل ركبتيه و بعد ساعة يدخل و ركيه و هكذا الى أن يصل الى رأسه فكلّ جزء من

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 12- 23

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب الغسل الحديث 12- 23

(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 13- 15

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد

رضا موسوى، كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، در يك جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1407 ه ق

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)؛ ص: 130

(4) الوسائل الباب 26 من أبواب الجنابة الحديث 13- 15

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 131

البدن يصل الى الماء يتحقّق الغسل بالنّسبة إليه- وجوه بل أقوال.

أمّا الدفعة الحقيقية فلا يمكن أن تحمل الأخبار عليها لأنّها منزّلة على المتفاهم العرفي و العرف لا يساعد على ذلك بل هي غير ممكنة بحسب الغالب أو مستلزمة للعسر و الحرج المنفيّين في الإسلام.

و أمّا المعنى الثاني فلا يبعد حمل الأخبار عليه فانّ قوله (ع) ارتمس في الماء ارتماسة واحدة- ظاهر في الوحدة العرفيّة مع حفظ صدق الوحدة عليها فح المعنى الثالث بعيد عن مساق الأخبار لعدم صدق الارتماسة الواحدة عليه.

ثم انّه هل يكفى بقاء جميع البدن في الماء مع نيّة الغسل و ان لم يحرك بدنه تحت الماء أو لا بدّ من خروج جميع البدن من الماء ثمّ الشروع في الغسل بإدخال جميع البدن في الماء دفعة واحدة عرفية أو يكفي خروج بعض البدن من الماء و لا يعتبر خروج جميع البدن منه أو يكفي تحرك البدن في الماء بقصد الغسل و ان لم يكن شي ء من بدنه خارجا من الماء وجوه أو أقوال وجه القول الأوّل أنّه يلزم في الغسل الارتماسيّ- الارتماس و الاختفاء في الماء و المفروض تحقّق هذا المعنى بقاء أبعد النّية و ان لم يتحقّق حدوثا فإنّه يصدق عليه أنّه مرتمس في الماء و هذا مثل ما لو أمر المولى بتخلية دار في يوم الجمعة فخلّاها في يوم الخميس فبقيت خالية إلى يوم الجمعة فإنّه يصدق عليه امتثال الأمر بالتخلية مع أنّه لم يحقّق

التخلية في يوم الجمعة بل حقّقها في يوم الخميس و لكن التخلية صادقة عليها بقاء في يوم الجمعة و لكن لا يخفى عليك ما فيه فانّ الأمر قد تعلّق بغسل البدن و الارتماس في الماء فانّ بعض الأخبار الدالّ على وجوب إفاضة الماء أو إجراء الماء أو صبّ الماء على البدن المقصود من جميع ذلك هو غسل البدن و هذه طرق لغسله فح لا يصدق على التوقّف في الماء بنظر العرف أنّه غسل بدنه و كذا لا يصدق عليه أنّه ارتمس في الماء.

و وجه القول الثاني توقّف صدق الارتماس على ذلك فإنّه إذا قيل لأحد: ارتمس في الماء يتبادر الى ذهنه أن أدخل جميع بدنك في الماء و هذا لا يصدق إلّا إذا كان جميع بدنه خارجا عن الماء ثم ارتمس في الماء بجميع بدنه.

و يرد عليه أنّه كما يصدق على ذلك الارتماس يصدق على ما إذا كان بعض بدنه خارجا عن الماء خصوصا إذا كان ذلك البعض رأسه فارتمس ببعض بدنه في الماء بل على

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 132

تصريح بعض أهل اللغة- أنّ الارتماس في الماء بمعنى تغطية الرأس فيه- هو إدخال الرأس في الماء فقط لا جميع البدن.

و وجه القول الثالث أنّ الرمس في الماء كما يصدق فيما إذا كان جميع بدنه خارجا منه ثم ارتمس فيه و أدخل جميع بدنه فيه كذلك يصدق على ما إذا كان بعض بدنه خصوصا رأسه- خارجا فارتمس في الماء.

و وجه القول الرابع أنّ الارتماس في الماء يتحقّق بما إذا كان تحت الماء ثمّ نزل في الماء أزيد ممّا كان فإنّه يصدق عليه أنّه ارتمس في الماء و المناط صدق هذا المعنى و ان أبيت

عن صدق الارتماس فلا إشكال في صدق إمساس الماء للبدن كما ورد في الرواية.

و الظاهر كفاية جميع ما ذكرناه من الوجوه الا واحدا منها و هو التوقّف فيه بقصد الغسل فإنّه لا يخلو من اشكال.

مسائل ثلاث
الاولى
اشارة

في حكم البلل الخارج بعد الغسل فيما إذا كانت الجنابة بالإنزال فإنّه امّا أن يعلم بكونه بولا أو منيّا أو يعلم بأنّه ليس بأحدهما أو يشكّ في كونه أحدهما أمّا إذا علم بأنّه أحدهما فلا اشكال و لا خفاء في حكمه، و كذا إذا علم بأنّه ليس أحدهما و أمّا إذا شك في كونه أحدهما فالمشهور بل ادّعى عليه الإجماع- أنّه ان استبرأ بالبول بأن بال بعد الانزال لا يجب عليه الغسل و هل يجب عليه الوضوء أو لا- يأتي الكلام فيه و ان لم يبل وجب عليه اعادة الغسل، و تدلّ على ذلك روايات متظافرة منها صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شيى قال: يعيد الغسل قلت: فالمرئة يخرج منها شي ء بعد الغسل قال: لا تعيد قلت: فما الفرق بينهما قال: لأنّ ما يخرج من المرية انّما هو من ماء الرّجل «1».

و منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرّجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي ء قال: يغتسل و يعيد الصلاة إلا أن يكون قد بال ثم اغتسل ثم وجد بللا فليس ينقض غسله و لكن عليه الوضوء لأنّ البول لم يدع شيئا «2» و منها صحيحة

______________________________

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 10- 6

(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 10- 6

كتاب الطهارة

(للگلبايگاني)، ص: 133

الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه (ع) عن الرجل يغتسل ثم يجد بللا و قد كان بال قبل أن يغتسل قال: ليتوضّأ و ان لم يكن بال قبل الغسل فليعد الغسل «1».

و هذه الرّوايات تدل صريحا على وجوب اعادة الغسل إذا لم يبل قبل الغسل فوجد بللا بعد الغسل و على عدم وجوب إعادته إذا بال قبل الغسل و لكن تعارضها رواية عبد اللّه بن هلال قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجامع أهله ثمّ يغتسل قبل أن يبول ثم يخرج منه شي ء بعد الغسل قال: لا شي ء عليه انّ ذلك ممّا وضعه اللّه منه «2».

و رواية زيد الشّحام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل أجنب ثمّ اغتسل قبل أن يبول ثم رأى شيئا قال: لا يعيد الغسل ليس ذلك الذي رأى شيئا «3» و حمل الشّي ء على غير البلل من الريح و نحوه بعيد لكون الظاهر من السّؤال هو ما أوقع السّائل في الشّبهة مع أنّه خلاف المتعارف.

و تعارضها أيضا رواية جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتّى يغتسل ثمّ يرى بعد الغسل شيئا أ يغتسل ايضا قال: لا- قد تعصّرت و نزل من الحبائل «4» و حمل الأخبار الآمرة بإعادة الغسل عند عدم البول قبل الغسل على الاستحباب جمعا بينها و بين هذه الأخبار بعيد لإباء تلك الأخبار عن ذلك و أبعد منه حمل تلك الأخبار على ما إذا لم يستبرئ بالاجتهاد اى الخرطات الثلاث و حمل هذه على ما إذا استبرأ فإنّه لا شاهد لهذا الجمع مضافا الى أنّ الاستبراء بالخرطات

ليس سقوط الإعادة به إجماعيّا نعم هو مشهور و الذي يسهل الخطب أنّ الأخبار النّافية للإعادة ضعيفة السّند غير معمول بها بين الأصحاب و لا يمكن جبران ضعفها بفتوى المشهور بكفاية الاستبراء في سقوط اعادة الغسل و حمل هذه الأخبار على ذلك لعدم العلم باستناد المشهور الى هذه الأخبار فيمكن أن يكون مستندهم غيرها فالوجه هو ما عليه المشهور من وجوب اعادة الغسل عند عدم البول قبل الغسل.

ثمّ انّ هذا المورد مع أنّه مورد لاستصحاب بقاء الغسل عند خروج البلل المشتبه و مع ذلك فقد حكم الشارع بوجوب الغسل و يمكن أن يكون من باب تقديم الظّاهر على الأصل

______________________________

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 1

(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 13- 12- 11

(3) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 13- 12- 11

(4) الوسائل الباب 36 من أبواب الجنابة الحديث 13- 12- 11

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 134

حيث انّ الظّاهر بحسب الغالب هو بقاء بقايا المني في المخرج عند عدم البول و هل يكون هذا الحكم المستفاد من الأخبار أصلا أو امارة- الظّاهر هو الثّاني لأنّ كلّ واحد من الأصل و الامارة و إن كان موردهما الشك الّا أنّ الأصل ما أخذ الشك في موضوعه مثل قوله (ع) إذا شككت بين الثّلاث و الأربع فابن على الأربع.

و حيث انّ موضوع الحكم في هذه الأخبار لا يكون شكا فلا بدّ من أن يكون امارة على كون ما خرج منيا فح يترتّب على ما خرج- جميع أحكام المني من نجاسته و وجوب تطهيره للصّلوة و كذا يترتّب على الغسل منه جميع آثار الغسل من جواز الاكتفاء به للصّلوة و غير ذلك لأنّ

الامارة و لوازمها الشّرعيّة و العقلية و العادية حجّة و هذا بخلاف ما إذا كان أصلا فإنّه إذا استفدنا من الأخبار بأنّه أصل شرعي فإنّه لا يترتّب على ما خرج سوى وجوب الاغتسال منه حتّى في جواز الاكتفاء به للصّلوة عن الوضوء إذا قلنا بكونه أصلا إشكال لأنّ الأصل لا يثبت به لوازمه العقليّة و العادية بل و لا الشّرعيّة الّا على القول بحجيّة الأصل المثبت و قد حقّق في محلّه عدم حجّيته.

ثمّ اعلم أنّه يستفاد من بعض الأخبار المتقدّمة أنّ الجنب إذا بال و اغتسل ثمّ رأى بللا أنّه يجب عليه الوضوء من غير تفصيل بين ما إذا استبرأ من البول بالخرطات أولا و لكن يعارض هذا الإطلاق ما في كثير من الأخبار المعتبرة الصريحة من عدم اعادة الوضوء لمن استبرأ من البول ثمّ رأى بللا مشتبها مثل رواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يبول ثمّ يستنجى ثم يجد بعد ذلك بللا قال: إذا بال فخرّط ما بين المقعدة و الأنثيين ثلاث مرّات و غمّز ما بينهما ثمّ استنجى فان سال حتّى يبلغ السّاق فلا يبالي «1».

و مثل رواية محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل بال و لم يكن معه ماء قال: يعصر أصل ذكره الى طرفه ثلاث عصرات و ينتر طرفه فان خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول و لكنه من الحبائل «2» و نحوهما غيرهما من الأخبار.

فربّما يقال: انّه لا بدّ من طرح تلك الأخبار الآمرة بالوضوء لكون هذه الأخبار معمولا بها بين الأصحاب و موافقة للإجماع بخلاف تلك. أقول: انّه لا حاجة الى طرح تلك

______________________________

(1) الوسائل الباب 13

من أبواب نواقض الوضوء الحديث 2

(2) الوسائل الباب 11 من أبواب الخلوة الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 135

الأخبار لأنّ النّسبة بين تلك الأخبار الآمرة بالوضوء و الأخبار الدالّة على عدم وجوب الوضوء عند الاستبراء هي العموم و الخصوص المطلق و الخاصّ حاكم على العام و مخصّص له فح نقول: انّ مفاد الأخبار الآمرة بالوضوء هو أنّه يجب الوضوء إذا رأى بللا بعد الغسل الا أن يكون قد استبرأ بعد البول فإنّه لا يجب ح عليه الوضوء و هذا الاستثناء مستفاد من الأخبار المخصّصة و الحاصل أنّه لا تعارض بين العام و الخاص أو المطلق و المقيّد حتّى تلاحظ المرجّحات بل لا بدّ من تقديم الخاصّ على العامّ و تقييد العام به و كذا لا بدّ من تقديم المقيد على المطلق و تقييده به.

فرع

إذا رأى بللا بعد الغسل فامّا أن يكون قد بال قبل الغسل أم لا و على الفرض الأوّل فامّا أنه استبرأ من البول بالخرطات أم لا و على الفروض فامّا أن يشتبه البلل بين المنى و أحد الأشياء التي ليس فيها التكليف كالمذي أو بين البول و أحد تلك الأشياء أو اشتبه بين البول و المنى فإن بال و استبرء من البول بالخرطات قبل الغسل ثمّ رأى بللا بعد الغسل و اشتبه بين المنى و غير البول أو كان احتمال البول أحد الاحتمالات ايضا فليس عليه ح الغسل لا الوضوء.

أمّا عدم وجوب الغسل فللأخبار الدالّة على عدم وجوب اعادة الغسل لمن بال قبل الغسل.

و أمّا عدم وجوب الوضوء فللأخبار الدالّة على عدم وجوب الوضوء على من استبرء من البول بالخرطات و أمّا إذا تيقّن أنّ البلل امّا هو المني أو البول

فقد يقال: بوجوب الوضوء عليه فقط إذا كان متطهرا لأنّه يعلم بانتقاض وضوئه و لا يعلم بانتقاض غسله لأنّه يعلم أنّ وضوئه قد انتقض إمّا بالحدث الأكبر أو الأصغر و القدر المتيقّن هو وجوب الوضوء و أمّا وجوب الغسل فلم يعلم بتوجّهه اليه و الأصل يقتضي العدم.

و لكن الظّاهر وجوب كليهما عليه لأنّ الوضوء كما ينتقض بالحدث الأصغر ينتقض بالحدث الأكبر أيضا و المفروض هنا أنّه لم يعلم بكيفيّة انتقاضه و لكن علم بحدوث حدث له و علم بتوجّه تكليف اليه و لا يعلم ما هو فلا بدّ من الاحتياط بالجمع بين الغسل و الوضوء.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 136

نعم إذا كان محدثا قبل رؤيته للبلل يكفيه الوضوء لعدم العلم بتجدّد تكليف زائد على التكليف الذي كان متوجّها اليه و أمّا إذا استبرأ من المنى بالبول و لكن لم يستبرئ من البول فيجب عليه ح الوضوء فقط للأخبار الدالة على وجوب الوضوء على من لم يستبرئ من البول.

و أمّا الغسل فلا يجب عليه لما عرفت من دلالة الاخبار على عدم وجوب الغسل لمن استبرأ بالبول من المنى و أمّا إذا ترك البول فان اشتبه البلل بين المنى و غير البول يجب عليه الغسل فقط لعدم احتمال كون البلل بولا و الأخبار الدالّة على وجوب الوضوء على من ترك الاستبراء من البول مختصّة قطعا بما إذا احتمل كون البلل بولا و أمّا في صورة عدم الاحتمال فلا تشمله الأخبار و ان اشتبه بين المنى و البول فالظاهر أنّ حكمه مثل ما مرّ في صورة الاستبراء من المنى و البول من وجوب الغسل و الوضوء عليه لشمول كلتا الطائفتين من الاخبار لهذا الفرض على اشكال في شمولهما

لأطراف العلم الإجمالي.

و ان اشتبه بين البول و غير المنى فالظّاهر عدم وجوب شي ء عليه أمّا عدم وجوب الغسل فلاختصاص الأخبار الدالّة على وجوب اعادة الغسل على من لم يستبرئ بالبول بما إذا احتمل كون البلل منيّا و أمّا إذا لم يحتمل فهو غير مشمول للأخبار قطعا.

و أمّا عدم وجوب الوضوء عليه فلاختصاص الأخبار الدّالّة على وجوب الوضوء على من لم يستبرئ من البول بالخرطات بما إذا بال و لم يستبرئ و أمّا من لم يبل و لم يستبرئ بالخرطات فلا تشمله الأخبار كذا في المسودة نقلا عن الأستاذ دام ظلّه و أظنّ أنّ ذلك اشتباه منّى و عدم الالتفات الى كلام الأستاذ لأنّ هذا الكلام لا يخفى ضعفه مفروض كلامنا أنّه أمنى و بال و لكن ترك الاستبرائين اى الاستبراء من المنى و الاستبراء بالبول و امّا من لم يبل فهو خارج عن الفرض

المسألة الثانية:

إذا أحدث في أثناء الغسل فامّا أن يكون ذلك الحدث موجبا للغسل أو موجبا للوضوء فقط فان كان الأوّل فامّا أن يكون من جنس الحدث الذي يريد إزالته بأن صار جنبا أيضا في أثناء غسل الجنابة يبطل ما أتى به من أجزاء غسل الجنابة و يجب عليه اعادة الغسل من

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 137

رأس. و ان كان من غير جنسه مثل ما إذا مسّ الميّت في أثناء غسل الجنابة فالأحوط استيناف الغسل بقصد التمام أو الإتمام و الإتيان بالوضوء للصّلاة.

و أمّا إذا كان الحدث موجبا للوضوء فقط ففيه ثلاثة أقوال الأوّل بطلان الغسل و وجوب إعادته من رأس لعدم ثبوت كون الغسل المتخلل بالحدث رافعا للجنابة فيستصحب أثرها الى أن يعلم المزيل و قضيّة استصحاب الجنابة هو

جواز الاكتفاء بغسلها عن الوضوء لو أعاد الغسل كما لو استصحبها عند الشك في أصل الغسل و لرواية الصّدوق عن الصّادق عليه السلام قال: لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يدك و فرجك و رأسك و تؤخر غسل جسدك الى وقت الصّلوة ثمّ تغسل جسدك إذا أردت ذلك فإذا أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح أو منّى بعد ما غسلت رأسك من قبل جسدك فأعد الغسل من أوّله «1» و استدلّ ايضا له بأنّ الحدث لو تأخر عن تمام الغسل لأبطل إباحتها للصّلوة ففي الأثناء بطريق أولى و لكن في جميع هذه الوجوه نظر.

أمّا استصحاب أثر الجنابة فسيجي ء بأنّه محكوم باستصحاب صحة الأجزاء المأتيّ بها و أما الرواية فإنّها ضعيفة السند و لم يعلم استناد القائلين ببطلان الغسل بالحدث المتخلّل الى هذه الرواية كما يظهر من استدلالهم حيث انّهم استدلّوا بالاستصحاب و الأولويّة و لم يستدلّوا بهذه الرواية و أمّا الأولوية فحالها أسوأ فانّ الحدث الواقع بعد الغسل لا يبطل الغسل بل يوجب الوضوء فمقتضى الأولويّة ان صحّت أنّ الحدث إذا حدث في الأثناء فكذلك اى هو موجب للوضوء و أين هذا من بطلان الغسل مع أنّ الأولويّة بالنّسبة إلى الوضوء أيضا ممنوعة لأنّه إذا تحقّق الحدث في الأثناء يتحقّق بعده ما يحتمل أن يكون مزيلا له و هو بقية الغسل و هذا بخلاف ما إذا وقع بعد الغسل فهذا القول ضعيف.

القول الثاني صحّة الغسل و ما أتى به و وجوب إتمامه و جواز الصّلوة بهذا الغسل من غير وضوء و دليل هذا القول يمكن أن يكون هو استصحاب الصّحة التأهّليّة بمعنى كون الأجزاء المأتي بها بحيث لو انضمّ إليها بقيّة الأجزاء تحقّق المأمور

به و ترتّب عليه الأثر و إذا ثبت صحّة الغسل بالاستصحاب فلا يجب عليه الوضوء بالحدث في الأثناء فتأمل.

و فيه أنّ الاستصحاب محكوم بإطلاقات الأدلّة الدالّة على وجوب الوضوء على من

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الجنابة الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 138

أحدث و القدر المتيقّن من ما خرج من هذه الإطلاقات ما إذا أحدث قبل الغسل و أمّا إذا أحدث في أثناء الغسل فلا يعلم بخروجه عن إطلاقات الأدلّة فتشمله إطلاقات الأدلّة و لا تصل النّوبة إلى التمسك بالاستصحاب لأنّه تمسّك بالأصل في موضع وجود إطلاق الدّليل و هو غير جائز كما أنّ الإطلاقات تشمل ما إذا كان الحدث بعد إتمام الغسل قطعا.

و القول الثالث أنّه يتم الغسل و يتوضّأ للصّلوة و هذا القول هو الأقوى أمّا وجوب الإتمام و عدم بطلان الغسل بوقوع الحدث في أثنائه فلاقتضاء استصحاب صحّة الأجزاء المأتي بها- ذلك و ليس لنا دليل دالّ على بطلان الغسل بتخلّل الحدث في أثنائه.

و أمّا وجوب الوضوء فلما عرفت من الإطلاقات الدالّة على وجوب الوضوء لمن أحدث الشاملة لما نحن فيه و ما يقال من أنّ الجنب ما لم يفرغ عن الغسل فهو محدث و بعد الفراغ عن الغسل كما أنّه يرتفع حدثه الأكبر فكذلك يرتفع حدثه الأصغر فهو ضعيف لأنّه و ان كان محدثا ما لم يفرغ عن الغسل الّا أنّه لا يكون بحيث لم يأت بشي ء أصلا نعم لا تترتّب على ما أتى به آثار الطهارة من جواز الدّخول في الصّلوة و في المسجد و جواز مسّ كتابة القرآن و غير ذلك نعم له أثر في الجملة بحيث إذا انضمّ إليه باقي الأجزاء يصير غسلا كاملا فح ما

دلّ على وجوب الوضوء أو الغسل على من صار محدثا بالأصغر لم يتحقّق امتثاله إذا أتم الغسل و لم يتوضأ لأنّ المفروض أنّه لم يغتسل بعد الحدث بل أتى ببعض أجزاء الغسل و لم يتوضّأ على الفرض.

و الحاصل أنّ غسل بعض الأعضاء في الغسل كغسل بعض الأعضاء في الوضوء فكما أنّ الوضوء ما لم يفرغ منه لم تتحقّق الطهارة و مع ذلك لا يجوز إيجاد الحدث في أثنائه و إتمامه فكذلك الغسل إلّا إذا أتبعه بالوضوء.

المسألة الثالثة

لا يجوز أن يغسله غيره مع الإمكان و يجوز مع الضرورة كما في الوضوء لعموم العلّة المنصوصة في الوضوء ففي صحيحة عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث أنّه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة و هو في مكان بارد قال: فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني فحملوني و وضعوني على خشبات ثمّ صبّوا علىّ الماء فغسّلوني «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب الوضوء الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 139

المبحث السّادس في الحيض

اشارة

و هو دم غليظ حار أسود يخرج بحرقة كما تدلّ على ذلك صحيحة حفص البختري أو حسنته قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام امرأة سألته عن المرأة يستمرّ بها الدّم فلا تدري حيض هو أم غيره قال: فقال لها: انّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و حرارة و دم الاستحاضة أصفر بارد إلخ «1» و هاتان العلامتان المذكورتان لدم الحيض و الاستحاضة غالبيّة لا دائميّة بقرينة حكم الشّارع بوجوب ترتيب آثار الحيض في بعض الموارد و ان لم يكن بصفات الحيض مثل ما إذا رأت الدّم في أيّام عادتها فانّ الشّارع قد حكم بأنّه حيض و ان لم يكن بصفات الحيض و كذا حكم في الدّم الذي تراه أقلّ من الثّلاثة أو أكثر من العشرة بأنّه دم الاستحاضة و ان كان بصفات الحيض ثمّ ان هذه العلامة لدم الحيض علامة له فيما إذا اشتبه بدم الاستحاضة و أمّا إذا اشتبه بدم العذرة فقد ذكر الشارع له علامة أخرى يتميّز بها عن دم العذرة و هي ما رواه خلف بن حماد قال: دخلت على ابى الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام بمنى فقلت له: انّ رجلا

من مواليك تزوّج جارية معصرا لم تطمث فلمّا افتضّها سال الدم فمكث سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام و انّ القوابل اختلفن في ذلك فقال بعضهنّ: دم الحيض و قال بعضهنّ: دم العذرة فما ينبغي لها أن تصنع قال عليه السلام: فلتتّق اللّه فان كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتّى ترى الطهر و ليمسك عنها بعلها و إن كان من العذرة فلتتّق و لتتوضّأ و لتصل و يأتيها بعلها ان أحب لك.

فقلت له: و كيف لهم أن يعلموا ما هو حتّى يفعلوا ما ينبغي قال: فالتفت يمينا

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الحيض الحديث 2 لكن عن حفص بن البختري

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 140

و شمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد ثمّ نهد الىّ فقال: يا خلف سرّ اللّه فلا تذيعوه و لا تعلموا هذا الخلق أصول دين اللّه الى أن قال: تستدخل القطنة ثم تدعها مليّا ثمّ تخرجها إخراجا دقيقا فان كان الدّم مطوّقا في القطنة فهو من العذرة و إن كان مستنقعا في القطنة فهو من الحيض الخبر (الوسائل الباب 2 من أبواب الحيض الحديث 1) ثم انّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام و هو إجماعي و تدل عليه الأخبار الكثيرة التي يأتي بعضها فما في رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المرأة الحبلى ترى الدّم اليوم و اليومين قال (ع): ان كان الدّم عبيطا فلا تصل ذينك اليومين و ان كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلوتين «1» فضعيف فلا بدّ من طرحها لمخالفتها للإجماع و الأخبار الكثيرة أو تأويلها بأن يقال: انّ رؤية الدم في اليوم و اليومين لا تنافي رؤيته أكثر

من ذلك أو يكون ترك الصلاة للاستظهار.

و كذا أكثر الحيض عشرة أيّام و هو إجماعي أيضا و تدلّ على كلا الحكمين روايات معتبرة منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أقلّ ما يكون الحيض- ثلاثة أيّام و أكثر ما يكون عشرة أيّام «2» و منها صحيحة صفوان قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن أدنى ما يكون من الحيض قال: أدنى الحيض ثلاثة و أبعده عشرة «3» و منها رواية أحمد بن محمد بن ابى نصر قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن أدنى ما يكون من الحيض فقال: (أدناه) ثلاثة (أيّام) و أكثره عشرة «4» الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة و هذه المسألة اى انّ أقلّ الحيض ثلاثة و أكثره عشرة ممّا لا اشكال فيها و انّما الإشكال في أنّه هل يكفي الثلاثة مطلقا اى و لو كان مع التفريق أو لا بدّ من التّوالي- يتبادر من الروايات المتقدّمة اشتراط التوالي لأنّ العدد ظاهر فيه مثلا إذا قيل: صم ثلاثة أيّام لا يتبادر الى الذهن مطلق الثلاثة بل ينتقل إلى الثلاثة المتوالية و لكن في بعض الأخبار ما يدل على كفاية مطلق الثلاثة.

مثل رواية يونس عن الصّادق عليه السلام قال: أدنى الطهر عشرة أيّام و ذلك أنّ المرية أوّل ما تحيض ربما كانت كثيرة الدّم و يكون حيضها عشرة أيّام فلا تزال كلّما كبرت

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 13

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 3- 2- 1

(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 3- 2- 1

(4) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 3- 2-

1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 141

نقصت حتّى ترجع إلى ثلاثة أيّام فإذا رجعت الى ثلاثة أيّام ارتفع حيضها و لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام فإذا رأت المرأة الدّم في أيّام حيضها تركت الصّلوة فإن استمرّ بها الدّم ثلاثة أيّام فهي حائض و ان (فان) انقطع الدّم بعد ما رأته- يوما أو يومين اغتسلت وصلّت و انتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيّام فإن رأت في تلك العشرة أيّام من يوم رأت الدم يوما أو يومين حتّى تتم لها ثلاثة أيّام فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة هو الحيض و ان مرّ من يوم رأت الدم عشرة أيّام و لم تر الدّم فذلك اليوم و اليومان الذي رأته لم يكن من الحيض انّما كان من علّة إمّا من قرحة في جوفها (في الجوف) و امّا من الجوف فعليها أن تعيد الصّلوة تلك اليومين التي تركتها الخبر «1».

و هذه الرواية صريحة في كفاية رؤية الدم ثلاثة أيّام و ان كانت في ضمن عشرة أيّام و لا يشترط التوالي فهذه الرواية حاكمة على جميع الروايات الظاهرة في اشتراط التوالي و هي و إن كانت مرسلة إلا أنّ إرسالها منجبر بعمل الأصحاب بها مضافا الى أنّ إرسال مثل يونس الذي قيل: انّه يونس بن عبد الرحمن كالاسناد.

الّا أن يقال: انّ هذه الرواية مرسلة كما عرفت فلا يمكن الاعتماد عليها في إثبات هذا الحكم المخالف للأصل و لظواهر الأخبار و لا يعلم استناد بعض الأصحاب القائلين بعدم اعتبار التوالي- الى هذه الرواية فيمكن ان يكون اعتمادهم على غيرها كما يظهر ذلك من استدلالاتهم نعم هي من جملة استدلالاتهم مضافا الى

ميل أكثر الأصحاب إلى اشتراط التّوالي مع أنّ هذه الرواية كانت بمرأى منهم و مع ذلك لم يعملوا بها و المسألة بعد غير خالية عن الإشكال فالأحوط في صورة عدم التوالي الجمع بين تروك الحائض و أعمال الطّاهر و كذا القول بأنّ أكثر الحيض عشرة أيّام إجماعي و ما في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أكثر ما يكون من الحيض ثمان و أدنى ما يكون منه ثلاثة «2» فهو مطروح لمخالفته للإجماع و الأخبار المتواترة.

و كذا أقلّ الطّهر عشرة أيّام و هو أيضا إجماعي و تدلّ عليه رواية يونس المتقدّمة قال (ع): أدنى الطهر عشرة أيّام الخبر و رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 11

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 14

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 142

قال: لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر الى أن ترى الدم «1» و رواية الدعائم عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في حديث: و أقلّ الطهر عشر ليال الخبر «2» و رواية فقه الرضا عليه السلام قال: و الحدّ بين الحيضين القرء و هو عشرة أيّام الحديث «3».

و لكن في بعض الأخبار ما يدلّ على كفاية أقلّ من العشرة في الطهر مثل رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام قال: تدع الصّلوة قلت: فإنّها ترى الدّم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام قال: تدع الصلاة قلت فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام قال: تصلّى قلت:

فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام قال: تدع الصلاة تصنع ما بينها و بين شهر فان انقطع الدم عنها و إلا فهي مستحاضة «4».

و روايته الأخرى عن أبى بصير عنه عليه السلام في المرية ترى الدّم خمسة أيّام و الطهر خمسة أيّام و ترى الدم أربعة أيّام و ترى الطهر ستّة أيّام فقال: ان رأت الدم لم تصل و ان رأت الطّهر صلّت ما بينها و بين ثلاثين يوما الخبر «5».

و لكن لا بدّ من طرح هاتين الروايتين لمخالفتهما للإجماع و الأخبار الكثيرة و أعراض الأصحاب عنها أو حملهما على بعض المحامل مثل حملهما على ما إذا تغيّرت عادتها و أشبهت عليها صفة الدّم كما ذكره الشيخ قده أو غير ذلك ثمّ انّ الدم الذي تراه المرأة قبل إكمالها تسع سنين هلالية ليس بحيض و تدل عليه مضافا الى دعوى الإجماع على ذلك- صحيحة عبد الرحمن ابن الحجّاج قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ثلاث يتزوجهن على كلّ حال و عدّ منها التي لم تحض و مثلها لا تحيض قال: قلت: ما حدّها قال: إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين «6» و في روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: إذا أكمل لها تسع سنين أمكن حيضها «7».

و كذا الدم الذي تراه بعد الياس ليس بحيض و حدّ اليأس في غير القرشيّة خمسون

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 10

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 9- 12

(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 9- 12

(4) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 15- 16

(5) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 15-

16

(6) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب العدد من كتاب الطلاق

(7) لم أرها في مظانّها نعم أوردها في مصباح الفقيه صفحة 260

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 143

سنة و في القرشيّة ستّون سنة كما عليه المشهور.

و الدّليل عليه ما اقتضاه الجمع بين الأخبار فإنّ بعض الأخبار قد حدّد الحيض بخمسين سنة من دون تفصيل بين القرشيّة و غيرها مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: حدّ التي قد يئست خمسون سنة «1» و مثلها صحيحته الأخرى قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ثلاث يتزوجن على كلّ حال الى أن قال: و التي قد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض قال: قلت: و ما حدّها قال: إذا كان لها خمسون سنة «2».

و بعض الأخبار يدلّ على التحديد بالستين و هو بإطلاقه شامل لغير القرشيّة مثل روايته ايضا عن الصّادق عليه السلام قال: ثلاث يتزوّجن الى أن قال: إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض و مثلها لا تحيض «3».

و هذه الرواية يمكن وقوع السهو فيها من الراوي لأنّها بعينها هي الرواية التي مرّت آنفا من حيث الراوي و من حيث المروي عنه الا أنّ في الجواب فرقا بينها و بين السابقة حيث انّ في هذه الرواية التحديد بالستّين و في السابقة التحديد بالخمسين فح الظاهر أنهما رواية واحدة وقع السهو في إحداهما و هي رواية الستّين و يؤيده عدم تعرّض القدماء للتفصيل بين القرشيّة و غيرها بل حكموا على الإطلاق بأنّ حدّ اليأس خمسون سنة و لكن يمكن حمل رواية الستّين على القرشيّة و رواية الخمسين على غيرها بأن تكون رواية الخمسين و رواية الستّين روايتين لا رواية

واحدة و الشّاهد على هذا الحمل مرسلة ابن أبى عمير التي هي كالمسندة عند الأصحاب- عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا بلغت المرية خمسين سنة لم تر حمرة الّا أن تكون امرأة من قريش «4».

و عن الشّيخ في المبسوط أنّه قال: تيأس المرية إذا بلغت خمسين سنة الّا أن تكون أمرية من قريش فإنّه روى أنّها ترى دم الحيض الى ستّين سنة و الظاهر أنّ رواية المبسوط هي مضمون مرسلة ابن أبى عمير نقلها بالمعنى لا أنّها رواية أخرى و تلك الرواية أعني مرسلة ابن ابى عمير و ان لم يذكر تحديد القرشيّة فيها بالستّين الّا أنّ الإجماع قد قام على عدم تجاوز دم

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب الحيض الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب العدد من كتاب الطلاق

(3) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب الحيض آخر الباب و الحديث 4

(4) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب الحيض آخر الباب و الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 144

الحيض عن الستّين مطلقا و على عدم الواسطة بين الخمسين و الستّين فيكون المراد من الاستثناء هو الستّون بالنّسبة إلى القرشيّة كما ذكره الشيخ صريحا في المبسوط.

ثمّ انّ القرشيّة هي التي انتسبت الى النضر بن كنانة أحد أجداد النّبي صلّى اللّه عليه و آله على ما صرّح به كثير من الأصحاب و يكفى الانتساب به من جهة الأب فقط و هل يكفى الانتساب من جهة الأمّ فقط- الظاهر لا لعدم مساعدة العرف على ذلك.

و ألحق بعض الأصحاب بالقرشيّة النبطيّة و قد اختلف في معناها أهل اللغة فقال بعضهم: هم قوم ينزلون سواد العراق و قال البعض الآخر: هم قوم ينزلون البطائح

بين البصرة و الكوفة و قال البعض الآخر: هم قوم من العجم و قال بعضهم: من كان أحد أبويه عجميّا و الآخر عربيا الى غير ذلك من الاختلافات في معناها و حيث لم يعلم مستند الإلحاق و ان قيل: انّه مشهور بين الأصحاب نعم نقل عن مقنعة الشيخ المفيد أنّه قال: و قد روى أنّ القرشية من النساء و النبطيّة تريان الدم الى ستّين سنة و لكن المفيد (ره لم) يظهر منه العمل بمضمونها مع أنّه ناقلها و لإجمال معنى النبطية- يشكل الإلحاق و إن كان الأحوط الجمع بين تروك الحائض و اعمال المستحاضة فيما إذا تجاوز دمها اى دم النبطيّة عن الخمسين و لم يتجاوز عن الستّين ثم انّ المعروف انّ كلّ دم تراه المرأة دون الثلاثة و فوق العشرة فليس بحيض.

و ما تراه بعد الثلاثة و لم يتجاوز العشرة و أمكن كونه حيضا فهو حيض سواء أ كان متجانسا لدم الحيض في الصفات أم مختلفا و كذا كلّ دم تراه المرية غير القرشيّة قبل الخمسين أو القرشيّة قبل الستّين و أمكن كونه حيضا بأن لا يكون أقل من الثلاثة و لا أكثر من العشرة فهو حيض.

و هذه القاعدة أي قاعدة الإمكان- ممّا أثبتها كثير من الأصحاب بل ادّعى عليها الإجماع و استدل لصحّتها و كونها مرجعا عند الشك- بأخبار كثيرة منها أخبار الحبلى إذا رأت الدّم و شكّت في كونه حيضا فإنه عليه السلام حكم بحيضيتها معلّلا بأنّها ربّما قذفت الدم و هي حبلى فلنذكر بعض أخبارها حتى يظهر الحال في دلالتها فنقول: روى عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّه سئل عن الحبلى ترى الدم أ تترك

الصّلوة فقال: نعم انّ الحبلى ربما قذفت الدم «1».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 145

و عن ابى بصير عنه عليه السلام قال: سألته عن الحبلى ترى الدّم قال: نعم انّه ربما قذفت المرية الدم (بالدم) و هي حبلى «1».

و استفاد بعض الأصحاب من التعليل بقوله (ع) ربما قذفت الدم- الكليّة لهذه القاعدة بأنّه كلّما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض لأنّه عليه السلام حكم على الحبلى بكون دمها حيضا لأجل أنه يمكن أن تقذف الدم.

و لكن يدفع هذا التوهّم بعض أخبارها الأخر مثل رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الحبلى ترى الدم كما كانت ترى أيام حيضها مستقيما في كلّ شهر فقال: تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها فإذا طهرت صلّت «2».

و رواية سماعة قال: سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل قال: تقعد أيّامها التي كانت تحيض فإذا زاد الدّم على الأيّام التي كانت تقعد عن الصلاة استظهرت بثلاثة أيّام ثمّ هي مستحاضة «3».

و هاتان الرّوايتان يستفاد منهما كغيرهما من الأخبار أنّ الحبلى كغيرها تقعد عن الصّلوة أيّام عادتها و أنّ الحبل ليس مانعا من عادتها و أين هذا من قاعدة الإمكان فلا بدّ من حمل الروايتين المتقدّمتين على هذا المعنى أيضا فإن كلمة ربما و إن كانت تجي ء بمعنى التقليل و لكن كثيرا ما تجي ء بمعنى التكثير فالروايتان المتقدّمتان مضمونها متّحد مع هذين الخبرين و مضمون الجميع أنّ الحبلى إذا رأت الدم في أيّام عادتها يحكم بحيضيّتها لأنّه فرق بين الحبلى و غيرها في الحكم بحيضيّة ما تراها من الدم في أيّام عادتها و هذا بمعزل من قاعدة

الإمكان كما لا يخفى.

و من الأخبار التي استدلّ بها لقاعدة الإمكان أخبار من تقدّم حيضها على عادتها بيوم و يومين و أنّه من الحيض معللا بأنّه ربما تعجّل بها الوقت كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المرأة ترى الصّفرة فقال: إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض و إن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض «4» و لو لا قاعدة الإمكان لم يكن وجه للحكم بحيضيّة

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 4- 2

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 4- 2

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 6

(4) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 146

الصفرة قبل أيّام العادة.

أقول: الظاهر أنّه ليس من قاعدة الإمكان بل من باب إلحاق ما يقع بقرب أيّام العادة بما في أيّام العادة و ليس هذا تعبدّا بل هو أمر عرفي فإنّ الشي ء الذي يعتاد وقوعه في وقت معيّن إذا تقدّم على ذلك الوقت بيسير فإنّه يقال: عند العرف انّه جاء في وقته.

مثلا إذا كان أحد مبتلى بالحمى في كلّ يوم مرّة في أوّل الظهر مثلا إذا تقدّم في بعض الأيّام على ذلك الوقت بساعة واحدة أو أقلّ لا يجعل العرف ذلك حمّى على حده بل يقولون: أنّه تقدّم حمّاه عن وقته هذا ما ذكره الأستاذ دام ظلّه و لكن لا يخفى أنّ هذا المعنى بعينه جار فيما إذا تأخّر عن وقته بقليل مع أنّه عليه السلام حكم فيما إذا تأخّر الدم بيومين عن أيّام الحيض بأنّه ليس من الحيض الّا أن يقال: بأنّ المراد بما بعد الحيض ما تجاوز

عن العشرة فإنّه لا يمكن الحكم بحيضيتّه لعدم إمكان تجاوز الحيض عن العشرة.

و من الأخبار التي استدلّ بها لقاعدة الإمكان أخبار الاستظهار مثل رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها كيف تصنع قال: تستظهر بيوم أو يومين ثمّ هي مستحاضة «1» و رواية فضيل و زرارة عن أحدهما عليه السلام قال: المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها و تحتاط بيوم أو اثنين الخبر «2» الى غير ذلك من الأخبار و معنى الاستظهار طلب ظهور الحال اى بعد أيّام العادة إذا رأت الدم تترك الصلاة يوما أو يومين أو ثلاثة أيّام على اختلاف الأخبار حتّى يظهر الحال فلو لا قاعدة الإمكان لم يكن وجه لترك الصلاة و الصوم بعد أيّام العادة.

و لكن يمكن أن يقال ايضا بما قلناه آنفا من أنّه إذا تقدّم حيضها بيوم أو يومين لم يحكم عليها بالاستظهار و ترك الصّلوة لقاعدة الإمكان بل لأنه وقع قريبا من أيّام العادة فلا تكون هذه الأخبار دليلا لقاعدة الإمكان.

و استدلّ ايضا لهذه القاعدة بالروايات الدالّة على أنّ الصائمة تفطر بمجرّد رؤيتها للدم في أي وقت من النهار كرواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أىّ ساعة

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 2

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 147

رأت المرية الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت الحديث «1» و رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة تطهر في أوّل النّهار في رمضان أ تفطر أو تصوم قال: تفطر و في المرية ترى الدم من أوّل النهار في شهر رمضان

أ تفطر أم تصوم قال: تفطر انّما فطرها من الدم «2» و غيرهما من الأخبار فان حكمه (ع) بوجوب إفطارها بمجرد رؤية الدم دليل على قاعدة الإمكان لأنّ الدم أعم من الحيض و مع ذلك حكم (ع) بوجوب الإفطار عليها.

و فيه ما لا يخفى فانّ الدم في هاتين الروايتين هو الدم المعهود أعنى دم الحيض خصوصا مع تصريحه بذلك في الرواية الأولى و يزيدك بيانا تصريح كثير من أخبار الباب مثل تصريح أبى عبد اللّه عليه السلام في رواية العيص بن القاسم حيث سأله عن أمرية تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس قال: تفطر حين تطمث «3».

و روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن أمرية طمثت في رمضان قبل أن تغيب الشمس قال: تفطر «4» و غير ذلك من الأخبار فإنّها صريحة في وجوب الإفطار حين تحيض لا حين ترى الدم مطلقا و لو كان مشكوكا و التعبير بالدم في بعض الأخبار- المراد منه الحيض بقرينة هذه الأخبار لا الدم المشكوك حتّى تثبت به قاعدة الإمكان و من الأخبار المستدل بها لهذه القاعدة إخبار العادة الدالة على أنّ المرية إذا رأت دما في العادة و لو كان صفرة يجب عليها ترك الصّلوة.

فمنها صحيحة أو حسنة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرية ترى الصفرة في أيّامها فقال: لا تصلّى حتّى ينقضي أيّامها الخبر «5» و منها رواية إسماعيل الجعفي عنه عليه السلام قال: إذا رأت المرية الصفرة قبل انقضاء أيّام عدتها لم تصلّ و إن كانت صفرة بعد انقضاء أيّام قرئها صلّت «6».

و منها رواية معاوية بن حكيم قال: الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض الى

أن قال: و هي في أيّام الحيض حيض «7» الى غير ذلك من الأخبار.

و من الأخبار التي استدلّ بها لقاعدة الإمكان الأخبار الدالّة على أنّ الدم بعد أيّام

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الحيض الحديث 3.

(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الحيض الحديث 4- 1- 2

(3) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الحيض الحديث 4- 1- 2

(4) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الحيض الحديث 4- 1- 2

(5) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 1- 2- 3

(6) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 1- 2- 3

(7) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 1- 2- 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 148

العادة بحكم الحيض و هي مختلفة فبعضها يدلّ على أنّ الدم إذا تجاوز عن العادة بيوم أو يومين يكون حيضا و بعد اليومين يكون استحاضة كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها كيف تصنع قال: تستظهر بيوم أو يومين ثمّ هي مستحاضة الخبر «1» و مثلها بهذا المضمون غيرها و بعضها دالّ على أنّها تستظهر إلى ثلاثة أيّام كخبر سعيد بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرية تحيض ثمّ تطهر و ربّما رأت بعد ذلك- الشي ء من الدم الرّقيق بعد اغتسالها من طهرها فقال: تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة (بيوم أو يومين أو ثلاثة خ ل) ثم تصلّى «2».

و بعضها دالّ على أنّها تستظهر إلى عشرة أيّام كرواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام امرأة رأت الدم في حيضها حتّى جاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلّى قال: تنتظر عدّتها التي

كانت تجلس ثمّ تستظهر بعشرة أيّام فإن رأت الدم دما صبيبا فلتغتسل في وقت كلّ صلاة «3».

و لكن هذه الروايات و كذا روايات العادة يمكن حملها على أنّ الشارع جعل الدم في أيّام العادة و في أيّام العشرة مثلا امارة على كونه حيضا لا أنّه من باب قاعدة الإمكان و لو سلّم فلا يمكن التجاوز عن مورد النصّ و الحاصل أنّه لم تثبت عندنا مشروعيّة هذه القاعدة إلا في أيّام العادة و أيّام العشرة على اشكال فيهما أيضا.

مسائل
الأولى

- ذات العادة الوقتيّة و العدديّة تترك الصلاة و الصّوم بمجرد رؤية الدم إجماعا و تدلّ على ذلك روايات كثيرة مثل صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها فقال: لا تصلّى حتّى ينقضي أيّامها «4» و حمل هذه الرواية على أنّها إذا رأت ثلاثة أيّام جمعا بينها و بين ما دلّ على أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة خلاف إطلاق الرّواية و هذا الحمل لا يتأتّى في مرسل يونس عنه

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 7- 12.

(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 7- 12.

(4) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 149

عليه السلام قال: كلّما رأت المرية في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض «1».

فانّ كلمة كلّما بعمومها شاملة لليوم الأوّل و الثاني أيضا و كذا في موضع آخر من هذه المرسلة حيث قال: فإذا رأت المرية في أيّام حيضها تركت الصّلوة فإن استمر بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض و

ضعفها بالإرسال منجبر بالإجماع و عمل الأصحاب هذا كلّه في ذات العادة الوقتية و العددية و أمّا الوقتية فقط فإطلاق الروايتين المتقدمتين يشملها أيضا فإنّ لفظ الأيام الواقع في الروايتين- المقصود منها هو أيّام العادة من حيث الوقت سواءأ كان العدد مساويا أم لا و أمّا ذات العادة العددية فقط فيشكل شمول هاتين الروايتين لها لأنّ المراد من الأيّام- كما ذكرنا- هو الوقت فح لو رأت الدم في اليوم الأول و الثاني و لم يكن بصفات الحيض فالأحوط أن تجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة إلى ثلاثة أيّام فإن استمرّ الدم إلى ثلاثة أيّام علم بكونه حيضا.

نعم إذا كان الدم بصفات الحيض يجوز لها ترك الصّلوة بمجرد رؤيته لأنّ أخبار الصفات جعلت الدم الواجد للصفات امارة على الحيض هذا كلّه في ذات العادة مطلقا.

و أمّا المبتدئة فقال في الشرائع: في تحيضها بمجرّد رؤيتها للدم تردد و الأظهر أنّها تحتاط حتى يمضي ثلاثة أيّام انتهى أقول: و قيل: انّها تترك الصلاة بمجرّد رؤية الدم و دليل هذا القول أمران الأوّل قاعدة الإمكان و قد مرّ الكلام فيها و أنها غير معلومة المستند إلا في موارد ورود النص مضافا الى أنّ قاعدة الإمكان تجري فيما إذا أحرز إمكان كون الدم حيضا لا فيما شك في أصل إمكانه كما فيما نحن فيه فانّ الدم إذا استمرّ إلى ثلاثة أيّام يمكن أن يكون حيضا و أمّا إذا لم يستمرّ فلا يمكن أن يكون حيضا و المفروض أنّ المبتدئة إذا رأت الدم في اليوم الأوّل لا تعلم استمراره إلى الثلاثة فكيف يجري في هذا الفرض قاعدة الإمكان الثاني ممّا استدلّ به- الأخبار كموثقة سماعة بن مهران قال: سألته عن

الجارية البكر أوّل ما تحيض تقعد (فتقعد خ ل) في الشهر يومين و في الشّهر ثلاثة أيّام يختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء قال: فلها أن تجلس و تدع الصّلوة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة الخبر «2».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 11

(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الحيض الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 150

و رواية عبد اللّه ن بكير قال: في الجارية أوّل ما تحيض يدفع عليها الدم فتكون مستحاضة- إنّها تنتظر بالصلاة فلا تصلّى حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض الخبر «1» و روايته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمر (بها) الدم (بعد ذلك) تركت الصلاة عشرة أيّام ثمّ تصلّى عشرين يوما فان استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام و صلّت سبعة و عشرين يوما «2» و هذه الروايات لا تدلّ على مطلوب هذا القائل من وجوب ترك الصلاة بمجرّد رؤية الدم فإنّها لا تدلّ على أزيد من أنّها تترك الصّلوة ما دامت ترى الدم إلى عشرة أيّام فيمكن أن يكون الشرط في ذلك أنّه إذا استمر الدم إلى ثلاثة أيّام تترك الصلاة لا مطلقا كما ربّما يشعر بذلك الخبر الأخير فإنه (ع) قال: المرية إذا رأت في أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم الخبر.

فالأحوط ما ذكره في الشرائع من أنّها تحتاط إلى ثلاثة أيّام.

المسألة الثانية
اشارة

أنّه إذا رأت المرية الدم مطلقا سواء أ كانت ذات العادة أم مبتدئة أم غيرهما ثلاثة أيّام و لم يكن ما يمنع من حيضيتّه بأن لم يكن بعد اليأس أو قبل مضى أقلّ

الطهر.

ثم انقطع قبل العشرة أو فيها المشهور بل ادّعى عليه الإجماع- أنّ الكلّ حيض أمّا أنّ الثلاثة حيض فاستدل لحيضيّتها بأمور الأوّل قاعدة الإمكان المتقدّمة و قد عرفت ما فيها.

الثاني الإجماع و لا بدّ من التتبع الثالث بعض الأخبار كإطلاق صحيحة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام المرية ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة قال: تدع الصلاة الحديث «3».

و استدلّ لحيضيته ما بعد الثلاثة إلى العشرة برواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا رأت المرية الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الأولى و ان كان بعد

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الحيض الحديث 6

(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 7

(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 15

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 151

العشرة فهو من الحيضة المستقبلة «1» و استدلّ لذلك أيضا بقاعدة الإمكان و الإجماع.

أقول: أمّا رواية يونس التي استدلّ بها لحيضية الثلاثة فموردها ما إذا رأت الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام فحكم (ع) بأنّها تدع الصّلوة و أين هذا ممّا إذا رأته في اليوم الأوّل و لم تعلم باستمراره إلى الثلاثة فالأولى أن يقال: في الصورة الأولى أي في الثلاثة أنّه إذا كان بصفات الحيض يحكم بحيضيّته و تدع الصّلوة في اليوم الأوّل لا لإطلاق رواية يونس بل لأخبار الصّفات و أمّا إذا لم يكن بصفات الحيض لم يكن حيضا إلّا إذا كان في أيّام العادة لرواية علىّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام أنّه قال في حديث: و لا غسل عليها من صفرة الّا من صفرة تراها في أيّام طمثها فإن رأت صفرة في أيّام

طمثها تركت الصلاة كتركها للدّم «2».

الّا أن يدلّ الإجماع على خلافه فالأحوط أن تجمع بين أعمال المستحاضة و تروك الحائض.

و أما الصورة الثانية أي ما تراه بعد الثلاثة إلى العشرة فينبغي التفصيل المذكور في الثلاثة- فيها لأنّ قاعدة الإمكان قد عرفت ما فيها و الإجماع غير ثابت عندنا تحقّقه إلا في ذات العادة و رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة- و إن كانت مطلقة تشمل ما إذا رأت صفرة أيضا إلّا أنّها معارضة بما دلّ من الأخبار الكثيرة على أنّ الصفرة في غير أيّام الحيض ليس بحيض نعم هي شاملة للصفرة في أيّام العادة و ليس لها معارض بالنسبة الى أيّام العادة فالقول بأنّها إذا رأت بصفات الحيض بعد الثلاثة فهو حيض و إذا رأت صفرة فليس بحيض- لا يخلو من وجه و الأحوط الجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة الفاقد للصفة هذا كلّه في المبتدئة و في غير ذات العادة و أمّا ذات العادة إذا تجاوز دمها عن عادتها و لم يتجاوز العشرة فالذي يستفاد من الأخبار الكثيرة وجوب الاستظهار عليها في الجملة و معنى الاستظهار- كما يستفاد من الأخبار- هو ترك العبادة الى أن يظهر حالها و لكن في مدة الاستظهار اختلاف شديد بين تلك الأخبار فبعضها يدلّ على وجوب الاستظهار عليها بيوم.

كرواية إسحاق بن حريز قال: سألتني أمرية منّا أن أدخلها على أبي عبد اللّه

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب الحيض الحديث 13

(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 6

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 152

عليه السلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت الى أن قال: فقالت له: ما تقول في المرية تحيض فتجوز أيّام حيضها قال: إن كان أيّام

حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد ثمّ هي مستحاضة «1» و هذه الرواية قد صرّحت بأن مدّة الاستظهار يوم واحد و بعد ذلك اليوم تكون مستحاضة و بعضها يدلّ على وجوب الاستظهار بيومين كصحيحة زرارة قال: قلت له: النفساء متى تصلى قال: تقعد بقدر حيضها و تستظهر بيومين فان انقطع الدم و الا اغتسلت الى أن قال: قلت: و الحائض قال: مثل ذلك سواء «2».

و بعضها يدلّ على وجوبه ثلاثة أيّام كموثقة سماعة قال: سألته (ع) عن المرية ترى الدم قبل وقت حيضها فقال: إذا رأت المرية الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة فإنها ربما يعجّل بها الوقت و إن كان أكثر أيّامها التي تحيض فيهنّ فلتربص ثلاثة أيّام بعد ما تمضى أيّامها فإذا تربّصت ثلاثة أيّام و لم ينقطع الدم عنها فلتصنع كما تصنع المستحاضة «3». و مثلها غيرها و بعضها يدلّ على وجوب الاستظهار إلى عشرة أيّام مثل موثقة يونس قال: قلت لأبي عبد اللّه (ع): امرأة رأت الدم في حيضها حتّى جاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلّى قال: تنظر عدّتها التي كانت تجلس ثمّ تستظهر لعشرة أيّام «4».

و هذه الروايات- كما تراها- شديدة الاختلاف جدّا بحيث يصعب الجمع بينها و قيل في الجمع بينها بحمل الأخبار الدالّة على اليوم و اليومين و الثلاثة على العشرة بأن يقال: انّ كلّ واحد منها لا ينفى العشرة فإن إثبات الشي ء لا ينفى ما عداه و لكن فيه ما لا يخفى فانّ بعض تلك الأخبار قد صرّح على أن ما عدا اليوم الواحد مثلا هو استحاضة.

و قيل في الجمع بحمل الأخبار المختلفة على الحالات المختلفة في النساء فيحمل اليوم الواحد على ما إذا تجاوز

الدم العادة بيوم واحد و الاثنان على ما إذا تجاوز بيومين و الثلاثة على ما إذا تجاوز عن العادة إلى ثلاثة أيّام و العشرة على ما إذا تجاوز إلى العشرة.

و فيه ايضا أنّه خلاف مفروض تلك الأخبار فإنّ المفروض فيها أنّ دمها قد استمرّ الى

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 13

(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 3

(3) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 8

(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 12

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 153

أن حكموا عليهم السلام بأنّ الدم بعد أيّام الاستظهار- دم الاستحاضة و هذا لا يناسب انقطاع الدم.

و قيل في الجمع بينها غير ذلك مما لا يخلو أكثرها عن المناقشة فالأولى في الجمع بينها بحمل هذه الروايات المختلفة على التخيير بأن تتخيّر المرية تستظهر يوما واحدا و يومين و ثلاثة أيّام و الى عشرة أيّام و كلّ واحد من هذه الأيّام المختلفة واجب تخييريّ تتخيّر المرية بالأخذ بأيّ واحد منها و الشاهد لهذا الجمع الروايات المستفاد منها التخيير بأن عطف الاثنين و الثلاثة على الواحد بأو المفيدة للتخيير في هذه المقامات مثل صحيحة البزنطي عن ابى الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الحائض كم تستظهر قال: تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة «1».

و رواية سعيد بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرية تحيض ثمّ تطهر و ربّما رأت بعد ذلك الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها فقال: تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة «2» و رواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: المستحاضة تقعد أيّام قرئها ثمّ تحتاط بيوم أو يومين «3».

ثم انّه

قد اختلف في وجوب الاستظهار أو استحبابه فذهب بعض الأصحاب إلى استحبابه جمعا بين هذه الأخبار و الأخبار الدالّة على نحو الإطلاق بأنّ الدم إذا كان صفرة فيما بعد أيّام العادة فليس بحيض كرواية إسماعيل الجعفي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا رأت المرية الصفرة قبل انقضاء أيّام عدّتها لم تصلّ و إن كانت صفرة بعد انقضاء أيّام قرئها صلّت «4» و بهذا المضمون أخبار كثيرة و لكن في هذا الحمل ما لا يخفى فإنّه لا يمكن حمل مثل قوله (ع): تستظهر بيوم ثم هي مستحاضة على الاستحباب و كذا مفهوم رواية البصري قال: سألت أبا عبد اللّه (ع) عن المستحاضة أ يطأها زوجها و هل تطوف بالبيت قال: تقعد أيّامها التي كانت تحيض فيه فإن كان قرئها مستقيما فلتأخذ به و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين «5».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 6- 7

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 6- 7

(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض و الباب 6 الحديث 11

(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض و الباب 6 الحديث 11

(5) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4- 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 154

فانّ مفهومها جواز الوقاع بعد الاحتياط بيوم أو يومين و لا يمكن حمل مثل هذا على الاستحباب مضافا الى أنّه كيف يمكن حمل هذه الأخبار الدالة على الاستظهار- على الاستحباب و لا معنى لاستحباب ترك العبادة مع الحكم في تلك الأخبار بأنّها طاهرة و يجب عليها الغسل و الصلاة فلاحظ تتمة الروايات التي ذكرناها آنفا بل استحباب العكس أولى أي يستحب لها حينئذ فعل

الصلاة.

و يتلوه في الضعف حمل أخبار الاستظهار على الإباحة كما عن الذخيرة و يمكن أن يكون وجهه حمل الأوامر الواردة في هذه الأخبار على مورد توهّم الحظر فإنّها لا تفيد أزيد من الإباحة و فيه ايضا ما مرّ.

و قيل في الجمع بحمل أخبار العادة على ما عدا أيام الاستظهار بأن يقال: أنّ أيّام الاستظهار حيث انّ الشارع حكم بتحيّض المرية فيها بحكم أيّام العادة فكأنه قد وسّع الشارع في أيّام العادة- بهذه الأخبار فلسانها لسان الحكومة مثل ما إذا قال: إذا غربت الشمس خرج الوقتان اى وقت الظهر و العصر ثمّ قال في مورد آخر: من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت فإنّه إذا أدرك ركعة من صلاة العصر في آخر الوقت فمع كون معظم صلوته وقع خارج الوقت فاللازم أن تصير قضاء بمقتضى الرواية الاولى و مع ذلك فقد وسّعت هذه الرواية الوقت بلسان الحكومة.

و لكن حمل هذه الأخبار على ذلك و إن كان ليس ببعيد الا أنّه لا يخلو من اشكال لأنّ الحكم بكونه حيضا في اليوم الأوّل من أيّام الاستظهار أو اليوم الثاني و الثالث أيضا أو الى العشرة على اختلاف الأقوال و الأخبار- حكم ظاهري جعله الشارع تكليفا للشاكّة في كون الدم حيضا.

و أمّا إذا تجاوز دمها عن العشرة فالحكم بكون ما تجاوز عن عادتها الى أن تجاوز عن العشرة كلّه ليس بحيض حكم واقعي بالنّسبة الى ما بعد العشرة و ظاهريّ بالنسبة إلى العشرة و كيف يمكن حمل دليل واحد على الحكم الظاهريّ و الواقعي معا.

و قيل في وجه الجمع بحمل أخبار العادة على ما إذا رأت صفرة بعد أيّام العادة و حمل أخبار الاستظهار على ما إذا رأت

بصفات الحيض و الشاهد لهذا الجمع ملاحظة أخبار العادة فإنّ أكثرها فيه التعبير عن الدم المتجاوز عن العادة- بالصفرة مثل قوله (ع) في رواية معاوية

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 155

ابن حكيم: الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض و بعد أيّام الحيض ليس بحيض و هي في أيّام الحيض حيض «1» و لكن يردّ هذا الحمل رواية سعيد بن يسار المتقدّمة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرية تحيض ثم تطهر ثمّ رأت بعد ذلك الشي ء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها فقال: تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة «2».

فإنّها صريحة في وجوب الاستظهار عليها و ان رأت صفرة و ربّما حملت أخبار الاستظهار على ذات العادة غير المستقيمة بأن يزيد أو ينقص من عادتها يوم أو يومان بناء على عدم قدح مثل ذلك في العادة بأن كانت الزيادة أو النقيصة أحيانا بحيث لا تخرج بذلك عن العادة و حمل أخبار العادة على ذات العادة المستقيمة و الشاهد لهذا الجمع رواية البصري المتقدّمة قبيل ذلك قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المستحاضة أ يطأها زوجها و هل تطوف بالبيت قال: تقعد أيّام أقرائها التي كانت تحيض فيها.

فان كان قرئها مستقيما فلتأخذ به و ان كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين. بناء على ظهور أقرائها التي كانت تحيض فيها- في أيّام العادة ثم قسّم (ع) العادة الى من استقامت عادتها و غيرها.

و لكن يمكن أن يقال: انّ المراد باستقامة القرء هو استقامة الحيض لا استقامة العادة فإنّ القرء هنا بمعنى الحيض فح التقسيم الى ذات العادة و غيرها لا ذات العادة المستقيمة و غيرها بل يمكن دعوى ظهور الرواية

في ذلك و لا أقلّ من تساوى الاحتمالين و قيل: غير ذلك من وجوه الجمع ممّا لا يخلو من اشكال.

فالأولى ما ذكره شيخنا المرتضى قده في الجمع بين الطائفتين من الأخبار من أنّ أخبار العادة محمولة على ما إذا تجاوز دمها عن العشرة و أخبار الاستظهار على ما إذا لم يتجاوز عنها فأخبار الاستظهار في الحقيقة مخصّصة لأخبار العادة فإنّ أخبار العادة- و إن كانت مطلقة تشمل ما إذا تجاوز دمها عن العادة و لو بيوم أو يومين أو ثلاثة أو الى العشرة- الّا أنّه لا بدّ من تقييدها بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام أو الى العشرة على اختلاف الأقوال و الأخبار و الشاهد لهذا الجمع و التقييد هو نفس أخبار الطرفين أي أخبار العادة و أخبار الاستظهار فانّ المستفاد

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الحيض الحديث 3

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 7

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 156

من أخبار العادة هو كونها كثيرة الدم مثل قول الصادق عليه السلام في رواية داود مولى ابى المعزا العجلي قال سألته عن المرية تحيض ثمّ يمضى وقت طهرها و هي ترى الدم قال: (فقال خ ل) تستظهر بيوم إن كان حيضها دون العشرة أيّام فإن استمرّ الدم فهي مستحاضة و ان انقطع الدم اغتسلت و صلّت قال: قلت له: فالمرئة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام حيضها دائم مستقيم ثم تحيض ثلاثة أيّام ثم ينقطع عنها الدم فترى البياض لا صفرة ولادة قال: تغتسل و تصلّى قلت: تغتسل و تصلّى و تصوم ثمّ يعود الدم قال: إذا رأت الدم أمسكت عن الصّلوة و الصيام قلت: فإنّها ترى الدم يوما و

تطهر يوما فقال: إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة، و إذا رأت الطهر صلّت. الخبر «1».

فانّ الظاهر منها أنّ موردها المرية المعتادة التي استمر بها الدم فترى يوما طهرا و يوما دما و كذا رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: امرأة رأت الدم في حيضها حتّى جاوز وقتها متى ينبغي لها أن تصلّى قال: تنتظر عدّتها التي كانت تجلس ثمّ تستظهر بعشرة أيّام فإن رأت الدم صبيبا فلتغتسل في وقت كلّ صلاة «2».

فإنّه و ان ذكر فيها الاستظهار بعشرة أيّام فتكون من الروايات الدالّة على وجوب الاستظهار الّا أنّ قوله (ع): فإن رأت الدم صبيبا ظاهر بل صريح في استمرار الدم و هذه الرواية تصلح شاهدا للجمع بين أخبار العادة و أخبار الاستظهار حيث انّه عليه السلام فصّل بين ما إذا انقطع الدم على العشرة فحكم بكون الجميع حيضا و بين ما إذا تجاوز عنها فحكم بوجوب الغسل و الصلاة عليها و مثل هذين الخبرين في إفادة الاستمرار رواية حريز قال: سألتني امرأة منّا أن أدخلها على أبي عبد اللّه عليه السلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت الى أن قال: فقالت له: أصلحك اللّه ما تقول في المرية تحيض فتجوز أيّام حيضها دون عشرة أيّام- استظهرت بيوم واحد ثم هي مستحاضة---- قالت: فانّ الدم يستمرّ بها الشهر و الشهرين و الثلاثة كيف تصنع بالصّلوة قال: تجلس أيّام حيضها ثم تغتسل لكلّ صلوتين الخبر «3».

و هذه الرواية مضافا الى أنّه يستفاد منها أنّ مورد السّؤال مستمرّة الدم- يستفاد منها

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 9- 12

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 9- 12

(3) جامع

الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 13.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 157

ايضا أنّه إذا استمرّ بها الدم و تجاوز عن العشرة فالحيض أيّام عادتها فقط و بعد العادة هي مستحاضة كما ذكره المشهور لا أنّها تكون حائضا إلى العشرة و بعد العشرة تكون مستحاضة و يشهد لهذا الجمع ايضا نفس أخبار الاستظهار فانّ معنى الاستظهار هو طلب الظهور اى تترك العبادة حتّى يظهر لها حالها من أنّها حائض أو مستحاضة و في بعض تلك الأخبار التعبير بالاحتياط كرواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: المستحاضة تقعد أيّام أقرائها ثم تحتاط بيوم أو يومين فإن هي رأت طهرا اغتسلت و ان هي لم تر طهرا اغتسلت و احتشت الخبر «1».

فانّ الظاهر من هذه الرواية و الروايات الأخر الواردة في الاستظهار- أنّ الاستظهار لأجل كشف الحال فان انكشف الحال و انقطع الدم إلى العشرة أو ما دونها تبيّن كون الدم حيضا و ان تجاوز تبيّن كونه استحاضة حتّى في أيّام العشرة لكن بعد أيّام العادة يجب عليها قضاء ما فاتها من الصلاة و الصّيام و إن كانت هذه الأخبار لم تتعرّض للقضاء إذا تجاوز الدم عن العشرة لدلالة الأخبار الأخر على وجوب الصلاة و الصوم على المستحاضة.

و أخبار الاستظهار و ان دلّت على وجوب الاستظهار و ترك العبادة في يوم أو يومين أو ثلاثة أو الى العشرة الّا أنّ هذا الحكم حكم ظاهريّ لها لاحتمال كونها حائضا و بعد كشف الخلاف تعلم أنّ العبادة كانت واجبة عليها في أيّام الاستظهار و هذا نظير ما إذا رأت الدم في أيّام عادتها يوما أو يومين و تركت العبادة ثمّ ظهر أنّه لم يستمر ثلاثة أيّام فإنّها

و ان كانت بحسب الظاهر مكلّفة بترك العبادة الّا أنّها بعد كشف الخلاف تعلم أنّها لم تكن حائضا و فاتت العبادة عنها فيجب عليها قضائها قطعا هذا كلّه إذا أمكن الجمع بين الأخبار و أمّا إذا قلنا بعدم إمكان الجمع بينها و طرحنا أخبار الطرفين للتعارض الواقع بينها فالمرجع في الدم المتجاوز عن العادة غير المتجاوز عن العشرة هو الاستصحاب بأن يقال: انّ هذا الدم كان قبل انقضاء العادة حيضا فالأصل بقائه على الحيضيّة بعد العادة.

و لكن لا بدّ في الاستصحاب من بقاء الموضوع و المفروض هنا ارتفاعه قطعا فانّ الدم الذي كان في أيّام العادة قد ارتفع و هذا الدم المتحقّق بعد أيّام العادة ليس ذلك الدم فلا يمكن استصحابه الّا أن يقال: انّه يكفى البقاء بنظر العرف لا البقاء الدقّى الفلسفي و هذا

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 158

الدم بعد أيّام العادة و ان لم يكن متّحدا مع الدم في أيّام العادة بحسب الدقّة العقليّة الّا أنّ العرف يراهما دما واحدا نظير ما إذا كان ماء النهر مضافا ثم صار صافيا في الجملة فيشك بذلك في إضافته فيستصحب إضافته مع أنّ الماء الصافي في الجملة غير الماء المعلوم إضافته قطعا و لكن بنظر العرف هما ماء واحد حيث انّ مجراهما واحد لشدة اتصالهما و على فرض عدم إمكان جريان استصحاب الحيضية يمكن جريان الاستصحاب بتقريبين آخرين الأوّل جريان الاستصحاب بالنسبة إلى المرية بأن يقال: انّ هذه المرية كانت في أيّام عادتها حائضا فالأصل بقائها على الحيضية و هذا لا يرد عليه تبدّل الموضوع فانّ الموضوع في القضيّة هي المرية و هي باقية فالقضيّة المشكوكة

و المتيقّنة موضوعهما واحد.

و التقريب الثاني استصحاب الحكم بأن يقال: هذه المرية كان يحرم عليها العبادة و دخول المساجد و الوقاع في أيّام العادة فالأصل بقاء هذه الأحكام بعد انقضاء العادة ما دام الدم باقيا.

فرعان يتعلقان بتجاوز الدم عن العشرة: و استمراره الى شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين:
الأوّل

أنّ ذات العادة إذا تجاوز دمها عن العشرة تجعل عادتها حيضا كما عرفت سواء أ كان بصفات الحيض أم لا خلافا للقول غير المشهور حيث حكم بالحيضيّة إذا كان مع الصفات دون غيرها و بعد أيّام العادة يحكم بكونه استحاضة سواء أ كان بصفات الحيض أم بصفات الاستحاضة و إذا كانت عادتها بالتميز بأن كانت ترى مثلا في كلّ شهر من أوّل الشهر إلى سبعة أيّام بصفات الحيض فالظاهر جعل ما كان بصفات الحيض حيضا و ما كان بصفات الاستحاضة استحاضة ما لم يعارضه دم آخر بصفات الحيض بأن رأت دما بصفات الحيض خمسة أيّام في أوّل الشهر ثم رأت خمسة أيّام بصفات الاستحاضة ثمّ رأت خمسة أيّام ايضا بصفات الحيض فإنّه لا يمكن جعل كلا الدمين أي الأوّل و الثالث حيضا فلا بدّ لها من أن تحتاط في كلا الدمين الا أن يكون أحدهما واقعا في أيام العادة فإنّه حيض دون الآخر فإنّه ليس بحيض لعدم تخلّل أقلّ الطهر بينهما.

و ان رأت دما بصفة الاستحاضة في أيام عادتها التي تحقّقت بالصفات فالظاهر أنّه

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 159

حيض فح إن رأت بعد ذلك دما بصفات الحيض فالظاهر أنّه استحاضة لأنّ العادة مقدّمة على الصفات.

و إذا رأت في أيّام العادة الدم بصفات الحيض ثمّ رأت بصفات الاستحاضة بمقدار أقلّ الطهر ثمّ رأت ثانيا الدم بصفات الحيض فالظاهر أنّ الدم الأوّل فقط حيض دون غيره و إن كان بصفات الحيض

لتقديم ما في العادة على غيرها.

الفرع الثاني

الظاهر أن المبتدئة- و هي التي لم تر الدم قطّ كما عن المشهور أو المرية التي لم تستقرّ لها العادة كما عن بعض آخر- تجعل ما بصفة الحيض حيضا و ما بصفة الاستحاضة استحاضة فتكليفها تمييز الحيض عن غيره بالأوصاف لا الرجوع الى الأقران أو الروايات و الدليل على ذلك الروايات الدالّة على تميز الحيض عن الاستحاضة بالصفات عند الاختلاط. كحسنة حفص البختري قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام أمرية فسألته عن المرية يستمر بها الدم فلا تدري أحيض هو أو غيره قال: فقال لها: انّ دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و حرارة و دم الاستحاضة أصفر بارد «1».

و رواية إسحاق بن جرير قال: سألتني امرأة منّا أن أدخلها على أبي عبد اللّه عليه السلام فاستأذنت لها فأذن لها فدخلت الى أن قال: قالت: فان الدم يستمرّ بها الشهر و الشهرين و الثلاثة كيف تصنع بالصّلوة قال: تجلس أيّام حيضها ثمّ تغتسل لكلّ صلوتين قالت: انّ أيّام حيضها تختلف عليها و كان يتقدّم الحيض اليوم و اليومين و الثلاثة و يتأخّر مثل ذلك فما علمها به قال: دم الحيض ليس به خفاء و هو دم حار تجد له حرقة و دم الاستحاضة دم فاسد بارد الحديث «2». و لكن يستفاد من بعض الأخبار أنّ وظيفة المبتدئة الرجوع الى الروايات اى روايات الستّ أو السّبع اى جعل حيضها في كلّ شهر ستّة أيّام أو سبعة أيّام كمرسل يونس الطويل عن ابى عبد اللّه عليه السلام فإنّه (ع) بعد ما بيّن فيه وظيفة ذات العادة و وظيفة الناسية لها قال: و أمّا السنة الثالثة ففي (فهي) التي

ليس لها أيّام متقدّمة و لم تر الدم قطّ و رأت أوّل ما أدركت و استمرّ بها فإنّ سنّة هذه غير سنّة الأولى و الثانية و ذلك أنّ امراة يقال لها: حمنة بنت جحش أنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت: انّى استحضت حيضة شديدة فقال

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب الحيض الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 13

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 160

لها: احتشي كرسفا.

فقالت: انّه أشدّ من ذلك انّى أثجّه ثجّا فقال: تلجمي و تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام ثم اغتسلي للفجر غسلا و أخّرى الظهر و عجّلي العصر و أخّرى المغرب و عجّلي العشاء و اغتسلي غسلا الخبر.

فيستفاد من إطلاق هذا الحديث ان سنّة المبتدئة و وظيفتها الرجوع الى الروايات لا الى التميز بالصفات فيقع التعارض بين هذا الخبر و الأخبار الدالّة على التميز بالصفات الشاملة بإطلاقها للمبتدئة و يمكن الجمع بينهما بحمل هذا الخبر على ما إذا رأت الدم على لون واحد و استمر كما ربّما يظهر ذلك من قولها: إنّي أثجّه ثجّا اى أصبه صبّا و المراد بذلك كثرة الدم فإن كثرة الدم و مجيئه بتدافع و شدّة يلازم غالبا كونه بلون واحد و هو غلظته و حدّته و حرارته و حمرته بل يظهر من آخر الرواية التصريح بذلك حيث قال (ع) في بيان حكم الناسية: و ان اختلطت عليها أيّامها و زادت و نقصت حتّى لا تقف منها على حدّ و لا من الدم على لون عملت بإقبال الدم و إدباره الى أن قال (ع): فان لم يكن الأمر كذلك و لكنّ الدم أطبق

عليها فلم تزل الاستحاضة دارّة و كان الدم على لون واحد و حالة واحدة فسنتها السبع و الثلاث و العشرون لأن قصّتها كقصّة حمنة حين قالت: إنّي أثجه ثجّا.

فيستفاد منه أنّ الدم إذا كان على لون واحد فسنّة المرأة- سواء كانت ناسية أو مبتدئة- السبع و الثلاث و العشرون اى تتحيض سبعة أيّام و تصلّى و تصوم ثلاثة و عشرين يوما فانّ تنظير الناسية بالمبتدئة يظهر منه أنّ المبتدئة المفروضة في الرواية كان دمها على لون واحد.

(فصل في أحكام الحائض)

بحرم على الحائض أمور.

الأوّل قراءة سور العزائم أو آياتها كما مرّ في الجنب.

الثاني المكث في غير المسجدين و دخول المسجدين اى المسجد الحرام و مسجد النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

الثالث مس كتابة القرآن و مسّ أسماء الجلالة و أسماء النّبي و الأئمة بل أسماء الأنبياء عليهم السلام و الدليل على ذلك ما مرّ في الجنب.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 161

الرابع الإتيان بالعبادات من الصلاة و الصوم و يجب عليها بعد الطهر قضاء الصيام دون الصلاة و الدليل على ذلك رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا كانت المرية طامثا فلا تحل لها الصلاة «1» و رواية عمر بن أذينة عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قضاء الحائض الصلاة ثم تقضى الصيام قال: ليس عليها أن تقضى الصلاة و عليها أن تقضى صوم شهر رمضان الحديث «2» و نحوهما غيرهما من الأخبار الكثيرة.

الخامس يحرم على زوجها أن يجامعها في القبل و لا يحرم عليه سائر الاستمتاعات حتّى الوطي في الدبر على المشهور و تجب عليه الكفّارة بدينار ان جامعها في أوّل الحيض و بنصف الدينار إن جامعها في وسطه و بربع الدينار

ان جامعها في آخره.

أمّا حرمة المجامعة فتدلّ عليها رواية مالك بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المستحاضة كيف يغشاها زوجها قال: تنظر الأيّام التي كانت تحيض فيها و حيضها مستقيمة فلا يقربها في عدّة تلك الأيّام من ذلك الشهر و يغشاها فيما سوى ذلك من الأيّام و لا يغشاها حتّى يأمرها فتغتسل ثم يغشاها ان أراد «3».

و المراد بالمستحاضة الكثيرة الدم و يستفاد من هذه الرواية عدم جواز غشيانها قبل الغسل و ان صارت نقيّة من الحيض و هو مخالف لما عليه كثير من الأعلام و يمكن حمل هذه الجملة أي قوله و لا يغشاها حتّى يأمرها فتغتسل- على الكراهة. و الدليل على حرمة وطئها أيضا من الآيات قوله تعالى فَاعْتَزِلُوا النِّسٰاءَ فِي الْمَحِيضِ «4» و أمّا الأخبار فهي كثيرة (راجع ب 21 من أبواب الحيض من جامع الأحاديث).

و يدل على جواز الاستمتاع بما عدا الفرج رواية عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم «5».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب الحيض الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب الحيض الحديث 3

(3) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 1

(4) سورة البقرة الآية 222

(5) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 16

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 162

و رواية عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما يحلّ للرجل من امرأته و هي حائض فقال: ما دون الفرج «1».

و الفرج و إن كان صادقا على القبل و الدبر الّا أنّ في بعض الأخبار التصريح بالقبل كرواية عبد الكريم (الملك) بن عمر

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ما لصاحب المرية الحائض منها فقال: كلّ شي ء ما عدا القبل يصيبه منها بعينه «2».

و أمّا ما روى عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل: ما يحلّ له من الطامث قال: لا شي ء له حتّى تطهر «3» فمطروح أو مأوّل قال الشيخ قدّه: لا شي ء له من الوطي في الفرج و إن كان له ما دون ذلك انتهى و أمّا ما دلّ على وجوب الكفّارة فكثير منها ما دلّ على وجوب الدينار في أوّل الحيض و نصف الدينار في وسطه و ربع الدينار في آخره كرواية داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في كفّارة الطمث: أنّه يتصدق إذا كان في أوّله بدينار و في وسطه (أو في أوسطه) بنصف دينار و في آخره ربع دينار «4» و منها ما دلّ على وجوب دينار على من جامعها من غير تفصيل كرواية محمد بن مسلم قال: سألته عمّن أتى امرأته و هي طامث قال: يتصدّق بدينار و يستغفر اللّه تعالى «5» و منها ما دلّ على وجوب نصف دينار على من جامعها من دون تفصيل كرواية أبي بصير عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: من أتى حائضا فعليه نصف دينار يتصدّق به «6».

و يمكن حمل جميع هذه الأخبار على الاستحباب اى استحباب الكفّارة للتسامح الظاهر في بيان مقدارها مع أنّ في بعض الأخبار- ما يستفاد أنّه يكفيه الاستغفار كرواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أتى أهله و هي حائض قال: يستغفر اللّه تعالى و لا يعود قلت: فعليه أدب قال:

نعم خمسة و عشرون سوطا ربع حدّ الزاني و هو صاغر لأنّه أتى سفاحا «7».

و في بعض الأخبار ما يدلّ على كفاية التصدّق على مسكين واحد بقدر شبعه كرواية

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 20- 18.

(2) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 20- 18.

(3) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 27 و الباب 22 الحديث 11

(4) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب الحيض الحديث 27 و الباب 22 الحديث 11

(5) جامع الأحاديث الباب 22 من أبواب المحيض الحديث 3

(6) جامع الأحاديث الباب 22 من أبواب الحيض الحديث 5- 8

(7) جامع الأحاديث الباب 22 من أبواب الحيض الحديث 5- 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 163

عبيد اللّه بن على الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقع على امرأته و هي حائض قال: يتصدّق على مسكين بقدر شبعه «1».

فيستفاد من مجموع هذه الأخبار و غيرها- المسامحة بالنسبة الى ما على الرجل الآتي أهله و هي حائض فلا يبعد حمل ما دلّ على وجوب الدينار أو نصفه أو ربعه عليه على الاستحباب و إن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه ثمّ انّه يشمل وجوب الكفّارة لمن أتى حائضا أجنبيّة أولا- يمكن أن يقال: انّه و إن كان المتبادر من الآية المباركة و الاخبار- هو الزوجة الّا أنّ المناط ليس الزوجية بل كونها حائضا مثلا إذا قيل: إذا قطعت إصبع امرأة فعليك كذا من الدية لا يستفاد منه أنّ موضوع وجوب الدية هو قطع إصبع المرية بل يستفاد منه أن الموضوع هو قطع الإصبع فح هذا الحكم ثابت لمن قطع إصبع الرجل ايضا فكذا هنا.

فانّ قوله (ع) من أتى

حائضا فعليه كذا يستفاد منه أنّ المناط إتيان الحائض لا إتيان امرأته في حال الحيض و هل تتكرّر الكفّارة بتكرّر الوطي- قيل: بعدمه مطلقا كما عن ابن إدريس و قيل بالتكرّر مطلقا و قيل بالتكرّر مع تخلّل الكفارة بأن وطئ و كفّر ثم وطئ و منشأ الاختلافات أنّ النهى- أعني قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ هل تعلّق بالطبيعة بصرف وجودها أو بالطبيعة السارية فإن كان الأوّل فلا تتكرر لأنّ متعلّق النهى هو ذات الطبيعة من حيث هي مع قطع النظر عن الأفراد و الطبيعة تصدق على القليل و الكثير.

بخلاف ما إذا تعلّق بها على النحو الثاني فإنّ متعلّق النهي هي الأفراد لا نفس الطبيعة فكلّ فرد من أفراد الطبيعة قد تعلّق النهى به فكلّ فرد من أفراد الوطي حيث انّه متعلّق النهى- موجب للكفّارة فلا بدّ من أن يستظهر من الأدلة- أنّه على النحو الأوّل أو الثاني و لا يبعد أن يقال هنا: انّ الظاهر من قوله (ع): من أتى حائضا إلخ أن ما يوجب الكفارة هو إتيان الحائض فكلّ فرد من إتيانها يصدق عليه أنّه أتى حائضا خصوصا مع تخلّل الكفّارة فلا يبعد القول بتكرّر الكفّارة عند تكرر الوطي.

السادس يحرم طلاقها إجماعا منّا بل من المسلمين كما في الجواهر و يقع باطلا إجماعا منّا و من بعض العامة خلافا لأبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد بن حنبل و الدليل على بطلانه في حال الحيض الأخبار الكثيرة يجدها المراجع في باب الطلاق من الوسائل.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 22 من أبواب المحيض الحديث 11

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 164

منها صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يطلّق امرئته و

هي حائض قال: الطلاق على غير السنّة باطل «1» و استثنى من هذا الحكم ثلاثة 1- طلاق غير المدخول بها 2- طلاق الحامل 3- طلاق الغائب عنها زوجها بحيث لا يتمكّن من الاطلاع على حال زوجته و الدليل على هذا الاستثناء الروايات المعتبرة.

منها صحيحة إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: خمس يطلّقهن الرجل على كلّ حال الحامل و التي لم يدخل بها و الغائب عنها زوجها و التي لم تحض و التي يئست من المحيض «2».

و حدّ الغيبة التي يجوز معها الطلاق على كلّ حال و اختلاف الأقوال و الأخبار فيه- موكول بباب الطلاق.

و من أحكام الحائض وجوب الغسل عليها بعد ما صارت طاهرة من الحيض لأجل العبادات المفروضة عليها و هذا الوجوب مقدّمي اى مقدّمة للعبادات الواجبة و ليس وجوبه نفسيّا خلافا لبعض الأصحاب كصاحب المدارك.

فانّ المترائى من الوجوب في هذه الموارد ليس الا الوجوب للغير و ليس له محبوبيّة ذاتيّة كما لا يخفى ثمّ انّ كيفيّة هذا الغسل مثل غسل الجنابة في جواز الإتيان به ترتيبا أو ارتماسا كما يدلّ عليه خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: غسل الجنابة و الحيض واحد «3» و غير ذلك من الأخبار.

و هل يكفى هذا الغسل عن الوضوء ككفاية غسل الجنابة عنه أو لا بدّ معه من الوضوء قبله أو بعده- المشهور عدم الكفاية و عن المرتضى قده و ابن الجنيد و المقدّس الأردبيلي و صاحب المدارك و بعض المتأخرين القول بكفاية غسل الحيض عن الوضوء و مستند المشهور مرسلة ابن ابى عمير عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كلّ غسل قبله وضوء الّا غسل الجنابة «4» و روايته

الأخرى عن حمّاد بن عثمان أو غيره عنه عليه السلام قال: في كلّ غسل

______________________________

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الطلاق الحديث 3

(2) الوسائل الباب 25 من أبواب الطلاق الحديث 1

(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الحيض الحديث 1

(4) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 11

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 165

وضوء الّا غسل الجنابة «1».

و رواية فقه الرضا: و ليس في غسل الجنابة وضوء و الوضوء في كلّ غسل ما خلا غسل الجنابة لأنّ غسل الجنابة فريضة تجزيه عن الفرض الثاني و لا تجزيه سائر الأغسال عن الوضوء لأنّ الغسل سنّة و الوضوء فريضة و لا تجزى سنّة عن فرض الى أن قال: فان اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء ثمّ اغتسل و لا يجزيك الغسل عن الوضوء فان اغتسلت و نسيت الوضوء فتوضّأ و أعد الصلاة «2».

و مستند من قال بكفاية مطلق الغسل عن الوضوء أخبار كثيرة فيها الصحيح و الموثق منها مكاتبة محمّد بن عبد الرحمن الهمداني الى ابى الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن الوضوء للصّلوة في غسل الجمعة فكتب (ع): لا وضوء للصلاة في غسل الجمعة و لا غيره «3» و هذه الرواية لا يتطّرق فيها بعض الاحتمالات المتطرقة في بعض الأخبار الآتية من احتمال أن يكون المراد بالغسل غسل الجنابة أو يكون الوضوء من شرائط صحّة الغسل فانّ هذه الرواية صريحة بأنّ الوضوء المسئول عنه هو الوضوء للصّلاة و كذا هي صريحة بكفاية ما عدا غسل الجنابة من غسل الجمعة و غيره الشامل بإطلاقه لجميع الأغسال- عن الوضوء.

و منها موثّقة عمار الساباطي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابته (جنابة خ ل) أو

يوم جمعة أو يوم عيد هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده فقال: لا- ليس عليه قبل و لا بعد قد أجزأه الغسل و المرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل و لا بعد قد أجزأها الغسل «4».

و هذه الرواية ايضا ظاهرة في كفاية مطلق الغسل عن الوضوء و منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: الغسل يجزى عن الوضوء و أىّ وضوء أطهر من الغسل «5» و نوقش في دلالة هذه الرواية بأنّ الألف و اللام في الغسل امّا أن تكونا للجنس أو للعهد فان كانتا للجنس فلازمه كفاية مطلق الغسل عن الوضوء سواء كان من الأغسال الواجبة أو المسنونة بل و ان لم يكن من الأغسال المشروعة لأن معناه ح أنّ ماهيّة الغسل يكفى

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 11- 10

(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 11- 10

(3) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 6- 7

(4) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 6- 7

(5) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث- 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 166

عن ماهيّة الوضوء فلازمه جواز الإتيان بالغسل في مقام الوضوء الواجب دائما و هذا لا يلتزم به أحد.

و إن كان المراد من الألف و اللام العهد فامّا أن يكون المراد بالغسل غسل الجنابة أو جميع الأغسال المشروعة و لا ترجيح للاحتمال الثاني على الاحتمال الأوّل بل الترجيح يكون للاحتمال الأوّل لكثرة الابتلاء بغسل الجنابة دون سائر الأغسال فيمكن أن يكون المراد بالغسل غسل الجنابة فلا يشمل سائر الأغسال مع هذا الاحتمال.

و منها رواية

عبد اللّه بن سليمان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: الوضوء بعد الغسل بدعة «1» و في بعض الأخبار مرسلا: بأنّ الوضوء قبل الغسل و بعده بدعة «2» و أمّا الأخبار المتقدّمة الدالّة على وجوب الوضوء مع الغسل إلا غسل الجنابة فيمكن الجواب عنها بأن مرسلة ابن ابى عمير لا تكافئ هذه الأخبار الصحيح بعضها لإرسالها مع أنّها ليست صريحة في الوجوب فيمكن حملها على الاستحباب و روايته- اى ابن ابى عمير- عن حمّاد بن عثمان يمكن أن تكون بعينها هذه الرواية المرسلة و على فرض تعدّدها حيث انّ المرويّ عنه مردّد بين حمّاد و غيره فهي أيضا كالمرسلة و رواية فقه الرضا و إن كانت من حيث الدلالة لا شبهة فيها الّا أنّه لا يمكن الاعتماد عليها لعدم العلم بصدور فقه الرضا عن الامام الثامن صلوات اللّه عليه فالعمل ح على الأخبار الدالة على أن لا وضوء مع مطلق الغسل سواء أ كان جنابة أم غيرها.

لكنّ الإنصاف أنّ هذه الأخبار مع كثرتها و صحّة بعضها لا تعارض مرسلة ابن أبى عمير لانجبار ضعفها بعمل جلّ الأصحاب و هذه الأخبار مع أنّها بمرأى منهم لم يعملوا بها مع كون بعضها صحيحا فيعلم من ذلك وجود علة فيها حتّى أعرض الأصحاب عنها حتّى أنّ الصدوق (قدس سره) جعل مضمون مرسلة ابن أبى عمير في اعتقاداته- من دين الإمامية مع تبحّره في الأخبار فيعلم كون هذه الأخبار معرضا عنها عند الأصحاب فالأحوط بل لا يخلو عن قوة- وجوب الوضوء قبل الغسل أو بعده.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث- 5- 4

(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث- 5- 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)،

ص: 167

المبحث السابع في الاستحاضة

. كلّ دم لا يمكن جعله حيضا بأن كان أقلّ من الثلاثة أو أكثر من العشرة أو لم يتخلّل بين دم الحيض و بينه أقلّ الطّهر- و هو عشرة أيّام على المشهور و كذا الدم بعد اليأس و الدم الذي لا يمكن جعله حيضا و لا نفاسا و لم يكن من العذرة- فهو دم الاستحاضة و هو على ثلاثة أقسام على المشهور قليلة و متوسّطة و كثيرة خلافا لابن أبى عقيل حيث جعلها قسمين متوسّطة و كثيرة و لم يوجب للقليلة غسلا و لا وضوءا و خلافا لابن الجنيد حيث جعلها قسمين أيضا الّا أنّه حكم بوجوب الغسل الواحد في كلّ يوم و ليلة للقليلة و ألحق المتوسّطة بالكثيرة في وجوب تثليث الأغسال و الروايات أيضا خالية عن تثليث الأقسام بل الذي يستفاد منها- هو كون الاستحاضة على قسمين الأوّل ما يثقب الدم الكرسف و المراد به هو القطنة و المراد بثقبه للكرسف نفوذ الدم فيه.

فلنذكر أوّلا بعض تلك الأخبار حتّى يتضع المراد فنقول- و من اللّه الاستعانة- روى الكليني و الشيخ قدس سرهما عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المستحاضة تنتظر أيّامها فلا تصلّي فيها و لا يقربها بعلها فإذا جازت (جاوزت خ ل) أيّامها و رأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر و العصر تؤخر هذه و تعجل هذه و للمغرب و العشاء الآخرة غسلا تؤخّر هذه و تعجّل هذه و تغتسل للصبح و تحتشي و تستثفر الى أن قال: و إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد و صلّت كلّ صلاة بوضوء و هذه يأتيها زوجها إلّا في أيّام حيضها «1».

و رؤيا

ايضا مسندا- في الموثق- عن سماعة قال: قال: المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين و للفجر غسلا و ان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاستحاضة الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 168

يوم مرّة و الوضوء لكل صلاة و ان أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل، هذا إن كان دمها عبيطا و إن كان صفرة فعليها الوضوء «1» قوله: و ان لم يجز الدم الكرسف إلخ يستفاد منه أنّ المفروض في الفرض الأوّل الذي حكم فيه بوجوب الغسل لكلّ صلوتين- هو ما إذا جاوز الدم الكرسف.

و عدم التجاوز له فردان الأوّل ما إذا دخل الدم في الكرسف و لكن لم يجاوزه و الثاني ما إذا لم يدخل الكرسف أصلا و هذا هو القليلة فقد أوجب (ع) على المستحاضة القليلة الغسل ايضا و لا يستفاد من الرواية التثليث.

هذا ما ذكره الأستاذ دام ظله و لكن يمكن أن يقال: انّ الظاهر من قوله (ع) و ان لم يجز الدم الكرسف- هو دخول الدم في القطنة و لكن لم يتجاوز الى الطرف الآخر و لا يشمل ما إذا لم يدخل القطنة أصلا حتى يشمل القليلة و قوله (ع) في آخر الرواية و إن كانت صفرة فعليها الوضوء يمكن أن يكون المراد من الصفرة هي الاستحاضة القليلة لأنّ الدم القليل ملازم غالبا للصّفرة فتكون الرواية متعرّضة لتثليث الأقسام فتأمّل جيّدا.

الى غير ذلك من الأخبار التي يظهر منها أنّ الاستحاضة على قسمين نعم رواية فقه الرضا (ع) تدلّ صريحا على تثليث الأقسام و هي قوله (ع): فإذا زاد عليها الدم على أيّامها اغتسلت في كلّ يوم مع الفجر و استدخلت الكرسف

و شدّت و صلّت ثم لا تزال تصلّى يومها ما لم يظهر الدم فوق الكرسف و الخرقة فإذا ظهر أعادت الغسل و هذه صفة ما تعمله المستحاضة بعد أن تجلس أيام الحيض على عادتها.

و قال عليه السلام ايضا: و ان رأت الدم أكثر من عشرة أيّام فلتقعد عن الصّلوة عشرة ثمّ تغتسل يوم الحادي عشر و تحتشي و تغتسل فان لم يثقب الدم القطن صلّت صلوتها كلّ صلاة بوضوء و ان ثقب الدم الكرسف و لم يسل صلّت صلاة الليل و الغداة بغسل واحد و سائر الصلوات بوضوء و ان ثقب الدم الكرسف و سال صلّت صلاة الليل و الغداة بغسل و الظهر و العصر بغسل و تؤخّر الظهر قليلا و تعجّل العصر و تصلّى المغرب و العشاء الآخرة بغسل واحد و تؤخّر المغرب قليلا و تعجل العشاء الآخرة «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب. الاستحاضة الحديث 6

(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 10

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 169

و هذه الرواية و إن كانت صريحة في التثليث الّا أنّه لا يمكن الاعتماد عليها لعدم ثبوت استناد فقه الرضا الى مولانا الرضا عليه السلام كما ذكرنا ذلك غير مرّة اللّهم الا أن يقال: انّ ضعفها منجبر بعمل المشهور بها لكن يرد عليه أنّه لا يعلم استناد المشهور في هذه الفتوى الى هذه الرواية بل يحتمل قويّا استفادتهم لهذا الحكم من الأخبار الواردة في هذا الباب.

و يمكن استفادة التثليث من صحيحة الصّحاف الواردة في حيض الحامل و هي ما رواه الكليني و الشيخ مسندا عن الحسين بن نعيم الصّحاف قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انّ أمّ ولدي ترى الدم و هي حامل

كيف تصنع بالصّلوة فقال: إذا رأت الحامل الدم بعد ما تمضى عشرون يوما من الوقت الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه فانّ ذلك ليس من الرحم و لا من الطمث الى أن قال: و ان لم ينقطع الدم عنها الّا بعد ما يمضي الأيام التي كانت ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل ثمّ تحتشي و تستثفر و تصلّى الظهر و العصر ثمّ لتنظر فان كان الدم فيما بينهما (بينها خ ل) و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتوضّأ و لتصلّ عند وقت كلّ صلاة ثمّ تطرح الكرسف عنها فان طرحت الكرسف عنها و سال الدم وجب عليها الغسل.

قال: و ان طرحت الكرسف عنها و لم يسل الدم فلتوضّأ و لتصلّ و لا غسل عليها قال: و إن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقى فانّ عليها ان تغتسل في كلّ يوم و ليلة ثلاث مراّت و تحتشي و تصلّى و تغتسل للفجر و تغتسل للظهر و العصر و تغتسل للمغرب و العشاء الآخرة الخبر «1».

و هذا الخبر و إن كان الظاهر منه تثليث الأقسام الا أنه لم يفت الأصحاب بمضمونه و هو طرح الكرسف و إمساكه و الحاصل أنّه لا يوجد خبر دالّ على تثليث الأقسام يعتمد عليه دلالة و سندا لأنّ المعتمد سندا كهذه الصحيحة غير دالّ على تثليث الأقسام و المعتمد دلالة غير صحيح السند (كذا في المسودة بخطّ الحقير مؤلف هذا الكتاب نقلا عن الأستاذ دام علاه).

و لكن يمكن أن يقال: انّ اشتمال الرواية على جملة لم يعمل بها الأصحاب لا يوجب طرحها مع أنّ المفروض كونها صحيحة السند

و ظاهرة الدلالة على تثليث الأقسام و قد أفتى

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 14

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 170

جلّ الفقهاء بمضمونها.

ثمّ انّ المشهور بين الفقهاء هو أنّ حكم القليلة تبديل القطنة أو تطهيرها و تطهير المحلّ و الوضوء لكلّ صلاة.

أمّا وجوب تبديل القطنة فقد استدلّ له أوّلا بأنّ هذا الدّم من الدماء غير المعفوّ عنها فلا بد من تطهيرها أو تبديلها و تطهير المحل عن ذلك الدم و ثانيا بأنّ بعض الأخبار دالّ على وجوب تبديل القطنة في المتوسّطة و الكثيرة مع عدم الفرق كصحيحة صفوان بن يحيى عن أبى الحسن عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك إذا مكثت المرية عشرة أيّام ترى الدم ثمّ طهرت فمكثت ثلاثة أيّام طاهرا ثمّ رأت الدم بعد ذلك أ تمسك عن الصلاة قال: لا- هذه مستحاضة تغتسل و تستدخل قطنة بعد قطنة و تجمع بين صلوتين بغسل و يأتيها زوجها ان أراد «1».

و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المستحاضة أ يطأها زوجها و هل تطوف بالبيت قال: تقعد قرئها الذي كانت تحيض فيه فان كان قرئها مستقيما فلتأخذ به و إن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين و لتغتسل و لتستدخل كرسفا فإذا ظهر على الكرسف فلتغتسل ثمّ تضع كرسفا آخر ثم تصلّى الحديث «2» و لكن لا يخفى عليك ضعف الدليلين أمّا الأوّل فبأن هذا الدم على فرض عدم العفو عنه انّما يضر إذا كان في الظاهر لا ما إذا كان في الباطن كما هو المفروض في القليلة مضافا الى أنّ تبديل القطنة غير مجد بعد صيرورتها متلوّثة بالدم بعد

التبديل و امّا الثاني و هو دلالة الروايتين على وجوب التبديل في المتوسّطة و الكثيرة ففيه أولا أنّ الروايتين لا دلالة لهما على وجوب التبديل فيهما ايضا فضلا عن القليلة فقوله: تستدخل قطنة بعد قطنة لا يدلّ على وجوب التبديل عند كلّ صلاة بل غاية ما تدلّ الرواية عليه أنّ عليها التبديل عند ارادة الغسل و ثانيا أن الرواية الثانية دلالتها على خلاف مطلوبهم أظهر لأنّها تدلّ على وضع كرسف آخر عند ظهور الدم على الكرسف- بعد الغسل و ليس لها ارتباط بالاستحاضة القليلة ح.

و أمّا وجوب الوضوء عند كل صلاة فيدلّ عليه بعض الروايات منها موثقة سماعة

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 5- 11

(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 5- 11

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 171

المتقدّمة قال: و ان كان صفرة فعليها الوضوء «1» بناء على أنّ المراد بالصّفرة الاستحاضة القليلة.

و منها صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في حديث: و ان كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت و دخلت المسجد و صلّت كلّ صلاة بوضوء «2» و منها موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها كيف تصنع قال: تستظهر بيوم أو يومين ثمّ هي مستحاضة فلتغتسل و تستوثق من نفسها و تصلّى كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم فإذا نفذ الدم اغتسلت «3».

و منها صحيحة الصّحاف المتقدّمة قال: و إن كان الدم فيما بينها و بين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضّأ و لتصلّ عند وقت كلّ صلاة «4» و استدلّ لابن ابى عقيل في قوله: بعدم وجوب الوضوء للقليلة أوّلا بالأصل

و المراد منه امّا الاستصحاب اى استصحاب عدم وجوب الوضوء عليها عند عروض الاستحاضة القليلة لأنّ عدم وجوب الوضوء قبل عروض هذا الدم كان مقطوعا به فيستصحب عند عروضه و امّا أن يكون المراد بالأصل البراءة أي أصالة برأيه ذمتها عن هذا الوضوء عند عروض هذا الدم و لكن يرد عليه أنّه لا مورد لإجراء الأصل في مثل هذه الموارد لوجود الدليل اللفظيّ فيها.

و ثانيا بصحيحة ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر و تصلّى الظهر و العصر ثمّ تغتسل عند المغرب فتصلّي المغرب و العشاء ثم تغتسل عند الصبح و تصلّى الفجر «5» ففي ترك التعرّض للوضوء مع أنّه (ع) في مقام البيان دلالة على عدم وجوبه.

و كذا رواية الجعفي و فيها: فإن هي رأت طهرا اغتسلت و ان هي لم تر طهرا اغتسلت و احتشت فلا تزال تصلّى بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر أعادت

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4- 1

(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4- 1

(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 2

(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 14

(5) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 6

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 172

الغسل «1».

و تقريب الاستدلال بها أنّه يستفاد منها أنّها إذا لم تر طهرا يكفيها غسل الحيض بعد النقاء و لا يجب عليها شي ء الى أن يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر يجب عليها ح غسل الاستحاضة و عدم ظهور الدم هو الاستحاضة القليلة.

و لكن يمكن الجواب عن الروايتين بأنّهما و ان لم تتعرّضا للوضوء الّا أنّ

مقتضى الجمع بينهما و بين الروايات المتقدمة هو وجوب الوضوء عليها في الاستحاضة القليلة.

و هل يكفى وضوء واحد لفريضة واحدة مع نافلتها أو لا بدّ للنّافلة أيضا من وضوء على حده- استدلّ للأوّل بلزوم الحرج و أنّه لا يستفاد من هذه الأخبار أنّ هذا الدم من الأحداث الناقضة للوضوء غاية ما في الباب أنّه حدث خاصّ يجب فيه الوضوء عند إرادة الإتيان بكلّ فريضة لا عند حدوثه في أيّ وقت كان بخلاف سائر الأحداث فلذا ترى أنّه إذا طهر في أثناء الصّلوة لا تبطل الصلاة و لا الوضوء به.

هذا و لكن يرد على الأوّل بعدم لزوم الحرج في المستحبّات لعدم الإلزام فيها و على الثاني بأنّه يستفاد من وجوب الوضوء في القليلة لكلّ صلاة أنّ هذه ايضا من الأحداث و عدم عدادها في الأحداث و النواقض الموجبة للوضوء لا يفيد الحصر اى حصر النواقض فيما عداها لأنّ إيجاب الوضوء لهذه الاستحاضة يستكشف منه كونها من النواقض، و عدم بطلان الصّلوة و الوضوء بعروض هذا الدم في أثنائها لا يثبت كونها حدثا خاصّا بل يمكن أن يكون عدم البطلان لأجل الضّرورة كما في السّلس مضافا الى أنّه يستفاد من إطلاق قوله (ع) و تصلّى كلّ صلاة بوضوء و قوله (ع): فلتتوضّأ و لتصلّ عند وقت كلّ صلاة- أنّ النّافلة أيضا لا بدّ فيها من الوضوء كالفريضة.

نعم ذكر الشيخ قدّه على ما حكى عنه- أنّ النّوافل الراتبة لا يجب فيها الوضوء و كأنّ دليله أنّها من توابع الفريضة و هو ايضا مشكل.

و هل يجب تبديل الخرقة أيضا لكلّ صلاة- الظاهر- لا إلّا إذا تلوثت بالدم هذا كلّه في الاستحاضة القليلة.

و أمّا المتوسّطة فقال في الشرائع يلزمها مع

ذلك (اى ما تقدّم من تبديل القطنة و تجديد

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 173

الوضوء لكلّ صلاة تغيير الخرقة و الغسل لصلاة الغداة).

أمّا وجوب تبديل القطنة فيمكن الاستدلال له بصحيحة صفوان بن يحيى و رواية البصري المتقدمتين في القليلة «1» و رواية الجعفي فإنّ فيها: فإن رأت طهرا اغتسلت و ان هي لم تر طهرا اغتسلت و احتشت فلا تزال تصلّى بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر أعادت الغسل و أعادت الكرسف «2».

و لكن هذه الروايات لا تدلّ على وجوب التبديل عند كلّ صلاة كما مرّ فانّ الظّاهر منها على فرض ظهورها في وجوب تبديل القطنة- أنّه يجب التبديل عند الغسل أو بعد الغسل فان كان إجماع على وجوب تبديل القطنة و تطهير المحلّ لكلّ صلاة بالنّسبة إلى المتوسطة فهو و إلا فلا دلالة لهذه الروايات و لا غيرها على وجوبه.

نعم يمكن أن يقال: انّه على تقدير وجوب التبديل في القليلة فالمتوسّطة بطريق أولى لأنّ الدم يظهر فيها على الكرسف و هو ملازم غالبا أو دائما لتنجيس ظاهر البدن فالقليلة مع كونها لم تكن غالبا ملازمة لتنجيس البدن و مع ذلك يجب تبديل القطنة فيها على المشهور فالمتوسّطة بطريق أولى فالأحوط هو التبديل.

و أما تجديد الوضوء لكلّ صلاة فلدلالة موثقة سماعة المتقدّمة قال: المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلوتين و للفجر غسلا و ان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم و الوضوء لكلّ صلاة الخبر «3» بناء على أنّ المراد بقوله: و ان لم يجز الدم الكرسف هو الاستحاضة المتوسّطة لا القليلة كما احتملناه فيها مرّ.

و موثقته الأخرى عن

الصادق عليه السلام قال: غسل الجنابة واجب و غسل الحيض إذا طهرت واجب و غسل الاستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ صلوتين و للفجر غسل فان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرّة و الوضوء لكلّ صلاة «4».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 5- 11

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 4

(3) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4

(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب الغسل الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 174

و أمّا وجوب تغيير الخرقة فهو المشهور و لا دليل له إلا إذا تلوثت بالدّم و قلنا بعدم العفو عن هذا الدم.

و أمّا وجوب الغسل عند الغداة لصلاة الغداة فهو ايضا مشهور بين الفقهاء و تدلّ عليه رواية فقه الرضا و ان ثقب الدم الكرسف و لم يسل صلّت صلاة الليل و الغداة بغسل واحد و سائر الصّلوات بوضوء «1» و ظاهر هذه الرواية أنّها يكفيها الغسل لصلاة الغداة و لا يجب عليها الوضوء مع الغسل نعم يجب الوضوء لسائر الصّلوات و لكن تعارضها روايتا سماعة المتقدّمتان آنفا الظاهرتان في وجوب الوضوء لكلّ صلاة مع أنّ رواية فقه الرضا غير معتمد عليها كما مر غير مرّة فلا تكافئ الروايتين و ح وجوب الغسل قبل صلاة الغداة بالخصوص كما يستفاد ذلك من رواية فقه الرضا- لا يخلو عن اشكال فلا يبعد أن يقال بما دلت عليه روايتا سماعة من وجوب الغسل عليها اى على المتوسّطة كلّ يوم مرّة من غير تقييد بالغداة و كذا الكلام في وجوب الوضوء عليها لصلاة الغداة فإنّ الظاهر وجوبه عليها ايضا كما يجب لسائر الصّلوات

هذا تمام الكلام في الاستحاضة المتوسّطة.

و أمّا الاستحاضة الكثيرة فيجب عليها أي المستحاضة الكثيرة مع ذلك اى ما تقدّم من وجوب تبديل القطنة و الخرقة و الوضوء لكلّ صلاة على المشهور ثلاثة أغسال في كل يوم و ليلة. غسل قبل صلاة الفجر و غسل عند الظهر تصلى بها الظهر و العصر و تجمع بينهما و غسل عند المغرب أو في الليل تجمع به بين المغرب و العشاء أمّا وجوب تبديل القطنة و الخرقة فلما مرّ في المتوسطة و أمّا وجوب ثلاثة أغسال عليها في كلّ يوم فلدلالة الأخبار الكثيرة عليه كرواية معاوية بن عمّار المتقدّمة في أوّل هذا الباب «2».

و رواية سماعة المضمرة المتقدّمة «3» و رواية حسين بن نعيم الصحّاف المتقدّمة «4» و رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المستحاضة كيف تصنع قال: إذا مضى وقت طهرها الذي كانت تطهّرت فيه فلتؤخّر الظهر الى آخر وقتها ثمّ تغتسل ثمّ تصلّى الظهر و العصر و ان كان المغرب فلتؤخّر إلى آخر وقتها ثمّ

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 4

(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 1- 4

(3) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 1- 4

(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب الحيض الحديث 14

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 175

تغتسل ثمّ تصلّى المغرب و العشاء فإذا كانت صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثمّ تصلّى ركعتين قبل الغداة الخبر «1».

و رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر و تصلّى الظهر و العصر ثمّ تغتسل عند المغرب فتصلّي المغرب و العشاء ثمّ

تغتسل عند الصبح فتصلّي الفجر الخبر «2».

و هاتان الروايتان و إن كان لفظ المستحاضة فيهما مطلقا الا أنّه لا بد من حملهما على الكثيرة بقرينة سائر الروايات و ايضا يدلّ على ثلاثة أغسال للكثيرة صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: النفساء متى تصلّى قال: تقعد بقدر حيضها و تستظهر بيومين فان انقطع الدم و الّا اغتسلت و احتشت و استثفرت و صلّت فان جاز الدم الكرسف تعصّبت و اغتسلت ثم صلّت الغداة بغسل و الظهر و العصر بغسل و المغرب و العشاء بغسل الخبر «3» الى غير ذلك من الأخبار.

و أمّا وجوب الوضوء لكلّ صلاة فهو المشهور و استدلّ له بقوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ «4» الآية بناء على عمومها لمطلق الحدث و بناء على أنّ الاستحاضة ايضا حدث و أمّا إذا قلنا بأنّ المراد من الآية القيام من النّوم كما فسّرت به في بعض الأخبار أو قلنا بأنّ المتبادر منه الحدث الأصغر- فلا تشمل الحدث الأكبر كما لا يبعد دلالتها على ذلك.

و أمّا الاستشكال في دلالتها بأنّها مختصّة بالرجال و إلحاق النّساء بالرجال انّما هو بالإجماع- و لا إجماع هنا على الإلحاق لوقوع الخلاف فيه- فهو مردود بعدم اختصاصها بالرجال بل المراد منها الخطاب الى مطلق المكلّفين سواء فيهم الذكر و الأنثى.

و استدل لوجوب الوضوء ايضا بقوله (ع): في كل غسل وضوء الّا غسل الجنابة أو قوله (ع): كلّ غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة «5» بناء على ترجيح هذه الرواية على معارضها من قوله (ع): الغسل

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب الحيض الحديث 1- 4

(2) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب

الحيض الحديث 1- 4

(3) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 3

(4) سورة المائدة الآية 6

(5) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 10

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 176

يجزى عن الوضوء و أيّ أطهر من الغسل «1» و قوله: و أىّ وضوء أنقى من الغسل «2» كما تقدّم.

و استدلّ أيضا بأنّ الأصل عدم الاجتزاء بالغسل و بأولويّة هذه من القليلة و المتوسطة فإنّه إذا كان الوضوء فيهما واجبا ففي هذا القسم أولى.

و لكن يمكن الخدشة في هذه الأدلّة إلّا في قوله (ع): في كلّ غسل وضوء إلّا الجنابة- بأنّ الآية ليس فيها عموم أو إطلاق بحيث يشمل حدث الاستحاضة لاحتمال أن يكون رافع هذا الحدث الغسل فقط و يؤيده أنّه ليس شي ء من أخبار الباب متعرّضا لوجوب الوضوء مع أنّ جلّها أو كلّها في مقام البيان و من البعيد جدّا إيكال وجوب الوضوء الى موضع آخر و أمّا الأصل فإن كان المراد منه استصحاب العدم الأزلي فحجّيته غير ثابتة إلا عند بعض نعم يمكن أن يكون المراد بالأصل أصالة الاشتغال بأن يقال: انّ هذا الدم قد أوجد حدثا لا يعلم ارتفاعه بالغسل فقط و لكن يعلم ارتفاعه بالغسل و الوضوء.

و فيه ايضا أنّ بيان الرافع بيد الشّارع و المفروض أنه لم يذكر في رافعيّته سوى الغسل و أمّا الأولوية ففيها ما لا يخفى فإنّ الأولويّة منتفية لاختصاص هذا القسم اعنى الكثيرة بثلاثة أغسال بخلاف الأوّلين فيمكن أن يكون الغسل كافيا لازالة هذا الحدث بخلاف القليلة فإنّه ليس فيها الّا الوضوء و بخلاف المتوسّطة فإنّه ليس فيها إلا غسل واحد و باقي الصّلوات لا بدّ فيها من شي ء رافع للحدث و المفروض عدم وجوب

الغسل عليها في باقي الصلوات بعد الإتيان بالغسل في المرّة الأولى فيمكن أن يكون رافع الحدث في الكثيرة نفس الغسل من دون دخل شي ء فيه و اللّه العالم.

و قد يستظهر وجوب الوضوء من قوله (ع) في مرسلة يونس الطويلة: و سئل عن المستحاضة فقال: انّما ذلك عزف (عرق خ ل) عابر (غاند خ ل) أو ركضة من الشيطان فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ثم تغتسل و تتوضّأ لكلّ صلاة قيل: و ان سال قال: و ان سال مثل المثعب الحديث «3».

و المثعب واحد المثاعب و مثاعب الحياض هي مجاريها التي يجرى فيها الماء فقيل في دلالتها: انّ المتيقّن من موردها هي الاستحاضة الكثيرة بقرينة قوله (ع) و ان سال مثل المثعب

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 10- 11- 1- و الباب الثاني من أبواب الغسل الحديث 12

(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 10- 11- 1- و الباب الثاني من أبواب الغسل الحديث 12

(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الحيض الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 177

و لكن لا يخفى على من لاحظ الرواية أنّها في مقام بيان أحكام الحائض و ذكر بعض أحكام الاستحاضة استطرادا و الذي يدلّ على ذلك أنّه (ع) لم يتعرض لوجوب الغسل عليها فانّ قوله (ع) تغتسل المراد منه غسل الحيض ظاهرا فح نقول: قوله (ع) و ان سال مثل المثعب- يحتمل قويا ارادة وجوب الصلاة عليها في أيام استحاضتها في مقابل وجوب قعودها عن الصلاة في أيّام حيضها يعنى تجب عليها بعد انقضاء أيّام حيضها الصلاة و ان لم ينقطع الدم عنها بل و ان سال مثل المثعب. لا أنّه يجب عليها الوضوء

و ان سال مثل المثعب (كذا في المسودة بخطّ الحقير نقلا عن الأستاذ دام علاه و لكن يرد عليه أنّ قوله (ع): و تتوضّأ لكلّ صلاة صريح في وجوب الوضوء لكلّ صلاة و الظاهر أنّ المراد الوضوء بعد غسل الاستحاضة لا الوضوء بعد غسل الحيض بقرينة قوله (ع) لكلّ صلاة فانّ الوضوء الواحد بعد غسل الحيض كاف لصلوتين بل لأكثر ما لم يتخلّل بينهما الحدث و لا نحتاج الى تكرار الوضوء لكل صلاة).

نعم قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم لحمنة بنت جحش في نفس هذه المرسلة حيث أتت النبيّ (ص) فقالت: انّى استحضت حيضة شديدة فقال لها: احتشي كرسفا فقالت: انّه أشدّ من ذلك انّى أثجّه ثجّا فقال لها: تلجّمي و تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام ثم اغتسلي غسلا و صومي ثلاثة و عشرين يوما أو أربعة (أربعا خ ل) و عشرين و اغتسلي للفجر غسلا و أخّرى الظهر و عجّلي العصر و اغتسلي غسلا و أخّرى المغرب و عجلي العشاء و اغتسلي.

فإنه في مقام بيان أحكام المستحاضة و لم يتعرّض لوجوب الوضوء عليها مع أنّه في مقام البيان فيحتمل أن يكون المراد بالوضوء في قوله (ع): و تتوضّأ الوضوء المتعارف لا الوضوء لرفع حدث الاستحاضة أو يكون المراد من الوضوء الوضوء لحدث الاستحاضة لكن لبعضها كالقليلة و لكن لم يبينه لأنّه (ع) لم يكن بصدد بيان أحكام الاستحاضة.

و أمّا الاستدلال لوجوب الوضوء بقوله عليه السلام في مرسلة ابن ابى عمير كلّ غسل قبله الوضوء الّا غسل الجنابة «1» فقد مرّ في غسل الجنابة اختياره و أنّ رواية ابن ابى عمير و إن كانت مرسلة

لكنّ المشهور قد عملوا بها و أفتوا بمضمونها و لم يعملوا بقوله عليه السلام: الغسل يجزى عن الوضوء و أىّ وضوء أطهر من الغسل أو أنقى من الغسل «2» و قريب من سائر أخبار الباب مع أنّ بعضها صحاح فيعلم وجود علة في تلك الأخبار فالأحوط بل لا يخلو من قوة- وجوب الوضوء في الاستحاضة الكثيرة أيضا.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 10- 1

(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب الغسل الحديث 10- 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 178

المبحث الثامن في دم النفاس

اشارة

و هو دم الولادة و لا حدّ لقليله فيمكن أن يحدث آنا ما بعد الولادة ثمّ ينقطع بل يمكن تحقّق الولادة بدون تحقّق دمها كما نقل وقوعه في الأزمان السابقة و أمّا التحديد من طرف الكثرة فالمشهور أنّ أكثره عشرة أيّام و قيل: انّ أكثره ثمانية عشر يوما و منشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب فبعض تلك الأخبار ما يدلّ على القول الأوّل كصحيحة زرارة المرويّة بعدّة طرق عن أحدهما عليه السلام قال: النفساء تكفّ عن الصلاة أيام أقرائها التي كانت تمكث فيها ثمّ تغتسل و تعمل كما تعمل المستحاضة «1».

و موثقة يونس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أمرية ولدت فرأت الدم أكثر ممّا كانت تراه قال: فلتقعد أيّام قرئها التي كانت تجلس ثمّ تستظهر بعشرة أيّام فإن رأت دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة و ان رأت صفرة فلتوضّأ ثمّ لتصلّ «2».

قال الشيخ قده: يعنى تستظهر إلى عشرة أيّام.

أقول: يعنى أنّ الباء بمعنى إلى بقرينة سائر الأخبار و رواية مالك بن أعين قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن النفساء يغشاها زوجها و هي في

نفاسها من الدم قال: نعم إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ثم تستظهر بيوم فلا بأس بعد ان يغشاها زوجها يأمرها فلتغتسل ثمّ يغشاها ان أحبّ «3» و مرفوعة علىّ بن إبراهيم عن أبيه رفعه قال: سألت امرأة أبا عبد اللّه عليه السلام فقالت: انّى كنت أقعد في (من) نفاسي عشرين يوما حتّى أفتوني بثمانية عشر يوما فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: و لم أفتوك فقال رجل: للحديث

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 1- 6

(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 1- 6

(3) جامع الأحاديث الباب 30 من أبواب الحيض الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 179

الذي روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لأسماء بنت عميس حين نفست بمحمد بن ابى بكر فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: انّ أسماء (بنت عميس خ) سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد أتى لها (بها خ ل) ثمانية عشر يوما و لو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل و تفعل كما تفعل المستحاضة «1».

و ما رواه الشهيد الثاني قده في المنتقى- على ما حكى عنه- عن حمران بن أعين قال: قالت امرأة محمد بن مسلم و كانت ولودا-: اقرأ أبا جعفر (ع) السلام و قل له: انّى كنت أقعد في نفاسي أربعين يوما و انّ أصحابنا ضيقوا علىّ فجعلوها ثمانية عشر يوما فقال أبو جعفر عليه السلام: من أفتاها بثمانية عشر يوما قال: قلت: الرواية التي رووها في أسماء بنت عميس أنّها نفست بمحمد بن ابى بكر بذي الحليفة فقالت: يا رسول اللّه كيف أصنع فقال لها: اغتسلي

و احتشي و أهلي بالحج فاغتسلت و احتشت و دخلت مكة و لم تطف و لم تسع حتّى تقضى الحج فرجعت الى مكّة فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت: يا رسول اللّه أحرمت و لم أطف و لم أسع فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: و كم لك اليوم فقالت: ثمانية عشر يوما فقال: أمّا الآن فاخرجي الساعة فاغتسلي و احتشي و طوفي واسعى فاغتسلت و طافت وسعت و أحلّت.

فقال أبو جعفر عليه السلام: انها لو سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل ذلك و أخبرته لأمرها بما أمرها به قلت: فما حدّ النفساء قال: تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهنّ أيّام قرئها فإن هي طهرت و الّا استظهرت بيومين أو ثلاثة أيّام ثم اغتسلت فان كان انقطع الدم فقد طهرت و ان لم ينقطع فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكلّ صلاتين و تصلى «2» الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

و مستند القول الثاني أيضا أخبار كثيرة (منها) صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: انّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن ابى بكر فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين أرادت الإحرام بذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف و الخرق و تهلّل بالحج فلمّا قدموا مكة و قد نسكوا المناسك و قد اتى لها ثمان عشر يوما فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تطوف

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 27 من أبواب الحيض الحديث 12

(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 13

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 180

بالبيت و تصلّى و لم ينقطع عنها الدم ففعلت ذلك «1».

و منها صحيحة محمد بن

مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن النّفساء كم تقعد قال: انّ أسماء بنت عميس نفست فأمرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن تغتسل لثمانية عشرة و لا بأس أن تستظهر بيوم أو يومين «2».

و هذه الرواية من الروايات الدالة على إمكان تحقق النفاس عشرين يوما لأنّ يومي الاستظهار إذا انضما إلى ثمانية عشر يوما يصير المجموع عشرين يوما و منها رواية حنان بن سدير المرويّة عن العلل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: لأيّ علة أعطيت النّساء ثمانية عشر يوما و لم يعط الأقل و الأكثر قال: لأنّ الحيض أقلّه ثلاثة أيام و أوسطه خمسة و أكثره عشرة فأعطيت أقله و أوسطه و أكثره «3».

و منها ما عن العيون فيما كتبه مولانا الرضا صلوات اللّه عليه للمأمون قال: و النّفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما فان طهرت قبل ذلك صلّت و ان لم تطهر حتّى تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت و صلّت و عملت بما (ما) تعمل المستحاضة «4» الى غير ذلك من الأخبار.

و لكن هذه الأخبار لا تكافئ الأخبار المتقدّمة أمّا الروايات المشتملة على قصّة أسماء بنت عميس فلا تدل على أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قد رخّصها بترك الصلاة إلى ثمانية عشر يوما بل غاية ما تدلّ أنّ أسماء قعدت عن الصلاة إلى ثمانية عشر يوما ثم سألت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن تكليفها فأمرها بالغسل فيمكن أن يكون يأمرها بالغسل إذا سألته قبل ذلك كما يظهر هذا المعنى من روايتي علىّ بن إبراهيم و حمران المتقدّمتين المشتملتين على قصّة أسماء بنت عميس فكأنّ الروايتين المتقدمتين تفسّر ان هذه الروايات

المطلقة.

نعم صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة لا تخلو عن ظهور من تحديده للنفاس بثمانية عشر يوما و لكن لا بدّ من حملها على ما لا ينافي الأخبار المتقدّمة أو حملها على التقيّة و أمّا رواية العلل فالظاهر أنّها محمولة على التقيّة بقرينة التعليل الواقع فيه غير المفهوم منه المراد فإنّ أقلّ الحيض و أوسطه و أكثره لا تصير علّة لكون النفاس ثمانية عشر يوما فيمكن أن يراد منه

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 14- 16- 20

(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 14- 16- 20

(3) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 14- 16- 20

(4) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 18

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 181

التعمية.

و أمّا رواية العيون فالظاهر حملها ايضا على التقيّة فإنّ المأمون و إن كان مائلا إلى التشيّع الا أنّه كان الى مذهب العامة أميل و كان يراعى جانبهم مع أنّ الأخبار المتقدمة أكثر عددا و أصحّ سندا و قد عمل المشهور بها بخلاف هذه الأخبار و بهذا يظهر ما في الأخبار الدالّة على أنّها تقعد ثلاثين يوما أو أربعين يوما أو خمسين يوما كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: تقعد النفساء إذا لم ينقطع عنها الدم ثلاثين أو أربعين يوما الى الخمسين «1» فإنّها لا بدّ من حملها على التقيّة لإعراض الأصحاب عنها.

(فرع)

لو ولدت المرأة توأمين و كان بينهما فصل بعشرة أيّام فالظاهر أنّ الدم قبل العشرة و بعدها كلّه نفاس فإنّه يتحقّق بذلك نفاسان لكلّ مولود نفاس و إذا تخلل الفصل بينهما بأقلّ من العشرة و جاوز الدم عنها فالظاهر أنّه ايضا كذلك

اى يتحقّق بذلك نفاسان الّا أنّه يتداخل الأوّل في الثاني أي يجوز لها القعود عن الصلاة إلى عشرة أيّام بعد تولّد الثاني إذا رأت الدم إلى العشرة.

و أما النفاس الأوّل أي في المولود الأوّل فمنتهاه الى تولّد الثاني بل لا يبعد أن يجرى هذا الكلام في المولود الواحد إذا تولّدت أجزائه متفرقة كما إذا تولّد رأسه أوّلا ثمّ تولد سائر جسده بعد خمسة أيّام فإنّه لا يبعد تحقّق نفاسين بذلك فإنّه يصدق عليها أنّها ولدت مرّتين مع تحقق الفصل.

(فرع آخر)

إذا تحقّق منها الولادة و لم تر الدم حينها و لكن رأت في رأس العشرة فظاهر الأصحاب الحكم بكون هذا الدم نفاسا دون النقاء قبله أمّا النقاء فلا وجه للحكم بنفاسيته لأنّ ما هو سبب للنّفاس هو الدم الحاصل عند الولادة لا نفسها.

و أمّا الحكم بنفاسيّة الدم المتحقّق على رأس العشرة فلا مانع منه فان دم النّفاس

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب الحيض الحديث 26

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 182

لا يلزم أن يكون متصلا بالولادة بل القدر اللازم هو صحّة انتساب هذا الدم إليها مثلا إذا قلع سنّه و لم يخرج الدم بمجرّد القلع و لكنّه خرج بعد زمان فإنّه يصدق عليه أنّه دم المقلوع و هنا ايضا كذلك.

و إذا رأت الدم يوم الولادة ثمّ انقطع ثمّ رأته في اليوم العاشر فان كانت ذات عادة و كانت عادتها عشرة أيّام فالظاهر أنّ الدمين و النقاء المتخلّل نفاس لما قيل: من كون النفاس حيضا احتبس لغذاء الولد و لقول الصادق عليه السلام في مرسل يونس: تنتظر (اى النفساء) عدّتها التي كانت تجلس ثم تستظهر بعشرة الحديث «1».

بناء على أنّ المراد بالباء بمعنى الى كما عن

الشيخ قدّه و أمّا النّقاء فالحكم بنفاسيّته لأجل ما دلّ على حيضية النقاء المتخلّل بين الدمين المحكومين بالحيضيّة ما لم يكن النقاء عشرة أيّام و لم يتجاوز الدم مع النقاء عن العشرة.

و أمّا إذا لم تكن ذات عادة فالظاهر أنّها ايضا كذلك و أمّا إذا كانت عادتها أقلّ من عشرة أيّام فالنفاس هو الدم الأوّل فقط دون الثاني و دون النّقاء المتخلّل لأنّ الدم الثاني ليس من عادتها قطعا فلا وجه لجعل النقاء بمقدار عادتها- مع الدم الأوّل- نفاسا كما توهّم و أمّا أحكام النفساء فقال في الشرائع- يحرم على النفساء ما يحرم على الحائض و كذا ما يكره لها و لا يصح طلاقها انتهى كلامه قدّس سره

______________________________

(1) وسائل الشيعة الباب 13 من أبواب الحيض الحديث 12

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 183

المبحث التاسع في أحكام الأموات

اشارة

قال السيّد الطباطبائي في العروة الوثقى: انّ أهم الأمور و أوجب الواجبات التوبة من المعاصي و حقيقتها الندم و هو من الأمور القلبيّة انتهى و الحاصل أنّه يجب على الإنسان التوبة قبل ظهور أمارات الموت و كذا يجب عليه ردّ الودائع إلى أهلها قال السّيد المتقدّم: يجب ردّها مع الإمكان و الوصيّة بردّها مع عدم الإمكان انتهى و لكن لا يخفى أنّ وجوب الردّ انّما هو في صورة عدم العلم بردّها بالوصيّة و أمّا إذا علم بتحقّق الردّ بالوصيّة فلا يجب عليه الردّ بالخصوص.

و هل يجب عليه إعلام الورثة بموضع دفن أمواله أم لا- يمكن أن يقال: انّه حيث ينتقل المال بموته إلى الورثة و يكون المال ملكا لهم فإذا لم يعلمهم بموضع أموالهم فقد فوت عليهم أموالهم و أضرّ بهم فتكون ذمّته مشغولة بأموالهم يوم القامة لأنّه قد ضيع أموالهم و

لم يوصلها إليهم فيجب عليه إعلامهم بذلك لكنه كلام لم يلتزم به أحد و الأولى أن يقال: انّه إتلاف للمال.

و لكن يمكن أن يقال: انّه لا دليل شرعا على وجوب الاعلام و هذا الوجه وجه استحساني و إن كان الأحوط وجوب الاعلام بل لا يترك هذا الاحتياط حيث انّه حقّ الناس و هكذا الكلام فيما إذا كانت له أمانات عند النّاس فإنّ الأحوط اعلام الورثة بها و إن كان في وجوبه نظر نظرا إلى أنّه كما يجوز تفويت أمواله على الورثة بالهبة و نحوها كذا يجوز تفويتها عليهم بعدم إعلامهم بها و لا يبعد على هذا عدم وجوب الاعلام و اللّه العالم.

(و من الواجبات)

توجيه المحتضر إلى القبلة و وجوبه مشهور بين الأصحاب و المحقّق مع أنّه قال في

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 184

الشرائع بوجوبه ناقش في وجوبه في المعتبر و كذلك صاحب المدارك ناقش في وجوبه و استدلّ للوجوب بروايات الاولى ما عن الفقيه مرسلا و عن العلل مسندا عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله على رجل من ولد عبد المطلب و هو في السوق و قد وجّه لغير القبلة فقال: وجهوه إلى القبلة فإنّكم إذا فعلتم ذلك اقبل عليه الملائكة و أقبل اللّه عز و جل عليه بوجهه فلم يزل كذلك حتى يقبض «1».

قوله (ص) و هو في السّوق بفتح السين اى هو في حال نزع الروح و أورد على الاستدلال بهذه الرواية أمور الأوّل ضعف السند بالإرسال في مرسلة الفقيه و المسندة أيضا ضعيفة السند الثاني كونها قضية في واقعة- الثالث الخدشة في دلالتها على الوجوب بأنّها معلّلة و

ظاهر التعليل و ذكر الفائدة في رواية- يدلّ على أنّ الأمر للاستحباب مثلا إذا قيل: ان أذّنت و أقمت للصّلوة- صلّى خلفك صفّان من الملائكة و ان أقمت صلى خلفك صفّ واحد من الملائكة فإنّه بمنزلة التعليل بأنه أذّن و أقم- فإنّه يصلّى خلفك صفان من الملائكة.

فإنّه يستفاد من هذا الكلام- المستفاد منه علّة الحكم- أنّ الأمر استحبابي و إرشاد الى هذه الفائدة.

و لكن في هذه الخدشات ما لا يخفى أمّا ضعف السند فهو مجبور بعمل جلّ الأصحاب لو لا كلّهم و أمّا كونها قضيّة في واقعة فهي أضعف من الأوّل فإنّ المورد لا يكون مخصّصا و الّا يلزم أن تكون موارد القضايا و الأحكام الواردة في الشرع مختصّة بها و هو كما ترى.

و أمّا الخدشة في دلالتها ففيها أوّلا أنّه ذكر (ص) في التعليل أقبل اللّه عليه بوجهه فيستفاد منه أنّ عدم توجيهه إلى القبلة يستلزم عدم إقباله تعالى عليه و هل هذا الّا معنى الوجوب فانّ ما يلزم من عدمه عدم إقباله تعالى على العبد هو الواجب فانّ المستحب لا يستلزم تركه ادبار اللّه عن العبد و ثانيا أنّ التعليل لا يدلّ على الاستحباب دائما إذا كثير من الواجبات قد علّل وجوبها كقوله تعالى إِنَّ الصَّلٰاةَ تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ «2».

و استدلّ أيضا بحسنة علىّ بن إبراهيم عن أبيه معنعنا عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إذا مات لأحدكم ميّت فسجّوه تجاه القبلة و كذلك

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 14 من أبواب أحكام الأموات الحديث 1

(2) سورة العنكبوت الآية 45

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 185

إذا غسل يحفر له موضع المغتسل فيكون مستقبلا بباطن قدميه و وجهه

إلى القبلة «1».

و لكن هذه الرواية و ان كانت صحيحة أو حسنة الّا أنّها تدلّ على التوجيه إلى القبلة بعد الموت لا حين النزع و ان قيل: انّ المراد من قوله (ع): إذا مات لأحدكم ميّت- إذا أشرف على الموت فيجاب عنه- مع أنّه خلاف ما استعمل فيه اللفظ- بأن قوله سجّوه تجاه القبلة ظاهر في التوجيه بعد الموت لأنّ معنى التسجية التغطية و معلوم أنّ تغطية الإنسان لا يحسن الّا بعد موته و حملها على ذلك لا قائل بوجوبه و يؤيد كون التوجيه إلى القبلة التوجيه بعد الموت أنه حكم (ع) بأنّه إذا غسّل فحكمه ايضا كذلك اى يوجّه إلى القبلة فيستفاد من ذلك أنّ الرواية بصدد بيان استحباب التوجيه إلى القبلة فيما بعد الموت و اللّه العالم.

و استدلّ لوجوب التوجيه إلى القبلة أيضا برواية معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الميّت فقال: استقبل بباطن قدميه إلى القبلة «2» الى غير ذلك من الأخبار التي تقصر سندا أو دلالة عن افادة المطلوب و لكنّ الذي يسهّل الخطب أنّ الشهرة العظيمة بين الأصحاب على وجوب التوجيه إلى القبلة تجبر ضعف سندها أو دلالتها و ربّما قيل بمعارضة هذه الروايات لما روى عن المفيد في الإرشاد أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لعلى عليه السلام عند الموت: فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك و امسح بها وجهك ثم وجّهني إلى القبلة الحديث «3».

بيان المعارضة أنّ قوله (ص): ثمّ وجّهني بعد قوله: فإذا فاضت نفسي يستفاد منه أنّ الأمر وجوبا أو استحبابا بالتوجيه إلى القبلة- انّما هو بعد وفاته (ص).

و لكن يمكن الجواب عنها أوّلا بأنّها لا تكافئ تلك الروايات لأنّها

مرسلة و لعدم عمل الأصحاب بها.

و ثانيا بأنّ قوله (ص): ثم وجّهني إلى القبلة يمكن أن يكون الأمر بتبديل مصداق الى مصداق آخر بأن كان رأسه (ص) أوّلا في حجر علىّ عليه السلام أو على صدره و كان مواجها للقبلة حين النزع ثمّ أمره أنّه بعد وفاته ايضا يوجهه إلى القبلة و لكن بنحو آخر بأن يجعل

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 14 من أبواب أحكام الأموات الحديث 3

(2) جامع الأحاديث الباب 14 من أبواب أحكام الأموات الحديث 5

(3) إرشاد المفيد صفحة 88

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 186

رأسه على الأرض ثمّ انّ مقتضى مرسلة الفقيه أنّ التوجيه إلى القبلة غايته الى الموت فلا يجب بعده لقوله (ع): فلم يزل كذلك حتى يقبض فإنّ الغاية و إن كانت غاية لاقبال الملائكة عليه الى أن يقبض الّا أنّه يستفاد منها بالتبع أنّ التوجيه إلى القبلة إلى حين الموت لأنّ إقبال الملائكة عليه انّما هو لأجل توجيهه إلى القبلة و قيل: يجب التوجيه الى ما بعد الموت و لكن لا يعلم مستنده.

و لا فرق في وجوب التوجيه- بين الصغير و الكبير بل و لا المؤمن و المنافق و لا الإمامي و غيره لإطلاق قوله: إذا مات لأحدكم ميّت إلخ و عدم إمكان سريان التعليل في بعض الموارد- كالمنافق و غير الإمامي- لا يوجب تخصيص الحكم بمورد إمكان السريان بعد ما كان التعليل في الأحكام تعليلا لأصل التشريع.

و هل يجب على المحتضر توجيه نفسه إلى القبلة مع القدرة على ذلك و بقاء الشعور أولا- من أنّ ظاهر الخطاب متوجّه الى غيره من المكلفين و من أنّه من الواجبات الكفائية يجب إتيانه على كلّ مكلّف و هو ايضا من المكلّفين و

ظهور الخطاب في غيره- من باب الأغلبيّة لأنّ الأغلب عدم إمكان الخطاب الى المحتضر لا أنّ الحكم مختصّ بغيره من المكلّفين و الظاهر هو القول الثاني.

و هل يجب أن يكون التوجيه بإذن الوليّ فلا يجوز من غير إذنه إلّا إذا علم بعدم إتيان الولي بالمكلّف به فح يسقط اذنه أو لا يجب الاذن فيجوز توجيهه بدون اذنه- فيه وجهان- و الأحوط بل لا يخلو من رجحان- هو الوجوب فانّ بعض الأخبار و ان كان مطلقا في وجوب التوجيه و لم يتعرض لوجوب الاذن من الوليّ الّا أن قوله صلوات اللّه عليه في حسنة سليمان بن خالد المتقدّمة: إذا مات لأحدكم ميّت فسجوه تجاه القبلة- ظاهر في أنّ الخطاب لصاحبي الميّت إذ قوله لأحدكم يستشعر منه ذلك و هم أولياء الميّت و قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ «1» و إن كان مرتبطا بأحكام الميّت من الغسل و الصلاة و التكفين و الدفن فإنّه يشترط فيها اذن الوليّ الّا أنّه لا يبعد سريانه هنا ايضا بلحاظ أنّ مناط الإجازة من الوليّ كونه صاحبا للميّت و كون الميّت بلا ارادة و لا اختيار فيكون اختياره بيد الوليّ و المفروض أنّ المحتضر بحكم الميّت في عدم الإرادة بحسب الغالب

______________________________

(1) سورة الأنفال الآية 75

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 187

فلا يبعد أن يكون التوجيه إلى القبلة منوطا بإذن الولي و لا أقلّ من أنّه أحوط.

و يستحبّ التسريع في تجهيزه و دفنه إلّا إذا اشتبه حاله بأن لم يعلم بموته فح يتربص الى أن يعلم بموته بل لا يجوز دفنه مع الشك في موته بل لا بد من الصبر حتّى يعلم بموته بأن ينتن أو يمضي ثلاثة أيّام

كما في رواية علىّ بن أبي حمزة قال: أصاب الناس بمكّة سنة من السنين صواعق كثيرة مات من ذلك خلق كثير فدخلت على أبى إبراهيم عليه السلام فقال مبتدئا من غير أن أسأله: ينبغي للغريق و المصعوق أن يتربص بهما ثلاثا لا يدفن الّا أن يجي ء منه ريح تدلّ على موته. الخبر «1».

و يدلّ على التحديد بثلاثة أيّام أيضا رواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الغريق أ يغسّل قال: نعم و يستبرأ قلت: و كيف يستبرأ قال: يترك ثلاثة أيّام قبل أن يدفن و كذلك ايضا صاحب الصاعقة فإنّه ربما ظنّوا أنّه مات و لم يمت «2».

و ربّما يتوهّم أنّ الثلاثة لها موضوعية للحكم بحيث انّه بعد مضىّ ثلاثة أيّام يجوز دفنه و لو مع عدم العلم بموته و لكنّ الظاهر أن التقييد بالثلاثة لأنّه ممّا يحصل بها العلم عادة و أنّه طريق العلم العادي لا طريق تعبّدي يدلّ على ذلك موثق عمّار عن الصادق عليه السلام قال: الغريق يحبس حتّى يتغيّر و يعلم أنه قد مات ثمّ يغسل و يكفّن قال و سئل عن المصعوق فقال: إذا صعق حبس يومين ثمّ يغسّل و يكفّن «3».

انظر كيف جعل ع غاية الحبس و تأخير دفنه العلم بموته و جعل غاية تأخير المصعوق يومين لإمكان حصول العلم عادة في المصعوق بالخصوص دون غيره فيعلم أنّ المناط حصول العلم بالموت.

و هل يثبت الموت بالبينة التي تكون ذات خبرة بأن يقال: انّ الأدلة على حجيّة قول البينة و أنّه نازل منزلة العلم- شاملة بإطلاقها لما نحن فيه و القدر المتيقّن من تخصيصها انّما هو في الزنا و نحوه فإنّه لا يثبت بشاهدين بل

لا بدّ من أربعة و أمّا ما نحن فيه فلم يعلم بخروجها من تحت العموم أو الإطلاق فيشمل عمومها أو إطلاقها لما نحن فيه و لكنّ

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب دفن الميت الحديث 3- 6

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب دفن الميت الحديث 3- 6

(3) جامع الأحاديث الباب 2- من أبواب دفن الميت الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 188

المسألة بعد لا تخلو عن إشكال لأنّ المورد حائز للأهمية لأجل أنّه من النّفوس مضافا الى أنّه يستفاد من بعض الأخبار أنّ الموت من الأمور الخفية فلا يثبت بالبينة.

(القول في غسل الميّت)
اشارة

و هو واجب كفائي على جميع المسلمين في الميّت المسلم على المشهور و قال صاحب الحدائق- على ما حكى عنه انّه واجب على الولي أوّلا فان لم يأت به عصيانا أو نسيانا يصير واجبا على كافة المسلمين و عن شيخنا الأنصاري أنّه يحتمل أنّه واجب على بعض و مستحب على بعض فيكون نفلا يسقط به الفرض يعنى حيث انّ الشارع أراد تحقق وجوده في الخارج من أى مباشر كان بحيث إذا تحقّق في الخارج و لو بفعل الصبيّ غير المميّز لحصل مطلوبه كما أنّ وجوب توجيه الميّت إلى القبلة من هذا القبيل فإنّه بأيّ نحو اتّفق تحقّقه و لو بالريح العاصفة أو بحركة المحتضر من حيث لا يشعر- إلى القبلة أو بفعل الطفل غير المميّز- يحصل المقصود.

فح يمكن أن يكون هذا الفعل واجبا على الوليّ مستحبّا على غيره و لكن إذا فعل ذلك الغير سقط عن الوليّ لأنّ المطلوب حصوله في الخارج و قد حصل.

و لكن لا يخفى أنّه إذا كان المطلوب حصوله في الخارج بأيّ نحو اتّفق و لم يلاحظ فيه مباشر

خاص فكيف يمكن القول بأنّه واجب على الولي و مستحب على غيره مثلا إذا أراد حفظ وجود النبي ص أو الإمام ع و لم يلاحظ فيه مباشرا خاصّا بل أراد تحقّق هذا الفعل في الخارج من أىّ مباشر كان فالمباشرون بالنّسبة الى هذا الفعل و حكمه سواء فلا يتصوّر أن يكون هذا الفعل بالنسبة الى بعض واجبا و بالنسبة إلى آخر مستحبّا فانّ المفروض مطلوبية تحقّقه في الخارج من أىّ مباشر كان و حاصل الكلام أنّه يعتبر في تغسيل الميّت الاذن من وليّه و هل يكون هذا الاذن شرطا في الوجوب بحيث لو لا الاذن لا وجوب على غير الولي فلا يكون وجوب الغسل كفائيّا بل عينيا على خصوص الوليّ أو يكون الاذن شرطا للواجب مع كون الوجوب مطلقا على كلّ أحد فيكون الاذن كالوضوء بالنّسبة إلى الصلاة في وجوب تحصيله و هذا اى كون الاذن شرطا للواجب على قسمين الأول بطلان المشروط بفقدان شرطه كبطلان الصلاة بفقدان الوضوء و الثاني حصول العصيان بفقدان الشرط من دون أن يصير فقدانه موجبا لفقدان المشروط و لنذكر أوّلا الأخبار الواردة في وجوب الاستيذان من الولي و أنّه الأولى

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 189

بغسل الميّت حتّى نستظهر أحد الاحتمالات فنقول:

روى الشيخ مسندا و الصدوق مرسلا عن على عليه السلام أنّه قال: يغسّل الميّت أولى الناس به أو من يأمره الوليّ «1» أقول: هذه الزيادة أي قوله: من يأمره الولي- في كتاب الفقيه و في باب الصلاة على الميّت ما يدلّ على أولوية الوليّ بالصلاة عليه منها ما عن الكافي و التهذيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يصلّى على الجنازة أولى النّاس بها أو يأمر من

أحبّ «2».

و عن التهذيب مسندا عن السكوني عنه عن آبائه عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم قال: إذا حضر سلطان من سلطان اللّه جنازة فهو أحق بالصلاة عليها ان قدّمه ولى الميّت و الّا فهو غاصب «3».

و لكن في رواية الجعفريات ما يدلّ على أنّ السلطان أحقّ بالصلاة على الجنازة من وليّها و هي ما رواه عن جعفر عن أبيه عن علىّ عليهم السلام قال: الوالي أحق بالصلاة على الجنازة من وليّها «4» الى غير ذلك من الأخبار و غاية ما يستفاد من هذه الأخبار أنّ اذن الوليّ لا بدّ منه في الغسل و الصلاة و أمّا أنّ الوليّ يجب عليه عينا الغسل مباشرة أو تسبيبا فلا يستفاد منها كيف و لو كان الغسل و الصلاة و غيرهما واجبة على الوليّ عينا لكانت صادرة عن الولي مباشرة و لو أحيانا مع أنّا لم نسمع بصدور ذلك مباشرة حتّى بالنسبة إلى المعصومين إلّا إذا كان المتوفى معصوما مثله.

فلو كانت واجبة على الولي لكان المعصومون هم المتصدون لهذه الأمور بالمباشرة و سيرة المتشرعة من زمان المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين إلى زماننا هذا على إرجاع تجهيز الأموات إلى الغير فهل سمعت الى الآن أنّ الأخ غسّل أخاه أو أنّ الابن غسل أباه أو دفنه إلّا في موارد شاذّة فيستكشف من ذلك أنّه لم يكن واجبا على الولي بالخصوص و أىّ نحو هذا من الواجب العيني الذي لم يصدر عمّن وجب عليه عينا أصلا إلّا نادرا.

و أمّا أنّه لم تصحّ هذه الأمور إلّا بإذن الولي فالظاهر أنّه ليس كذلك لأنّ المستفاد من هذه الأخبار هو لزوم الاذن من الولي في جواز غسل الميّت و هذا الاذن امّا شرط

للوجوب و امّا

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 17 من أبواب غسل الميت الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميت 1- 3- 5

(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميت 1- 3- 5

(4) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميت 1- 3- 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 190

شرط للواجب أعنى الغسل أمّا شرط الوجوب فهو خلاف ما يستفاد من الأخبار و كلام الأصحاب لأنّه يصير غسل الميت ح واجبا مشروطا و المعلوم أنّه واجب مطلق فلا بدّ من أن يكون شرطا للواجب و لا يستفاد من الأخبار المتقدّمة أزيد من أنّ الغسل و صلاة الميت و غيرهما لا بدّ أن يكون بإذن الوليّ.

و أمّا أنّ الغسل و الصلاة باطلان بدون اذنه فلا يستفاد البطلان من هذه الأخبار فيمكن أن يكون قوله عليه السلام في رواية السكوني: و الّا فهو غاصب معناه أنّه غاصب لحق الولي لا أنّ صلوته متّصفة بالغصب حتى تكون باطلة و الحاصل أنّه لا يستفاد من هذه الأخبار أزيد من إثبات حقّ للوليّ لأجل إجلاله و تبجيله لا أنّ الغسل أو غيره واجب عليه عينا و لا أنّ اذنه شرط في صحّة الغسل مضافا الى أنّ الأخبار ضعيفة السند.

ثمّ انّ أولى النّاس بالميت هل هو الأولى بميراثه كما هو المشهور أو يكون المراد منه الأقرب الى الوارث فإنّ الوليّ يجي ء بمعنى القريب فيكون معنى الأولى بالميت الأقرب إليه نسبا و ان لم يكن وارثا و يكون ايضا بمعنى صاحب الاختيار كقوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «1».

فعلى الثاني فجدّ الميّت مقدم على ابن ابنه مع أنّ الجدّ ليس بوارث مع وجود ابن ابن للميّت

فانّ الابن هو الوارث و ان نزل و لا يرث الجدّ مع وجود الابن للميت مطلقا و مع ذلك على هذا الاحتمال فالجدّ مقدم على ابن الابن لأنّه أقرب الى الميت.

و على الأوّل فابن الابن مقدّم على الجدّ لأنّه الوارث دون الجدّ و استدلّ المشهور لقولهم بقوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ «2» فإذا كان بعض أولى الأرحام أولى من بعض في الإرث فليكن أولى في الولاية أيضا و استدلّوا أيضا بالرواية الواردة في قضاء الصلاة عن الميّت فانّ في بعضها قوله ع: يقضيه أولى الناس به «3» و في بعضها يقضى عنه أولى الناس بميراثه «4».

______________________________

(1) سورة الأحزاب الآية 6

(2) سورة الأنفال الآية 75

(3) الوسائل الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 6

(4) الوسائل الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات عن الميت الحديث 10- 12- 13 و الباب 34 من أبواب الدفن الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 191

فالظاهر أنّ أولى الناس في باب غسل الميّت و الصلاة عليه و غيرهما من أحكامه هو أولى الناس بميراثه و هو الوارث له دون من هو أقرب اليه و إن كان أكبر سنا من الوارث بقرينة تلك الرواية الواردة في صلاة القضاء عنه و لكنّ المسألة بعد غير خالية عن الإشكال.

فإنّه يرد على الاستدلال المذكور أوّلا بأنّ باب الغسل و الصلاة على الميّت غير مرتبط بباب قضاء الصلاة عنه و أىّ ارتباط بين البابين.

و ثانيا يلزم من الاستدلال بباب القضاء أنّ وليّ الميّت الولد الأكبر لا غيره لأنّ الولد الأكبر في باب القضاء هو المكلّف لإتيان قضاء الميت مع أنّ معقد الإجماع المدّعى في باب غسل الميّت و الصلاة عليه هو أنّ الأب مقدّم

على الابن و الابن مقدّم على الأم و الأم مقدّمة على الأخ و الذكور مقدّمون على الإناث مع أنّ في الأخبار «1» في باب القضاء نفى القضاء عن الإناث.

ثم انّ معنى تقدّم الذكور على الإناث في باب غسل الميّت و الصلاة عليه- أنّ مع عدمهم فالإناث أولى بالميت كما صرح به في الشرائع و صرّح غيره ايضا.

و أمّا الاستدلال بالآية المباركة- بناء على أنّ الآية مرتبطة بالإرث و أنّ الأولوية- بحسب طبقات الإرث- فإنّ الطبقة الاولى و هم الأب و الأم و الأولاد مقدمة على الطبقة الثانية و هم الاخوة و الأخوات و الأجداد و هكذا.

فيرد على هذا الاستدلال بأنّه لا وجه ح لتقديم الأب على الابن مع أنّهما في طبقة واحدة و لا لتقديم الذكور على الإناث مع أنّ في باب الإرث قد تقدّم الإناث على الذكور كما إذا مات و خلّف بنتا و أخا فانّ البنت من الطبقة الأولى فهي أحق بميراثه من الأخ الذي هو في الطبقة الثانية.

و الحاصل أنه لا دليل على إثبات ولاية المذكورين على الترتيب المذكور في عبارة الفقهاء بحيث تطمئن به النفس و ان فرض أنّ الولاية ثابتة لأحد من الورّاث على سبيل الجزم فمصداق الوليّ مجهول اللّهم الّا أن يدّعى الإجماع على ثبوت الولاية بالترتيب المذكور- اى أنّ الأب مقدّم على الابن و الابن مقدّم على الأمّ و الأم مقدّمة على الأخ و الذكور مقدّمون على الإناث- و تحقق الإجماع منظور فيه فالأحوط الاستيذان من جميع من احتمل ثبوت الولاية له مثلا إذا مات أحد و خلّف أبا و ابنا و جدّا فالأحوط الاستيذان من

______________________________

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 18 و لكن

فيه يقضى عند أولى الناس به

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 192

الثلاثة لاحتمال أن يكون الوليّ الجدّ لأنّه أكبر و احتمال أن يكون خصوص الأب لأنّ الفقهاء قد أفتوا بتقدّمه على الابن و احتمال أنّ الأب و الابن على حدّ سواء لمساواتهما في الطبقة هذا كله في غير الزوج و الزوجة.

و أمّا الزوج فهو أولى بزوجته من سائر الورثة الى أن يضعها في قبرها إجماعا و يدل على ذلك روايات.

منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: المرأة تموت من أحق النّاس بالصّلوة عليها قال: زوجها قلت: الزوج أحقّ بها من الأب و الأخ و الولد قال:

نعم «1».

و منها رواية إسحاق بن عمّار عنه عليه السلام قال: الزوج أحق بامرأته حتّى يضعها في قبرها «2» و لكن تعارض هاتين الروايتين صحيحة حفص بن البختري عنه عليه السلام في المرأة تموت و معها أخوها و زوجها أيّهما يصلّى عليها قال: أخوها أحقّ بالصلاة عليها «3».

و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة على المرية الزوج أحقّ بها أو الأخ قال: الأخ «4» و لكن هاتان الرّوايتان غير معمول بهما عند الأصحاب فلذا أعرضوا عنهما و حملهما شيخ الطائفة- على ما حكى عنه- على التقيّة لموافقتهما لمذهب العامة و لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة خلافا لصاحب الجواهر حيث استشكل فيما إذا انقضى أجلها لأنّها تصير حينئذ أجنبيّة بل استشكل حتّى فيما إذا لم ينقض أجلها لأن الموت يبطل الإجارة فإنّ التمتع بمنزلة الإجارة كما يدل عليه قوله عليه السلام: هنّ مستأجرات فكما أنّ الإجارة تبطل بموت المؤجر أو المستأجر فكذا ما

هو نازل منزلتها.

و لكن يرد عليه بأنّ هذا الإشكال- أي صيرورتها أجنبية و بطلان العقد بالموت- بعينه جار في العقد الدائم أيضا فإنّ الزوجية تنتفي بموت الزوجة فلذا يجوز للزوج العقد على أخت الزوجة بمجرد موتها فكون الزوج أحقّ بها حتّى يضعها في قبرها- حكم تعبّدي فلا فرق بين الدائمة و المنقطعة.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميّت الحديث 10- 12- 13 و الباب 34 من أبواب الدفن الحديث 3

(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميّت الحديث 10- 12- 13 و الباب 34 من أبواب الدفن الحديث 3

(3) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميّت الحديث 10- 12- 13 و الباب 34 من أبواب الدفن الحديث 3

(4) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الصلاة على الميّت الحديث 10- 12- 13 و الباب 34 من أبواب الدفن الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 193

و هل يجوز تغسيل الزوج لزوجته- المشهور كما صرّح به بعضهم ذلك لإطلاق قوله ع الزوج أحق بزوجته حتّى يضعها في قبرها و الأحقية تشمل ما إذا أراد إتيان الفعل مباشرة و لا تختص بما إذا كان أمر غسلها بيده فقط و لكن يمكن أن يقال: انّ الأخبار الآتية الدالة على اعتبار المماثلة بين الغاسل و الميّت تقيّد إطلاق هذه الرواية فتصيّرها مخصوصة بكون أمر غسلها بيده دون جواز غسلها بالمباشرة أو تحمل هذه الرواية على جواز بعض تجهيزها بالمباشرة كالصلاة عليها دون جميع واجباتها و لنورد أولا بعض الأخبار الدالة على وجوب المماثلة بين الغاسل و الميت فنقول: روى الشيخ مسندا عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه البصري قال: سألته عن امرأة ماتت

مع رجال قال: تلفّ و تدفن و لا تغسل «1» قوله مع رجال فيه إطلاق يشمل المحرم و غيره مع قطع النظر عن سائر الروايات.

و في الفقيه عن الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تموت في السفر و ليس معها دو محرم و لا نساء فقال: تدفن كما هي بثيابها و الرجل يموت و ليس معه الّا النساء و ليس معهنّ رجال (رجل خ ل) قال: يدفن كما هو بثيابه «2».

و روى الشيخ و الكليني عن داود الفرقد قال: مضى صاحب لنا يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرية تموت مع الرجال (رجال خ ل) ليس فيهم ذو محرم هل يغسّلونها و عليها ثيابها فقال: اذن يدخل ذلك عليهم و لكن يغسلون كفّيها «3» و هذه الرواية قيدت بأنّه ليس معها ذو محرم و الظاهر أنّ المراد بقوله: اذن يدخل ذلك عليهم دخول النساء عليهم.

و روى الشيخ ره ايضا عن ابى بصير قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة ماتت في سفرها و ليس معها نساء و لا ذو محرم فقال: يغسل منها موضع الوضوء و يصلّى عليها و تدفن «4».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 2- 3- 5

(3) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 2- 3- 5

(4) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 2- 3- 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 194

و روى ايضا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه الّا النساء قال: يدفن و لا يغسل و المرية

تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن و لا تغسل «1» و مثله رواية داود بن سرحان «2».

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، در يك جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1407 ه ق

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)؛ ص: 194

و هذه الروايات تدلّ على عدم جواز الغسل مع فقد المماثل و فقد ذات المحرم بل تدفن المرية و كذا الرجل بثيابهما بدون الغسل و يظهر منها أنّه لا يجب تكفينهما ايضا و يمكن أن يقال: انّ الأمر و النهى في قوله ع: يدفن و لا يغسل- حيث انّهما في مقام توهّم وجوب الغسل- لا يستفاد منهما أكثر من نفى الوجوب و لا يستفاد منها نفى الجواز و على فرض نفى الجواز تعارض هذه الروايات روايات كثيرة دالة على وجوب الغسل أو جوازه عند فقدان المحرم و المماثل.

فمنها رواية عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسّلها غسّلها بعض الرجال من وراء الثوب و يستحب أن يلفّ على يديه خرقة «3».

و منها رواية عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام في رجل مات و معه نسوة و ليس معهنّ رجل قال: يصببن الماء من خلف الثوب و يلففنه في أكفانه من تحت الستر و يصلّين عليه صفا و يدخلنه قبره و المرية تموت مع الرجال و ليس معهم امرأة قال: يصبّون الماء من خلف الثوب و يلفّونها في أكفانها و يصلّون و يدفنون «4» تدلّ هذه الرواية على وجوب الغسل و الصلاة و التكفين و الدفن لمن لا يكون له مماثل.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل

الميت الحديث 35- 34

(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 35- 34

(3) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 7

(4) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب الغسل الحديث 38

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 195

و منها رواية زيد بن علىّ عن أبيه عن أبيه عن على عليه السلام قال: إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهن (فيهم خ ل) أمرية و لا ذو محرم (ذات محرم خ ل) من نسائه قال:

يؤزرنه إلى الركبتين و يصببن عليه الماء صبّا و لا ينظرن الى عورته و لا يلمسنه بأيديهنّ و يطهّرنه «1».

و منها رواية أبي بصير (ابى سعيد خ ل) قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

المرأة إذا ماتت مع قوم ليس لها فيهم ذات محرم يصبون الماء عليها صبّا و رجل مات مع نسوة و ليس فيهن له محرم فقال أبو حنيفة: يصببن عليه الماء صبّا فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: بل بحلّ لهنّ أن يمسسن منه ما كان يحلّ لهنّ أن ينظرن منه اليه و هو حيّ فإذا بلغن الموضع الذي لا يحلّ لهنّ النظر اليه و لا مسّه و هو حي صببن الماء عليه صبّا «2».

و لكن يمكن تقييد إطلاق هذه الروايات و الروايات المتقدمة الدالة على منع الغسل بطائفة ثالثة من الروايات و هي ما دلّ على اعتبار المماثل في الغسل إلّا إذا وجد ذو محرم للميّت فح يجوز لذي المحرم غسل الميّت غير المماثل كرواية زيد الشحّام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن امرأة ماتت و هي في موضع ليس فيهم امرأة غيرها قال: ان لم يكن فيهم لها زوج و لا

ذو رحم لها دفنوها بثيابها و لا يغسلونها و إن كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسلها من غير أن ينظر الى عورتها قال: و سألته عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهنّ رجل فقال: ان لم تكن له فيهنّ امرأة فليدفن بثيابه و لا يغسل و إن كان له فيهن امرأة

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 39- 6

(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 39- 6

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 196

فليغسل في قميص من غير أن تنظر الى عورته «1».

بيان تقييد كلتا الطائفتين من الروايات بهذه الرواية- بأن يقال: انّ الطائفة الأولى المانعة من تغسيل الميت إذا لم يوجد له مماثل بل لا بدّ من دفنه بلا غسل- تقيّد بما إذا لم يوجد الزوج أو الزوجة و لم يوجد ذو محرم للميت و الّا فيجب غسله و كذا الطائفة الثانية المجوزة لغسل الميّت عند فقدان المماثل- تقيد بما إذا وجد الزوج أو الزوجة أو ذو محرم اى عند فقدان المماثل يجوز لغير المماثل غسل الميت إذا كان زوجا أو زوجة أو ذا محرم للميت لا مطلقا.

و دعوى انّ رواية زيد بن على و رواية أبي سعيد (ابى بصير) غير ممكن الحمل على ذلك لفرض السؤال فيما إذا لم يوجد ذو محرم و لا الزوج و الزوجة فكيف يمكن حملهما على الزوج و الزوجة و ذو محرم- يدفعها أنّه و إن كان المفروض في السؤال ذلك الّا أنّ قوله ع يصبّون عليها الماء صبّا و قوله ع: صببن عليه الماء صبّا غير ظاهر في الغسل فيحتمل أن يكون المراد مطلق صبّ الماء على الميت

من دون أن يكون ذلك غسلا مضافا الى أنّ هذه الأخبار اى الأخبار المجوزة ضعيفة السند و معرض عنها عند الأصحاب فلا تكافئ تلك الأخبار الناهية عن غسل غير المماثل مع أنّه يمكن حملها اى الأخبار المجوّزة على الاستحباب اى استحباب غسل الميّت غير المماثل غير ذي المحرم.

فتحصّل مما ذكرناه أنّه تعتبر المماثلة بين الغاسل و الميت و مع فقدان المماثلة فالزوج أو الزوجة يغسله و مع فقد هما فالرحم ذي المحرم للميت و مع فقده يدفن الميّت بلا غسل و لكن يستحبّ غسله من وراء الثوب ما لم يستلزم نظرا أو لمسا لخصوص هذه الأخبار المجوّزة

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 9

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 197

فإنّها و إن كانت ضعيفة السند الّا أنّها تصلح لأن تكون مستندة للاستحباب لأجل التّسامح في أدلّة السنن.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا غسل الزوج لزوجته و بالعكس فجوازه مشهور بل كاد أن يكون إجماعا و يدل عليه روايات كثيرة بعضها مطلقة و بعضها مقيّدة بفقد المماثل امّا الأخبار المطلقة فمنها صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن الرجل يغسّل امرأته قال: نعم من وراء الثوب «1».

و منها حسنته قال: سألته عن الرجل يغسّل امرأته قال: نعم انما يمنعها أهلها تعصبا «2».

و منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سئل عن الرجل يغسل امرأته قال: نعم من وراء الثوب لا ينظر الى شعرها و لا إلى شي ء منها و المرأة تغسّل زوجها لأنّه إذا مات كانت في عدّة منه و إذا ماتت هي فقد انقضت عدّتها «3».

و أمّا المقيّدة فمنها صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه

السلام عن الرجل أ يصلح أن ينظر إلى امرأته حين تموت أو يغسّلها ان لم يكن عندها من يغسّلها و عن المرأة هل تنظر الى مثل ذلك من زوجها حين يموت فقال: لا بأس إنّما يفعل ذلك أهل المرية كراهية أن ينظر زوجها إلى شي ء يكرهونه «4» و منها رواية الحلبي عنه عليه السلام في المرية إذا ماتت و ليس معها امرأة تغسّلها قال:

يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها الى المرافق «5» و منها رواية أبي الصباح الكناني عنه عليه السلام في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه الّا النساء قال: يدفن و لا يغسّل و المرية تكون مع الرجال: بتلك المنزلة تدفن و لا تغسّل الّا أن يكون زوجها معها فان كان زوجها معها غسّلها من فوق الدرع و يسكب الماء عليها سكبا و لا ينظر الى عورتها و تغسّل أمرائه ان مات و المرية إن ماتت ليست بمنزلة الرجال المرأة أسوأ منظرا إذا ماتت «6» الى غير ذلك من الأخبار المقيّدة بعدم وجود أمرية معها في جواز غسل الزوج ايّاها.

و مقتضى الجمع بين المطلق و المقيد بحسب القواعد الأصولية- هو حمل المطلق على

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 15- 12- 14- 13- 17

(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 15- 12- 14- 13- 17

(3) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 15- 12- 14- 13- 17

(4) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 15- 12- 14- 13- 17

(5) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 15- 12- 14- 13- 17

(6) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل

الميت الحديث 35

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 198

المقيد لكن الذي يستفاد من بعض هذه الأخبار هو أنّ عدم اقدام الزوج على تغسيل زوجته مع وجود المماثل انّما هو لأجل كراهية أهل الميّت لذلك لأجل تعصّبهم لعرضهم و كراهتهم أن ينظر الزوج إلى شي ء من جسدها كما ربما تشير إليه رواية محمد بن مسلم و رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمتين لا لأجل أنّه غير مشروع مضافا الى أنّ التقيد بذلك اى بعدم وجود المماثل انّما هو في كلام الراوي فيمكن أن يكون تقييد الراوي لأجل كونه المتعارف لا أنّ المرتكز في ذهنه عدم جواز تغسيل الرجل لزوجته مع وجود المماثل فالتقييد منزل منزلة الغالب الشائع فح يجوز لكلّ من الزوجين تغسيل الآخر و لو مع وجود المماثل.

و هل يجب أن يكون الغسل من وراء الثياب أو يجوز الغسل مجرّدا و يجوز لكلّ واحد منهما النظر الى الآخر في أيّ موضع من بدنه ظاهر كثير من الأخبار عدم جواز النظر الى عورته كرواية أبي الصباح المتقدمة قال: و لا ينظر الى عورتها و رواية زيد بن علىّ المتقدّمة قال:

و لا ينظرن الى عورته و رواية منصور عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج في السفر و معه امرأته فتموت الى أن قال: يلقى على عورتها خرقة «1».

و رواية زيد الشحام عنه عليه السلام المتقدمة حيث انّه قال في ضمنها: و إن كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسّلها من غير أن ينظر الى عورتها الى غير ذلك من الأخبار و هذه الروايات لا معارض لها فالعمل بها متعيّن.

و أمّا النظر الى ما عدا الفرج فظاهر صحيحة الحلبي و محمد بن مسلم و صحيحة

الى ابى الصباح المتقدمات و غيرها عدم الجواز و لكن صريح صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدّمة و رواية محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة توفّيت أ يصلح لزوجها أن ينظر الى وجهها و رأسها قال: نعم «2»- هو الجواز و يظهر من رواية عبد اللّه بن سنان المتقدّمة أنّ الأمر الوارد في هذه الأخبار بغسلها من وراء الثياب لأجل كراهية أهل الميّت لأن ينظر الرجل إلى شي ء من جسدها فالأمر بغسلها من وراء الثياب أو وراء الدرع محمول على الاستحباب لأجل أن لا يحصل لأهل بيت الميّت ما يوجب كراهتهم و اللّه العالم.

هذا كلّه في الزوج و الزوجة و أمّا غيرهما من محارم الرجل أو المرية كالأخ و الابن

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 44

(2) الجواهر جلد 4 من الطبعة الحديثة صفحة 53

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 199

و الأب فالذي يستفاد من الأخبار هو جواز تغسيلهم للميّت إذا لم يوجد له المماثل فلاحظ ما نتلوه عليك من بعض الأخبار.

فمنها رواية زيد الشحام المتقدّمة قال: سألته عن امرأة ماتت و هي في موضع ليس معهم امرأة غيرها قال: ان لم يكن فيهم لها زوج و لا ذو رحم لها دفنوها بثيابها و لا يغسلونها و ان كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسّلها من غير أن ينظر الى عورتها الخبر «1» و كذا حكم ع بالنسبة الى الرجل إذا لم يوجد رجل يغسّله فانّ المفروض في كلام الامام ع ايضا عدم وجود المماثل.

و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام قال: المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسّلها غسّلها بعض

الرجال الحديث «2» فالتقييد أيضا في كلام الامام ع و المراد ببعض الرجال- كما قدّمناه- هو المحارم من الزوج و الأب و الابن و غيرهم لأنّه مقتضى الجمع بين الأخبار.

(فرع)

إذا لم يوجد المماثل المسلم فان وجد من محارم الميّت أحد وجب عليه تغسيله للميّت و ان وجد المماثل الكتابي و أمّا إذا لم يوجد من المماثل أحد و لكن وجد من المماثل الكتابي كاليهود و النصارى فهل يجوز تغسيل الكتابي للمسلم أو لا بل لا بدّ من دفن المسلم بلا غسل- المشهور هو الأول و يدلّ عليه موثق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن الرجل المسلم يموت في السّفر و ليس معه رجل مسلم و معه رجال نصارى و معه عمته و خالته مسلمتان كيف يصنع في غسله قال: تغسّل عمته و خالته في قميصه و لا يقربه النصارى.

الى أن قال: فان مات رجل مسلم و ليس معه رجل مسلم و لا امرأة مسلمة من ذوي قرابته و معه رجال نصارى و نساء مسلمات ليس بينه و بينهن قرابة قال: يغتسل النصراني ثمّ يغسّله فقد اضطرّ و عن المرية المسلمة تموت و ليس معها امرأة مسلمة و لا رجل مسلم من ذي (ذوي خ ل) قرابتها و معها امرأة نصرانيّة و رجال مسلمون ليس بينها و بينهم قرابة قال:

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 9

(2) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 7

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 200

تغتسل النصرانية ثم تغسّلها «1».

و رواية زيد بن علىّ عن آبائه عن علىّ عليهم السلام قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نفر فقالوا:

انّ امرأة توفّيت معنا و ليس معها ذو محرم فقال: كيف صنعتم بها فقالوا:

صببنا عليها الماء صبّا فقال: أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسّلها قالوا: لا فقال: أفلا يمّموها «2».

و لفظ الرواية الاولى و إن كان النصراني أو النصرانية و لكن المراد بقرينة الرواية الثانية- مطلق أهل الكتاب و هل يمكن تعدية الحكم الى مطلق الكفّار و ان لم يكونوا من أهل الكتاب- مشكل جدّا فان الكفر و إن كان ملّة واحدة الّا أنّ غير أهل الكتاب أشدّ كفرا منهم لا شراكهم به تعالى غيره أو لعدم اعتقادهم بوجوده تعالى فهم أنجس من أهل الكتاب و كيف كان فقدا ورد على الروايتين بأمور ثلاثة الأوّل ضعف السند فإنّ الرواية الثانية ضعيفة السند و رواية عمّار رجالها فطحية و هم غير الإمامية.

و الثاني عدم إمكان تحقق نيّة القربة من الكافر مع أنّ الغسل من العبادات يعتبر فيه نيّة القربة.

و الثالث- أنّه يستلزم غسل الكتابي للمسلم تنجّس ماء الغسل عادة مع أنّه لا بد في ماء الغسل أن يكون طاهرا كما مرّ في باب الجنابة فلا بدّ ح من دفنه بلا غسل.

و لكن يمكن أن يجاب عن الأوّل بأنّ ضعف الروايتين منجبر بعمل الأصحاب مع أنّ رواية عمار موثّقة و لا ينحصر مستند الحكم في الرواية الصحيحة فإنّ الموثقة يصح الاستناد إليها في الفقه كما هو واضح.

و عن الثاني- بإمكان حصول النيّة من الكافر بل إمكان تحقق نية القربة منه و ان لم يحصل القرب له من اللّه تعالى و لا يلزم من نيّة القربة حصول القرب منه تعالى و على فرض عدم إمكان تحقّق نيّة التقرّب من الكافر فهذا المورد تخصيص للأدلّة العامة الدالة على

اعتبار قصد القربة في مطلق العبادات لأجل هذه الرواية الموثقة المعتضدة بعمل الأصحاب فيمكن ان يكون الشارع قد اكتفى بإتيان صورة الغسل في هذا المورد.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 49

(2) وسائل الشيعة الباب 22 من أبواب غسل الميت الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 201

و عن الثالث- بإمكان عفو الشارع عن هذه النجاسة في هذا المورد أو إمكان القول بعدم تنجيس المتنجس في هذا المورد فهذا ايضا تخصيص للأدلة الدالّة على أن المتنجّس منجّس.

(فرغ آخر)

إذا كان الميّت الخنثى المشكل بأن لا يعلم ذكوريته و أنوثيّته فهل يجب دفنه بلا غسل أو يجب لكلّ واحد من الرجل غير المحرم و المرية غير المحرم تغسيله فيجب غسله مرتين إلّا إذا وجد له محرم فح لا يجب الّا غسل واحد أو يجوز الاكتفاء بغسل واحد مطلقا و ان لم يوجد له محرم- وجوه.

أمّا الوجه الأوّل فيمكن توجيهه بأنّه يشترطه في الغسل المماثلة بين الميّت و الغاسل و مع الشك في ذكوريّة الميّت و أنوثيّته يشك في تحقق هذا الشرط فالأمر يدور بين حرمة الغسل لأنّه مستلزم للنظر و اللمس و وجوبه فيراعى جانب الحرمة فيلزم تركه أو يشك ح في وجوبه لاحتمال فقدان شرطه فالأصل يقتضي البراءة عن الوجوب.

و أمّا الوجه الثاني فتوجيهه بأن يقال: انّ المسلم أو المسلمة إذا مات يجب على كلّ مسلم أو مسلمة تغسيله و تجهيزه أمّا مباشرة أو تسبيبا ألا ترى أنّه إذا ماتت مسلمة يجب على الرجال السعى في تجهيزها و غسلها و لو تسبيبا فح يجب على كلتا الطائفتين الإتيان بغسل الخنثى المشكل لأنّه لم يعلم بإتيان الرجال لغسله فراغ ذمّة النّساء من وجوب غسله لأنّه

يحتمل عدم تحقّق المماثلة بين الغاسل و الميّت.

و امّا الوجه الثالث فبأن يقال: انّ وجوب المماثلة ليس من مقوّمات الغسل كطهارة الماء و نحوها حتّى يراعى فيها لزوم إحرازها بل الذي يستفاد من الأخبار أنّها من جهة حرمة النظر و اللمس فح يكون عدمها مانعا لا أن يكون وجودها شرطا فعند الشك في تحقق المانع للغسل فالمجرى أصالة عدم تحقّق المانع للغسل فيصحّ الغسل بدون إحراز الشرط و لكنّ الظاهر ضعف هذا الوجه فانّ الظاهر من الأدلة هو كون المماثلة شرطا في الغسل فاللازم إحرازها فالأحوط هو الوجه الثاني (أي تكرار الغسل) من المحارم.

و لا يجب تغسيل الكافر بل لا يجوز لأنّ الأدلة الدالة على وجوب تغسيل الميّت- منصرفة عنه فإنّها منصرفة إلى المسلم مضافا الى ما في موثقة عمّار المتقدّمة قال

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 202

و النصراني يموت مع المسلمين لا يغسله مسلم و لا كرامة و لا يدفنه و لا يقوم على قبره و إن كان أباه «1» مضافا الى أنّ عدم وجوب غسله إجماعيّ فلا اشكال فيه و انّما الإشكال في وجوب غسل المخالف لما عليه أهل الحقّ من سائر فرق المسلمين المظهرين للشّهادتين فعن المفيد و بعض المتأخّرين عدم وجوب غسلهم.

و وجّه الشيخ في التهذيب- على ما حكى عنه- كلام المفيد بأنّه حكم بكفرهم و بعض الفقهاء مع أنّه لم يحكم بكفرهم- حكم بعدم وجوب غسلهم أو توقف فيه لانصراف أدلة وجوب الغسل عنهم و حمل مضمر أبى خالد قال: اغسل كلّ الموتى الغريق و أكيل السبع و كل شي ء إلا ما قتل بين الصفّين فان كان به رمق غسّل و الّا فلا «2» و قول أبي عبد اللّه في

موثّقة سماعة: و غسل الميت واجب «3»- على المؤمن لأعلى الفرد المطلق مع قطع النظر عن أوصافه من الإسلام و الكفر.

و حمل رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السلام قال: صلّ على من مات من أهل القبلة و حسابه على اللّه عزّ و جل «4»- مع الإشارة إلى ضعفها- على إثبات مشروعية الصلاة عليه و كذا الغسل بضميمة عدم القول بالفصل بين الغسل و الصلاة- دون الوجوب لأنّها في مقام دفع توهّم الخطر فلا تفيد الوجوب.

و لكن يمكن ان يقال: انّ أدلة وجوب غسل الأموات مطلقة شاملة للمخالف و دعوى الانصراف ضعيفة و قوله ع: اغسل كلّ الموتى شامل بعمومه للمخالف ايضا فكما أنّه عام باعتبار أنواع الأفراد فكذا يكون عامّا باعتبار خصوصيّات الفرد من كونه مؤمنا أو مخالفا و لا يلزم من ذلك دخول الكافر في العموم لخروجه بالمخصّص الخارجي قطعا و رواية طلحة بن زيد كالصريح في وجوب الصلاة عليه اى على المخالف و يتم الوجوب في الغسل بعدم القول بالفصل و ضعفها منجبر بعمل المشهور بها فالأحوط بل لا يخلو من قوة- هو وجوب غسله و الظّاهر أنّ كيفية غسله هو كيفيّة غسل أهل الحقّ لدلالة إطلاق الأخبار عليه و قيل كيفيّته

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 18 من أبواب غسل الميت الحديث 49

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب غسل الميت الحديث 3

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب غسل الميت الحديث 1

(4) الاستبصار الباب 1 من أبواب الصلاة على الأموات الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 203

كيفية الغسل عند العامّة لقوله ع، ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم و لكن ظاهر هذه الرواية هو إلزامهم بما يكون ضررا عليهم

لا مطلقا فلا تشمل ما نحن فيه و اللّه العالم ثمّ انّه استثنى الفقهاء من وجوب الغسل- الشهيد و هل المراد منه من قتل بإذن الإمام في المعركة أم مطلق من قتل في المعركة سواء كان بإذن الإمام أم نائبه الخاص أو العام أو بغير الاذن و لكن علم بوجوب القتال مع الكفّار في مورد.

كما إذا خيف على بيضة الإسلام من تهاجم العدو و لم يتمكّن من الاذن من الامام أو يشمل مطلق من قتل في سبيل اللّه و لو بالشنق و السمّ و لو لم يكن في المعركة- وجوه و لا يبعد أن يقال بالوجه الثاني لدلالة الأخبار عليه.

كرواية أبان بن تغلب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الذي يقتل في سبيل اللّه أ يغسل و يكفّن و يحنّط و يصلّى عليه قال: يدفن كما هو في ثيابه بدمه الّا أن يكون به رمق فان كان به رمق ثمّ مات فإنّه يغسل و يكفّن و يحنّط الخبر «1».

و روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: الذي يقتل في سبيل اللّه يدفن في ثيابه و لا يغسل الّا أن يدركه المسلمون و به رمق ثمّ يموت بعده فإنّه يغسّل و يحنّط «2» فانّ قوله ع يقتل في سبيل اللّه و إن كان يشمل ما إذا قتل في غير الحرب و لو بالسمّ و لكن قوله: الّا أن يدركه المسلمون و به رمق- ظاهر في كون قتله في المعركة و هاتان الروايتان لم تقيّد أكون قتاله بإذن الامام و كذا سائر أخبار الباب و لكن لا بدّ من أن يكون مشروعا و الحاصل أنّه لا بدّ من أن يكون تحقّق الشّهادة في المعركة للمتفاهم العرفي

من لفظ الشهيد و لأن ملاحظة جميع أخبار عدم وجوب غسل الشهيد يعطى ذلك فانّ مصبّ كثير منها أو أكثرهما من قتل في سبيل اللّه في ميدان الحرب فلا يشمل من قتل في فراشه بالسمّ مثلا فلذا غسّلوا الأئمة الأطهار ع جميعهم مع أنّ جميعهم كانوا شهداء في سبيل اللّه نعم ان الحسين و أهل بيته و أصحابه عليهم السلام حيث استشهدوا في المعركة لم يغسّلوا و انّ مولانا أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه مع أنّه قتل بالسيف و أطلق عليه في زياراته بالشهيد- غسّله الحسن عليه السلام فيظهر من ذلك أنّ الشهيد الذي لا يجب غسله هو الشهيد في المعركة.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب غسل الميت الحديث 1- 1

(2) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب غسل الميت الحديث 1- 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 204

و الظاهر أنّ المراد بقوله: إلّا إذا أدركه المسلمون و به رمق- إدراكهم له بعد أن وضعت الْحَرْبُ أَوْزٰارَهٰا و يحتمل أن يكون المراد بإدراكهم إخراجهم له عن المعركة و هو حي و لو كان قبل انقضاء الحرب و امّا أن يكون المراد بإدراكهم له ملاقاتهم له و رؤيتهم إيّاه- و هو حي- فبعيد جدا إذ لم يبق للمستثنى منه ح أعنى سقوط الغسل عن الشهيد- مورد الّا شاذا لأنّه قلّما يتفق موت شخص فورا بمجرد تحقّق جراحة له بحيث لا يراه أحد من المسلمين الّا بعد موته.

و الذي يدل على أنّ المراد بإدراكه هو ما ذكرناه لا مجرد رؤيتهم له حيّا- حكاية شهادة عمّار رضى اللّه عنه حيث استسقى فسقي باللبن فكان آخر زاده من الدنيا مع أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يغسّله كما

دلّ عليه الاخبار المستفيضة فمع أنّه رآه المسلمون قبل موته و سقوه اللبن لم يغسّله ع.

و كذا حكاية سعد بن ربيع يوم أحد حيث قال النبي صلّى اللّه عليه و آله في ذلك اليوم: من ينظر الى ما فعل سعد بن ربيع فقال رجل: أنا أنظر لك يا رسول اللّه فنظر فوجده جريحا و به رمق فقال له: انّ رسول اللّه أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات فقال:

أنا في الأموات فأبلغ رسول اللّه ص عنّى السلام قال: ثمّ لم أبرح الى أن مات و لم يأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بتغسيل أحد منهم.

و على فرض الشك في دخول ذلك- اى من مات قبل تقضّى الحرب و أدركه المسلمون- في المستثنى يمكن التمسّك لعدم وجوب غسله بالمستثنى منه اى عدم وجوب غسل كلّ شهيد عدا من أدركه المسلمون و به رمق فانّ دخوله في المستثنى مشكوك فيشك في استثنائه من حكم مطلق الشهيد فيتمسّك لعدم وجوب غسله بعموم لعدم وجوب غسل كلّ شهيد و ليس هذا من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية بل من باب التمسّك بالعام في الشبهة المفهوميّة و هو مما لا ضير فيه كما لا يخفى و لا فرق في جريان حكم الشهيد بين الصغير و الكبير و لا بين الرجل و المرية إذا جاء بالصغير و المرأة إلى الحرب للمصلحة المقتضية لذلك لصدق القتل في سبيل اللّه عليهم.

و هل يصدق الشهيد على من حضر الحرب لغير اللّه بل لداع آخر كالظفر بالغنيمة و إظهار الشجاعة فقتل- مشكل لعدم صدق من قتل في سبيل اللّه عليه و كذا صدقه على من ولّى

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 205

هاربا

من الزحف فقتل في حال فراره مشكل.

و يلحق بالشهيد في سقوط الغسل عنه المرجوم و المرجومة و المقتصّ منه إجماعا كما ادّعاه غير واحد و يؤمر قبل رجمه أو قصاصه بأن يغتسل ثمّ يرجم أو يقتصّ منه و تدلّ عليه رواية مسمع كردين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: المرجوم و المرجومة يغتسلان و يحنّطان و يلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان و يصلّى عليهما و المقتصّ منه بمنزلة ذلك يغتسل و يحنّط و يلبس الكفن «1».

و هذه الرواية و إن كانت ضعيفة السند الّا أنّ عمل الأصحاب بها يجبر ضعفها و هل يكتفى بغسل واحد و لا بدّ من اغتساله ثلاثة أغسال بل لا بدّ من أن يكون أحدها بالسّدر و ثانيها بالكافور- كما في غسل الميّت- فيه وجهان من إطلاق الأمر بالاغتسال في الرواية و كلمات الأصحاب فيتحقق الامتثال بغسل واحد و من استظهار أنّ هذا الغسل هو بعينه غسل الميّت قدّم على موته لأنّ في الرواية- بعد قوله يغتسل قوله و يحنّط و يلبس الكفن و من المعلوم أنّ التحنيط و التكفين من واجبات الميّت فيظهر منه أنّ هذا الغسل هو غسل الميّت و الأمر بالاغتسال و إن كان مطلقا الّا أنّ الأمر بالتحنيط و التكفين يوجب صرف إطلاقه إلى الغسل المعهود أعنى غسل الميّت لكنّ المسألة غير خالية عن الإشكال فالأحوط الاغتسال بثلاثة أغسال مع مزج الخليطين السدر و الكافور.

(الثالث من واجبات الميّت)

تكفينه اى تكفين الميت المسلم و هو من الواجبات الكفائية يجب على كلّ واحد من المسلمين و لكن إعطاء الكفن له ليس من الواجبات بل من المستحبّات و هل يكون التكفين من الواجبات التعبّدية بمعنى وجوب قصد القربة فيه أو

من الواجبات التوصّلية فيكفي إيجاده في الخارج بأيّ قصد كان- الظاهر هو الثاني لعدم الدليل على وجوب قصد القربة فيه و الأصل ينفيه.

ثم انّه يجب تكفينه في ثلاثة أثواب إجماعا إلا ما عن السلّار فانّ المحكىّ عنه هو الاكتفاء بثوب واحد شامل لجميع البدن.

و المشهور أنّ الثلاثة أثواب هي اللفافة و القميص و الإزار خلافا لصاحب المدارك

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب الحيض الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 206

حيث أوجب لفافة أخرى عوضا عن المئزر و حمل الإزار المذكور في بعض الأخبار على اللفافة و لنذكر بعض أخبار الباب حتّى يتّضح المراد فنقول و من اللّه التوفيق:

روى الكليني و الشيخ قدس سرهما بإسنادهما عن يونس عنهم عليهم السلام قال في تحنيط الميّت و تكفينه: ابسط الحبرة بسطا ثمّ ابسط عليها الإزار ثمّ ابسط القميص عليه الخبر «1».

يدل على أنّ القميص يكون فوق الإزار و روى عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: يكفّن الميّت في ثلاثة أثواب و المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع و منطق و خمار و لفافتين «2» و هذه الرواية كالصريحة في أنّ المراد من الإزار في سائر الروايات هو المئزر لأنّ المراد بالدرع هو القميص و المنطق كمنبر ما يشدّ بالظهر فيكون بمعنى المئزر فالواجب للمرئة المئزر و القميص و اللفافة فهي في هذه الثلاثة كالرجل و المستحبّ لها الخمار و لفافة أخرى لعظمها امّا في الجثّة أو في نظر الناس و روى الشيخ مسندا عن محمّد بن سهل عن أبيه قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الثياب التي يصلّى فيها الرجل و يصوم أ يكفّن فيها قال: أحبّ ذلك الكفن يعنى

قميصا قلت: يدرج في ثلاثة أثواب قال: لا بأس به و القميص أحبّ الىّ «3».

تدلّ على كفاية تكفينه بالأثواب التي كان يصلّى فيها و معلوم أنّ الثوب الذي يصلّى فيه الرجل يكون من قبيل القميص و الإزار لا مثل اللفافة كما لا يخفى.

و روى الشيخ ايضا و الكليني مسندا عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: كيف أصنع بالكفن قال: يؤخذ خرقة فيشدّ بها على مقعدته و رجليه قلت:

فالإزار قال: إنها لا تعدّ شيئا إنّما تصنع لتضم ما هناك لئلّا يخرج منه شي ء الخبر «4».

و هذا الخبر ايضا كالصريح فيما عليه المشهور لأنّه توهّم السائل من قوله ع: يؤخذ خرقة إلخ بأنّ هذه الخرقة هي الإزار فلذا قال: فالإزار اى فالإزار هذه الخرقة فأجاب ع بأنّها لا تعدّ شيئا من الكفن فيعلم منه أنّ الإزار بمعنى المئزر و الّا لم يكن وجه لتخيله بأن هذه

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب تكفين الميت الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب تكفين الميت الحديث 3

(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب تكفين الميت الحديث 4- 20

(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب تكفين الميت الحديث 4- 20

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 207

الخرقة هي الإزار فانّ الإزار يشتبه بالخرقة دون اللفافة الى غير ذلك من الأخبار الدالة على ما عليه المشهور و أمّا ما يظهر من بعض الأخبار من لزوم كون الثلاثة أثواب من قبيل اللفافة الشاملة لجميع البدن كصحيحة زرارة المرويّة عن بعض نسخ التهذيب قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: العمامة للميت من الكفن قال: لا انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب و ثوب تام لا أقلّ منه يوارى

فيه جسده «1».

و حسنة حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قلت: فالكفن قال: يؤخذ خرقة فيشدّ بها سفلية و تضم فخذيه (وسطه خ ل) بها الى أن قال: ثم يكفّن بقميص و لفافة و برد يجمع فيه الكفن «2».

فانّ الظاهر من اللفافة هو ما يشمل جميع البدن و البرد ايضا كذلك- فلا بدّ من تأويلهما على ما يوافق المشهور فإنّ رواية زرارة مضطربة المتن فإنّه نقل عن بعض نسخ اخرى من التهذيب بعد قوله: ثلاثة أثواب قوله: أو ثوب تامّ فالتّام صفة للثوب لا لثلاثة أثواب فتصير هذه الرواية دليلا لقول سلّار القائل بجواز الاكتفاء بثوب واحد شامل لجميع البدن و عن الكافي و ثوب تام بالواو و على أىّ تقدير فهي معرض عنها عند الأصحاب مضافا الى أنّ لفظ تام على النسخة الأولى لا يمكن أن يكون صفة لثلاثة أثواب كما لا يخفى.

و رواية حمران ليست صريحة في خلاف المشهور فإنّه يمكن أن يكون المراد باللفافة الإزار لأنّه يلفّ بالبدن و على فرض ظهور الروايتين و غيرهما في لزوم كون ثلاثة أثواب ممّا يشمل جميع البدن فلا بدّ من رفع اليد عنهما لعدم عمل الأصحاب بهما فظهر من جميع ذلك ضعف ما ذهب اليه صاحب المدارك من حمل الإزار في الأخبار على اللفافة فإنّه خلاف ما يستفاد من الأخبار الكثيرة المعمول بها بين الأصحاب.

ثمّ انّهم اشترطوا في الكفن أمورا الأوّل كونه مباحا فلا يجوز تكفينه في المغصوب و ادّعى عليه الإجماع لحرمة التصرف في مال الغير شرعا و عقلا حتّى أنّهم حكموا بجواز نبش القبر و إخراج الكفن المغصوب إذا دفنوه به.

الثاني عدم كونه حريرا محضا تدلّ عليه

مضمرة حسن بن راشد قال: سألته عن

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب تكفين الميت الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 23

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 208

ثياب تعمل بالبصرة على عمل العصب اليماني من قزّ و قطن هل يصلح أن يكفّن فيه الموتى قال: إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس «1».

و رواها الصدوق مرسلا عن ابى الحسن الثالث عليه السلام و مفهوم هذه الرواية و إن كان عدم جواز التكفين فيه إذا لم يكن القطن أكثر و إن كان مساويا للقزّ- و هذا ممّا لم يلتزم به أحد من الفقهاء- إلّا أنّا لم نلتزم به الى هذا المقدار بل نقول بعدم جواز التكفين فيما إذا كان حريرا محضا و الرواية تدلّ عليه بنحو الأولوية بل الاحتياط في ترك التكفين فيما إذا كان القزّ غالبا على القطن.

و استدلّ ايضا لعدم جواز التكفين بالحرير- بالرواية الناهية عن التكفين بكسوة الكعبة مع الاذن في بيعها كرواية عبد الملك بن عتبة الهاشمي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشترى من كسوة الكعبة شيئا فقضى ببعضه حاجته و بقي بعضه في يده هل يصلح له بيعه قال: يبيع ما أراد و يهب ما لم يرد (و يهب ما يرد، خ) و يستنقع به و يطلب بركته قلت (قيل خ ل): أ يكفّن به (فيه خ) الميت قال: لا «2». بناء على أنّ علّة النهي عن التكفين هو كونها حريرا محضا غالبا.

و لكن يمكن الخدشة فيها بأنّه لا ينحصر النهى فيها بكونها حريرا فيمكن أن تكون علّة النهي هو كون التكفين بها موجبا لهتك الحرمة.

الثالث من الأمور المعتبرة في الكفن أن

يكون طاهرا فلا يجزى التكفين بالمتنجس و يدلّ عليه مضافا الى دعوى الإجماع عليه- الروايات الدالّة على وجوب الكفن أو غسله إذا تنجّس بخروج النجاسة من الميت كرواية روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان بدا من الميّت شي ء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه «3».

و رواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا خرج من الميّت شي ء بعد ما يكفّن فأصاب الكفن قرّض منه «4».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 14 من أبواب تكفين الميت الحديث 5

(2) جامع الأحاديث الباب 14 من أبواب تكفين الميت الحديث 3

(3) الوسائل الباب 32 من أبواب غسل الميت الحديث 1 و باب 24 من أبواب تكفين الميت الحديث 1

(4) الوسائل الباب 32 من أبواب غسل الميت الحديث 1 و باب 24 من أبواب تكفين الميت الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 209

الرابع أن لا يكون من شعر أو صوف أو و برما ما لا يؤكل لحمه و مستنده دعوى الإجماع على ذلك و ربّما استدلّ لذلك برواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تجمروا الأكفان و لا تمسّوا موتاكم بالطيب الا بالكافور فانّ الميّت بمنزلة المحرم «1».

فإذا انضمّ اليه ما ورد في الإحرام من لزوم كون جنس ما يحرم فيه ممّا تجوز الصلاة فيه فلا بدّ من أن يكون جنس الكفن ممّا يجوز أن يحرم فيه فلا يجوز في غير مأكول اللحم هذا و لكن يرد على هذا الاستدلال أنّه إذا استفدنا من هذه الرواية عموم المنزلة فلا بدّ من الحكم بحرمة جميع تروك الإحرام على الميّت و هذا

ممّا لم يقل به أحد فالعلة المذكورة في الرواية- بشهادة فهم العرف- علّة لكراهة تجهيز أكفانه و تطييبه فقط مضافا الى أنّ مرجوحية تجمير الكفن و تطييبه معارضة بسائر الأخبار الدالّة على رجحان تجمير الأكفان (راجع ب 9 من أبواب غسل الميت من جامع الأحاديث الحديث 4 من قوله ع: و جمّر ثيابه بثلاثة أعواد و ب 1 من أبواب تحنيط الميّت من قوله ع: و تجمر كفنه و ب 17 ح 2 من أبواب الدفن قوله ع: و لكن يجمّر الكفن) فالعمدة في مستند هذا الحكم هو الإجماع ان تحقق.

ثمّ انّه لا فرق في الثلاثة أثواب بين أقسام الثوب ممّا نسج من القطن أو الكتّان أو الصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول اللحم لصدق الثوب على ذلك كلّه و أمّا المتّخذ من الجلد ففي صدق الثوب عليه اشكال بل يمكن دعوى الانصراف عنه.

الرابع من واجبات الميّت تحنيطه

و لا خلاف في وجوبه الّا ما حكى عن السلّار في المراسم من القول بعدم وجوبه و الّا الأردبيلي من التأمّل في وجوبه و الاختلاف فيه من جهتين الاولى في كيفيّته و أنّه هل يكفى وضع الكافور على المواضع أو لا بدّ من مسحه بها و علّة هذا الاختلاف هو التعبيرات المختلفة الواردة في الأخبار.

ففي صحيحة عبد اللّه سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: كيف أصنع بالحنوط قال: تضع في فمه و مسامعه و آثار السجود من وجهه و يديه و ركبتيه «2».

و في رواية الحسين بن المختار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يوضع الكافور من

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التكفين الحديث 5

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث

6

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 210

الميت على موضع المساجد و على اللبة و على باطن القدمين و موضع الشراك من القدمين و على الركبتين و الراحتين و الجبهة و اللبة «1».

و في رواية دعائم الإسلام عنه عليه السلام قال: إذا فرغ الرجل من غسل الميّت نشّفه في ثوب و جعل الكافور و الحنوط في مواضع سجوده في جبهته و أنفه و يديه و ركبتيه و رجليه و يجعل من ذلك في مسامعه و عينيه و فيه و لحيته و صدره الحديث «2».

و في حسنة الحلبي عنه عليه السلام قال: إذا أردت أن تحنّط الميّت فاعمد الى الكافور فامسح به آثار السجود منه و مفاصله كلّها و رأسه و لحيته و على صدره من الحنوط «3» و في رواية زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا: إذا جفّفت الميّت عمدت الى الكافور فمسحت به آثار السجود منه و مفاصله كلّها و اجعل في فيه و مسامعه و رأسه و لحيته من الحنوط و على صدره و فرجه الخبر. «4»

و هذه الروايات- كما تراها- مختلفة التعابير ففي بعضها يوضع الكافور و في رواية الدعائم- و جعل الكافور و في بعضها التعبير بالمسح و لذا قال بعضهم بوجوب وضع الكافور على المواضع و بعضهم بوجوب مسحها بالكافور و بعضهم احتاط بوجوب تحقّق كلا الأمرين أي الوضع و المسح و المراد من الأمرين أنّه لا بدّ أن يكون المسح بحيث يبقى من الكافور على المواضع شي ء حتّى يصدق وضع الكافور و جعله عليها.

و لكن الظّاهر أنّ التعبيرات المختلفة في الأخبار لا يراد منها المعاني المختلفة فإنّ المراد من جميعها معنى واحد و هو مسح المواضع

بالكافور بحيث يبقى أثره على المواضع فانّ معنى المسح ليس أمر أريد الماسح على الممسوح فقط بل لا يطلق المسح الّا فيما إذا بقي من يد الماسح على الممسوح أثر كما تقدّم في باب الوضوء من قوله عليه السلام: و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك.

استفيد منه أنّه لا بدّ من تأثير البلة من يد الماسح على الممسوح و لا يكفى مجرّد أمر أريد الماسح على الممسوح فظهر أنّه يعتبر مسح المواضع بالكافور بحيث يبقى أثره عليها حتّى يصدق وضع الكافور عليها فلا يكفى مسح المواضع بدون تعلّق الكافور بها.

و يستفاد من بعض الأخبار المتقدّمة كون التحنيط بعد الغسل و قبل التكفين

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 5- 3

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 5- 3

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 2- 1

(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 2- 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 211

فلا يجب بعد التكفين خلافا لبعض لأنّ قوله ع: إذا فرغ من غسل الميت إلخ ظاهر في أنّه قبل التكفين و كذا قوله ع: إذا جفّفت الميّت عمدت الى الكافور إلخ.

الثاني من وجهي الاختلاف أنّ الواجب هل هو تحنيط مواضع السجود فقط أو هي مع إضافة الأنف إليها أو هما معا مع اضافة جميع المفاصل إليها أو هي مع الفم و السمع و البصر و الصدر و اللحية و الرأس و الفرج- فيه اشكال و منشأه اختلاف الأخبار ففي بعضها ذكر المساجد فقط كموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحنوط للميّت فقال:

اجعله في مساجده «1» و في

بعضها إضافة الأنف إليها كرواية الدعائم المتقدّمة «2».

و في بعضها الأمر بوضع الكافور- اضافة الى ما ذكر- على جميع المفاصل كرواية الحلبي المتقدّمة «3» و في بعضها اضافة الفم و المسامع و الرأس و اللحية و الصدر و الفرج كرواية زرارة المتقدّمة «4».

و لكن تعارض هذه الروايات الدالّة على وضع الخنوط في فمه و مسامعه و بصره و غيرها- روايات أخرى ناهية عن ذلك.

كرواية يونس عنهم عليهم السلام قال: ابسط الحبرة بسطا الى أن قال: و لا تجعل في منخره و لا في بصره و مسامعه و لا على وجهه قطنا و لا كافورا «5».

و رواية عثمان النواء عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: و لا تقربّن شيئا من مسامعه بكافور «6» و رواية حمران بن أعين عنه عليه السلام أنه قال في حديث:

و لا تقربوا أذنيه شيئا من الكافور «7».

و ربّما قيل في دفع المعارضة بأنّ كلمة في في تلك الأخبار الآمرة بمعنى على فيصير المنهي بحسب هذه الأخبار الناهية- هو جعل الكافور و إدخاله في هذه المواضع و بحسب تلك الأخبار يصير المأمور به مسّ تلك المواضع بالكافور فلا تعارض.

و لكن فيه- مع بعده جدّا- أنّه لا يدفع المعارضة لما في بعض الأخبار من قوله

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 4

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب حنوط الميت الحديث 3- 2- 1

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب حنوط الميت الحديث 3- 2- 1

(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب حنوط الميت الحديث 3- 2- 1

(5) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 3- 21- 23

(6) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب

غسل الميت الحديث 3- 21- 23

(7) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 3- 21- 23

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 212

عليه السلام: لا تمسّ مسامعه بكافور «1».

و قيل بحمل الأخبار الآمرة بالتحنيط على التقيّة- لموافقتها لمذهب العامة و فيه أنّ الأخبار النّاهية تبقى ح بلا معارض و هي ظاهرة في الحرمة مع أنّه لا قائل به على الظاهر و قيل في دفع المعارضة غير ذلك.

و يمكن دفع المعارضة بحمل الأخبار الناهية على دفع توهّم الوجوب لأنّه واجب عند العامة فيصير ح مباحا فهل يشمله أخبار من بلغ لكي يصير مستحبّا لورود الأوامر الكثيرة في تلك الأخبار بذلك فيكون من مصاديق قوله صلى اللّه عليه و آله: من بلغه ثواب على عمل إلخ و لا يمنعه الأخبار المعارضة لهذه الأخبار لعدم العلم بصدور تلك الأخبار و لأنه بلغ ذلك من مهابط الوحي و إنكار البلوغ مكابرة فلا يبعد القول باستحباب تحنيط ما تضمنّته تلك الأخبار من الفم و المسامع و العين و المنخر و غيرها- بأخبار من بلغ هذا كلّه بالنسبة الى غير المفاصل.

و أمّا المفاصل فالظاهر استحباب تحنيطها لدلالة بعض تلك الأخبار الآمرة على ذلك من دون معارض نعم هي ظاهرة في الوجوب الّا أنّ موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحنوط للميّت فقال: اجعله في مساجده «2»- تعارض هذه الروايات الدالة بظاهرها على الوجوب لأنّ الموثّقة في مقام البيان و مع ذلك لم يذكر غير المساجد فهي كالنصّ في أنّ الواجب هو مسح المساجد فقط بالكافور فلا بدّ من حمل تلك الأخبار على الاستحباب.

و هذا التحنيط واجب لكلّ ميّت مسلم عدا المحرم فلا

يجوز تحنيطه بل لا يجوز جعل الكافور في ماء غسله و ادّعى على ذلك الإجماع و الأخبار في ذلك كثيرة.

منها موثّقة سماعة قال: سألته عن المحرم يموت فقال يغسّل و يكفّن بالثياب كلّها و يغطّى وجهه و يصنع به كما يصنع بالمحل غير أنّه لا يمسّه الطيب «3» و منها رواية عبد الرحمن

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب غسل الميت الحديث 22

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب تحنيط الميت الحديث 4

(3) الوسائل الباب 13 من أبواب غسل الميت الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 213

ابن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المحرم يموت كيف يصنع به قال: انّ عبد الرحمن بن الحسن ع مات بالأبواء مع الحسين عليه السلام و هو محرم و مع الحسين ع عبد اللّه بن العباس و عبد اللّه بن جعفر و صنع به كما صنع بالميت و غطّى وجهه و لم يمسّه طيبا الحديث «1».

و منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن المحرم إذا مات كيف يصنع به قال: يغطّى وجهه و يصنع به كما يصنع بالمحل (بالحلال خ ل) غير أنّه لا يقرّ به طيبا «2».

و يمكن الخدشة بأنّ مسّ الطيب في هذه الأخبار ظاهر في التحنيط فلا يصدق على إلقاء الكافور في ماء غسله و يمكن استفادة هذا المطلب من موثقة أبي مريم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: خرج الحسين بن على عليهما السلام و عبد اللّه و عبيد اللّه ابنا العبّاس و عبد اللّه بن جعفر و معهم ابن للحسن ع يقال له: عبد الرحمن فمات بالأبواء و هو محرم فغسّلوه

و كفّنوه و لم يحنّطوه و خمّروا وجهه و رأسه و دفنوه «3» فإنّه ظاهر في أنّ غسله كسائر أغسال الموتى و صريح في أنّه لم يحنّطوه.

و لكن يمكن الجواب عن هذه الخدشة بأنّ المسّ غير ظاهر في ذلك بل المراد بالمسّ هو المساس للميّت و معلوم أنّه إذا أدخل في مائه كافورا فقد حصل مساسه للميّت مع أنّ رواية محمّد بن مسلم أظهر من هذه الروايات فإنّه ع قال: و لا يقربه طيبا فيشمل ما إذا أدخل في ماء غسله كافورا لأنه يصدق عليه أنّه قربه طيبا مضافا الى فهم الأصحاب من هذه الروايات ذلك.

(الخامس)

من واجبات الميّت الصلاة عليه اى على الميت المسلم فلا تجب على الكافر بل لا تجوز و وجوبها على المسلم إجماعي و تدلّ عليه الأخبار الكثيرة الخارجة عن حدّ الإحصاء فمنهما رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: صلّ على من مات من أهل القبلة و حسابه على اللّه عزّ و جلّ «4» حتّى أن في بعض الأخبار ما يدلّ على وجوب الصلاة على الزاني

______________________________

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب غسل الميت الحديث 1- 4- 5

(2) الوسائل الباب 13 من أبواب غسل الميت الحديث 1- 4- 5

(3) الوسائل الباب 13 من أبواب غسل الميت الحديث 1- 4- 5

(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب الصلاة على الميت الحديث 7

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 214

و السارق و شارب الخمر من المسلمين منها رواية هشام بن سالم عنه عليه السلام قال: قلت له: شارب الخمر و الزاني و السارق يصلّى عليهم إذا ماتوا قال: نعم «1» و منها رواية السكوني الدالة على وجوب الصلاة على المرجوم

و القاتل نفسه و في تلك الرواية: قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: صلّوا على المرجوم من أمّتي و على القاتل نفسه من أمّتي لا تدعوا أحدا من أمّتي بلا صلاة «2» الى غير ذلك من الأخبار.

و هل تجب الصلاة على الأعضاء المنفصلة عن الميّت أولا- مقتضى كثير من الأخبار أنّ الميّت إذا قد نصفين يصلّى على النصف الذي فيه القلب كرواية القلانسي عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل الذي يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به قال: يغسّل و يكفّن و يدفن فإذا كان الميّت نصفين صلّى على النصف الذي فيه قلبه «3».

و لكن في بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ الجزء المشتمل على العظم تجب الصلاة عليه و لا تجب على الجزء غير المشتمل على العظم.

كرواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا قتل قتيل فلم يوجد الّا لحم بلا عظم له لم يصلّ عليه فان وجد عظم بلا لحم صلّى عليه «4» و الظاهر أنّ المراد من قوله: عظم بلا لحم بيان الفرد الخفي لا أنّه إذا وجد العظم مع اللحم لا تجب الصلاة عليه فهو في مقابل قوله لحم بلا عظم و يستفاد من إطلاق قوله: فان وجد عظم بلا لحم صلّى عليه أنّه تجب الصلاة على كلّ ما كان فيه العظم سواء أ كان مشتملا على الصدر أم لا و سواء أ كان العضو تامّا أم غير تام أو مشتملا على القلب أولا و هذا الإطلاق بظاهره مناف لسائر الأخبار فإنّه قد عرفت من رواية القلانسي المتقدمة آنفا أنّ الجزء الذي فيه القلب تجب الصلاة عليه و

ظاهرها عدم وجوب الصلاة على غير المشتمل على القلب.

و كذا رواية محمّد بن خالد عمن ذكر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا وجد الرجل قتيلا فان وجد له عضو تام من أعضائه صلّى على ذلك العضو و ان لم يوجد له عضو تام

______________________________

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب الصلاة على الميّت الحديث 1

(2) الوسائل الباب 37 من أبواب الصلاة على الجنازة الحديث 3

(3) الوسائل الباب 38 من أبواب الصلاة على الجنازة الحديث 5- 8

(4) الوسائل الباب 38 من أبواب الصلاة على الجنازة الحديث 5- 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 215

لم يصل عليه و دفن «1».

فإنّها أيضا معارضة لإطلاق رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة فلا بدّ من حمل رواية ابن مسلم على مفاد هاتين الروايتين إذ لم يعمل بإطلاقها أحد من الفقهاء على الظاهر و مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.

و إذا وجد لحم بلا عظم فقد عرفت من رواية محمّد بن مسلم عدم وجوب الصلاة عليه الّا إذا اشتمل على القلب فانّ مقتضى الجمع بين هذه الرواية و رواية القلانسي هو وجوب الصلاة عليه و كيفيّة هذه الصلاة و باقي أحكامها مذكورة في الكتب المبسوطة فراجع.

(السادس)

من واجبات الميّت دفن الميّت المسلم و أمّا الكافر فلا يجب بل لا يجوز دفنه و وجوب دفن الميّت المسلم إجماعيّ بل هو من ضروريات الدين و الأخبار في وجوبه خارجة عن حدّ الإحصاء كرواية القلانسي المتقدّمة في اجزاء الميت قال: يغسّل و يكفّن و يدفن و رواية محمد بن خالد المتقدمة عن أبيه قال عليه السلام في أجزائه: فان لم يوجد له عضو تامّ لم يصلّ عليه و دفن و رواية الفضل بن شاذان عن

الرضا عليه السلام قال: إنّما أمر بدفن الميّت لئلّا يظهر الناس على فساد جسده و قبح منظره و تغيّر رائحته و لا يتأذّى الأحياء بريحه و لا يدخل عليه من الآفة و الفساد و ليكون مستورا عن الأولياء و الأعداء فلا يشمت عدوّه و لا يحزن صديقه «2» الى غير ذلك من الأخبار.

و يجب في تحقق الدفن المواراة تحت الأرض بحيث يأمن من تعرض السباع له و يأمن أيضا من انتشار ريحه و مع تحقّق هذين الوصفين يكفى مسمى الدفن نعم يستحبّ جعل اللحد له و لا بدّ من دفنه في الأرض فلا يكفى أن يجعل في تابوت من حديد أو صندوق أو مواراته في جدار و نحو ذلك لعدم صدق الدفن على ذلك كلّه بل لا يجوز إلقاؤه في البحر الّا مع الضرورة فإنه معها يكفي إذا مات في البحر و لم يمكن الصبر الى الوصول الى البر إلقاؤه في البحر بعد جعله مثقلا بالحديد أو الحجر لئلّا يظهر على وجه الماء و يجب أن يجعل جانبه الأيمن تجاه القبلة.

______________________________

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 9

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الدفن الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 216

و يحرم نبش قبر المسلم لاستلزام ذلك لهتكه و لقوله ع في بعض الأخبار: النّباش كالسارق بناء على أنّ المراد بالنّباش مطلق من ينبش القبور سواء سرق أولا و أمّا إذا قيل:

انّ المراد من النّباش من ينبش القبور لأجل سرقة الأكفان- كما هو الغالب أو لأجل إتيان عمل مناف للعفّة كالزنا فلا دلالة في هذه الرواية على حرمة مطلق النبش و الظاهر من الرواية هو ارادة المعنى الثاني لعدم فهم العرف منها و

من غيرها غير ذلك.

و كيف كان فالعمدة في مستند حرمة نبش القبر هو الإجماع و الظاهر أنّ علّة الحرمة هي الهتك فلا حرمة لو لم يستلزم الهتك كنبش قبره لنقله الى المشاهد المشرّفة فإنّه جائز على المشهور إذا أوصى بذلك ما لم يوجب هتك حرمته كانتشار ريحه أو تبدّد أعضائه و أمّا إذا لم يوص بذلك فالمشهور أنّه ايضا كذلك بل عن كشف الغطاء أنّه يجوز نقله الى المشاهد المشرّفة و ان استلزم تقطيعه اربا اربا و لكن فيه اشكال.

و الدليل على جواز نقله الى المشاهد المشرّفة- مضافا الى دعوى الإجماع أو عدم نقل الخلاف- الرواية المروية عن إرشاد القلوب و هي ما روى عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى طرف الغريّ فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف فإذا رجل قد أقبل من البرّية راكبا على ناقة و قدّامه جنازة فحين رأى عليّا عليه السلام قصده حتّى وصل اليه و سلّم عليه فردّ ع عليه السلام فقال: من أين قال: من اليمن قال: و ما هذه الجنازة التي معك قال: جنازة أبي لأدفنه في هذه الأرض فقال له علىّ عليه السلام: لم لا دفنته في أرضكم. قال: أوصى بذلك و قال: انّه يدفن هناك رجل- يدخل في شفاعته مثل ربيعة و مضر فقال ع له: أ تعرف ذلك الرجل قال: لا قال: أنا و اللّه ذلك الرجل ثلاثا فادفن فقام و دفنه «1» فإنّه عليه السلام قد قرره في فعله حيث لم يعترض عليه في فعله.

و كذا يجوز بل يجب النبش إذا دفن بلا غسل أو بلا كفن أو بكفن مغصوب أمّا إذا دفن بلا غسل و

لا كفن فانّ النبش ح لا يستلزم الهتك بل يستلزم احترام الميّت فان دفنه بلا غسل و لا كفن يوجب هتكه.

و أمّا إذا كفّن بالكفن المغصوب فإنّه و ان استلزم النبش هتكه الّا أنّ حرمة الهتك معارضة بحرمة مال الناس و مال النّاس أولى بالرعاية بل لو استلزم دفنه عاريا لا يجب على

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 21 من أبواب دفن الميت الحديث 11

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 217

صاحب المال بذلك الكفن له فانّ الواجب هو تكفين الميّت لا إعطاء الكفن له.

و استشكل على جواز النبش إذا دفن بلا غسل و لا كفن بأنّ النبش مستلزم لهتك الحرمة و هو حرام فلا يعارضه وجوب تغسيل الميّت و تكفينه لتغليب جانب الحرمة على الوجوب فيما إذا دار الأمر بينهما و فيه أنّ هذا لا يستلزم هتك الميّت بل يوجب احترامه لأنّ الدفن بلا غسل و لا كفن موجب لهتكه و نبش قبره و إخراجه لتغسيله و تكفينه يصدق عليه احترامه بنظر العرف فلا حرمة حتّى تعارض الوجوب.

و من موارد جواز نبش القبر ما إذا وقع في القبر مال له قيمة معتدّ بها أو دفن معه مال كذلك فانّ احترام مال الغير يوجب جواز نبش قبره و ان استلزم هتك المؤمن لأنّ حرمة أموال النّاس أعظم من سائر المأثم.

و من الموارد المستثناة- ما إذا دفن في موضع يوجب هتك حرمته كالمزبلة و البالوعة و مقابر الكفّار فإنّه أيضا يجوز نبش قبره و نقله الى موضع يوجب احترامه فإنّ إخراجه لا يصدق عليه الهتك بل يصدق عليه احترامه كما هو واضح.

ثم انّه تجوز النياحة على الميّت بالشعر و النثر ما لم تشتمل على الباطل و الكذب و لم

تشتمل على خلاف رضا اللّه و الأخبار الدالة على جوازها كثيرة.

منها قوله صلّى اللّه عليه و آله في قتل حمزة رضى اللّه عنه- بعد ما رجع المسلمون من غزوة أحد و أقاموا المأتم لموتاهم: لكن حمزة لا بواكي له فسمع المسلمون ذلك فجعلوا يقيمون العزاء و النياحة في كلّ مصيبة وردت عليهم أولا على حمزة رض ثم على موتاهم «1».

و أمّا ما يدلّ على عدم جواز النياحة من بعض الأخبار فمحمول على الغالب من اشتمالها على الباطل و الكذب و لكن لا يجوز اللطم و شقّ الجيب على غير الأب و الأخ كما عن المشهور و مستنده رواية الدعائم عن الصادق عليه السلام أنّه أوصى عند ما احتضر فقال: لا يلطمن علىّ الخدّ و لا يشقّن علىّ جيب فما من امرأة تشقّ جيبها الّا صدع لها في جهنّم صدع كلّما زادت زيدت «2».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب البكاء على الميت الحديث 21 نقلا بالمعنى

(2) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب البكاء على الميت الحديث 33

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 218

و عن مسكّن الفؤاد للشهيد الثاني قده عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ليس منّا من ضرب الخدود و شقّ الجيوب «1».

و عن أبي أمامة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعن الخامشة وجهها و الشاقّة جيبها و الداعية بالويل و الثبور «2» و عن مشكوة الأنوار نقلا عن المحاسن عن الصادق عليه السلام في قول اللّه عزّ و جلّ وَ لٰا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ «3» قال: المعروف أن لا يشققن جيبا و لا يلطمنّ وجها و لا يدعون بالويل و الثبور «4».

و هذه الروايات و

إن كانت مرسلة أو ضعيفة إلّا أنّ الأصحاب قد عملوا بها فينجبر ضعفها بعملهم و لكن بعض الأصحاب قد جوزهما مطلقا على كراهيّة في غير الأب و الأخ و الأقارب أو مطلقا و بعضهم قال بجوازهما للزوجة على زوجها أو المرية على مطلق أقاربها و لعل مستندهم رواية الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا ينبغي الصياح على الميّت و لا شقّ الثياب «5» من حيث ظهور كلمة لا ينبغي في الكراهة.

و رواية سدير عن الصادق عليه السلام بعد أن سأله عن رجل شقّ ثوبه على أبيه و على امه و على قريب له قال: لا بأس بشقّ الجيوب قد شقّ موسى على هارون و لا يشقّ الوالد على ولده و لا زوج على امرأته و تشقّ المرية على زوجها و إذا شقّ زوج على امرأته أو والد على ولده فكفّارته حنث يمين و لا صلاة لهما حتّى يكفّرا أو يتوبا من ذلك الى أن قال: و لقد شققن الجيوب و لطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن على عليهما السلام و على مثله تلطم الخدود و تشقّ الجيوب «6».

و يستفاد من هذه الرواية ممنوعية شقّ الجيوب للوالد على ولده و الزوج على زوجته و جوازه فيما سوى ذلك و يستفاد ايضا من قوله عليه السلام: لقد شققن الجيوب و لطمن الخدود الفاطميات على الحسين (ع) جواز اللطم و شقّ الجيوب على مطلق القريب إذ من المستبعد اختصاص الجواز بمصيبة مولانا الحسين صلوات الله عليه فإنّه إذا كانا محرّمين في الإسلام

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب البكاء على الميت الحديث 31

(2) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب البكاء على الميت الحديث 10

(3)

سورة الممتحنة الآية 12

(4) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب البكاء على الميت الحديث 5

(5) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب البكاء على الميّت الحديث 2

(6) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب البكاء على الميّت الحديث 40

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 219

لم يرتكبن ذلك و لو كانا جائزين على الحسين عليه السلام لاشمئزاز النفوس من ذلك.

و لكن هذه الرواية ضعيفة السند غير منجبرة بعمل الأصحاب و الرواية الأولى- أعنى رواية الصيقل- غير معارضة للروايات السابقة لعدم ظهور لفظ الكراهة في الكراهة المصطلحة لاستعمال الكراهة في كثير من الأخبار في الحرمة فما عليه المشهور من حرمة لطم الوجوه و شقّ الجيوب على غير الأب و الأخ و الزوجة لا يخلو عن قوة بل وجوب الكفّارة في شقّ الرجل ثوبه على امرأته أو ولده و كذا في نتف الشعر و جزّه و كفّارة هذه الأمور هي كفّارة اليمين و هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام.

و أمّا شقّ الجيب على الأب و الأخ فالمشهور بل كاد أن يكون إجماعا- جوازه نعم عن الحلي منعه مطلقا. و الدليل على الجواز الروايات الدالّة على شقّ موسى على هارون عليهما السلام و الرواية في شقّ ابى محمد الحسن العسكري في موت أبيه و هي ما عن كشف الغمة عن كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري عن ابى هاشم الجعفري قال: خرج أبو محمّد عليه السلام في جنازة أبي الحسن عليه السلام و قميصه مشقوق فكتب اليه ابن عون.

من رأيت أو بلغك من الأئمّة شقّ قميصه في مثل هذا فكتب إليه أبو محمّد عليه السلام يا أحمق و ما يدريك ما هذا

قد شقّ موسى على هارون «1» الى غير ذلك من الأخبار و الروايات المجوزة و إن كانت ضعيفة السند الّا أنّ عمل الأصحاب بها يجبر ضعفها.

فصل في غسل مسّ الميّت الآدميّ

و هو واجب على المشهور بل ادّعى عليه الإجماع الّا من السيّد ره حيث حكى عنه في شرح الرسالة و المصباح القول باستحبابه و يدل على قول المشهور أخبار كثيرة.

منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت الرجل يغمض الميّت أ عليه غسل قال: إذا مسّه بحرارته فلا و لكن إذا مسّه بعد ما يبرد فليغتسل قلت: فالذي يغسّله يغتسل قال: نعم الحديث «2».

______________________________

(1) الوسائل الباب 84 من أبواب الدفن الحديث 5

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب مسّ الميّت الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 220

و منها حسنة حريز أو صحيحته عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من غسّل ميّتا فليغتسل و ان مسّه ما دام حارّا فلا غسل عليه و إذا برد ثمّ مسّه فليغتسل قلت: فمن أدخله القبر قال: لا غسل عليه انّما يمسّ الثياب «1».

و منها صحيحة عاصم بن الحميد قال: سألته عن الميّت إذا مسّه الإنسان أ فيه غسل قال: فقال إذا مسست جسده حين برد (يبرد خ ل) فاغتسل «2».

و منها صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الذي يغسّل الميّت عليه غسل قال: نعم قلت فإذا مسّه و هو سخن قال: لا غسل عليه فإذا برد فعليه الغسل قلت: و البهائم و الطير إذا مسّها عليه غسل قال: لا ليس هذا كالإنسان «3».

و منها صحيحة محمد بن مسلم عنه عليه السلام قال: من غسّل ميتا و كفّنه اغتسل غسل الجنابة «4» الى غير ذلك من

الأخبار الدالة على الوجوب امّا بصيغة الأمر الظاهرة في الوجوب و امّا بصيغة الماضي أو المضارع التي يكاد يكون دلالتها على الوجوب أقوى لفرض تحقق وجوده فاستشكال صاحب الذخيرة- على ما حكى عنه- بأنّها غير واضحة الدلالة على الوجوب- في غير محلّه نعم تعارض هذه الأخبار أخبارا أخر ظاهرة في الندب أو عدم الوجوب و لعل السيّد ره استند للاستحباب بهذه الروايات.

فمن الروايات صحيحة الحلبي قال: اغتسل يوم الأضحى و الفطر و الجمعة و إذا غسّلت ميّتا الحديث «5».

فإنّ مقارنة غسل مسّ الميّت لما هو معلوم الندبية من غسل يوم الفطر و الأضحى و الجمعة ظاهرة في عدم الوجوب.

و منها رواية الحسين بن عبيد قال: كتبت الى الصادق عليه السلام: هل اغتسل أمير المؤمنين ع حين غسّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عند موته فأجابه: النبيّ طاهر مطهّر و لكن فعل أمير المؤمنين عليه السلام و جرت به السنة «6».

و منها رواية عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على عليهم السلام قال:

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل مسّ الميت الحديث 8- 12- 11- 5

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل مسّ الميت الحديث 8- 12- 11- 5

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل مسّ الميت الحديث 8- 12- 11- 5

(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل مسّ الميت الحديث 8- 12- 11- 5

(5) جامع الأحاديث الباب 5 من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 4

(6) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل مسّ الميّت الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 221

الغسل من سبعة من الجنابة و هو واجب و من غسل الميت و ان تطهّرت أجزأك

الحديث «1» بأن يكون المراد أن تطهير اليد المماسّة للميّت مثلا كاف و لا يجب الغسل.

و منها التوقيع المرويّ عن الاحتجاج عن الحميري حيث كتب الى مولانا الحجة صلوات اللّه عليه اسئلة من حملتها روى لنا عن العالم عليه السلام أنّه سئل عن امام قوم صلّى بهم بعض صلوتهم و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه فقال: يؤخّر و يتقدّم بعضهم و يتمّ صلوتهم و يغتسل من مسّه فوقّع عليه السلام: ليس على من مسّه الّا غسل اليد «2» و لكن هذه الروايات ليست صريحة في عدم وجوب الغسل بل يمكن حملها على ما لا يعارض تلك الروايات.

أمّا صحيحة الحلبي فلا يلزم من اقتران غسل مسّ الميّت بالأغسال المستحبة- كونه مستحبا لأنّ اقتران الواجب بالمستحب ليس في الأخبار قليلا و كم له فيها من نظير.

و أمّا رواية الحسين بن عبيد فمع ضعف سندها لم يعلم ما المراد بقوله: و جرت به السنّة فإنّه إذا كان المراد أنّ غسل أمير المؤمنين عليه السلام جرت به السنّة يعني لم يكن الغسل مستنّا بل صار مستنّا بفعله فإنّه خلاف الضرورة من الدين فإنّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد اغتسل غسل مسّ الميّت و ان كان المراد غير ذلك فهو مجهول المراد.

و أمّا رواية عمرو بن خالد فمع ضعف السند يمكن أن يكون المراد منها ان اغتسلت أجزأك عن الوضوء.

و أمّا التوقيع فيمكن حمله على ما إذا كان قبل برده و يحتمل أن يكون عدم وجوب الغسل على من مسّه لأجل عدم ملاقاته الّا من وراء الثياب و لكن لا يناسبه وجوب غسل اليد المستفاد من قوله: ليس على من مسّه الّا غسل اليد

فالأظهر هو الاحتمال الأوّل.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب الغسل الحديث 16

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل مس الميّت الحديث 18.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 222

المبحث العاشر

اشارة

في التيمم و فيه مباحث الأول في مسوّغاته و آدابه قال اللّه تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ الى أن قال وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ الآية «1» دلّت على وجوب التيمّم عند عدم وجدان الماء و هذا القيد أعنى قوله: فلم تجدوا- إمّا قيد لقوله إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أو لقوله أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ فتكون أو في الموضعين- أعني أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء- بمعنى و أو الحاليّة فيصير معنى الآية- و اللّه العالم- ان كنتم مرضى أو مسافرين و الحال أنّه قد حدث لكم الحدث الأصغر أو الأكبر و لم تَجِدُوا مٰاءً للوضوء أو للغسل فح تيمّموا إلخ و إمّا أن يكون قيدا لجميع الأربعة أعنى إِنْ كُنْتُمْ 1- مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ 2- سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ 3- أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ 4- النِّسٰاءَ فيكون معنى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً بالنسبة إلى المرضى- بمعنى فلم تتمكّنوا من استعمال الماء لأنّ نفس المرض المضرّ له استعمال الماء من مسوّغات التيمّم و لا يلزم فيه عدم وجدان الماء.

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 6.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 223

و امّا أن يكون قيدا للثلاثة الأخيرة أي ما عدا قوله: و انكنتم مرضى فيكون المرض في قبال فقدان الماء اى لو كُنْتُمْ مَرْضىٰ أو فاقدين

للماء فَتَيَمَّمُوا إلخ فح لا بدّ من أن يحمل المرض على الغالب من كون استعمال الماء مضرّا لأنّ مطلق المرض لا يكون من مسوّغات التيمّم.

و امّا أن يكون قيدا للأخيرين فقط أعنى قوله: أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ و قوله:

أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فيكون قوله وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ و قوله أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ مطلقين و في قبال عدم وجدان الماء فح لا بدّ من حمل المرض و السفر على الغالب من كون استعمال الماء مضرّا للمرض و من أنّ السفر غالبا ملازم لفقدان الماء.

و لكن هذه الاحتمالات كلّها غير خالية عن التكلّفات البعيدة عن مساق الآية الّا أنّ الاحتمال الثاني- و ان كان غير خال عن التكلّف- أقرب بمساق الآية فيكون معنى:

فلم تجدوا ماء: لم تتمكنوا من استعمال الماء حتى تنطبق الآية على جميع مسوّغات التيمّم و يؤيّده بل يمكن أن يدلّ عليه و آية الحلبي حيث سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل إذا أجنب و لم يجد الماء قال: يتيمّم بالصّعيد فإذا وجد الماء فليغتسل و لا يعيد الصلاة و عن الرحل يمرّ بالركيّة و ليس معه دلو قال: ليس عليه أن يدخل الركيّة لأنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد (الأرض) فليتيمّم «1».

و رواية عنبسة بن مصعب عنه عليه السلام قال إذا أتيت البئر و أنت جنب و لم تجد دلوا و لا شيئا تغرف به فتيمّم بالصّعيد فانّ ربّ الماء و ربّ الصعيد واحد و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم مائهم «2».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 2 و 4.

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 2 و 4.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)،

ص: 224

و رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلّته قال: يتيمّم بالصعيد و يستبقي الماء فانّ اللّه عزّ و جلّ جعلهما طهورا الماء و الصّعيد «1».

فانّ هذه الأخبار ظاهرة في أنّ هذين الموردين اى فقدان الدلو و قلّة الماء- من مصاديق قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا لا أنه عليه السلام جعلهما فردين على حده في قبال عدم وجدان الماء و كذا سائر الأعذار المسوّغة للتيمّم كالمرض و بطء برئه و كالخوف من الوصول الى الماء فيمكن جعل جميع الأعذار من مصاديق عدم وجدان الماء بناء على أنّ المراد منه هو عدم التمكّن من استعماله فحينئذ لا يكون ذكر سائر الأعذار في لسان الأخبار فردا مباينا لعدم وجدان الماء حتّى يقال: انّه تعالى لم يذكر من مسوّغات التيمّم الّا سببا واحدا و هو فقدان الماء و باقي الأسباب ذكره و نبّه عليه الأئمة عليهم السّلام و اللّه العالم.

و كيف كان فقد ذكر صاحب الشرائع قده لجواز التيمّم أمورا ثلاثة الأوّل عدم الماء الثاني عدم الوصلة إليه الثالث الخوف و ذكر بعضهم كالعلّامة في المنتهى- على ما حكى عنه- ثمانية أسباب من موجبات التيمّم و بعضهم عبّر بالأمر الكلّي الشامل لجميع المسوّغات و هو العجز عن استعمال الماء.

أمّا

السبب الأوّل

اشارة

الذي ذكره في الشرائع فهو من مسوّغات التيمّم إجماعا و تدلّ عليه الآية المتقدمة و غيرها بالصّراحة و تدل عليه أيضا أخبار كثيرة.

كرواية ابن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: إذا لم يجد الرجل طهورا و كان جنبا فليمسح من الأرض و ليصلّ فإذا وجد ماء أ فليغتسل و قد أجزأته صلوته التي صلّى

«2» و المشهور بل كاد أن يكون إجماعا وجوب طلب الماء لعدم إحراز لم تجدوا بدون ذلك لاحتمال وجود الماء في الأطراف فلم يحرز الشرط للتيمّم و هو عدم وجدان الماء- بدون الطلب و لمصححة زرارة الدالّة على وجوب الطلب في الجملة.

و هي ما رواه عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا لم يجد المسافر الماء فليمسك خ ل فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت فإذا

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمّم الحديث 7

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمّم الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 225

وجد الماء فلا قضاء عليه و ليتوضّأ لما يستقبل «1».

و رواية السكوني عن الصادق عن أبيه عن على عليهم السلام قال: يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغلوة سهم و إن كانت سهولة فغلوة سهمين لا يطلب أكثر من ذلك «2».

فيستفاد من الروايتين وجوب طلب الماء.

و أمّا ما رواه يعقوب بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل لا يكون معه ماء و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك قال: لا آمره أن يغرّر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع «3».

و ما رواه داود الرقى قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أكون في السفر و تحضر الصلاة و ليس معى ماء و يقال: انّ الماء قريب منا أ فأطلب الماء و أنا في وقت يمينا و شمالا قال: لا تطلب الماء و لكن تيمّم فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك فتضلّ فيأكلك السبع «4»- فهما ظاهران بل صريحان في صورة وجود الخوف من تحصيل الماء و مفروض الروايتين

هو وجود الماء في غلوتين أو قريب من المسافر لا الشك في وجوده و مع ذلك لم يأمره ع بالطلب بل أمره بالتيمّم لأنّه من مظانّ الخوف فمفروضهما خارج عمّا نحن فيه.

نعم يعارض الروايتين على الظاهر- إطلاق رواية علىّ بن سالم عنه عليه السلام قال: قلت له: أتيمّم و أصلّي ثمّ أجد الماء و قد بقي على وقت فقال: لا تعد الصلاة فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد فقال له داود الرقّى أ فأطلب الماء يمينا و شمالا فقال: لا تطلب الماء لا يمينا و لا شمالا و لا في بئران وجدته على الطريق فتوضّأ و ان لم تجده فامض «5».

فإنّها غير مقيّدة بالخوف بخلاف الروايتين المتقدّمتين و لكن يمكن حملها ايضا على صورة الخوف على النفس أو المال بقرينة نقل داود الرقى ذلك الذي نقل تلك الرواية المشتملة على الخوف من تحصيل الماء فيحتمل قويا أن تكون الروايتان رواية واحدة حذف ذيلها من كلام على بن سالم مع أنّها بإطلاقها غير معمول بها عند الأصحاب.

ثمّ انّ المشهور بين الأصحاب أنّ مقدار الطلب في الأرض السهلة قدر غلوة سهمين

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2- 3

(2) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2- 3

(3) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2- 3

(4) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمّم الحديث 4

(5) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمّم الحديث 7

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 226

و في الأرض الحزنة كالتلال و الأودية و الآجام بمقدار غلوة سهم.

و ربّما يستفاد من كلمات بعض الأعلام المتقدمين وجوب الطلب الى أن يتضيّق الوقت و مستند هذا القول مصحّحة

زرارة المتقدّمة.

و لكن الرواية- مع أنّها أصحّ سندا من رواية السكوني المتقدّمة- لم يعمل أكثر الأصحاب بها و عملوا برواية السكوني مع أنّ رواية زرارة مختلفة النسخ ففي بعض النسخ- كما عرفت بدل فليطلب- فليمسك فتصير دليلا على عدم جواز البدار اى المبادرة بالصلاة ما لم يضيق الوقت و من المحتمل بناء على نسخة فليطلب ما ذكره المشهور و دلت عليه رواية السكوني- و هو الغلوة و الغلوتين لأنّها ليست صريحة في وجوب الطلب في تمام الوقت و إن كانت ظاهرة في ذلك فيحتمل أن يكون معناها أنّه لا يبادر إلى الصلاة بل يتأمّل و يصبر و يكون بصدد تحصيل الماء لعلّه يصيبه الى أن يضيق الوقت و دلالتها على عدم جواز البدار أيضا منافية لسائر الأخبار الدالة على جواز البدار.

و كيفيّة الطلب بالغلوة و الغلوتين مختلفة بين الأصحاب فبعضهم قال: بالاكتفاء بالغلوة و الغلوتين من طرف واحد و هو المشي لأجل الطلب- نحو الامام مثلا و يحتمل حمل رواية علىّ بن سالم المتقدّمة على ذلك.

و بعضهم قال بوجوب الطلب فيما بين اليمين و الشمال و ربّما يؤيد ذلك بما ورد في رواية علىّ بن سالم حيث سأل عن الطلب يمينا و شمالا و كذا رواية داود الرقى و رواية يعقوب ابن سالم المتقدّمتين فكأنّ وجوب الطلب يمينا و شمالا كان مرتكزا في أذهانهم و لم يردعهم الامام عليه السلام عن ذلك و انّما ردعهم عن ذلك لأجل كون الموضع موضع الخوف الذي يسقط وجوب الوضوء حتّى مع العلم بوجود الماء في الناحية القريبة كما دلّت على ذلك رواية يعقوب بن سالم فضلا عن وجوب الطلب.

و يحتمل أن يكون اليمين و الشمال المرتكزين في أذهان

الأصحاب كناية عن الجوانب الأربعة لا خصوص اليمين و الشمال و كيف كان فيمكن أن يكون مستند هذا القول هذه الروايات المتقدّمة بضميمة أنّ الرجوع الى الخلف الذي جاء منه آنفا و علم بعدم وجود الماء فيه لغو و الطلب نحو الامام يتحقّق بالحركة نحوه بأضعاف الغلوة و الغلوتين لأنّه حركة إلى مقصده فلا يبقى مجال للطلب إلّا في الموضعين أعنى اليمين و الشمال و قيل بوجوب الطلب في

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 227

الأطراف الثلاثة بإسقاط الخلف للزوم اللغويّة.

و قيل بوجوب الطلب في الجوانب الأربعة و يجاب عن لغويّة الطلب في جانب الخلف بأنّ وجوب الطلب منوط باحتمال وجود الماء في كلّ واحد من الأطراف فهما علم بعدم وجود الماء في طرف يسقط وجوب الطلب عن ذلك الطرف فيقال هنا: بأنّه ان احتمل وجود الماء في طرف الخلف بعد المرور عنه وجب الطلب فيه ايضا و الّا فلا و الأحوط هو القول الأخير.

ثمّ انّه إذا ترك الطلب عامدا و صلّى بالتيمّم في سعة الوقت بطلت صلوته و ان علم بعد الصلاة بعدم وجود الماء في الأطراف إلّا إذا تمشّى منه قصد القربة لأنّ من شرط التيمّم فقدان الماء فتيمّم بدون إحراز شرطه و لا بأس بتفصيل القول فيما هو نظيره حتّى يتّضح الحال فيه.

فنقول: إذا دخل وقت الصلاة و كان متطهرا و كان له ماء يكفى للوضوء أو للغسل و لم يكن له ماء سواه فالمشهور- بل كاد أن يكون إجماعا- أنّه لا يجوز له نقض الطهارة أو إراقة الماء إذا لم يتمكّن بعد ذلك من الطهارة المائية و على فرض نقضه لطهارته أو إراقته للماء في الفرض المذكور هل تصحّ صلوته ح مع

الطهارة الترابيّة أولا- المشهور نعم لأنّ ملاك جواز التيمّم هو عدم وجدان الماء فيشمله قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا إلخ لأنّ إطلاقه يشمل ذلك فإنّه غير مقيّد بالاختيار أو عدم الاختيار فلم يكن عليه الّا الصلاة في الوقت مع الطهارة الترابيّة.

و كذلك الحال فيما إذا كان متمكّنا من الطهارة المائية و لم يأت بها حتّى ضاق الوقت فإنّه تصحّ ح منه الصلاة مع الطهارة الترابيّة.

و لكن قيل: انّه لا تصح الصلاة منه في الوقت مع الطهارة الترابية لتنجّز التكليف عليه بالصلاة مع الطهارة المائية و قد صيّرها ممتنعة عليه بسوء اختياره و التكليف و إن كان يسقط تارة بواسطة العصيان الّا أنّه يشكل في سببيته لانقلاب الموضوع و اندراجه تحت عنوان العاجز.

بل لا يبعد أن يقال بعدم اندراجه تحت عنوان العاجز فانّ قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا و إن كان مطلقا الّا أنّه منصرف بحسب المتفاهم العرفي عن هذا الفرد الذي قد صيّر نفسه بسوء اختياره عاجزا فانّ المتبادر من لفظ العاجز- الذي حصل له العجز قهرا فلا يطلق على القادر الذي صيّر نفسه عاجزا بسوء اختياره.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 228

و قيل بوجوب الجمع بين الصلاة مع التيمّم في ضيق الوقت و القضاء في خارجه أمّا وجوب الصلاة في الوقت مع التيمّم فلقوله عليه السلام في المستفيضة: أنّ الصلاة لا تسقط أو لا تترك بحال و أمّا وجوب القضاء عليه فلتفويته الفريضة الثابتة عليه بسوء اختياره.

و لكن يرد على هذا القول أنّا نعلم بالضرورة من الدين أنّه لا يجب عليه أكثر من صلاة واحدة فكيف تجب عليه صلاتان أداء و قضاء اللهم الّا أن يقال: انّه يعلم إجمالا بواسطة تفويته الفريضة المنجزة

عليه أعني الصلاة مع الطهارة المائيّة أنّه تجب عليه احدى الصلوتين إمّا الأداء مع التيمّم و امّا القضاء مع الطهارة المائية فيشكّ في أنّ المكلّف به- مع تفويته لتلك الصلاة- أيّهما هو فيعلم إجمالا ثبوت أحد التكليفين عليه فلا بدّ من الاحتياط و امّا القول الثاني- أعني سقوط الأداء و وجوب القضاء عليه- فيرد عليه ما ذكرناه من عدم قصور إطلاق قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا- عن شموله لمثل هذا العاجز الذي صيّر نفسه عاجزا بسوء اختياره و دعوى الانصراف عن مثله ممنوعة فإنّه أيضا صار و لو بسبب سوء اختياره عاجزا و على فرض صحّة دعوى الانصراف فهو بدويّ فالأقوى هو القول الأوّل أي صحّة صلاته بالترابية.

هذا بالنّسبة الى غير المعصية و أمّا المعصية يعني هل يعصى المكلف بإراقة الماء و جعل نفسه محدثا بعد ما كان متطهّرا إذا علم بعدم إمكان تحصيل الطهارة المائية فيما بعد- المشهور هو القول بالعصيان و قيل بعدم العصيان و مستند هذا القول- أعنى عدم العصيان- أنّ القدرة مأخوذة في الطهارة المائية كما أنّ موضوع الطهارة الترابية هو العجز فهما موضوعان لحكمين كالمسافر و الحاضر فكما أنّ المسافر له حكم على حده و هو القصر و الحاضر ايضا له حكم على حده و هو الإتمام و يجوز للمكلّف إخراج نفسه من موضوع أحدهما و إدخاله في موضوع الآخر في سعة الوقت اختيارا- فكذا فيما نحن فيه.

فانّ موضوع الطهارة المائية هو القادر على إتيانها و موضوع الطهارة الترابيّة هو العاجز عن إتيان الطهارة المائية فح يجوز للمكلّف تبديل موضوع التكليف بأن يصيّر نفسه اختيارا من موضوعات التيمّم بعد ما كان داخلا في موضوع الطهارة المائيّة فإنّ تبديل الموضوع

بموضوع آخر جائز شرعا كما عرفت.

هذا و لكن لا يخفى أنّ التكليف بالطهارة المائيّة متوجّه الى المكلّف من دون تقيّده بالقدرة

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 229

أو العجز فإذا كان التكليف مطلقا يجب تحصيل القدرة عليه و لا يجوز تصيير نفسه عاجزا عن ذلك. مثلا إذا قال المولى: جئني بماء فان لم تقدر فجئنى بالفاكهة لا يجوز للمكلّف اراقة الماء و تصيير نفسه عاجزا عن إتيانه و إتيانه بالفاكهة لاعتراض المولى عليه بأني قلت: فان لم تقدر فجئنى بالفاكهة و أنت كنت قادرا على إتيان الماء فلم أهرقته.

ففي المقام نقول: انّ قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا إلخ- يظهر منه أنّ التكليف مطلق و متوجّه إلى عامة المكلّفين و لم يكن مشروطا نعم التكليف بالتيمّم يكون مشروطا بعدم وجدان الماء لقوله تعالى في نفس الآية فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا.

فما لم يوجد الشرط لا يجوز التيمّم فح فالأقوى- كما عليه المشهور- هو الحكم بحرمة تفويت القدرة على الإتيان بالطهارة المائية كإراقة الماء و إبطال الوضوء مع العلم بفقدان الماء و نحوهما إذا عرفت ذلك نقول: هل يكون ترك الطلب مع احتمال وجود الماء- من هذا القبيل أو يكون من غير هذا الباب- الظاهر أنّه ليس من هذا القبيل فانّ الاستشكال في ترك الطلب لأنّه مردد بين كونه مندرجا تحت خطاب فاغسلوا أو تحت خطاب فتيمّموا لأنّه إذا طلب الماء و وجده كان مأمورا بالطهارة المائيّة و ان لم يجده كان مأمورا بالطهارة الترابيّة فإذا ترك الطلب و أتى بالتيمّم لا يعلم بأنّه أتى بما هو وظيفته لاحتمال أن يكون وظيفته الإتيان بالطهارة المائية فيكون المأمور به مردّدا بين الطهارة المائيّة و

الطهارة الترابيّة فمع دورانه بينهما كيف يمكن الأخذ بأحدهما من دون مستمسك شرعي و يحكم ببطلان الصلاة بترك الطلب.

نعم الطلب بالغلوة أو الغلوتين موضوع شرعا لعدم وجود الماء و إن كان الماء في نفس الأمر موجودا.

و حاصل الكلام في ترك الطلب أنّه إمّا أن يتركه عمدا أو سهوا فعلى الأوّل امّا أن يعلم بعدم وجود الماء ان طلبه ثم ينكشف الخلاف بعد الصّلوة و إمّا أن يعلم بوجوده ان طلبه و امّا أن يشكّ في ذلك و الشكّ إمّا أن يكون شكّا بدويا و امّا أن يكون شكّا ساريا بأن علم أوّلا بعدم وجدان الماء ثمّ صلّى مع هذا العلم و بعد الصلاة شكّ في أنّه إذا كان طلب الماء قبل الصلاة هل كان يجده أولا أمّا الفرض الأوّل- أعني ما إذا علم بعدم وجود الماء لو طلبه و انكشف الخلاف بعد الصلاة- فيمكن أن يقال بصحّة صلاته نظرا إلى أنّه كان له طريق

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 230

عقلي بعدم وجود الماء و لا يتمكن الشارع من مخاطبته بطلب الماء في هذه الحالة لأنّه لغو فإنّه لا ينبعث بذلك الخطاب لأنّه عالم بعدم وجود الماء فيشمله قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا و ليس المراد من عدم الوجدان عدم الوجود الواقعي بل المراد أعم منه و من الاعتقادي و يدلّك على هذا أنّه إذا طلب الماء بالغلوة و الغلوتين فلم يجده و صلّى بالتيمّم صحّت صلاته و إن كان الماء في نفس الأمر موجودا.

و كذا إذا كان في غير السفر اى كان في الحضر و طلب الماء الى أن يئس من وجدانه فإنّه ان صلّى و بعد الصلاة بالتيمّم انكشف أنّ الماء كان موجودا

فانّ صلاته تكون صحيحة على المشهور.

و لكن لا يخفى أنّه و ان لم يمكن للشارع في هذه الحالة مخاطبته بطلب الماء و لكنّ الخطاب بحسب الواقع كان موجودا و المكلف بواسطة اعتقاده بعدم وجود الماء كان غير ملتفت الى ذلك الخطاب و بعد زوال اعتقاده يعلم به و الحاصل أنّه كان اعتقاده بوجوب التيمّم عليه اعتقادا تخييليّا ليس له واقعيّة فبعد تبيّن الخلاف يظهر له أنّه لم يكن مأمورا بالتيمّم بحسب الواقع بل كان مأمورا بالطهارة المائية فلا بدّله بعد كشف الخلاف من الإعادة أو القضاء.

و أمّا إذا علم بوجود الماء ان طلبه و مع ذلك صلّى من غير طلب فانّ صلوته باطلة من غير ترديد لأنّه كان بحسب الواقع واجد الماء فلم يكن له مسوّغ للتيمّم.

و أمّا إذا كان شاكّا بأن احتمل وجود الماء لو طلبه و مع ذلك صلّى بدون الطلب فان كانت الصلاة في ضيق الوقت صحّت صلوته و كذا في الفرض السابق- أعنى ما إذا كان عالما بوجود الماء لو طلبه- فإنّ الذي قلناه من بطلان صلاته انّما هو إذا كانت في سعة الوقت و أمّا في ضيقه فالظاهر صحّة صلوته مطلقا اى سواء ترك الطلب عمدا أو سهوا و سواء علم بوجود الماء لو طلبه أو علم بعدم وجوده أو شك في ذلك.

و أمّا إذا كانت الصلاة في سعة الوقت فالظاهر بطلانها و ان انكشف بعد الصلاة عدم وجود الماء لو طلبه لأنّه كان مأمورا بالطلب و كان الطلب موضوعا شرعا لوجود الماء أو عدمه فمع تركه كان شاكا في أنّ الصلاة مع التيمّم كانت مأمورا بها أو لا فلا يمكنه قصد التقرّب بالشي ء الذي يشكّ في كونه مأمورا به

نعم في صورة مصادفة صلاته لعدم وجدان الماء

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 231

تصحّ صلاته مع فرض حصول قصد القربة له و أمّا مع عدم حصولها فلا و أمّا في صورة مصادفة صلاته لوجدان الماء فالظاهر بطلانها لأنّها غير مأمور بها و ان حصلت منه نيّة التقرّب.

و أمّا إذا نسي طلب الماء أو نسي أنّ الماء كان موجودا عنده فالظاهر ايضا بطلان صلاته لأنّه كان في الواقع مأمورا بالطهارة المائية و إن كان غير ملتفت اليه و كان بزعمه مأمورا بالطهارة الترابيّة و بعد كشف الخلاف و أنّ الماء كان موجودا لو طلبه أو كان موجودا في رحله يعلم أنّ زعمه كان على خلاف الواقع مضافا الى ورود رواية في هذا المورد بالخصوص.

و هي رواية أبي بصير قال: سألته عن رجل كان في سفر و كان معه ماء فنسيه فتيمّم و صلّى ثمّ ذكر أنّ معه ماء قبل أن يكون يخرج الوقت قال: عليه أن يتوضّأ و يعيد الصلاة «1» ثم إنّه لا فرق في انتقال وظيفته الى التيمّم بين أن لا يكون معه ماء أصلا أو كان معه ماء و لكن لا يكفي للطهارة المائية و هو إجماعي على ما اعترف به غير واحد نعم نسب إلى العلامة قده في النهاية وجوب صرف الماء الى بعض الأعضاء في الجنابة لاحتمال وجود ما يكمل به الطهارة و نسب الى بعض العامّة أنّه قال: الجنب إذا وجد ماء لا يكفيه لطهارته استعمل الماء في الطهارة أي في بعض أعضاء الوضوء أو الغسل و تيمّم ايضا.

و لكن هذا القول- اى استعمال الماء في بعض أعضاء الوضوء أو الغسل ممّا لم يقل به أحد من أصحابنا و قول

العلامة قدّه- مع أنّه مخصوص بغسل الجنابة و لم يذكره في الوضوء- ليس خلافا في المسألة بين الأصحاب لأنّه حكم هو ره في سائر كتبه بل في النهاية ايضا- على ما حكى عنه- بأنّ وظيفته التيمّم ح و لا يجب استعماله في الطهارة نعم احتمل وجوب صرفه و استعماله في بعض الأعضاء لا أنّه حكم بوجوب ذلك على سبيل الجزم مع أنّه احتمل ذلك مراعاة لجواز تحقّق ما تكمل به الطهارة فهذا الحكم منه من باب الاحتياط.

و كيف كان فاستدلوا لعدم وجوب صرف الماء غير الكافي في الطهارة المائية بالأدلّة الثلاثة أي الكتاب و السنّة و الإجماع.

أمّا الكتاب فيظاهر قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا فإنّه ظاهر في الماء الكافي بحسب المتفاهم العرفي لا مطلق الماء و لو كان قطرة و أمّا السنّة فبصحيحة محمّد بن مسلم

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب التيمّم الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 232

عن أحدهما عليهما السلام في رجل أجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضّأ به قال: يتيمّم و لا يتوضأ «1» و برواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يجنب و معه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة أ يتوضأ أو يتيمم قال: لا بل يتيمّم ألا ترى أنّه جعل عليه نصف الوضوء «2».

و برواية الحسين بن أبى العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يجنب و معه من الماء بقدر ما يكفيه لوضوئه للصلاة أ يتوضأ بالماء أو يتيمم قال: يتيمّم ألا ترى أنّه جعل عليه نصف الطهور «3».

و مورد السؤال في الروايتين- و إن كان في أنّه إذا لم يكن للجنب ماء الّا بمقدار يكفى

للوضوء فقط فهل يجب عليه الوضوء أو التيمّم فأجاب عليه السلام بأنّه يجب عليه التيمّم- الّا أنّ مفروض المسألة هي المسألة التي نبحث عنها أعنى ما إذا كان عنده ماء لا يكفي للطهارة التي وجبت عليه فمع أنّه عليه السلام كون بصدد البيان و المفروض وجود الماء في الجملة و مع ذلك لم يأمره بصرفه في بعض أعضاء الجنابة بل أمره بالتيمّم فيعلم من ذلك أنّه لا يجب صرف الماء غير الكافي في بعض الأعضاء و مورد هذه الروايات- و إن كان الجنب- الّا أنّ العلم باتحاد الملاك في الطهارتين يوجب كون الوضوء مثل الغسل في هذا الحكم و الظاهر أنّ قوله عليه السلام: ألا ترى أنّه جعل عليه نصف الوضوء أو نصف الطهور- لدفع توهّم الاستحسانات بأن يتوهّم أنّ الجنب حيث انّه لا يكفيه الماء لرفع جنابته أن يتوضّأ للصلاة و لا يتيمّم.

فأجاب عليه السلام عن هذا التوهّم بأن التكاليف الشرعيّة ليست ممّا تدركه العقول ألا ترى أنّه جعل عليه نصف الوضوء اى مسحات التيمّم فقط و ارتفعت الغسلات عنه.

و يحتمل أن يكون مراده ع أنّ التيمّم انّما شرّع لأجل التسهيل على العباد فالوضوء تكليفه أشدّ ألا ترى أنّه جعل عليه نصف الطهور و اللّه العالم.

و ربّما يتوهّم التعارض بين هذه الأخبار و ظاهر الآية و بين قوله عليه السلام: الميسور

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب التيمّم الحديث 4

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 1- 3

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب التيمم الحديث 1- 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 233

لا يسقط بالمعسور بان يقال: انّ بين مورد الآية و قاعدة الميسور عموما و خصوصا من وجه لصدق الآية بدون قاعدة الميسور

فيما إذا لم يجد ماء أصلا و صدق القاعدة بدون الآية في غير باب التيمّم و الوضوء و تصادقهما فيما إذا وجد ماء لا يكفي للطهارة المائية فح يقع التعارض في مورد التصادق و لا وجه لتقديم أحد المتعارضين على الآخر من غير مرجّح.

و لكن يمكن أن يجاب عن هذا التوهّم بأن قاعدة الميسور يستفاد منها أنّ الشي ء الناقص يقبله اللّه مكان الشي ء التام مثل ما إذا قال: صلّ عن قيام فان لم تتمكن من القيام فصلّ قاعدا فهو من باب قبول الشي ء الناقص مكان الكامل و هذا اى قبول الناقص مكان الكامل يكون في غير مورد جعل البدل للشي ء و الّا ففي مورد جعل البدل للشي ء يكون البدل مكان ذلك الشي ء الكامل مثلا إذا قيل: أطعم عشرة من السادات بالطعام اللذيذ و ان لم تقدر على إطعامهم بالطعام اللذيذ فأطعمهم بالخبز و اللبن ففي هذا المورد الذي جعل للفرد الكامل البدل لا يتوهّم أحد جريان قاعدة الميسور فيه بأن يطعم خمسة منهم بالطعام اللذيذ عند عدم القدرة على إطعام العشرة و يترك الباقي بل ينتقل ذهنه الى وجوب البدل و هو إطعام العشرة بالطعام الأدون.

و هذا المورد من هذا القبيل فانّ التيمّم بدل عن الوضوء التام فلا تنتقل وظيفته الى الفرد الناقص اى بعض الوضوء مع عدم التمكن من التام لجعل الشّارع البدل- و هو التيمّم- للفرد التام.

فرع

إذا كان عنده ماء بمقدار الطهارة المائية و كان بدنه أو لباسه نجسا فهل يقدّم ازالة الخبث و يتيمم للصلاة أو يستعمل الماء في الطهارة المائية و يصلّى مع الخبث؟ المشهور بل ادعى عليه الإجماع هو القول الأوّل لأنّ مطلوب الشارع سبحانه هو الصلاة مع الطهارة

من الحدث و الخبث فإذا استعمل الماء في رفع الخبث و تيمم فقد حصل كلا مطلوبي المولى سبحانه أعني الصلاة مع الطهارة من الحدث و الخبث بخلاف ما إذا استعمل الماء في الطهارة المائية فإنه لا يتحقّق إلّا أحد مطلوبية أعنى الطهارة من الحدث و لم يأت بمطلوبه الآخر أعني الطهارة من الخبث فإذا دار الأمر بين الإتيان بالفرد الكامل و الإتيان بالفرد الناقص فالأوّل مقدّم بشهادة الوجدان فانّ الصلاة مع الطهارة من الحدث و الطهارة من الخبث فرد كامل للصلاة

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 234

و إن كانت طهارتها ترابيّة فإنّ الطهارة الترابية قد جعلت في حال عدم وجدان الماء من أفراد الطهارة من الحدث بخلاف الفرض الآخر فانّ الصلاة و إن كانت مع الطهارة المائية من الحدث الّا أنّها فاقدة لرفع الخبث فيقدّم الفرض الأوّل.

السبب الثاني

من أسباب التيمّم الذي ذكره في الشرائع عدم الوصلة إليه- أي إلى الماء- بأن كان الماء موجودا و لكن لا يمكن الوصول اليه إمّا لأجل كبر سنّة أو لأجل المرض أو الضعف المفرط الذي يكون تحصيل الماء له في كلّ واحد منها ممّا لا يتحمل عادة فانّ نفي العسر و الحرج في الشريعة يجعله بمنزلة فاقد الماء فيشمله قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا لأنّ الامتناع الشرعي كالامتناع العقلي و كذلك عدم الوجدان الشرعي كعدم الوجدان العقلي.

و إمّا لأجل فقدان ثمن الماء و إن كان موجودا و يباع بثمن المثل أو بأقلّ منه أو كان واجدا لثمنه و لكن يضر شراؤه بحاله بأن كان الماء غاليا بحيث إذا اشتراه بتلك القيمة وقع في الحرج أو كان الماء رخيصا و لكن لقلّة ذات يده يقع لأجل شرائه في الضيق.

و

أمّا إذا كان الماء غاليا و لكن لأجل تمكنه المالي يتمكّن من شرائه بأيّ سعر كان فقد قيّد بعض الفقهاء بعدم كون الشراء إجحافا في الثمن و عن ابن جنيد عدم وجوب الشراء إذا كان الماء غاليا و يمكن الاستدلال له بنفي الحرج و الضرر في الإسلام.

و لكنّ الظاهر أنّ المورد لا يكون من موارد الحرج و الضرر فانّ الحرج و الضرر أمر عرفي يصدق على الفقير المعدم تارة و لا يصدق على الغنىّ المثرى اخرى مثلا ربما يكون صرف درهم واحد بالنّسبة الى أحد حرجيّا و صرف الف درهم بالنسبة إلى غيره لا يكون حرجيّا لتمكنه منه و عدم تأثيره بالنسبة إلى حسن حاله فح لا نحتاج أن نلتزم بتخصيص قاعدة نفى العسر و الحرج بما سيجي ء من الأخبار بل نقول: المناط وجوب شراء الماء في كل مورد لا يكون شراؤه حرجيا و لو كان الشراء بأضعاف ثمنه بل بآلاف درهم أو دينار و عدم وجوب الشراء إذا كان موجبا للضرر و الحرج.

فالأقوى ما عليه المشهور من وجوب شراء الماء مع التمكن و لو كان بآلاف درهم لصدق وجدان الماء ح فلا يشمله قوله: فلم تجدوا ماء فانّ المقدور بالواسطة مقدور و للروايات الدالة على وجوب الشراء.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 235

منها صحيحة صفوان قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج الى الوضوء للصلاة و هو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضّأ بمأة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها أ يشترى و يتوضّأ أو يتيمم قال: لا بل يشترى قد أصابني مثل ذلك فاشتريت و توضّأت و ما يشترى (يسرني) بذلك مال كثير «1» و لعلّ المراد بذيل

الرواية. أنّ ما يشترى بإزاء هذا المال هو شي ء كثير عند اللّه لأنّ ثوابه الجنّة.

و منها ما عن الصدوق مرسلا عن الرضا عليه السلام نحوه باختلاف يسير «2».

و منها رواية الحسين بن أبي طلحة قال: سألت عبدا صالحا عن قول اللّه عزّ و جلّ:

أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ما حدّ ذلك قال: فان لم تجدوا بشراء و بغير شراء قلت: ان وجد قدر وضوء بمأة ألف أو بألف و كم بلغ قال: ذلك على قدر جدته «3». اى قدر سعته يعني إذا كان متمكّنا بأيّ مقدار و كم بلغ ذلك المقدار فلا بدّ من أن يشترى الماء و يتوضّأ و ان زاد عن مأة الف قال في مصباح الفقيه: يخصّص بهذه الأخبار الخاصّة عموم نفى الضرر و الحرج انتهى.

أقول الظاهر أنّ هذا المورد لا يكون من موارد الضرر فانّ الضرر المتوجّه الى المكلّف من ناحية التكليف الشرعيّ كوجوب الزكاة و الخمس و الكفّارات و الإنفاق على العيال و إن كان قيمة ما ينفقه غالية- لا يرفعه حديث لا ضرر فانّ المتبادر من لا ضرر و لا ضرار في الإسلام التكليف الذي يجي ء منه الضرر على المكلّف كما إذا كان الوضوء ضرريّا و كالصوم الذي يتحقّق منه المرض و نحو ذلك لا أصل التكليف و الّا يلزم أن يرفع اللاضرر جلّ التكاليف الشرعيّة لاحتياج كثير منها الى صرف المال لو أريد امتثالها.

و الحاصل أنّ الضرر المتوجّه إلى الإنسان من ناحية الحكم الشرعي لا يعدّ من الضرر المرفوع بلا ضرر و المورد من هذا القبيل فإنّه بعد ما وردت الروايات المعتبرة بوجوب شراء الماء و إن كان بأضعاف قيمته و عمل المشهور بها

يصير وجوب الشراء حكما شرعيا فلا مجال لجريان قاعدة لا ضرر في هذا المورد فتأمل و سيأتي الكلام في نظيره.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب التيمّم الحديث 1- 1

(2) الوسائل الباب 26 من أبواب التيمّم الحديث 1- 1

(3) الوسائل الباب 26 من أبواب التيمّم الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 236

السبب الثالث

من أسباب التيمّم الخوف من استعمال الماء امّا على نفسه و امّا على من يتعلّق به أو على عرضه بأن يخاف ان هو فارق عرضه- كزوجته و أمّه و أخته- و ذهب لتحصيل الماء أن يتعرض أحد لعرضه أو يخاف بأن يسبّه أحد أو يهتك ستره ان أراد استعمال الماء فإنّه أيضا من موارد التيمّم أو يخاف على ماله بأن يذهب السارق بماله أو يحترق أو يذهب به السيل و نحو ذلك فهذه الموارد كلّها من موارد قوله تعالى وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «1».

فانّ هذا الموارد من موارد الحرج الّا فيما يخاف على المال فيما إذا لم يقع بتلفه في الحرج فانّ هذا المورد ليس من موارد الحرج مثلا إذا علم بأن استعمال الماء أو الإتيان به مستلزم لذهاب مأة دينار منه بأن يذهب به اللصّ أو يأخذه الظالم منه قهرا و جبرا و لكن لا يقع بذهابها في حرج بل يكون متمكّنا فانّ هذا المورد من موارد الضرر دون الحرج فان علم بذلك قبل استعمال الماء يرتفع وجوب الطهارة المائية لقاعدة لا ضرر و ان شكّ في أنّ الطهارة المائية مستلزم لذهاب هذا المقدار من المال الذي يكون مع ذهابه متمكّنا أولا فهل تشمله القاعدة- أعني لا ضرر أولا- الظاهر لا لأنّه يشكّ في كونه من مصاديق الضرر و

لا بدّ في كلّ حكم من الأحكام الشرعيّة سواء كانت مثبتة للحكم أم نافية له من إحراز موضوع ذلك الحكم فبدون إحراز الموضوع لا يمكن ترتّب الحكم و هو واضح.

و هل يمكن التمسك بعموم أدلّة وجوب الوضوء في هذا المورد المشكوك- الظاهر لا، لانه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية فح لا يمكن إدراج هذا الفرد المشكوك في العام أعني أدلة الوضوء و لا في المخصّص- أعني قاعدة لا ضرر- فلا بدّ من الرجوع فيه الى سائر الأدلة من البراءة أو الاحتياط نعم يمكن أن يقال: انّ الأحكام الثانوية اى الاضطرارية مترتّبة على خوف الضرر لا العلم بالضرر كالصوم الذي يخاف معه الضرر فإنّه يجب فيه الإفطار و غير ذلك الذي استفيد من الأخبار و كلمات الأصحاب أنّ المناط فيه خوف الضرر لا العلم به مضافا الى ورود بعض الأخبار في خصوص هذا المورد المشعرة بأنّ الملاك هو الخوف من الضرر.

كرواية داود الرقى قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أكون في السفر فتحضر الصلاة و ليس معى ماء و يقال: انّ الماء قريب منّا أ فأطلب الماء و أنا في وقت يمينا و شمالا

______________________________

(1) سورة الحج الآية 78

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 237

قال: لا تطلب الماء و لكن تيمّم فإنّي أخاف عليك التخلف من أصحابك فتضلّ و يأكلك السبع «1».

قوله: فإنّي أخاف إشعار بأنّ الموارد من موارد الخوف فلا بدّ من أنّك تخاف ايضا لا أنّ خوفه عليه السلام يكون مسوغا لجواز تيمّم داود.

و رواية يعقوب بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل لا يكون معه ماء و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين أو نحو ذلك قال: لا

آمره أن يغرّر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع «2» و هذه الرواية و ان لم يكن فيها لفظ الخوف الّا أنّه يستفاد منها أنّ المورد كان معرضا للصّ أو السبع و هذه الرواية تدلّ ايضا على أنّ الخوف على تلف المال من مسوّغات التيمّم لأنّه ذكر فيها اللصّ و الظاهر من لفظ اللصّ هو التعرّض للمال و ان احتمل كون لفظ اللصّ ايضا لخوف تلف النفس حيث انّ كثيرا من اللصوص كانوا يقتلون الناس بعد أخذ أموالهم أو يقتلونهم ثمّ يأخذون أموالهم الّا أنّ المتبادر من هذا اللفظ- حيث أطلق- هو خوف تلف الأموال و ان أبيت فلا أقل من أن يكون الخوف على كليهما اى النفس و المال.

فما استشكله صاحب الحدائق- بالنسبة إلى خوف تلف المال بأنّه غير مستفاد من الأخبار فإنّ المستفاد منها هو الخوف على النفس- بعد اعترافه بأنّ خوف تلف المال من مسوّغات التيمّم و أنّه إجماعيّ- في غير محلّه لأنّه مستفاد من هذه الرواية الأخيرة كما عرفت فانّ المتبادر منها اى من لفظ اللصّ فيها هو أخذ الأموال و إن كان يتعدى و يقتل النفوس.

و لا فرق في الخوف على النفس بين أن يكون الخوف على تلف النفس أو يكون على تلف العضو أو يخاف المرض أو اشتداده أو بطء برئه و الدليل على جميع ذلك هو نفى الحرج أو الضرر بل يمكن أن يقال: انّه لا حاجة لجريان لا حرج و لا ضرر في هذه الموارد لشمول قوله تعالى وَ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ «3» لكثير من هذه الموارد و لا فرق بين العلم بتلف النفس أو العضو أو تحقّق المرض أو الشكّ في ذلك مع الخوف

من عروض هذه الأشياء عند استعمال الماء فانّ هذه الآية قد فسّرت بمعرض الهلكة أي لا تلقوا أنفسكم فيما يكون معرضا للهلكة و معرض الهلكة هو كلّ ما فيه خوف الهلكة مضافا الى دلالة كثير من الأخبار على أنّ

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2

(3) سورة البقرة الآية 195

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 238

ملاك وجوب التيمّم هو الخوف على النفس لا العلم بالضرر.

منها رواية داود الرقي المتقدمة حيث قال ع: فإنّي أخاف عليك التخلّف من أصحابك فتضلّ فيأكلك السبع.

و منها صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة و به جروح أو قروح أو يخاف على نفسه من البرد فقال: لا يغتسل و يتيمّم «1» و هاتان الروايتان قد ذكر الخوف فيهما صريحا و بعض الأخبار و ان لم يذكر فيها الخوف الّا أنّه يستفاد منها أنّ ملاك جواز التيمّم هو خوف الضرر.

منها رواية إبراهيم الجعفري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ذكر أنّ رجلا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل فاغتسل فكز فمات فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: قتلوه قتلهم اللّه انّما كان دواء العي السؤال «2».

و منها رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قيل له انّ فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسّلوه فمات فقال: قتلوه ألا سألوا ألا يمموه انّ شفاء العي السؤال «3».

و منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب قال: لا بأس بأن لا يغتسل و يتيمّم «4».

و منها مرسلة ابن ابى

عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يؤمّم المجدور و الكسير إذا أصابتهما الجنابة «5» و وجه دلالة هذه الأخبار على كون مواردهما من موارد الخوف أنّ هذه الموارد كان الغالب فيها هو الخوف من الضرر لا القطع به و لا يمكن أن يقال: انّ هذه الموارد ممّا يقطع بعدم الضرر فيها لأنّ حصول القطع لأحد مع هذه الأمراض خلاف المتعارف و مع القطع بالضرر كيف يمكن أن يغسّل المسلم أخاه المسلم و هل هو الاقدام على قتله فلا بدّ من أن يكون مواردها من موارد خوف الضرر.

هذا و لكن تعارض هذه الأخبار روايات كثيرة دالّة على وجوب الغسل و ان خاف الضرر بل بعضها يدل على وجوب الغسل و ان علم بالضرر.

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب التيمّم الحديث 7- 6- 1

(2) الوسائل الباب 5 من أبواب التيمّم الحديث 7- 6- 1

(3) الوسائل الباب 5 من أبواب التيمّم الحديث 7- 6- 1

(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمّم الحديث 11- 2

(5) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمّم الحديث 11- 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 239

فمنها رواية علىّ بن أحمد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن مجدور أصابته جنابة قال: إن كان أجنب فليغتسل و إن كان احتلم فليتيمم «1» و منها مرفوعة إبراهيم بن هاشم قال: ان أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان منه و إن كان احتلم فليتيمم و في الفقيه- على ما حكى عنه- حكاية الرواية عن أبي عبد اللّه عليه السلام «2» و منها صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه سئل عن رجل كان في أرض

باردة فتخوف ان هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع قال: يغتسل و ان أصابه ما أصابه قال: و ذكر أنّه كان وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة و هو في مكان بارد و ليلة شديدة الريح باردة فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني فقالوا: انّا نخاف عليك فقلت: ليس بدّ فحملوني و وضعوني على خشبات ثمّ صبّوا على الماء فغسّلوني «3».

قوله: و ذكر أي أبو عبد اللّه عليه السلام و لكن يرد على ظاهر هذه الرواية أنّ جنابته عليه السلام إن كانت بالاحتلام فلا يمكن القول به في حقّ الامام عليه السلام حيث أنّه من نزعات الشيطان و هو بري ء منها و ان كانت عمدا فكيف أجنب نفسه مع كونه عالما بأنّه شديد الوجع و أنّ استعمال الماء له مضر به اللّهم الّا أن يقال: انّ جنابته ع كانت عمدية و لكنّه كان عالما بعدم كون استعمال الماء له مضرّا هذا ما أفاده الأستاذ دام علاه و لكن يرد عليه أنّه مناف لقوله ع: ليس بدّ في جواب قولهم: انّا نخاف عليك حيث يستفاد منه تقريره ع لكلامهم و كأنّه قال: نعم هذا من موارد الخوف و لكن ليس لي بدّ من الغسل و ان لم يكن الغسل مضرا كان ينبغي له أن يجيبهم بأنّ الغسل ليس بمضر لي و ان كنت شديد الوجع و الهواء بارد و اللّه العالم.

و منها صحيحة محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة و لا يجد الماء و عسى أن يكون الماء جامدا فقال: يغتسل على ما كان حدثه رجل أنّه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد

فقال: اغتسل على ما كان فإنّه لا بدّ من الغسل و ذكر أبو عبد اللّه عليه السلام أنّه اضطرّ اليه و هو مريض فأتوه به مسخّنا فاغتسل به

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمّم الحديث 22

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمّم الحديث 22- 18

(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمّم الحديث 22- 18

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 240

و قال: لا بدّ من الغسل «1».

و يظهر من صاحب الوسائل أنّه حمل وجوب الغسل في هذه الأخبار على ما إذا تعمّد الجنابة دون ما إذا كانت جنابته بالاحتلام و يظهر هذا التفصيل من روايتي علىّ بن أحمد و إبراهيم بن هاشم المتقدّمتين.

و قد وجّهت هذه الأخبار فيما إذا تحقّقت الجنابة منه تعمّدا بأنّ إلزامه بالغسل من باب العقوبة له لأنّه مع علمه بكون استعمال الماء له مضرّا أقدم بإجناب نفسه و هذا نظير الحدود أو القصاص منه لأنّه هو الذي يوجد سببهما و مع أنّ الإلقاء في التهلكة حرام يجب عليه التمكين لإجراء الحدود أو القصاص عليه لأنّ هذا المورد هو الذي أوجد سببه فليس من الإلقاء في التهلكة.

و لكن يرد على هذا التوجيه أنّه يلزم منه حرمة إجناب نفسه تعمدا مع العلم بكون استعمال الماء له مضرّا مع أنّ الإجماع على خلافه للإجماع على جواز إجناب المعذور من استعمال الماء تعمّدا و تدلّ عليه بعد الإجماع روايات.

منها رواية السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن أبى ذر (رض) أنّه أتى النّبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه هلكت جامعت على غير ماء قال: فأمر النّبي صلّى اللّه عليه و آله بمحمل فاستترت به

و دعا بماء فاغتسلت أنا و هي ثم قال لي: يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين «2» يشير ص الى أنّه إن جامعت على غير ماء فان اللّه تعالى قد جعل لك طريقا آخر و هو التيمّم فلا تزعم أنّك هلكت.

و منها رواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل يكون معه أهله في السفر و لا يجد الماء أ يأتي أهله، فقال: ما أحب أن يفعل ذلك الّا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه قال: قلت طلب بذلك اللذّة أو يكون شبقا الى النساء قال: انّ الشبق يخاف على نفسه قلت: يطلب بذلك اللذّة قال: هو حلال قلت: فإنّه يروى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ أبا ذر سأله عن هذا فقال: ائت أهلك تؤجر فقال: يا رسول اللّه آتيهم فاوجر فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كما أنّك إذا أتيت الحرام أزرت فكذلك إذا أتيت

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمّم الحديث 19

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمّم الحديث 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 241

الحلال أجرت فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: الا ترى أنّه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال أجر «1».

و منها رواية الدعائم عن علىّ عليه السلام أنّه قال: لا بأس أن يجامع الرجل امرأته في السفر و ليس معه ماء و يتيمّم و يصلّى و سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: ائت أهلك و تيمّم و صلّ توجر «2» و من موارد الخوف على النفس خوف العطش سواء خاف بواسطة العطش التلف أو المشقة الشديدة بل الخوف على العيال و الأولاد أيضا

كذلك و كذلك الخوف على من يتعلّق به و إن كان ذميا على اشكال فيه حيث انّه و ان كان يحرم دمه و ماله و عرضه الّا أنّه لا يجب حفظه من التلف و لكن ذكره بعضهم و كذا تلف الدابّة التي هي مركوبه بحيث إذا تلفت يقع في المشقّة بل و ان لم تكن مركوبة له و لكن يحصل بتلفها إتلاف المال و التبذير.

و أمّا إذا لم تكن كذلك بأن لم تكن مركوبة له و لكن يمكن ذبحها و الاستفادة من لحمها فالظاهر أنّه لا يجب بل لا يجوز صرف الماء في رفع عطشها بل يجب الوضوء ح و كذا يجب صرف الماء في رفع عطش المسلم و ان لم يكن مرتبطا به إذا خاف عليه التلف تقديما للأهم الذي هو حفظ المسلم من التّلف- على المهمّ الذي هو الطهارة المائية.

و كيف كان فالذي يدلّ على أنّ خوف العطش من موارد التيمم أمران أحدهما أدلّة نفى العسر و الحرج و ثانيهما الروايات الواردة في خصوص المقام.

فمنها صحيحة الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام الجنب يكون معه الماء القليل فان هو اغتسل به خاف العطش أ يغتسل به أو يتيمّم فقال: بل يتيمّم و كذلك إذا أراد الوضوء «3» و منها صحيحة ابن سنان عنه عليه السلام أنّه قال في رجل أصابته جنابة في السفر و ليس معه الّا ماء قليل و يخاف ان هو اغتسل أن يعطش قال: ان خاف عطشا فلا يهريق منه قطرة و ليتيمّم فانّ الصّعيد أحبّ الىّ «4».

هذا كلّه فيما إذا خاف و أما إذا علم بتحقّق العطش فيما بعد فهو كذلك و ان لم يكن

______________________________

(1) جامع

الأحاديث الباب 8 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2

(2) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمّم الحديث 11- 9

(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب التيمّم الحديث 11- 9

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 242

موردا للروايات لكن يستفاد منها بالأولوية القطعيّة بل يمكن أن يقال: أنّ هذا المورد من موارد الروايات ايضا.

تنبيهات

الأوّل: لا يعتبر في الخوف ظنّ تحقق العطش بل الاحتمال المتساوي الطرفين كاف في تحقق الخوف بل يمكن تحقق الخوف مع مرجوحية احتمال وقوع ما يخاف منه فانّ عدم الأمن من وقوعه يتحقق به الخوف كما لا يخفى فما عن بعض من اعتبار الظنّ في تحقق الخوف ضعيف.

الثاني- هل ان وجوب التيمّم في موارد الخوف رخصة أو عزيمة و بعبارة أخرى هل الوجوب تعييني أو تخييريّ بمعنى أنّه إذا توضّأ في مورد الحرج و تحمل المشقّة هل يصحّ وضوئه أو لا بدّ له من التيمّم و لا يصح منه الوضوء و كذلك في موارد الضرر أو خوفه- فيه وجهان بل قولان.

أمّا الوجه الأول فبأن يقال: انّ لسان أخبار نفى الحرج و الضرر و كذا لسان الآيات لسان الامتنان على الأمّة فلا ينتفي بالآيات و الروايات أزيد من الإلزام الذي تجي ء منه المشقّة و العسر أو الضرر فبرفع الإلزام ينتفي الحرج و الضرر فلا دلالة لها على نفى الجواز.

لا يقال: انّها و ان لم تدلّ على نفى الجواز الا أنّه برفع الإلزام ينتفي الأمر فليس الوضوء ح مأمورا به لأنّ المأمور به بالنسبة الى هذا الشخص الذي يكون الوضوء له حرجيا أو ضرريا هو التيمّم فمع عدم الأمر بالوضوء يكون وضوئه باطلا لأنّ العبادة لا

بدّ لها من الأمر العبادي لأنا نقول: يكفي في كون الوضوء عبادة هو المطلوبية و المحبوبيّة الذاتيّة في نفس الوضوء و لا يحتاج الى الأمر كما هو محقّق في محلّه فح نقول: انّ الوضوء و ان لم يكن في مورد الحرج مأمورا به لارتفاع أمره بأدلة نفى الحرج الّا أنّه مطلوب و محبوب له تعالى: بحسب ذاته و عنوانه الأوّليّ فيكفي كونه محركا و داعيا نحو العمل.

و أمّا الوجه القول الثاني فبأن يقال: انّ أدلّة نفى الحرج جعلت هذا الشخص الذي يكون استعمال الماء له حرجيا من أفراد فلم تجدوا ماء فتيمّموا فكانت بمنزلة تخصيص الأدلّة الأوّليّة أعني قوله تعالى إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا إلخ.

فبعد خروج هذا الفرد من الأدلة الأوّلية و دخوله تحت قوله فلم تجدوا لا يمكن

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 243

تصوير صحّة الوضوء بالنسبة إليه لأنّه صار بأدلة نفى الحرج من موضوعات الطهارة الترابية فإذا أتى بالطهارة المائية لم يمتثل ما أمر به و أتى بما هو أجنبي عن المأمور به فيكون باطلا و حيث انّا لم ينكشف لدينا أنّ أدلّة نفى الحرج و الضرر من قبيل الأوّل أعني هي لرفع الإلزام أو من قبيل الثاني- أعني تخصيص الأدلة الأوّلية فالأحوط لو لم يكن أقوى هو الإتيان بالتيمّم و على فرض الإتيان بالطهارة المائية فالأحوط الجمع بين الطهارة المائية و بين التيمّم.

الأمر الثالث- هل يصحّ الوضوء أو الغسل في الموارد التي يستلزم استعمال الماء ارتكاب الحرام أولا- و هذا تتصوّر فيه وجوه الأوّل أنّ استعماله مستلزم لارتكاب مقدّمة محرمة كما إذا كان استعمال الماء مستلزما للتصرف في إناء مغصوب و هذا ممّا لا إشكال في بطلان الوضوء فيه مع الانحصار-

اى انحصار الماء في الآنية المغصوبة و إن كان الوضوء بالاغتراف لأنّه مكلّف ح بالتيمّم و الوضوء منهي عنه للنهى عن التصرف في المغصوب و المفروض أنّ الوضوء يستلزم التصرف فيه.

و أمّا مع عدم الانحصار فيمكن أن يقال بصحّة الوضوء لأنّه مأمور ح بالوضوء و لكن لا من هذه الآنية بل من المكان المباح فلو عصى و توضأ بالاغتراف من الآنية المغصوبة فقد ارتكب محرّما بالتصرف فيها لكن أتى بالمأمور به الا أنه يمكن أن يقال بعدم تحقق قصد التقرب منه فإنّه إذا شرع في الوضوء بالغرفة الأولى بانيا على إتمامه من الآنية المغصوبة يعلم بأنّ باقي وضوئه مستلزم لمبغوضية المولى لأنّه مستلزم للتصرف في المغصوب فمع هذا العلم كيف يتمشّى منه قصد القربة فإنّ المبغوض لا يكون مقرّبا نعم يمكن فرض صحته على القول بالترتّب بأن يقال انّ مفسدة الغصب أهم من مصلحة الوضوء و لكن بعد ما علم بتحقّق هذا الغصب منه لا محالة يتوجّه الأمر بالمهم إليه لأنّ الأمر بالمهم يتوجّه اليه عند عصيان الأمر بالأهم و العصيان و ان لم يتحقّق منه الا بعد الوضوء الّا أنّ العلم بالعصيان يجعله كالعاصي بالنّسبة إلى الأمر بالأهمّ.

الفرض الثاني ما إذا كانت نفس الطهارة المائية منهيا عنها بأن كان استعمال الماء له مضرّا أو كان الماء مغصوبا و هذا باطل قطعا بناء على امتناع اجتماع الأمر و النهى في موضوع واحد كما هو الحقّ.

و أمّا بناء على جواز الاجتماع بلحاظ تعدّد العنوان بأن يكون هذا الشي ء الخارجي

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 244

محكوما بحكمين باعتبار عنوانين فباعتبار كونه وضوء متعلّق للأمر و باعتبار كونه غصبا متعلّق للنهى فهو ايضا كذلك لأنّ تعدّد العنوان لا

يجعل الشي ء الواحد شيئين و المفروض أنّ هذا الشي ء الواحد حيث انّه من مصاديق الغصب- يكون مبغوض المولى فكيف يصير الشي ء المبغوض محبوبا له حتى يمكن أن يكون مقربا اى لا يتمشى منه قصد القربة لأن مورد الأمر و النهى على هذا التقريب و ان كان متعددا لكن المقرب هو الموجود الخارجي و ما في الخارج لا يمكن أنّ يكون مقربا و مبعدا حيث انّ القرب و البعد ضدان و كذا لا تكون له محبوبيّة و مطلوبيّة ذاتيّة على فرض عدم وجود الأمر لأنّه مبغوض للمولى و المحبوبيّة و المبغوضيّة متضادّتان لا تجتمعان في موضوع واحد و لا يمكن تقديم جانب الأمر لأنّ المأمور به هنا- و هو الوضوء- له البدل فيجوز تركه الى البدل و مفسدة الغصب و كذا مفسدة الإضرار بالنفس أهم من مصلحة الوضوء فيقدّم جانب النهى.

الفرض الثالث- ما إذا زاحم الوضوء واجبا أهم كما إذا زاحم الوضوء إنقاذ الغريق أو الحريق الذي له نفس محترمة و الظاهر في هذا الفرض هو صحّة الوضوء إذا ترك الأهم و أتى بالوضوء لعدم دلالة الأمر بالشي ء على النهى عن ضدّه الخاصّ كما حقّق في محلّه ثم ان قلنا:

أنّه لا يعتبر وجود الأمر في عباديّة العبادة بل تكفي المحبوبيّة الذاتيّة فيها قلنا هنا بأنّ الأمر و ان سقط بواسطة التزاحم لأمر الأهم الّا أنّ الوضوء محبوب ذاتي له تعالى و انما لم يأمر به لأجل المزاحمة لأمر الأهمّ لامتناع الأمر بالضدّين لأنّه لا يمكن للمكلف الجمع بينهما في مقام الامتثال فلو لا أمر الأهمّ كان يأمر بالمهم قطعا فكأنّ الوضوء حين المزاحمة له أمر تقديريّ فيعلم بكونه مطلوبا له تعالى فيأتي به بعنوان المطلوبيّة.

و أمّا

إذا قلنا: انّه لا بدّ في العبادة من وجود الأمر كما عليه شيخنا البهائي قده- على ما حكى عنه- يمكن أن يقال بتحقق الأمر هنا بناء على ثبوت الترتب بأن يقال: انّ الأمر بالوضوء حيث كان مزاحما لأمر إلا همّ لم يكن فعليّا و لم يوجب انبعاث العبد و بعد ترك الأهم بواسطة العصيان صار أمر المهم فعليّا لارتفاع المزاحمة بواسطة العصيان لأنّ أمر الأهم لا يوجب بعث العبد لبنائه على عصيان أمر الأهم فيصير أمر المولى له لغوا فكأنّ أمر الأهم سقط بسبب عصيان العبد فيصير أمر المهمّ بالنسبة الى هذا العاصي لأمر الأهم فعليا لارتفاع التزاحم

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 245

بالعصيان.

البحث الثاني

اشارة

من مباحث التيمّم فيما يتيمّم به و هو الأرض و ما بحكمها كالحجر و المدر على المشهور خلافا لأبي حنيفة حيث جوزه بالثلج و مالك حيث جوّزه بالنبات قال اللّه تعالى فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً إلخ و الصعيد على ما فسّره كثير من أهل اللغة بل أكثرهم- هو مطلق وجه الأرض نعم فسّره بعض أهل اللغة بالتراب و يحتمل أن يكون تفسيره ببعض مصاديق الأرض لا أنّ معناه التراب فقط.

و كيف كان فقد اختلفت كلمات الأصحاب فيما يصحّ التيمّم به فقال بعضهم:

لا يصحّ بغير التراب و هو المنقول عن الإسكافي و السيد في الناصريات و المفيد في المقنعة و أبى الصلاح- على ما حكى عنهم- و قال المشهور يصحّ التيمّم بكلّ ما تطلق عليه الأرض سواء كان ترابا أو حجرا أو مدرا أو رملا و ربّما فصّل بعضهم بين حالتي الاختيار و الاضطرار فمنع عن غير التراب في الحال الاختيار و و جوّزه في الضرورة و لا بدّ أوّلا

من نقل الأخبار الواردة في هذا الباب حتى يتضح المراد.

منها ما أرسله في الفقيه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا الخبر «1» و منها رواية أمالي ابن الشيخ بسند لا يخلو عن اعتبار- عن ابى جعفر عليه السلام قال: انّ أبا ذر و سلمان خرجا في طلب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (الى أن قال ص) لهما و أعطاني في أمّتي خمس خصال لم يعطها نبيا كان قبلي نصرني بالرعب يسمع بي القوم بيني و بينهم مسيرة شهر فيؤمنون بي و أحلّ لي المغنم و جعل لي الأرض مسجدا و طهورا أينما كنت منها أتيمّم من تربتها و أصلّي عليها إلخ «2».

و منها رواية الخصال و العلل عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: أنا أشبه النّاس بآدم الى أن قال: و منّ علىّ ربّى و قال: يا محمد قد أرسلت كلّ رسول إلى أمته بلسانها و أرسلتك الى كلّ أحمر و أسود الى أن قال: و أعطيت لك و لأمتك كنزا من كنوز عرشي فاتحة الكتاب و خاتمة سورة البقرة و جعلت لك و لأمّتك الأرض كلّها مسجدا و ترابها طهورا

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 246

الحديث «1».

و منها رواية عوالي اللئالي المرويّة في المستدرك عن فخر المحقّقين عنه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا أينما أدركتني الصلاة تيمّمت و صلّيت «2» و هذه الروايات قد ذكر

التراب فيها طهورا لا مطلق الأرض و لكن تعارضها روايات كثيرة دالّة على أنّ الطهور مطلق وجه الأرض.

منها رواية فقه الرضا عليه السلام قال قال اللّه تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً: الصعيد المكان المرتفع عن الأرض و الطيّب الذي ينحدر عنه الماء «3» و هذا التفسير الذي نقل عنه عليه السلام موافق لتفسير بعض أهل اللغة الصعيد بالمكان المرتفع و المكان المرتفع مطلق شامل للتراب و غيره بل الظاهر منه هو غير التراب لأنّ الغالب على المكان المرتفع هو الحجر.

و منها رواية رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب و لا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه فانّ ذلك توسيع من اللّه عزّ و جل قال: فإذا كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو شي ء مغبّر و إن كان في حال لا يجد الّا الطين فلا بأس أن يتيمّم به منه «4» و من المعلوم أنّ أجف المواضع حين نزول المطر عوالي الأرض الغالب عليها الصخور و الحجر.

و منها رواية السكوني عن الصادق عن على عليهما السلام أنّه سئل عن التيمّم بالجصّ فقال: نعم فقيل: بالنورة فقال: نعم فقيل: بالرماد فقال: لا انّه ليس يخرج من الأرض إنما يخرج من الشجر «5» و في رواية الجعفريات نحوه و زاد فيها: أنّه قيل له: فهل بالصفا الثابتة و النابتة على وجه الأرض قال: نعم «6».

فإنّه يستفاد من هذه الرواية أمران أحدهما جواز التيمّم على الجصّ و النورة لأجل كونها من الأرض فيعلم منه أنّ ما يصحّ أن يتيمّم به لا بدّ أن يكون ممّا تصدق عليه الأرض.

و ثانيهما جواز التيمّم على الصفاة التي هي بمعنى

الحجر أو الحجر الأملس لأنّها من جنس الأرض مضافا الى أنّ تلك الروايات- أعنى المشتملة على لفظ التراب- كثير منها ليس فيها لفظ ترابها بل يكون التعبير: جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمّم الحديث 4- 9- 11

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمّم الحديث 4- 9- 11

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمّم الحديث 4- 9- 11

(4) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمّم الحديث 13- 26- 27

(5) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمّم الحديث 13- 26- 27

(6) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمّم الحديث 13- 26- 27

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 247

أو جعلت لي ظهر الأرض مساجد و طهورا فراجعها فح الأقوى جواز التيمّم على مطلق وجه الأرض سواء أ كان ترابا أم حجرا أم مدرا بل جصا أو نورة قبل الإحراق و أمّا بعده فلا يجوز للشك في صدق اسم الأرض عليهما بعد الإحراق.

هذا كلّه في صورة التمكن من التيمّم على وجه الأرض بأن كانت الأرض جافّة و أمّا إذا كانت نديّة أو كان وجه الأرض مستورا بالثلج فح ينتقل وظيفته في الفرض الأوّل إلى التيمّم بالطين و في الفرض الثاني- إذا لم يتمكن من التيمّم بالطين- ينتقل وظيفته الى التيمّم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابّته و الدليل على ذلك روايات.

منها رواية رفاعة المتقدمة آنفا و منها رواية علىّ بن مطر عن بعض أصحابنا قال:

سألت الرضا عليه السلام عن الرجل لا يصيب الماء و لا التراب أ يتيمّم بالطين فقال: نعم صعيد طيّب و ماء طهور «1» و منها رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له:

رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء و فيها طين ما يصنع قال: يتيمّم فإنّه الصعيد قلت: فإنّه راكب و لا يمكنه النزول من خوف و ليس هو على وضوء قال: ان خاف على نفسه من سبع أو غيره و خاف فوت الوقت فليتيمّم يضرب بيده (بيديه) على اللبد و البرذعة و يتيمّم و يصلّى «2» الى غير ذلك من الأخبار ثم انّه لا يجوز التيمّم على المعادن كالذهب و الفضة و الفيروزج و القير و نحوها و كذا الجصّ و النورة بعد الإحراق كما مرّ و كذا على الخزف و الآجر و لا على الزجاج و لا على مطلق النبات لخروج ذلك كلّه عن صدق اسم الأرض عليها و يجوز على الأرض السبخة على كراهية ما لم يعلو الملح على وجه الأرض.

فرع

لا يجوز التيمّم قبل دخول الوقت إجماعا كما ادّعاه غير واحد من الأصحاب و مستندهم في ذلك غير معلوم الّا أن يقال في وجه المنع انّ وجوب التيمّم وجوب مقدّميّ يترشح من وجوب ذي المقدّمة كالصّلاة و المفروض عدم وجوبها قبل دخول الوقت فكيف تجب مقدّمتها و مع فرض انتفاء الوجوب لا أمر بإتيان المقدمة قبل الوقت و مع فقدان الأمر لا يصحّ الإتيان به لكونه عبادة و العبادة محتاجة الى الأمر.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمّم الحديث 23- 25

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمّم الحديث 23- 25

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 248

و لكن يرد هذا الاشكال بعينه في الوضوء و الغسل قبل الوقت مع تجويز هم الإتيان بهما قبل الوقت بقصد غاية من الغايات من غير نقل للخلاف ظاهرا.

و يمكن أن يجاب عن هذا الإشكال في الطهارات الثلاث

بأحد وجوه ثلاثة الأوّل أن يقال: انّ الواجب المشروط- مع العلم بتحقق شرطه- كالواجب المطلق في وجوب الإتيان بمقدّماته فكما إذا علم بمجي ء زيد غدا الذي يكون إكرامه واجبا يجب تحصيل مقدّمات إكرامه من الآن إذا علم بعدم إمكان إكرامه في موقع مجيئه إذا لم تتحقق مقدّمات إكرامه من الآن- فكذا يجب تحصيل مقدّمات الصلاة إذا علم بعدم إمكان إتيانها صحيحا إذا لم يأت بمقدّماتها قبل الوقت بأن يصير فاقد الطهورين بعد الوقت فلا بدّ من إتيان التيمّم مثلا ح قبل الوقت و لعلّ منع الفقهاء للتيمّم قبل الوقت ناظر الى غير هذا الفرض إذ يبعد جدّا إرادتهم لهذا الفرض ايضا و تجويزهم لأن يصير فاقد الطهورين.

بل يمكن أن يقال بجواز التيمّم قبل الوقت مع التمكن من التيمّم في الوقت ايضا بالبيان المتقدّم.

بأن يقال: حيث يعلم بأنّ هذا المشروط يتحقّق شرطه فيما بعد- فيصير كالواجب المعلّق بأن يكون الوجوب فعليّا و الواجب استقباليّا فبعد فعلية الوجوب تكون مقدّماته أيضا واجبة هذا كلّه بناء على وجوب الملازمة الشرعيّة بين وجوب المقدمة و وجوب ذيها فح يصير التيمّم قبل الوقت مأمورا به بالأمر الشرعيّ.

الوجه الثاني بعينه هو التقريب المذكور في الوجه الأوّل لكن بناء على وجوب الملازمة العقلية بين وجوب المقدّمة و وجوب ذيها كما هو الحقّ المحقق في محلّه فتصير المقدمة واجبة بالوجوب العقلي بمعنى اللابدّية العقلية بعد العلم بوجوب ذي المقدّمة و لكن يبقى اشكال عدم وجود الأمر الشرعيّ مع أنّ التيمّم من العبادات فلا بدّ فيه من الأمر.

و لكن يمكن أن يجاب بأنّه إذا استفدنا من الأخبار أنّ التيمّم بدل من الطهارة المائية من جميع الجهات فكما أنّ الوضوء و الغسل لهما محبوبية و

مطلوبية ذاتيّة مع قطع النظر عن غايتهما فكذلك التيمّم و المحبوبيّة الذاتيّة كافية في صيرورة الشي ء عبادة كما قرّر في محلّه.

مع إمكان أن يقال- بناء على الفرض الذي ذكرناه من أنّ هذا النحو من الواجب المعلق- لم يبق إشكال أصلا إذ وجوب ذي المقدّمة يكون ح فعليّا و إن كان الواجب استقباليّا

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 249

فلا مانع من ترشّح الوجوب الى مقدمته.

الوجه الثالث أن يكون وجوب المقدّمة وجوبا مشروطا بشرط متأخر أي تكون واجبة فعلا الّا أنّ من شرائطه دخول الوقت و هذا لا يصير بذلك من قبيل الواجبات المشروطة بل من قبيل الواجبات المطلقة نظير صوم المستحاضة بناء على اشتراط الأغسال النهاريّة و الليلية في صحّة صومها الآتي فح يمكن القول بصحّة التيمّم و كذا الوضوء و الغسل قبل الوقت- بأحد الوجوه المذكورة و لكنّ الأحوط عدم قصد الصلاة بها بل يقصد غاية أخرى كالكون على الطهارة على المختار هذا كله في التيمّم قبل الوقت و أمّا التيمّم بعد دخول الوقت فان كان في ضيق الوقت فهو متيقّن الجواز من موارد جواز التيمّم المستفادة من الآية و الأخبار بل هو من ضروريات الدين.

و أمّا إذا كان في سعة الوقت فقد اختلفت كلمات الفقهاء في جوازه فعن الصدوق و كثير من المتأخرين جوازه مطلقا و عن السيد في الانتصار و النّاصريّات القول بالمنع مطلقا و قيل بالمنع مع رجاء زوال العذر و الجواز مع عدم الرجاء و استدلّ للمنع بالأخبار الكثيرة المستفيضة.

منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: إذا لم تجد ماء و أردت التيمّم فأخر التيمّم الى آخر الوقت فان فاتك الماء لم تفتك الأرض

«1».

و منها حسنة زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ في آخر الوقت فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه و ليتوضّأ لما يستقبل «2».

و منها موثقة ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في حديث: فإذا تيمّم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت فان فاته الماء فلن تفوته الأرض «3».

و منها موثقته الأخرى المرويّة عن قرب الاسناد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أجنب فلم يصب الماء أ يتيمّم و يصلّى قال: لا حتّى آخر الوقت انّه ان فاته الماء لم تفته الأرض «4».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمّم الحديث 6- 1

(2) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمّم الحديث 6- 1

(3) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب الجماعة و الباب 3 من أبواب التيمّم الحديث 8

(4) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب الجماعة و الباب 3 من أبواب التيمّم الحديث 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 250

و منها رواية محمد بن حمران عن الصادق عليه السلام قال: قلت له: رجل تيمّم ثم دخل في الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال:

يمضى في الصلاة و اعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت «1» الى غير ذلك من الأخبار.

و لكن هذه الرواية الأخيرة غير دالة على وجوب التأخير للتعبير فيها بلفظ لا ينبغي المشعر بالاستحباب و خصوصا مع حكمه ع بصحّة صلاته بعد الطلب مع أنّها كانت في سعة الوقت بقرينة قوله ثم يؤتى بالماء إلخ الظاهر منه

أنّه كان يمكنه إبطال صلوته و الإتيان بالطهارة المائية و مع ذلك قال ع: يمضي في صلوته.

و تعارض هذه الروايات الروايات الدالة على عدم وجوب إعادة الصلاة التي جاء بها مع التيمّم إذا أصاب الماء بعد الفراغ من الصلاة.

منها رواية علىّ بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: أتيمّم و أصلّي ثمّ أجد الماء و قد بقي علىّ وقت فقال: لا تعد الصلاة فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد «2».

و منها موثقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل تيمّم و صلّى ثمّ بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت قال: ليس عليه إعادة الصلاة «3».

و منها صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: فإن أصاب الماء و قد صلّى بتيمّم و هو في وقت قال: تمّت صلاته و لا اعادة عليه «4» و منها رواية السكوني عنه عن أبيه عن علىّ عليهم السلام أنّه قال: يطلب الماء إن كانت

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب التيمّم الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمّم الحديث 7- 2- 1

(3) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمّم الحديث 7- 2- 1

(4) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمّم الحديث 7- 2- 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 251

الحزونة فغلوة سهم و إن كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك «1» فانّ الظاهر من هذه الرواية أنّه بعد الطلب يجوز له أن يصلّى و لا يجب عليه انتظار ضيق الوقت.

و منها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل تيمّم و صلّى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت فقال: ليس عليه إعادة

الصلاة «2».

و منها رواية العيص قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يأتي الماء و هو جنب و قد صلّى قال: يغتسل و لا يعيد الصلاة «3» و المراد من هذه الرواية أنّه كان جنبا و لم يكن معه ماء فتيمّم و صلّى ثمّ أتى الماء و أراد الاغتسال من الجنابة فهل يجب عليه بعد الاغتسال و هو في الوقت إعادة الصلاة قال ص لا يعيد الصلاة.

و منها رواية محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد و صلّى ثم وجد الماء فقال: لا يعيد انّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين «4».

الى غير ذلك من الأخبار و حمل هذه الروايات الكثيرة على صورة العلم بعدم زوال المانع و عدم الظفر بالماء الى آخر الوقت بعيد جدّا مع أنّ ترك الاستفصال بين صورة العلم و صورة الشك دليل على العموم مضافا الى أنّه يستفاد من جميع هذه الروايات أنّ التيمم في سعة الوقت كان متداولا بين أصحاب الأئمّة عليهم السلام و لم يرد عنهم الامام ع عن ذلك فيكشف كشفا قطعيّا أنّه لم يكن به بأس فلا بدّ من حمل تلك الأخبار- اى أخبار المضايقة- على أفضلية التأخير حتّى يمكنه احتمالا ادراك الصلاة مع الطهارة المائيّة حيث انّ هذه الأخبار- اى أخبار المضايقة- ظاهرة في وجوب التأخير و أخبار الواسعة نصّ في جواز البدار فهي أظهر من أخبار المضايقة فتقدّم على أخبار المضايقة ثمّ ان الظاهر انه لا خلاف عند الأصحاب بين ان يكون عدم التمكن من الطهارة المائية لأجل فقدان الماء أو لأجل سائر الأعذار.

و لعلّ الوجه في عدم الفرق مع أنّ

الآية المباركة- أي فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا- ظاهرها كون موضوع التيمّم هو عدم وجدان الماء- أنّ الملاك هو عدم التمكن من استعمال الماء أو يقال

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب التيمّم الحديث 3

(2) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمّم الحديث 2- 4- 5

(3) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمّم الحديث 2- 4- 5

(4) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب التيمّم الحديث 2- 4- 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 252

بأنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي فالمريض الذي يضرّه استعمال الماء كالذي لم يكن عنده الماء شرعا فيكون من أقسام فاقد الماء شرعا ثم انّ المشهور جواز المبادرة إلى قضاء الفوائت بالتيمّم و هذا بناء على القول بجواز التيمّم و الصلاة في سعة الوقت لا اشكال فيه.

و أمّا بناء على عدم الجواز فهو مشكل مع أنّ الظاهر هو الحكم بالجواز حتّى من القائلين بالمضايقة نعم استشكل فيه بعضهم و يمكن الحكم بجواز المبادرة ان قلنا: بأنّ وقت قضاء الفوائت مضيّق و أنّه تجب المبادرة إليها و حيث انّا قوينا في ذلك المقام عدم وجوب المبادرة إلى قضاء الفوائت و علمت هنا بأنّ المختار جواز التيمّم في سعة الوقت لا يلزمنا من القول بجواز إتيان الفوائت بالتيمم شي ء من الاشكال.

نعم في جواز القضاء عن الغير بالتيمم إشكال لأنّ الآتي للقضاء عن الغير غير منحصر في المتيمم لإمكان استيجار المتوضّئ للقضاء اللهم الّا أن ينحصر القاضي عن الميّت في المتيمّم أو لا يتمكن الولي من استئجار المتوضّئ لفقره.

(البحث الثالث):

اشارة

من مباحث التيمّم بيان واجباته و كيفيته و الواجب في التيمّم أمور

الأمر الأوّل النية
اشارة

أي قصد التيمّم بضرب الكفّ على الأرض و لا يكفى مطلق ضرب الكف على الأرض من غير قصد للتيمّم لقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فانّ معنى التيمم بحسب المعنى اللغوي القصد و يجب في النية الخلوص و التقرّب اليه تعالى فلا يكفي إتيانه بدون قصد التقرّب للإجماع على أنّه من العبادات و لقوله تعالى فَادْعُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ «1» و ان فرض الخدشة في الإجماع و دلالة الآية- يمكن أن يقال بعدم العلم بتحقق الامتثال بدون نيّة القربة لأنّ الأصل في المأمور به عند العقل أن يكون مما يعتبر في تحقّقه قصد إطاعة أمر المولى مثلا إذا قال المولى لعبده: جئني بماء فجاء بالماء لنفسه أو لمتابعة الهوى لا لامتثال أمر مولاه فأخذه المولى منه و شربه لا يعدّ هذا العبد عند العقلاء مطيعا لأمر مولاه لأنّه لم يأت بالماء لأجل امتثال أمر مولاه فالأصل في الواجبات هو التعبديّة إلّا ما أخرجه الدليل كغسل الثوب حيث علم من الدليل أنّ مطلوب المولى إزالة النجاسة فإذا زالت بأي نحو اتّفق و لو بإثارة الريح و إلقائه في الماء يحصل مطلوب المولى و يسقط الأمر بالإزالة.

______________________________

(1) سورة غافر الآية 14

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 253

بخلاف ما إذا لم يدلّ الدليل على التوصّلية فإنّه بنفس إتيان نفس الفعل من دون قصد امتثال أمر المولى لم يعلم تحقّق غرضه بذلك.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، در يك جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1407 ه ق

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)؛ ص: 253

فالاشتغال اليقيني بالتكليف يقتضي خروج المكلّف على سبيل الجزم عن عهدة

التكليف اليقيني و بهذا يجاب عن كل واجب تعبّدي و لا يرد عليه إشكال أنّه كيف يمكن أخذ قصد الأمر في متعلق الأمر مع انه يأتي من قبل الأمر و هو مستلزم للدور لأنا نقول بلزوم أخذه لحكم العقل:

على ذلك لا لوجود الأمر المتعلّق بالمأمور به.

ثم ان التيمّم هل هو مبيح للصلاة و للغايات المشروطة بالطهارة أو هو رافع للحدث- وجهان بل قولان وجه القول الأوّل أن يقال: انّ التيمم يبطل بمجرد اصابة الماء أو بمجرد زوال المانع إجماعا و من المعلوم أنّ اصابة الماء لا تكون من الأحداث الموجبة للطهارة فيستفاد من هذا الحكم الاجماعى أنّ التيمم لم يكن رافعا للحدث و الّا لم يكن وجه في بطلانه بمجرد زوال العذر من غير موجب فإنّ الطهارة المائية إذا تحقّقت لا يرتفع أثرها إلا بالحدث و المفروض انّ التيمم بدل من هذه الطهارة فليكن مثل الطهارة المائيّة.

و الحاصل أنّه لو قلنا: انّ الحدث الأكبر أو الأصغر موجب لحصول القذارة الظاهرية لبدن المكلّف نظير الوسخ- كما يمكن تأييد ذلك بقوله عليه السلام: تحت كلّ شعرة جنابة فإذا فرض زوال تلك القذارة بالتيمم فكيف يتصوّر عودها بإصابة الماء.

و لكن يمكن الجواب عن هذا الإشكال بأنه يحتمل أن يكون التيمم مما تحصل به الطهارة المعنوية و ترتفع به القذارة المعنوية الحاصلة للنفس بسبب موجبها الا أنّه ليس لهذه الطهارة استقرار بل لها أمد و مدّة تزول بانتهاء المدّة و مدّتها هو حال الاضطرار أو عدم وجدان الماء أو عدم التمكن من الوصول اليه فإذا انقضى حال الاضطرار انقضت مدّتها.

و بعبارة أخرى هو طهارة اضطراريّة فإذا ارتفع الاضطرار و جاء حال الاختيار فقد تبدل موضوع التيمم بموضوع الطهارة المائيّة

نظير المسافر و الحاضر حيث انّ موضوع القصر هو المسافر و موضوع الإتمام هو الحاضر فتغيير حكم الصلاة بالنسبة الى هذا الشخص انما هو لأجل خروجه من موضوع حكم و دخوله في موضوع حكم آخر.

و من هذا الجواب يظهر لك وجه القول الآخر من أنّ التيمم رافع للحدث و تحصل به الطهارة و يدلّ عليه ظواهر الأخبار مثل قوله عليه السلام: التراب أحد الطهورين و ظاهر قوله

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 254

تعالى بعد ذكر التيمّم مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ الى غير ذلك من الأدلّة فإنّه يظهر من جميعها أنّ التراب بمنزلة الماء عند الضرورة لا أنّه مبيح للدخول في الصلاة أو لسائر الغايات مع كون الجنب باقيا على جنابته و المحدث بالحدث الأصغر أو الأكبر باقيا على حدثه و لكن يستباح له الدخول في الصلاة و ارتكاب الغايات المشروطة بالطهارة كالدخول في المساجد و مس كتابة القرآن فالأقوى إذا ما عليه المشهور من أنّه رافع للحدث الا أن رفعه ما داميّ و موقّت فما دامت الضرورة باقية فالحدث مرفوع بهذا التيمم فإذا زالت الضرورة يعود الحدث على حاله و تصير الطهارة المائية واجبة عليه بالبيان المتقدم.

و قد يقال: انّ التيمم له عنوان واحد سواء وقع بدلا عن الوضوء أو بدلا عن الغسل لا أنّه معنون بعنوان إذا وقع بدلا عن الوضوء و بعنوان آخر إذا وقع بدلا عن الغسل فهو نظير صلاة المسافر و صلاة الحاضر فكما أنّ صلاة المسافر تتحد عنوانا مع صلاة الحاضر الّا أنّ الحاضر يجب عليه ضمّ ركعتين أخريين الى الأولتين فلذا إذا قصد المسافر سهوا أربع ركعات ثم تذكر بعد الإتيان بالركعتين

صحّت صلاته و كذا العكس فيستفاد من هذا الحكم أنّ صلاة المسافر و صلاة الحاضر عنوانها واحد و هو مطلق الصلاة و لكن يجب على الحاضر شي ء زائد على ذلك العنوان- فكذلك التيمم يكون متّحد العنوان سواء ا كان بدلا عن الوضوء أم بدلا عن الغسل فهو نظير الوضوء إذا وقع رافعا للحدث سواء أ كان سبب الحدث البول أم النوم فح إذا قصد بتيممه رافعيته للحدث الأصغر متقرّبا الى اللّه تعالى فبان بعد التيمم أنّه كان محدثا بالحدث الأكبر كان كافيا لأنّه كان الواجب عليه التيمم بنيّة التقرّب اليه تعالى و بدليّته عن الوضوء أو الغسل لا تجعله فردين للتيمّم.

كما أنّ الوضوء في المثال المتقدم إذا كان رافعا للحدث البولى هو بعينه الوضوء الذي يقع رافعا للحدث النومى أتى بالوضوء قاصدا لرفع الحدث فبان أنّ الحدث كان هو الحدث النومى لم يضرّ بوضوئه فهكذا الحال في التيمم لان التيمم الذي هو بدل عن الغسل هو بعينه التيمم الذي هو بدل عن الوضوء فقد نوى البدليّة عن الوضوء اشتباها فقد أتى بما هو وظيفته غاية الأمر أنّه توهم أنّه بدل عن الوضوء و لكن كان في الواقع بدلا عن الغسل و هذا نظير ما إذا اقتدى بإمام حاضر و توهّم أنّه زيد فبان أنّه عمر و لكن لم يكن قصد ايتمامه مقيّدا بزيد فإنّه تصحّ صلاته و ليس التيمم من قبيل الأغسال المختلفة الواجبة على الإنسان فإنّها حقائق مختلفة فإذا

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 255

كان عليه غسل الجنابة و غسل مسّ الميت و لم يقصد هما بل قصد اشتباها غير هما لا يكفى عن فرضه فإنّه كان عليه غسل الجنابة و أتى بغيره فلا

يكفى و لكن ما نحن فيه- اى التيمم- ليس من هذا القبيل كما أوضحناه و لكنّ الالتزام باتحاد التيممين مشكل بل لا يبعد ان يقال بأنهما متباينان يميزهما النيّة و اللّه العالم.

(فرع)

هل يكفى تيمم واحد لغايات متعدّدة مثلا إذا كان على المكلف غسل الجنابة و الحيض و غسل مسّ الميّت و لا يقدر على الماء- فهل يكفى تيمم واحد للجميع أولا بدّ لكلّ واحد منها تيمم على حده- لم أر من تعرض لهذا الفرع و يمكن أن يقال: كما أنّ الشارع جوّز التداخل في الأغسال- مع أنّ الأصل في الأسباب المتعدّدة عدم التداخل بنظر العقلاء حيث انّ تعدّد الأسباب يقتضي تعدّد المسببات عندهم- و المفروض أنّ الشارع قد جعل التيمم بمنزلة الغسل و مقتضى عموم المنزلة و عدم استثنائه للتداخل هو عموم المنزلة فكذا يمكن القول بالتداخل في التيمم أيضا.

الأمر الثاني من واجبات التيمم

ضرب اليدين معا على الأرض و هل هو واجب من واجبات التيمم أو هو مقدّمة له و ليس من أجزائه كاغتراف الماء بالنّسبة إلى الوضوء- لا يبعد استظهار القول الثاني من الآية و الأخبار فإنّ قوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ- يظهر منه كون الواجب فيه هو مسح الوجه و اليدين و أمّا قوله تعالى قبل ذلك فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً- بمعنى اقصدوا صعيدا طيّبا لأنّ التيمم بمعنى القصد كما تقدّم- فلا ينافي ما ذكرناه لأنّ هذا مثل أن يقال: إذا أردت الوضوء فاغترف الماء بيدك و صبّه على وجهك و من المعلوم أنّ الأمر بالاغتراف أمر مقدّمي لا نفسي و كذا هنا فإنّ الأمر بالقصد الى الصعيد الطيّب أمر مقدّمي لا نفسي.

و أمّا الأخبار فإنّها و ان اشتمل أكثرها أو جميعها على ضرب اليدين أو ضرب اليد الا أنّه يمكن حملها على كون الضرب مقدّمة و لنذكر بعض الأخبار حتّى ننظر أنّه هل يمكن حملها على ذلك فمنها ما هو مشتمل على وضع اليد دون

ضربها كأكثر الأخبار المشتملة على قصّة تيمّم عمّار رضى الله عنه.

كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم لعمّار في سفر له يا عمّار بلغنا أنّك أجنبت فكيف صنعت قال: تمرّغت يا رسول اللّه في

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 256

التراب قال: فقال له: كذلك يتمرّغ الحمار أفلا صنعت كذا ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصّعيد ثمّ مسح جبينيه (جبينه خ ل) بأصابعه و كفّيه إحداهما بالأخرى إلخ «1».

و صحيحة داود بن نعمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التيمم فقال: انّ عمّارا أصابته جنابة فتمعّك كما تتمعّك الدابّة فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو يهزأ به:

يا عمّار تمعّكت كما تتمعّك الدابّة فقلنا له: فكيف التيمم فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما الحديث «2».

و صحيحة أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن التيمم فقال: انّ عمّار بن ياسر أصابته جنابة الى أن قال عمّار: فقلت له: كيف التيمم فوضع يده على المسح (المسبخ خ ل) ثم رفعها فمسح وجهه الخبر «3» الى غير ذلك من الأخبار المشتملة على الوضع.

و منها ما اشتملت على لفظ الضرب فمنها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى عمار بن ياسر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه أجنبت الليلة و لم يكن معى ماء قال: كيف صنعت قال: طرحت ثيابي و قمت على الصعيد فتمعّكت فيه فقال: هكذا يصنع الحمار انما قال اللّه عزّ و جلّ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فضرب بيديه على الأرض ثمّ ضرب إحداهما على الأخرى ثم

مسح بجبينيه إلخ «4».

و منها رواية المستدرك عن العيّاشي في قصّة عمّار الى أن قال ص: ان رب الماء هو رب الصعيد انّما يجزيك أن تضرب بكفّيك ثم تنفضهما ثم تمسح بوجهك و يدك كما أمرك اللّه «5».

و منها رواية الكاهلي قال: سألته عن التيمم قال: فضرب بيده على البساط فمسح بها وجهه «6» و منها رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في التيمم قال: تضرب بكفّيك الأرض ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك «7» الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة و هي أكثر من أخبار الوضع و الحاصل أنّ أخبار التيمم كلّها أمّا مشتملة على وضع اليدين و امّا مشتملة على الضرب على الأرض.

و لكن يمكن أن يقال: انّ وضع اليدين أو ضربهما على الأرض له دخل امّا شطرا

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 3- 4- 5- 6- 11

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 3- 4- 5- 6- 11

(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 3- 4- 5- 6- 11

(5) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 3- 4- 5- 6- 11

(6) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 3- 4- 5- 6- 11

(7) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 12

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 257

أو شرطا و مقدّمة في التيمم فلذا ذكروه عليهم السلام في هذه الأخبار و لا يستفاد من هذه الروايات أكثر من دخله في التيمم أمّا أنّه بنحو الجزئية فلا يستفاد منها بل يستفاد من رواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له: رجل

دخل الأجمة ليس فيها ماء و فيها طين ما يصنع قال: يتيمم فإنّه الصعيد قلت: فإنّه راكب و لا يمكنه النزول من خوف و ليس هو على وضوء قال: ان خاف على نفسه من سبع أو غيره و خاف فوت الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد و البرذعة و يتيمم و يصلّى «1»- أنّ التيمم غير الضرب على الأرض حيث قال: يضرب بيديه على اللبد و البرذعة ثم قال: و يتيمم فيظهر منه أنّ التيمم غير الضرب على اللبد و البرذعة.

و لكن يستفاد من بعض الأخبار عكس ذلك فإنّ رواية إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه السلام قال: التيمم ضربة للوجه و ضربة للكفّين «2»- ظاهرة في أنّ التيمم نفس الضربة أو الضربتين.

و يمكن أن يقال: انّ مفاد هذه الرواية كمفاد سائر الأخبار من ظهور كون الضربة مقدّمة للتيمم إذ من المعلوم أنّ التيمم ليس هو الضربة فقط فحمل الضربة على التيمم فيه نوع من التجوّز باعتبار دخلها في التيمم في الجملة.

ثم بناء على دخالة الضرب أو الوضع على الأرض شرطا أو شطرا- و الظاهر هو الأول- أي دخالته شرطا- هل يكفى كلّ واحد من وضع اليد أو ضربها على الأرض أو لا بدّ من الضرب عليها و لا يكفى مطلق وضع اليد- يحتمل القول الأوّل لدلالة الأخبار المتقدّمة المشتملة على كلّ من الوضع و الضرب فالتعبير بالضرب في سائر الأخبار لعلّه باعتبار أنّه من مصاديق وضع اليد لأنّ الضرب على الأرض هو وضع اليد عليها بشدّة و دفع فلذا قد عبّروا عليهم السلام عن وضع اليد بالوضع تازه و اخرى بالضرب و كلاهما واحد و يؤيّده أنّه قد يعبّر عن شي ء بضرب اليد

عليه خصوصا بالفارسية مثلا يقال بالفارسيّة: (دست به اين چيز نزن) مع أنّه ليس المراد الضرب عليه بل المراد النهى عن مسّه و لمسه باليد كما هو واضح الا أنه يمكن أن يقال: انّ الضرب على الأرض و ان كان بمعنى وضع اليد عليها الّا أنّ الضرب هو الوضع مع الزيادة و هي القوة و الشدّة و لم يعلم بكفاية غير الضرب فإنّ أخبار الوضع و إن كانت كثيرة الّا أنّ أخبار الضرب أكثر

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب التيمّم الحديث 25

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 21

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 258

فيحتمل وقوع اشتباه في أخبار الوضع خصوصا في رواية زرارة المشتملة على قصة عمار رض حيث ان في رواية من روايتيه التعبير بالوضع و في روايته الأخرى التعبير بالضرب مع اتحاد الراوي و المروي عنه و القصة.

فيحتمل وقوع الاشتباه في رواية الوضع إذ من المستبعد تعدّد النقل من زرارة مضافا الى أنّ الأخذ بروايات الضرب أخذ بالقدر المتيقن لاشتماله على الوضع ايضا بخلاف الأخذ بروايات الوضع و حيثما دار الأمر بين التعيين و التخيير فالتعيين أولى مع أنّ هذا- اى وضع اليد و ما بعده من مسح الجبهة و اليدين- أسباب لحصول الطهارة الترابية و اللازم في الأسباب الشرعيّة هو الاحتياط عند الشك إذ بدون الإتيان بالمشكوك يشك في إتيان المأمور به فلا بد من الاحتياط.

(الأمر الثالث:)

من واجبات التيمم المباشرة فلا يجوز إتيانه بالتسبيب اختيارا و الدليل على وجوب المباشرة- بعد دعوى الإجماع- أنّ المولى إذا أمر بشي ء فالظاهر من أمره أنّه يريد إتيانه مباشرة.

نعم إذا دل دليل من الخارج تحقّق هذا الفعل في الخارج بأيّ نحو اتفق

سواء فعله العبد بنفسه أو بالتّسبيب كغسل الموتى و كفنهم و دفنهم يجوز إتيانه بأيّ نحو كان من المباشرة أو التسبيب و أما إذا لم يدل دليل على ذلك فظاهر الأمر هو إتيان المأمور به مباشرة إلا في مقام الضرورة إذا دلّ دليل على عدم سقوطه و وجوب الإتيان به و لو باستعانة الغير كما فيما نحن فيه حيث دلّت الرواية على وجوب الإتيان بالتيمم باستعانة الغير إذا لم يمكن إتيانه مباشرة.

و الرواية هي رواية محمّد بن مسكين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قيل له: انّ فلانا أصابته جنابة و هو مجدور فغسّلوه فمات فقال: الا يمّموه انّ شفاء العيّ السؤال «1» و غير ذلك من الأخبار التي تقدّم بعضها.

ثم انّ الظاهر أنّه لا بدّ أن يكون التيمم في التيمم التسببى- بيد المتيمم أي الذي وجب عليه التيمم لا يد الميمم المستعان به- الّا أن يكون بيد المتيمم علّة تمنع من التيمم بها الرابع من واجباته الترتيب بين الوجه و الدين بل نفس اليدين.

أمّا وجوب الترتيب بين الوجه و اليدين و وجوب تقديم الوجه عليهما فهو إجماعيّ و تدلّ عليه الآية و الأخبار أمّا الآية فقوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ حيث قدم

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمّم الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 259

الوجوه على الأيدي.

و أمّا الأخبار فمنها الأخبار البيانيّة كقوله عليه السلام حكاية عن فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: ثم مسح جبينه بأصابعه و كفّيه إحداهما بالأخرى «1» و قوله عليه السلام حكاية عنه صلّى اللّه عليه و آله ايضا: فوضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح وجهه و يديه «2» الى غير ذلك

من الأخبار البيانية.

و منها الأخبار غير البيانيّة مثل رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في التيمم قال:

تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و يديك «3».

و منها رواية ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في التيمم قال: تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك «4».

و منها رواية إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه السلام قال: التيمم ضربة للوجه و ضربة للكفين «5» الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المقدّمة للوجه على اليدين و لا يرد على هذه الأخبار بأنّ العطف في جميعها و كذا الآية المباركة بالواو و هي لا تفيد الترتيب لأنّا نقول: انّها حيث كانت في مقام تعليم الأمّة الإسلامية فهي ظاهرة في الترتيب بعد ما قدّم الوجه على اليدين في الآية و الأخبار و لم يذكر غير هذا الوجه فيهما لكيفيّة التيمم.

و أمّا وجوب الترتيب بين اليدين بأن تقدّم اليمنى على اليسرى فانّ ظاهر أكثر أخبار التيمم و إن كان عدم وجوبه لأنّه لم يذكر فيها الترتيب بين اليدين بل إطلاق بعض الأخبار ينفيه الّا أنّ رواية زرارة المشتملة على قصّة عمّار عن أبي جعفر عليه السلام الى أن قال:

فضرب بيده على الأرض ثم ضرب إحداهما على الأخرى ثم مسح بجبينيه ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على الأخرى فمسح باليسرى على اليمنى و اليمنى على اليسرى «6»- ظاهرة في وجوب الترتيب حيث انّه ع قدّم مسح اليمنى باليسرى على مسح اليسرى.

و كذا روايته الأخرى عنه ايضا عليه السلام المشتملة على قصة عمار الى أن قال: ثم وضع يديه جميعا على الصعيد ثم مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه ثم

دلك احدى يديه

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2- 12- 19- 21

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2- 12- 19- 21

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2- 12- 19- 21

(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2- 12- 19- 21

(5) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 1- 2- 12- 19- 21

(6) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 260

بالأخرى على ظهر الكفّ بدأ باليمنى «1».

و الظاهر أنّ المراد من قوله: بدأ باليمنى- أنّه بدأ بالمسح على اليمنى كما يتبادر الى الذهن من هذا الكلام و لا يتبادر الى الذهن أنّه بدأ بالمسح باليمنى على اليسرى كما لا يخفى.

و كذا رواية الدعائم عن جعفر بن محمّد عليه السلام الى أن قال: ثم وضع أصابعه اليسرى على أصابع اليمنى من أصل الأصابع فوق الكفّ ثم ردّها الى مقدّمها ثمّ وضع أصابعها اليمنى على اليسرى فصنع كما صنع باليسرى على اليمنى مرّة واحدة الخبر «2» و الاستشكال في بعض هذه الروايات بالإرسال أو ضعف السند غير قادح بعد انجبار ضعفها بعمل الأصحاب.

الخامس من الواجبات الموالاة و الدليل على وجوبها الإجماع كما ادّعاه غير واحد و بناء العرف فإنّه إذا أمر المولى بشي ء مركّب من أجزاء فالظاهر أنّ بنائهم على التوالي أي إتيان الأجزاء متواليا لا أن يأتوا بجزء المركّب في أول النهار و جزء آخر في آخر النهار- كما يظهر من مراجعة بنائهم.

نعم إذا دلّ دليل على عدم اعتبار التوالي كما في الغسل يرفع اليد عن بنائهم و أمّا في صورة عدم الدليل على

ذلك فالمتبع هو بناؤهم.

في كيفية التيمم

يعتبر في التيمم ضرب اليدين معا على الأرض فلا يجوز ضربهما على نحو التراخي بين ضرب اليمنى و ضرب اليسرى و هو المتبادر من الأدلّة فإنّه إذا قيل لأحد: اضرب كفيك على الأرض لا يتبادر الى ذهنه أن اضرب أوّلا اليد اليمنى ثم اضرب اليسرى بل يتبادر الى ذهنه أن اضربهما معا.

و يعتبر ايضا أن يكون الضرب بباطن الكفّين دون ظاهر هما و إن كان إطلاق الكفّ شاملا للظاهر أيضا لأنّ ظاهر الكفّ يصدق عليه الكفّ و لكن لمّا كان المتبادر من الكفّ هو باطن الكفّ لأنّه المتعارف- فإنّه إذا قيل لأحد: اضرب كفيك على الأرض أو على الجدار لا يضرب ظهر كفّيه- كان باطن الكفّ هو القدر المتيقّن من الآية و الأخبار.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 7- 8

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 7- 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 261

نعم في حال الاضطرار و عدم إمكان ضرب باطن الكفّ يمكن التمسّك بإطلاق الآية و الأخبار و الاكتفاء بضرب ظاهر الكفّ هذا بالنّسبة إلى الماسح و لازم جواز الاكتفاء بظاهر الكفّ في حال الضرورة في الماسح جواز الاكتفاء بباطن الكف في حال الضرورة بالنسبة إلى الممسوح مع أنّى لم أر من تعرّض لهذا الفرض.

و إذا كان على باطن كفّيه مانع فهل يجب ضرب الباطن مع ما عليه من المانع أو ينتقل تكليفه الى ضرب ظاهر الكفّ وجهان و الأحوط تكرار التيمم بضرب باطن كفّيه أوّلا و ضرب ظاهرهما ثانيا و كذا يحتاط فيما إذا كان مقطوع اليدين بين مسح جبهته بالتراب و الاستعانة بالغير بأن ييممه و لكن يمكن أن يقال: أنّه يستفاد من

رواية المجدور الذي صار جنبا فغسّلوه فمات أنّه كان وظيفتهم أن ييمموه حيث قال عليه السلام: قتلوه ألا يمّموه «1» فليكن هنا ايضا كذلك لجامع الاشتراك بينهما بالعجز عن التيمم بنفسه و اللّه العالم.

و يعتبر أيضا في التيمم مسح الجبهتين من أعلى الوجه الى الطرف الأعلى من الأنف و قد اختلف عبارات الأخبار في مسح الوجه ففي أكثرها كرواية محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام «2»- هو مسح الوجه و في بعضها كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «3»- هو مسح الجبينين و في بعض النسخ مسح الجبهتين.

و يمكن أن يقال: انّه لا منافاة بين هذه الأخبار بأن يجمع بينها بأنّه يجب مسح الجبهة من قصاص الشعر الى طرف الأنف و كذا يجب مسح الحاجبين معا كما تدلّ عليه رواية العياشي عن زرارة عن أبي جعفر عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لعمار كيف صنعت يا عمّار قال:

نزعت ثيابي ثم تمعّكت على الصعيد فقال: هكذا يصنع الحمار انّما قال اللّه فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ثم وضع يديه جميعا على الصعيد ثم مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه الحديث «4».

فيستفاد منها وجوب مسح الحاجبين معا و كذا يجب مسح الجبينين بناء على أنّ المراد منهما طرفي الجبهتين لا نفسهما فانّ مسح الجبهتين معلوم الوجوب فتحصل من جميع أخبار التيمم

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب التيمّم الحديث 4

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 18- 2

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 18- 2

(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 7

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 262

أنّ الواجب في مسح الوجه

هو مسح الجبهتين من أعلى الوجه الى طرف الأنف الأعلى و مسح الحاجبين معا و مسح الجبينين اى طرفي الجبهتين و لا يجب مسح تمام الوجه فما في رواية الدعائم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: فإذا أراد المتيمم أن يتيمم ضرب بكفّيه الأرض ضربة واحدة ثم نفض احدى يديه بالأخرى ثم مسح بأطراف أصابعه وجهه من فوق الحاجب إلى أسفل الوجه مرّة واحدة أصاب ما أصاب و بقي ما بقي «1»- معرض عنها لم يعمل المشهور بها مضافا الى أنّها مرسلة هذا كلّه في مسح الوجه.

و أمّا مسح اليدين فيجب مسح ظهر اليمنى بباطن اليسرى ثم مسح اليسرى بباطن اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع و هذا مستفاد من رواية زرارة المتقدمة آنفا حيث قال في ذيلها: ثمّ دلك احدى يديه بالأخرى على ظهر الكفّ بدأ باليمنى «2».

فيستفاد منها أنّه يجب المسح على ظهر الكفّ و يستفاد منها ايضا وجوب الابتداء بمسح اليمنى فما في رواية ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: تضرب بكفّيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك «3» من ظهورها في وجوب مسح الذراعين- غير معمول بها عند الأصحاب.

و هل تكفي ضربة واحدة للوجه و اليدين معا أو لا بد من ضربتين و هل يكون فرق بين التيمم الذي هو بدل عن الوضوء و التيمم الذي هو بدل عن الغسل أولا- يمكن أن يقال: بلزوم التعدّد في الوضوء و الغسل كليهما لإطلاق رواية إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه السلام قال: التيمم ضربة للوجه و ضربة لليدين «4».

و رواية ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في التيمم قال: تضرب

بكفّيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما و تمسح بهما وجهك و ذراعيك «5» و غيرهما من الأخبار.

و لكنّ الظاهر كفاية الضربة الواحدة في بدل الوضوء و بدل الغسل معا لدلالة الروايات الكثيرة عليه بعضها بالإطلاق. مثل رواية صفوان عن الكاهلي قال: سألته عن التيمم قال: يضرب بيده على البساط فمسح بها وجهه ثم مسح كفيه إحداهما على ظهر الأخرى «6».

و كذا الروايات البيانية المشتملة على قصّة عمار رض و قد تقدّم بعضها و بعضها

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 8- 7- 19

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 8- 7- 19

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 8- 7- 19

(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 21- 19- 11

(5) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 21- 19- 11

(6) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 21- 19- 11

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 263

بالتصريح بكفاية الضربة الواحدة. كرواية زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن التيمم؟

قال: فضرب بيده (بيديه خ ل) الأرض ثم رفعها (رفعهما خ ل) فنفضها (فنفضهما خ ل) ثم مسح بها (بهما خ ل) جبينيه (جبينه خ ل) و كفيه مرّة واحدة «1» و رواية الدعائم قالوا عليهم السلام للمتيمم: تجزيه ضربة واحدة يضرب بيديه الأرض فيمسح بهما وجهه و يديه «2».

و أمّا روايات التعدّد فمن الممكن حملها على بيان الفرد الأفضل و الأكمل مع الاختلاف بينها فيظهر من بعضها توالى الضربتين كرواية ليث المرادي المتقدّمة و من بعضها أنّه يضرب أوّلا ضربة فيمسح بها وجهه ثم يضرب اخرى فيمسح بها يديه.

كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:

قلت له: كيف التيمم؟ قال: هو ضرب واحد للوضوء و الغسل من الجنابة تضرب بيديك مرّتين ثم تنفضهما نفضة للوجه و مرّة لليدين الحديث «3» و هذه الرواية مجهولة المراد و مضطربة المتن ففي صدرها هو ضرب واحد و فيما بعد الصدر تضرب بيديك مرّتين فلم يعلم ما معنى هو ضرب واحد و ما معنى تضرب بيديك مرّتين و هل يكون المراد تضرب بيديك مرّتين قبل مسح الجبهة ثم تمسح جبهتك و يديك أو المراد تضرب مرّة لجبهتك و مرّة ليديك؟

و كذا رواية إسماعيل بن همام المتقدّمة عن الرضا عليه السلام «4» تدلّ على وجوب ضربة واحدة للوجه و ضربة أخرى لليدين و في بعض روايات التعدّد أنّه يضرب أوّلا مرّة للوجه ثم يضرب شماله على الأرض فيمسح بها يمينه ثم يضرب يمينه فيمسح بها شماله كرواية محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التيمم فضرب بكفيّه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم مسح بشماله الأرض و مسح بها مر فقه إلى أطراف الأصابع الى أن قال: ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه الخبر «5».

فهذه الروايات- مع كثرة الاختلاف بينها- لا يمكن إثبات وجوب التعدّد بها فالأولى حملها على الاستحباب و يقال بأنّه يتحقّق الاستحباب بكلّ واحد من الكيفيات الثلاث المذكورة في هذه الروايات.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 13

(2) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 14- 15- 21

(3) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 14- 15- 21

(4) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 14- 15- 21

(5) جامع الأحاديث الباب 10 من أبواب التيمّم الحديث 18

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 264

المبحث الحادي عشر

اشارة

في

النجاسات و هي عشرة أو اثنتا عشرة على ما يأتي التفصيل فيها

الأولى البول الثانية الغائط

من كلّ حيوان محرّم الأكل الذي له نفس سائلة سواء أ كان بريا أم بحريا صغيرا أم كبيرا و الدليل على نجاستهما الروايات الكثيرة.

منها رواية ابن ابى يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البول يصيب الثوب قال: اغسله مرتين «1» و منها رواية محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله في المركن مرّتين قال: فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة «2».

و منها رواية سماعة قال: سألته عن بول السنور و الكلب و الحمار و الفرس فقال:

كأبوال الإنسان «3».

و هذه الروايات دالّة على نجاسة بول الإنسان و بول كلّ حيوان محرّم الأكل له نفس سائلة و أما عد بول الحمار و الفرس كبول الإنسان في هذه الرواية مع كونهما مأكولي اللحم فسيجي ء الكلام فيه إنشاء اللّه تعالى.

و أمّا الروايات الدالّة على نجاسة الغائط من الإنسان و من كلّ حيوان محرّم الأكل له نفس سائلة فهي كثيرة أيضا منها رواية العلل عن الفضل بن شاذان في حديث العلل: فان قال قائل: فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصّة و من النوم لا سائر الأشياء قيل: لأنّ الطرفين هما طريق

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 2- 22

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 2- 22

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 265

النجاسة و ليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة إلّا منهما الحديث «1».

و منها الروايات الدالّة على مطهريّة الأرض لباطن القدم إذا تلطّخ بالعذرة حيث تستفاد منها نجاسة العذرة

فتحصّل ممّا ذكرناه أنّ أبوال ما لا يؤكل لحمه و أرواثها نجسة إذا كانت لها نفس سائلة و أمّا أبوال و أرواث ما يؤكل لحمه فهي طاهرة و الدليل على طهارتها روايات كثيرة.

منها رواية قرب الاسناد عن جعفر بن محمّد عن آبائه عن النبيّ صلوات اللّه عليهم أجمعين قال: لا بأس ببول ما أكل لحمه «2».

و منها رواية عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كلّ ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه «3» و لكن في بعض الأخبار ما يدلّ بظاهره على نجاسة أبوال البغال و الحمير و الفرس كرواية زرارة عن أحدهما عليهما السلام في أبوال الدّواب تصيب الثوب فكرهه فقلت له: أ ليس لحومها حلالا قال: بلى و لكن ليس مما جعله اللّه للأكل «4».

و رواية عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصيبه أبوال البهائم أ بغسله أم لا قال: يغسل بول الفرس و البقر و الحمار و ينضح بول البعير و الشاة و كلّ شي ء يؤكل لحمه فلا بأس ببوله «5».

و روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن رجل يمسه أبوال البهائم يغسله أم لا قال: يغسل بول الحمار و الفرس و البغل فأمّا الشاة و كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله «6» الا أنه يعارض هذه الروايات بعض الأخبار الدالّ على طهارتها منها رواية المعلّى بن خنيس و عبد اللّه بن ابى يعفور قالا: كنا في جنازة و مرّ بنا حمار فبال فجائت الريح ببوله فصكت وجوهنا و ثيابنا فدخلنا على ابى عبد اللّه عليه السلام فأخبرناه فقال: ليس به عليكم بأس «7».

و منها رواية أبي

الأغرّ النخاس قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انّى أعالج الدّواب فربّما خرجت بالليل و قد بالت و راثت فيضرب أحدها برجله أو يده فتنضح على ثيابي

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 17

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 3- 1- 8- 13- 14

(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 3- 1- 8- 13- 14

(4) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 3- 1- 8- 13- 14

(5) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 3- 1- 8- 13- 14

(6) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 3- 1- 8- 13- 14

(7) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 7

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 266

فأصبح فأرى أثره فيه فقال: ليس عليك شي ء «1».

و منها رواية محمّد بن مسلم قال: كنت جالسا مع أبى جعفر عليه السلام و ناضح له في جانب الدار و قد أعلف الخبط قال: و هو هائج قال: و هو يبول و يضرب بذنبه إذ مرّ أبو جعفر عليه السلام و عليه ثوبان أبيضان قال: فنضح عليه فملأ ثيابه و جسده قال: فاسترجع فضحك أبو جعفر عليه السلام ثمّ قال: يا بنىّ ليس به بأس «2» الى غير ذلك من الأخبار فلا بدّ من حمل تلك الأخبار الظاهرة في النجاسة على الاستقذار العرفي مع أنّه ليس شي ء من تلك الأخبار دالّة صريحا على نجاستها بل لا يكون فيها إلّا الأمر بالغسل أو الكراهة فيحتمل ما ذكرناه من رفع الاستقذار العرفي و يمكن استفادة هذا المعنى من رواية زرارة المتقدّمة حيث انّه ع علّل كراهته ع لأبوالها بأنّها و إن

كانت مأكولة اللحم الّا أنّها لم تخلق للأكل.

هذا كلّه بالنسبة الى غير الطيور المحرّمة الأكل و أمّا الطيور المحرّمة فالمشهور نجاسة بولها و خرئها خصوصا الخشاف و يدلّ على نجاسة أبوالها و خرئها- مضافا الى العمومات الدالّة بعمومها على نجاسة بول غير مأكول اللحم و خرئه- رواية داود الرقّى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه و لا أجده قال: اغسل ثوبك «3».

و رواية عمّار المروية عن المختلف عن الصادق عليه السلام قال: خرء الخطّاف لا بأس به و هو ممّا يحلّ أكله و لكن كره أكله لأنّه استجار بك «4» فإنّها بمفهومها تدلّ على نجاسة الطير المحرّم الأكل.

و لكن تعارض العمومات و هاتين الروايتين روايات كثيرة أخرى دالّة بعمومها أو إطلاقها على طهارة أبوال الطيور المحرّمة و خرئها كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كلّ شي ء يطير فلا بأس ببوله و خرئه «5» و رواية الصدوق في المقنع- مرسلا- قال: روى أنّه لا بأس بخرء ما طار و بوله «6».

فإنّهما تدلّان بالعموم و الإطلاق على طهارة بول و خرء ما لا يؤكل لحمه.

و رواية غياث عن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: لا بأس بدم البراغيث و البقّ و بول

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 8- 10

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 8- 10

(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 25- 24

(4) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 25- 24

(5) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 20- 21

(6) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب النجاسات الحديث 20- 21

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص:

267

الخشاشيف «1».

و رواية الجعفريّات عنه عن أبيه عليه السلام انّ عليّا عليه السلام سئل عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخشاشيف و دماء البراغيث فقال: لا بأس بذلك «2» فان في هاتين الروايتين التصريح بعدم نجاسة بول الخشّاف فح لا يبعد القول بطهارة بول و خرء الطيور المحرّمة الأكل و إن كان الأحوط الاجتناب عنها.

الثالث

من النجاسات المنى من كلّ حيوان له نفس سائلة سواء أ كان محلّل الأكل أم محرّمة برّيا كان أم بحريّا و عمدة مستند هذا الحكم هو الإجماع- كما ادّعاه غير واحد- و الّا فالأخبار قاصرة عن افادة التعميم فلنذكر بعضها.

فمنها رواية ابن ابى يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن المنى يصيب الثوب قال: ان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي عليك مكانه فاغسله كلّه «3».

و منها موثقة سماعة قال: سألته عن المنى يصيب الثوب قال: اغسل الثوب كلّه إذا خفي عليك مكانه قليلا كان أو كثيرا «4».

و منها رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه قال: إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه شي ء فليغسل الذي أصابه فإن ظنّ أنّه أصابه شي ء و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء و ان استيقن أنّه قد أصابه و لم ير مكانه فليغسل ثوبه كلّه فإنّه أحسن «5».

و منها رواية زرارة أو صحيحته قال: سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أ يتجفّف فيه من غسله فقال: نعم لا بأس به الّا أن تكون النطفة فيه رطبة فإن كانت جافّة فلا بأس «6» و هذه الروايات و إن كانت دالّة على نجاسته المنى الّا أنّها لا تدل على نجاسة من كلّ حيوان له نفس سائلة فإنّ ظاهرها كغيرها

هو نجاسة منيّ الإنسان.

نعم يمكن استفادة العموم من صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

ذكر المنى و شدده و جعله أشدّ من البول ثم قال: ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا اعادة عليك

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 26- 27

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 26- 27

(3) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب النجاسات الحديث 1- 2- 5- 8

(4) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب النجاسات الحديث 1- 2- 5- 8

(5) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب النجاسات الحديث 1- 2- 5- 8

(6) جامع الأحاديث الباب 3 من أبواب النجاسات الحديث 1- 2- 5- 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 268

و كذلك البول «1».

و صحيحته الأخرى عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن المذي يصيب الثوب فقال: ينضحه بالماء ان شاء و قال في المني يصيب الثوب: فان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي عليك فاغسله كلّه «2».

و لكن هاتان الروايتان و إن كان المنى فيهما مطلقا الّا أنّ المتعارف من اصابة المنى لثوب الإنسان كون المنى منه لا من غيره من سائر الحيوان فالمنى فيهما منصرف إلى منيّ الإنسان الّا أن يقال: انّه لا ضير فيه بعد انعقاد الإجماع على نجاسة المني من كلّ حيوان له نفس سائلة.

الرابع من النجاسات الميتة

من كلّ حيوان له نفس سائلة سواء أ كان برّيّا أم بحريّا صغيرا أم كبيرا مأكول اللحم أم غيره و يدلّ على نجاستها- بعد الإجماع على ما ادّعاه غير واحد- أخبار متظافرة بل نجاستها

في الجملة من ضروريّات المسلمين فما عن صاحب المدارك من التشكيك في نجاستها بأنّه ليس في الأخبار ما يدلّ صريحا على النجاسة لأنّه ليس في الأخبار الّا الأمر بغسل اليد عند ملاقاتها أو الأمر بالاجتناب عن الوضوء أو الشرب ممّا لاقاها أو النهي عن الصلاة فيه و كلّ ذلك لا يدلّ على النجاسة لجواز أن يكون مصاحبة ما لاقى الميتة ممنوعة في الصلاة لغير جهة النجاسة كمصاحبة غير مأكول اللحم فيها فإنّها غير جائزة و إن كان غير مأكول اللحم طاهرا.

و لإمكان أن يكون الملاقي للميتة ممّا له ضرر بدني فلا تدلّ هذه الروايات صريحا على النجاسة مضافا الى أنّ الصدوق قدّه يجوز الانتفاع بجلود الميتة كما يظهر ذلك من نقله ره بعض الأخبار الدالّة على جواز الانتفاع بجلود الميتة كما ستجي ء تلك الأخبار إنشاء اللّه- مع ما شرط ره على نفسه في أوّل الكتاب من أنّ ما ينقله فيه هو ما يفتي به و يكون حجّة فيما بينه و بين ربّه فالإجماع على نجاسة الميتة- مع مخالفة الصدوق قده- غير محقق الوقوع و الأخبار غير صريحة في النجاسة فالمسئلة قويّة الاشكال».

و لكن لا يخفى عليك أنّ الأخبار كما سنذكر بعضها يظهر من جميعها أنّ الأمر بغسل اليد أو الأمر بإلقاء ما أصابها أو النهي عن الوضوء أو الشرب ممّا باشرها- يستفاد منها النجاسة بحسب المتفاهم العرفي مضافا الى أنّ بعض الأخبار تستفاد منها النجاسة صريحا كمرسلة

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب النجاسات الحديث 2- 1

(2) الوسائل الباب 16 من أبواب النجاسات الحديث 2- 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 269

السرائر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله المتفق على روايتها قال: خلق اللّه الماء

طهور الا ينجّسه شي ء إلّا ما غير طعمه أو لونه أو رائحته «1» (كذا في المسودة بخطّ الحقير نقلا عن الأستاذ دام علاه و لا أعلم وجه دلالة هذه الرواية على نجاسة الميتة).

و نقل الصدوق لتلك الروايات الدالّة على طهارة جلود الميتة لا يدلّ على كونه ره مخالفا في هذه المسألة لأنّ الصدوق قده لم يعمل على ما بناه في أوّل الكتاب لا يراده الأخبار المتعارضة فيه كما هو واضح على من راجع الكتاب فلم تتحقّق مخالفة صريحة للإجماع من الصدوق قده و لنورد أوّلا الأخبار الدالّة على النجاسة ثم نتبعها بالأخبار الدالّة على طهارة جلود الميتة فنقول و من اللّه الاستعانة:

و من الأخبار- موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميّتة قد أنتنت قال: ان كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضّأ و لا تشرب «2».

و منها رواية حريز عمّن أخبره عنه عليه السلام قال: كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ منه و اشرب و إذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا توضّأ منه و لا تشرب «3».

و منها رواية أبي خالد القماط أنّه سمع أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: في الماء يمر به الرجل- و هو نقيع- فيه الميتة و الجيفة فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: إن كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب و لا تتوضّأ منه و ان لم يتغيّر ريحه و طعمه فاشرب و توضّأ «4».

و منها رواية عمّار أو إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن الرجل الذي يجد في إنائه فأرة و قد توضّأ من ذلك الإناء مرارا و غسل

منه ثيابه و اغتسل منه و قد كانت الفأرة متسلّخة فقال: إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ثمّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه و يغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة و إن كان انّما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا يمسّ من الماء شيئا و ليس عليه شي ء لأنّه لا يعلم متى سقطت فيه ثمّ قال: لعلّه أن يكون انّما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها «5».

و منها رواية السكوني عنه عليه السلام قال: انّ أمير المؤمنين عليه السلام قد سئل عن

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9- 1- 3

(2) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9- 1- 3

(3) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 9- 1- 3

(4) جامع الأحاديث الباب 2 من أبواب المياه الحديث 4

(5) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب المياه الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 270

قدر طبخت فإذا في القدر فأرة قال: يهراق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل «1».

و منها رواية جابر عن ابى جعفر عليه السلام قال أتاه رجل فقال: له: وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله فقال: له أبو جعفر عليه السلام: لا تأكله فقال له الرجل:

الفأرة أهون علىّ من أن أترك طعامي من أجلها قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: انّك لم تستخفّ بالفأرة و انّما استخففت بدينك انّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شي ء «2» الى غير ذلك من الأخبار.

و هذه الأخبار و غيرها من الاخبار الكثيرة كالنصّ في النجاسة

و ان لم تشتمل على لفظ النجاسة و على فرض دلالة الأخبار الاتية على طهارة جلود الميتة أو المدّعى دلالتها- فلا تدلّ على طهارة نفس الميتة لعدم الملازمة بين طهارة جلودها و طهارتها.

و الأخبار الدالّة على طهارة جلودها كثيرة مستفيضة و لكن اشترط في بعضها الدباغ فلنذكر بعضها.

منها رواية الفقيه قال: سئل الصادق عليه السلام عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و الماء و السّمن ما ترى فيه فقال: لا بأس و أن تجعل فيها ما شئت من لبن أو سمن و تتوضّأ منه و تشرب منه و لكن لا تصلّ فيها «3».

و منها رواية الحسين بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في جلد شاة ميّتة يدبغ فيصبّ فيه اللبن أو الماء فأشرب منه و أتوضّأ قال: نعم و قال: يدبغ فينتفع به و لا يصلّى فيه الخبر «4».

و منها مكاتبة أبي القاسم الصيقل و ولده قال: كتبوا الى الرجل عليه السلام جعلنا اللّه فداك إنّا قوم نعمل السّيوف و ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرّون إليها و انّما علاجنا من جلود الميتة من البغال و الحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحلّ لنا عملها و شرائها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن محتاجون الى جوابك في هذه المسألة يا سيّدنا لضرورتنا إليها فكتب عليه السلام: اجعل ثوبا للصلاة و كتبت اليه. جعلت فداك و قوائم السّيف التي

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب الحياة الحديث 1

(2) لم أظفر بها في مظانها لكنها منقولة في مكاسب الشيخ الأنصاري

(3) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 11

(4) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب النجاسات

الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 271

تسمّى السفن اتخذها من جلود السمك فهل يجوز لي العمل بها و لسنا نأكل لحومها فكتب ع.

لا بأس «1».

حيث انّه عليه السلام لم يتعرّض لغير عدم جواز الصلاة فيها فيظهر من هذه الرواية طهارة جلود الميتة و عدم وجوب غسل اليد إذا لاقتها مع الرطوبة مع أنّه ايضا من المسائل التي سأل السائل عنها و كان عليه السلام بصدد الجواب و في مقام البيان و من البعيد جدّا حملها على ما إذا لاقتها مع غير الرطوبة خصوصا في المناطق الحارّة و خصوصا في الصيف مع أنّ عدم التفصيل بين ملاقاتها بالرطوبة و بين ملاقاتها بدون الرطوبة دليل على العموم.

و منها رواية علىّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرّجل يقع ثوبه على حمار ميّت هل تصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله قال: ليس عليه غسله و ليصلّ فيه و لا بأس «2» و لكن يمكن حمل هذه الرواية على ما إذا كانت الملاقاة بغير الرطوبة.

و أمّا الروايات المتقدّمة فلا يمكن العمل بمضمونها لكونها مخالفة لضرورة المذهب من نجاسة جميع أجزاء الميتة عدا ما استثنى منها من الشعر و الوبر و الصوف و العظم و نحو ذلك مضافا الى معارضتها للروايات الصحيحة المعمول بها عند الأصحاب الصريحة في نجاسة جلود الميتة.

منها صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألته عن الجلد الميّت أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟

فقال: لا و لو دبغ سبعين مرّة «3».

و منها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة في الفراء قال:

كان علىّ بن الحسين عليه السلام رجلا صردا فلا تدفئه فراء الحجاز لأنّ دباغها بالقرظ و كان

يبعث الى العراق فيؤتى ممّا قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقى القميص (الذي تحته) الذي يليه فكان يسئل عن ذلك فقال: انّ أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة و يزعمون أنّ دباغه ذكاؤه «4» و الظاهر أنّ نزعه ع للفرو قبل الصلاة انّما كان لأجل نجاستها كما يشهد لذلك نزعه للقميص الذي تحته.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 8

(2) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 9

(3) جامع الأحاديث الباب 31 من أبواب النجاسات الحديث 1

(4) جامع الأحاديث الباب 31 من أبواب النجاسات الحديث 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 272

و منها رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انّى أدخل سوق المسلمين- أعنى هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام- فأشترى منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها: أ ليس هي ذكيّة فيقول: بلى فهل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكيّة.

فقال: لا و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنّها ذكيّة قلت: و ما أفسد ذلك قال: استحلال أهل العراق للميتة و زعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته الّا أن تقول: قد قيل لي: انّها ذكيّة الخبر «1».

و الأخبار بهذا المضمون كثيرة فلا بدّ من حمل تلك الأخبار على التقيّة لموافقتها لمذهب العامّة هذا كلّه في الميتة غير الإنسان و أمّا الإنسان فعن المحدّث القاساني القول بعدم نجاسته و قيل بنجاسته لكن لا يكون منجسا و لو مع الرطوبة المسرية و قيل بنجاسته و لو مع عدم الرطوبة المسرية و ما أبعد ما بين هذا القول و بين القول الأول فإنّهما على طرفي النقيض و قيل بنجاسته و منجسيّته

مع الرطوبة المسرية دون ما إذا لاقى شيئا بلا رطوبة و هذا القول هو الأقوى.

أمّا وجه القول الأوّل فبأن تحمل الروايات الدالّة بظاهرها على النجاسة- كما سنذكرها- على النجاسة الباطنيّة كقذارة الجنب فانّ قذارته باطنيّة ترتفع بالغسل و يحتمل أن تكون نجاسة الكفار ايضا كذلك إذ من المستبعد ارتفاع النجاسة عنهم بالتفوّه بكلمة الشهادتين.

و أمّا القول الثاني فلا وجه له ظاهرا و لا يساعده ظاهر الأدلة بل ظاهرها بل صريحها على خلافه حيث انّهم عليهم السلام أمروا بغسل الشي ء الملاقي للميّت كما سيجي ء.

و أمّا وجه القول الثالث فلظاهر الروايات المطلقة الآمرة بغسل ما أصاب الميّت فلنذكر بعضها.

منها رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت فقال: يغسل ما أصاب الثوب «2».

و منها رواية إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يقع طرف ثوبه على جسد الميّت قال: إن كان غسّل الميّت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه و ان كان لم يغسل الميّت- فاغسل ما أصاب ثوبك منه «3».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 10

(2) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 1

(3) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 273

و منها رواية الاحتجاج عن مولانا صاحب العصر عجّل اللّه تعالى فرجه ممّا سأله محمّد بن عبد اللّه الحميري الى أن قال: روى لنا عن العالم عليه السلام أنّه سئل عن امام قوم صلّى بهم بعض صلاتهم و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه فقال ع: يؤخّر و يتقدّم بعضهم و يتمّ صلاتهم و يغتسل من خلفه التوقيع ليس على من نحّاه الّا

غسل اليد «1».

و منها توقيعه الآخر (و كأنّه من تتمة التوقيع الأوّل) قال: روى عن العالم عليه السلام أنّ من مسّ ميّتا بحرارته غسل يده و من مسّه و قد برد فعليه الغسل و هذا الإمام في هذه الحالة لا يكون الّا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو و لعلّه ينحيه بثيابه و لا يمسّه فكيف يجب عليه الغسل التوقيع إذا مسّه على هذه الحال لم يكن عليه الّا غسل يده «2».

و أمّا وجه القول الرابع الذي اخترناه فبأن يقال انّ هذه الروايات و إن كان لها إطلاق الّا أنّه لا بدّ من تقييدها بموثقة عبد اللّه بن بكير كلّ يابس زكى.

و يؤيّد ذلك ما في سائر النجاسات من عدم تنجّس ما لاقاها من دون رطوبة مسرية- كما هو إجماعيّ في سائر النجاسات- مضافا الى عدم صدق اصابة الميّت بملاقاته من دون الرطوبة فإنّ الظاهر من لفظ الإصابة تأثر الممسوح من الماسح فلذا لا تصدق الإصابة فيما إذا مسّه من وراء الثوب إلا بالمسامحة و التجوز.

ثم انّه يجب غسل اليد فقط من دون غسل مسّ الميّت إذا مسّه بحرارته اى من قبل أن يبرد فإذا برد وجب عليه غسل مسّ الميّت ايضا.

و تدلّ عليه- مضافا الى التوقيع المتقدم- رواية الصفّار قال: كتبت اليه: رجل أصاب يده (يديه) أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه فوقع عليه السلام: إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل فقد يجب عليك الغسل «3» بناء على قراءة الغسل بفتح العين ليطابق الجواب السؤال و لا بد من تقييده ح بالتوقيع المتقدّم من أن المسّ كان بعد برده ثم

انّه لا فرق في الميّتة بين أن تكون أجزائها متّصلة أو منفصلة في كونها نجسة لعدم الفرق بنظر العرف بين حال الاتّصال و الانفصال فكما أنّه إذا قيل: بأنّ الكلب نجس

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب مسّ الميت الحديث 18

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب غسل الميت الحديث 18

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب مسّ الميت الحديث 9

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 274

أو الخنزير نجس لا يتأمّل أحد في الأجزاء المبانة منها بأنّها نجسة و ان لم يصدق على تلك الأجزاء بأنّها كلب أو خنزير- فكذا فيما نحن فيه.

فما يقال بعدم صدق الميتة على الأجزاء المنفصلة و المفروض أنّ الحكم دائر مدار صدق الموضوع لا ينبغي الإصغاء إليه.

هذا بالنّسبة الى الأجزاء المبانة من الميتة و أمّا الأجزاء المبانة من الحيّ فإنّها- و ان لم تصدق عليها الميتة- الّا أنّ الأخبار الكثيرة قد نزّلتها منزلة الميتة.

فمنها رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ما أخذت الحبالة فانقطع منه شي ء فهو ميتة «1».

و منها رواية زرارة عن أحدهما (أبي جعفر خ ل) عليه السلام قال: ما أخذت الحبائل فقطعت منه شيئا فهو ميّت و ما أدركت من سائر جسده حيّا فذكه ثم كل منه «2».

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في أليات الضأن تقطع و هي أحياء: انّها ميتة «3».

و منها رواية الكاهلي قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن قطع أليات الغنم فقال: لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك ثم قال: انّ في كتاب علىّ عليه السلام انّ ما قطع منها ميّت لا

ينتفع به «4».

و منها رواية الحسن بن على قال: سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: جعلت فداك انّ أهل الجبل تثقل عند هم أليات الغنم فيقطعونها قال: هي حرام قلت: فنصطبح بها قال: أما تعلم أنّه يصيب اليد و الثوب و هو حرام «5» الى غير ذلك من الأخبار.

و الظاهر أنّ المراد أنّ الاليات المبانة من الحيّ ميتة حقيقة فهي توسيع للميتة يعنى أنّ الأفراد الخفيّة عند العرف قد جعلها الشارع ميتة لأنّها بمنزلة الميتة حتّى يقال: انّه لا يلزم منه ترتيب جميع آثار المنزّل عليه على المنزل و منها النجاسة فيمكن أن تكون الأجزاء المبانة من الحيّ بمنزلة الميتة في الحرمة فقط دون النجاسة و ذلك لما ذكرناه من أنّ الظاهر أنّه جعلها من أفراد الميتة

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الصيد الحديث 3- 4

(2) الوسائل الباب 24 من أبواب الصيد الحديث 3- 4

(3) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبائح الحديث 3

(4) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبائح الحديث 1- 2

(5) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبائح الحديث 1- 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 275

لا أنها بمنزلة الميتة كما لا يخفى على من تدبر في الأخبار حق التدبّر.

و يزيدك وضوحا رواية الحسن بن علىّ المتقدّمة آنفا لأنّ من المعلوم أنّ اصابة الميتة لليد و الثوب ليس بحرام ذاتا فلا بدّ من أن تكون من جهة النجاسة فهذه الرواية كالصريحة بأنّ إطلاق الميتة على الأجزاء ليس من باب التنزيل و على فرض التنزيل فالتنزيل باعتبار النجاسة.

ثم انّه استثنى من الميتة أمور الأوّل فأرة المسك فقد استثناها كثير من الفقهاء و قال بعضهم بنجاستها و لكن المشهور طهارة ما فيها من المسك بل ادعى الإجماع

على طهارة المسك في الجملة.

و لكن ذكر شيخنا الأنصاري قدّه أنّ الطاهر من المسك هو بعض أقسامه لا جميعها ثم نقل عن التحفة له أقساما أربعة الأول ما تقذفه الظبي بطريق الحيض أو البواسير فينجمد على الأحجار و هو المسك التركي الثاني ما يكون لونه أخضر و هو المسمّى بالهندي و هو المأخوذ من دم الظبي المخلوط بروثه و كبده الثالث دم مجتمع في سرّة الظبي بعد صيده يحصل من شق موضع الفأرة و تغميز أطراف السرّة حتى يجتمع الدم فيجمد و لونه أسود.

الرابع مسك الفارة و هو دم يجتمع في أطراف سرته ثمّ يعرض للموضع حكة يسقط بسبها الدم مع جلدة هي وعاء له أمّا القسم الأوّل و الثاني فلا إشكال في نجاستهما إلّا إذا حصلت الاستحالة المانعة من إطلاق اسم الدم عليهما و أمّا القسم الثالث فهو طاهر مع تذكية الظبي و نجس مع عدم تذكيته أمّا طهارته مع تذكيته فلأنّه معدود من الدم المتخلّف في الذبيحة و أما نجاسته مع عدم التذكية فهي مبتنية على عدم حصول الاستحالة و مع حصولها فهو ايضا طاهر.

و أمّا القسم الرابع فبأن يقال: انّ العمومات و ان اقتضت نجاسته لأنّه دم من ذي النفس الّا أنّ الإجماع دلّ على طهارته امّا بخروجه عن صدق إطلاق الدم عليه بواسطة الاستحالة أو بدعوى تخصيص العمومات بهذا الدم بواسطة الإجماع و الأخبار انتهى كلامه قده ملخصا مع تغيير ما.

أقول: لا وجه لهذا التفصيل بعد حصول الاستحالة فإنّه إذا قيل بطهارة المسك في القسم الرابع بواسطة الاستحالة و تبديل صورة الدم بصورة مائع طاهر فلا فرق بين أقسامها نعم في القسم الثاني منها لا تحصل الطهارة له لأنّه صار متنجّسا

بملاقاة الروث و الكبد للدم فلا تتحقّق الطهارة له بالاستحالة نعم إذا احترق و تبدلت صورته النوعيّة بحيث صار رمادا يطهر حينئذ.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 276

و أمّا إذا لم تتحقق الاستحالة و لكن قلنا بتخصيص العمومات الدالة على نجاسة الدم هنا اما بالإجماع أو بالأخبار بأن يقال: انّ المسك الموجود في الفارة و إن كان دما و بقي على حاله من الدمية الّا أنّ الإجماع أو الأخبار دال على طهارته فلا فرق ايضا بين الأقسام إلّا القسم الثاني.

الّا أن يقال: انّ الإجماع أو الأخبار منزل على ما هو المتعارف في ذلك الزمان و هو القسم الرابع.

و أمّا سائر الأقسام فهي أقسام نادرة لا يمكن حمل الأخبار عليها و لكن إثبات ذلك مشكل.

و الذي ينبغي أن يقال:- و هو الأوفق بالاحتياط- أنّه إذا علم بأنّ المسك هو الدم المنجمد فاللازم هو الاجتناب عنه لعدم العلم بتخصيص العمومات الدالّة على نجاسة الدم من ذي النفس و احتمال أن يكون المسك في زمانهم عليهم السلام هو غير هذا المسك و أنّه كان مستحيلا الى مائع طاهر.

الّا أن يدّعى العلم باتحاد المسك الموجود في زمانهم عليهم السلام مع زماننا و ادّعى العلم ايضا بخروج هذا القسم من الدم. من نجاسة مطلق الدم- بواسطة الإجماع و الأخبار و ان علم بعدم تحقّق الاستحالة و الحاصل عدم تحقّق العلم بتخصيص العمومات الدالّة على نجاسته مطلق الدم من ذي النفس فلا بد من حمل الأخبار الدالّة على طهارة المسك الموجود في فأرة الظبي على المتيقن و هو ما إذا حصلت الاستحالة للدم هذا كلّه بالنسبة إلى المسك الموجود في الفأرة.

و أمّا نفس الفأرة و هي الجلدة فعن العلّامة في التذكرة و

النهاية و كذا عن الشهيد في الذكرى القطع باستثنائها من القطعة المبانة من الحيّ لأنّك قد عرفت فيما تقدّم نجاسة القطعة المبانة من الحيّ.

و عن المنتهى و كشف الاشتباه اشتراط طهارتها بكونها مبانة عن الحيّ أو المذكّى و عن المنتهى التصريح بنجاسة المبانة عن الميتة.

و يمكن أن يكون الوجه في استثنائها من القطعة المبانة من الحيّ أنّها في حكم الشي ء المنفصل عن الحيّ خصوصا بناء على ما نشترط فيها من أنّ الحكم بطهارتها لا بدّ من أن يكون أوان انفصالها دون ما إذا لم تكن كذلك فإنّها ح اى حين ما إذا كانت أوان انفصالها تصير كالبيضة لا تعدّ من القطعة المبانة عن الحيّ فيشملها ح قوله عليه السلام: كلّ شي ء ينفصل

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 277

عن الشاة و الدّابّة فهو ذكّى و تصير كالإنفحة و اللبن للميتة الذين وقع في الأخبار التصريح باستثنائهما عن الميتة و لكن عن كشف اللثام القول بنجاسة الفأرة مطلقا اى سواء انفصلت عن الحيّ أو الميتة و اشترط في طهارتها انفصالها عن المذكّى و استغرب تفصيل العلامة قده بين ما إذا كانت مبانة عن الحيّ و ما كانت مبانة عن الميتة و قال: لا اعرف له وجها انتهى و لكن يمكن أن يكون وجه التفصيل هو قصور الأدلّة الدالّة على نجاسة القطعة المبانة عن الحيّ- عن الفأرة فإنّها بعد ما تعدّ وعاء المسك الموجود فيها تعدّ من فضول البدن كسائر الأشياء المنفصلة عن الحيّ كالروث و الريق و نحو ذلك فتنصرف عنها الأدلّة.

و أمّا المبانة عن الميتة فحيث انّ الفأرة أي نفس الجلدة- ممّا تحل فيه الروح- فلا بدّ من الحكم بنجاستها.

أقول: بناء على ما اشترطناه من اعتبار

كونها في أوان القطع- لا فرق بين ما إذا كانت مبانة عن الحيّ أو المذكّى أو عن الميّت فإنّها إذا كانت كذلك أي في أوان انفصالها لا تعدّ من الأجزاء التي تحلّها الحياة فتصير من الأجزاء التي لا تحلّها الحياة المحكوم في الأخبار بطهارتها.

و الدليل على هذا الإطلاق إطلاق بعض الأخبار مثل صحيحة علىّ بن جعفر عن أخيه صلوات اللّه عليه قال: سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّى و هي في جيبه أو ثيابه قال:

لا بأس بذلك «1» فإنّه ليس فيها تفصيل بين المبانة عن الميتة و المبانة عن المذكّى أو عن الحيّ مع أنّ من المعلوم عدم جواز حمل الميتة في الصلاة اللّهم الّا أن يقال: انّ المتعارف كان في ذلك الزمان ما إذا انفصلت عن الحيّ أو المذكّى فتحمل الرواية على المتعارف هذا ما ذكره الأستاذ دام علاه.

و لكن تعارض إطلاق صحيحة على بن جعفر مكاتبة عبد اللّه بن جعفر الحميري في الصحيح- كما في الجواهر- قال: كتبت الى ابى محمّد عليه السلام: هل يجوز للرجل أن يصلّى و معه فأرة مسك فكتب: لا بأس به إذا كان ذكيّا «2» فهذه الرواية تقيّد إطلاق تلك الرواية بالذكيّ فلا تشمل المبانة عن الميتة بل المبانة عن الحيّ أيضا و لكن عمدة مستند الإطلاق هو خروج الروح بعد ما صار أوان انفصالها فلا تكون مما تحلّه الحياة و اللّه العالم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب لباس المصلّى الحديث 1

(2) الوسائل الباب 41 من أبواب لباس المصلى الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 278

الثاني ممّا استثنى من الميتة اللبن و قد ذكر ذلك في كثير من الأخبار التي استثنى فيها ما لا تحلّه الحياة

كما سيأتي و الظاهر أنّ الأكثر على نجاسة نفس الضرع و مع ذلك فقد حكم بطهارة ما فيه من اللبن و الحاصل أنّ الحكم بطهارة اللبن من الميتة ممّا أثبتته الأخبار و افتى به أكثر علمائنا الأخيار و لازمه إمّا الحكم بطهارة الضرع ايضا و لكن لم أقف فيه على قائل و إمّا الحكم بعدم تنجّس ما لاقى النجس و تخصيص العمومات الدالّة على نجاسة ملاقي النجس فانّ تلك العمومات ليس من الأمور العقلية غير قابلة للتخصيص فإنّها قد خصّصت بماء الاستنجاء الذي أثبت الشرع طهارته فليكن المورد من موارد التخصيص لتلك العمومات فإنّه وردت فيه أخبار صحيحة صريحة و عمل الأصحاب بمضمونها فلا وجه للترديد في طهارة اللبن بواسطة ملاقاته للضرع المحكوم بنجاسته لأنّه ممّا تحلّه الحياة.

و ربّما حمل بعضهم تلك الأخبار- اى أخبار طهارة اللبن- على طهارته ذاتا و إن كان ينجس بملاقاته للميتة و هو الضرع و لكن هذا الحمل حمل بعيد غير متبادر عرفا من الأخبار بل المتبادر من الأخبار هو طهارته بعد خروجه من الضرع و لنذكر رواية واحدة من الأخبار و هي صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الانفحة تخرج من بطن الجدي الميّت قال: لا بأس به قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت قال: لا بأس به الخبر «1» فإنّه يظهر منها أنّ السؤال انما هو عن اللبن الخارج من ضرع الشاة الميتة لا اللبن الموجود فيه من دون النظر الى خروجه فإنّه غير محلّ للابتلاء حتّى يتعلّق به السؤال كما لا يخفى.

الثالث من المستثنى من الميتة الأنفخه و قد ذكرت في كثير من الأخبار و استثنائها أيضا ممّا لا

خلاف فيه و هل هي نفس الشي ء الأصفر المستحيل اليه اللبن أو هو مع وعائه الذي هو بمنزلة الكرش للحيوان فإنّه نقل عن بعض اللغويين في تفسيرها أنّها كرش الحمل و الجدي ما لم يأكل- اى ما دام رضيعا- فإذا أكل يسمى كرشا و يظهر من بعض آخر أنّه شي ء أصفر يستحيل اليه اللبن الذي يشربه الرضيع و كيف كان فلا إشكال في المظروف.

و أمّا الظرف فان قلنا: بأنّه يستفاد من الأخبار كونها نفس الظرف أو هو مع مظروفه أو قلنا بأنّه يلزم من طهارة المظروف طهارة الظرف ايضا لعدم إمكان طهارة الملاقي للنجس الا بدون الرطوبة المسرية فلا بدّ من الحكم بطهارة الظرف أيضا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرّمة الحديث 9

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 279

و أمّا إذا قلنا: بأنّ الأنفخة هي نفس المائع الموجود في الظرف و هو الذي كان محلّا للابتلاء و هو الذي يستعملونه لصناعة الجبن و يقال له بالفارسية (پنيرمايه) و أمّا الظرف فليس مورد الحاجة فاللازم هو الحكم بطهارته فقط و أمّا ملاقاته للميتة- أعنى الظرف- فيمكن أن يكون من الموارد المخصّصة للعمومات الدالة على أنّ ملاقي النجس نجس كما مرّ في بحث اللبن و القدر المتيقّن هو طهارة نفس المائع و أمّا الظرف المشتمل عليه فلا يعلم استثنائه من الميتة فمقتضى القاعدة نجاسته.

الرابع من الأشياء المستثناة من الميتة ما لا تحلّه الحياة كالصوف و الشعر و الوبر و السنّ و الظفر و الناب و الحافر و كذا العظم و البيض و الدليل على استثنائها أخبار كثيرة.

منها صحيحة زرارة المتقدمة آنفا و منها حسنة حريز قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لزرارة و محمّد بن مسلم:

اللبن و اللبأ و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و النّاب و الحافر و كلّ شي ء ينفصل من الشاة و الدابة فهو ذكى و ان أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه «1».

و منها رواية الحسين بن زرارة قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام و أبى يسأله عن السنّ من الميتة و الانفخة من الميتة و اللبن من الميتة و البيضة من الميتة فقال: كلّ هذا ذكى الخبر «2» و منها مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام قال: عشرة أشياء من الميتة ذكيّة القرن و الحافر و العظم و السنّ و الأنفخة و اللبن و الشعر و الصوف و الريش و البيض «3» الى غير ذلك من الأخبار.

الخامس

من النجاسات الدم من كلّ حيوان له نفس سائلة و هو إجماعيّ بل ادّعى ضرورة المسلمين على نجاسة الدم في الجملة.

و استدلّ لنجاسته بالأدلّة الثلاثة الأوّل الآية أي قوله تعالى إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ «4» الآية و هذا الاستدلال مبنىّ أوّلا على أنّ المراد بالرجس النجاسة و أمّا إذا كان المراد به القذارة فلا دلالة فيها على النجاسة و ثانيا مبنىّ على رجوع الضمير- أعنى قوله تعالى فَإِنَّهُ رِجْسٌ- إلى الثلاثة أي الميتة و الدم و لحم الخنزير و من المحتمل

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث 6- 1

(2) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث 6- 1

(3) جامع الأحاديث الباب 9 من أبواب النجاسات الحديث 7

(4) سورة الأنعام الآية 145

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 280

رجوعه إلى الأخير فقط و مع هذين الاحتمالين لا يمكن الاستدلال بالآية.

الثاني الإجماع على

نجاسة الدم و لكن لا يمكن التمسّك بالإجماع لإثبات نجاسة الدم المشكوك النجاسة مثلا إذا شكّ في الدم الذي هو أقلّ من الدرهم فلا يمكن التمسّك بالإجماع لإثبات نجاسته فإنّ الإجماع ليس له إطلاق يتمسّك به في الموارد المشكوكة لأنّ الإجماع دليل لبّى لا إطلاق له.

الثالث الأخبار الخاصة الواردة في موارد خاصة فإنّه ليس في الأخبار ما يصرّح بنجاسة الدم و لكن يستفاد من جميع الأسئلة التي سألوها من الأئمة عليهم السلام و من جميع الأجوبة التي صدرت منهم عليهم السلام- أنّ نجاسة الدم كانت مفروغا عنها بين الأصحاب و بين الأئمة عليهم السّلام فلنذكر بعض الأخبار.

فمنها صحيحة زرارة قال قلت: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي ء من منّى فعلّمت أثره الى أن أصيب له من الماء فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت أنّ بثوبي شيئا و صلّيت ثمّ انّى ذكرت بعد ذلك قال: تعيد الصلاة و تغسله قلت: فانّى لم أكن رأيت موضعه و علمت أنّه قد أصابه فطلبته فلم أقدر عليه فلمّا صليت وجدته قلا تغسله و تعيد الصلاة قلت فان ظننت أنّه قد أصابه و لم أتيقّن ذلك فنظرت فم أر شيئا فلمّا صلّيت وجدته قال: تغسله و لا تعيد الصلاة «1».

و منها موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتّى يصلّى قال: يعيد صلاته كي يهتم بالشي ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه «2» و منها صحيحة ابن سنان عنه عليه السلام قال: ان أصاب ثوب الرجل الدم فيصلّى فيه و هو لا يعلم فلا اعادة عليه و ان هو علم قبل أن يصلّى فنسي و صلّى فعليه الإعادة

«3».

و منها رواية الدعائم عن أبي جعفر عليه السلام و كذا عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّهما قالا في الدم يصيب الثوب يغسل كما تغسل النجاسات «4» و هذه الرواية كادت تكون صريحة في

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 5

(2) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 6 و باب 24 الحديث 8 و باب 28 من أبواب النجاسات الحديث 4

(3) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 6 و باب 24 الحديث 8 و باب 28 من أبواب النجاسات الحديث 4

(4) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 281

نجاسة الدم الّا أنّها مرسلة.

و منها صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في الدم يكون في الثوب: ان كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة و ان كان أكثر و كان قد رآه و لم يغسله حتّى صلّى فليعد صلاته «1» الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة على نجاسة الدم.

ثم انّه قيل: يستفاد من هذه الروايات الإطلاق بمعنى أنّ مطلق الدم نجس الّا ما أخرجه الدليل كالدم المختلف في الذبيحة و دم ما لا نفس له فان قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان المتقدّمة: ان أصاب ثوب الرجل الدم- مطلق يشمل جميع الدماء و الدم المتخلّف في الذبيحة و الدم غير ذي النفس السائلة خارجان عن هذا الإطلاق و كذا الإطلاق في صحيحة إسماعيل ابن جابر المتقدمة حيث انّ قوله عليه السلام: في الدم يكون في الثوب إلخ- فيه إطلاق.

و أوضح الروايات المطلقة موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عمّا يشرب

منه الحمامة فقال: كلّ ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره و اشرب و عمّا شرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال: كلّشي ء من الطير (من الطيور) يتوضّأ ممّا يشرب منه الّا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا توضّأ منه و لا تشرب منه «2» فانّ لفظ دما مطلق خصوصا بعد ملاحظة أنّه جعله موضوعا للحكم بقوله: فإن رأيت في منقاره دما إلخ فإنّ الحكم لا بدّ من أن يكون موضوعه مبينا فح يمكن تأسيس أصل في الدّماء بأنّ الأصل في الدماء النجاسة إلّا ما دلّ الدليل على طهارته فكلّ مورد شكّ في نجاسة دم في أنّه من القسم الطاهر أو من القسم الثاني كقليل الدم الذي لا يبلغه الطرف كما عن الشيخ الحكم بطهارته أو كالدم الأقلّ من الدرهم الذي حكم ابن الجنيد و الصدوق- على ما حكى عنهما- بطهارته أو الدم المشكوك بأنّه من المتخلّف في الذبيحة أو غيره أو الدم المشكوك بأنّه من الإنسان أو من البعوض- يمكن إجراء أصالة النجاسة فيه بمقتضى إطلاق هذه الروايات التي استفيد منها أنّ كلّ دم نجس الّا ما أخرجه الدليل الّا أن يقال: انّ الأمثلة المذكورة لا يمكن التمسّك بالعام لنجاستها و لا بالمخصّص لطهارتها لأنّه من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية فالمرجع فيها هو أصالة الطهارة.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 6 و الباب 24 الحديث 8 و باب 28 من أبواب النجاسات الحديث 4

(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 282

و لكن يمكن أن يقال: انّ هذه الأخبار- و إن كانت مطلقة بحسب الظاهر- الّا أنّه يحتمل قويّا

كون المراد بالدم فيها هو الدم المعروف و المعهود عند السامع اى الدم النجس.

و لا يقال في الرواية الأخيرة: انّ الدم فيها نكرة و هي في سياق النفي مفيدة للعموم لأنّا نقول: انّ الرواية الأخيرة و ان لم يمكن ارادة العهد فيها لأنّ الدم فيها نكرة إلا أنّ المتيقّن ليس كلّ دم فيها بل المراد هو الدم النجس قطعا فهو بمنزلة الإشارة إلى الدم المعهود لأنّ الدم النجس كان معهودا عند الأصحاب فح لا يمكن تأسيس أصل للرجوع إليه في موارد الشك.

السادس و السابع:

الكلب و الخنزير البرّيّان و نجاستها و كذا نجاسة جميع فضولها اجماعيّة و تدل على ذلك روايات كثيرة.

منها صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام من الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل قال: يغسل المكان الذي أصابه «1».

و منها صحيحة الفضل ابى العبّاس قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله و ان مسّه جافّا فصبّ عليه الماء الحديث «2».

و منها مرسلة حريز عنه عليه السلام قال: إذا مسّ ثوبك الكلب فان كان يابسا فانضحه و ان كان رطبا فاغسله «3».

و منها رواية معاوية بن شريح عند عليه السلام في حديث أنّه سئل عن سؤر الكلب يشرب منه أو يتوضّأ قال: لا قلت: أ ليس هو سبع قال: لا و اللّه انّه نجس لا و اللّه انّه نجس «4»

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب النجاسات الحديث 1- 2- 4- و الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 2.

(2) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب النجاسات الحديث 1- 2- 4- و الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 2.

(3) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب

النجاسات الحديث 1- 2- 4- و الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 2.

(4) جامع الأحاديث الباب 11 من أبواب النجاسات الحديث 1- 2- 4- و الباب 6 من أبواب الأسئار الحديث 2.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 283

الى غير ذلك من الأخبار في نجاسة الكلب.

و أمّا نجاسة الخنزير فيدلّ عليها ايضا روايات كثيرة منها صحيحة علىّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فيذكر و هو في صلاته كيف يصنع به قال: إن كان دخل في صلاته فليمض و ان لم يكن دخل في صلوته فلينضح ما أصاب من ثوبه الّا أن يكون فيه أثر فيغسله قال: و سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به قال: يغسل سبع مرّات «1».

قوله عليه السلام: فليمض يمكن حمله على ما إذا لاقاه بلا رطوبة سارية بقرينة قوله ع:

الّا أن يكون فيه أثر بأن يحمل الأثر على ما إذا تأثّر الملاقي بالكسر بملاقاته للخنزير بأن كان مع الرطوبة.

و منها رواية سليمان الإسكاف قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يخرز به قال: لا بأس بدو لكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّى «2».

و منها رواية خير ان الخادم قال: كتبت الى الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر أو الخنزير أ يصلّى فيه أم لا فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه فكتب ع لا تصل فيه فإنّه رجس «3».

فما يظهر من بعض الروايات من الحكم بطهارته كرواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البتر هل يتوضّأ من ذلك الماء؟ قال: لا بأس به

«4» و روايته الأخرى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به قال: لا بأس به «5»- لا بدّ من حمله على بعض المحامل بأن يقال: انّه لا ملازمة بين نجاسة الحبل و نجاسة الماء لإمكان عدم حصول الملاقاة، هذا بالنسبة إلى الرواية الاولى و أمّا الرواية الثانية فعن الشيخ قدّه أنه حملها على ما إذا كان الاستقاء للدوابّ أو البساتين.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 9 و الباب 11 الحديث 12 و الباب 17 الحديث 3 و الباب 8 من أبواب المياه الحديث 15.

(2) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 9 و الباب 11 الحديث 12 و الباب 17 الحديث 3 و الباب 8 من أبواب المياه الحديث 15.

(3) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 9 و الباب 11 الحديث 12 و الباب 17 الحديث 3 و الباب 8 من أبواب المياه الحديث 15.

(4) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 9 و الباب 11 الحديث 12 و الباب 17 الحديث 3 و الباب 8 من أبواب المياه الحديث 15.

(5) الوسائل الباب 14 من أبواب الماء المطلق الحديث 2.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 284

و كيف كان فهذان الخبران و غيرهما مما ظاهره طهارة الخنزير لا تكافئ الروايات الصحيحة الصريحة في النجاسة المعمول بها بين الأصحاب.

(الثامن:)

الخمر و كلّ مسكر مائع بالأصالة و يدلّ على نجاستها- مضافا الى دعوى الإجماع عن غير واحد من الأصحاب- أوّلا الآية المباركة- أعني قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ «1» بناء على أنّ المراد بالرجس النجاسة و

أمّا بناء على أنّ المراد به الشي ء الذي ينبغي أو يجب الاجتناب عنه- كما هو الظاهر هنا بقرينة ذكر الميسر و ما بعده بعد ذكر الخمر- فلا دلالة للآية على النجاسة.

و ثانيا بالأخبار الكثيرة الدالّة على نجاستها مرسلة يونس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كلّه و ان صلّيت فيه فأعد صلاتك «2».

و منها رواية ذكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلاب و اللحم اغسله و كله الى أن قال: قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم قال:

فقال: فسد الخبر «3».

و منها موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه خل أو ماء كامخ أو زيتون قال: إذا غسل فلا بأس و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر أ يصلح أن يكون فيه ماء قال: إذا غسل فلا بأس و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر قال: يغسله ثلاث مرّات سئل أ يجزيه أن يصبّ فيه الماء قال:

لا يجزيه حتّى يدلكه و يغسله ثلاث مرّات «4».

و منها صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن آنية أهل

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 90.

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 1- 9- و الباب 13 من أبواب المياه الحديث 1.

(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 1- 9- و

الباب 13 من أبواب المياه الحديث 1.

(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 1- 9- و الباب 13 من أبواب المياه الحديث 1.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 285

الذمة و المجوس فقال: لا تأكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر «1».

و منها رواية أبي بصير قال: دخلت أمّ خالد العبدية على أبي عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده فقالت: جعلت فداك انّه يعتريني قراقر في بطني و قد وصف لي أطبّاء العراق النبيذ بالسويق فقال: ما يمنعك من شربه فقالت: قد قلّدتك ديني فقال: فلا تذوقي منه قطرة لا و اللّه لا آذن لك في قطرة منه فإنّما تندمين إذا بلغت نفسك ههنا و أومى بيده الى حنجرته يقولها ثلاثا أ فهمت فقالت: نعم ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما يبل الميل ينجّس حبّا من ماء يقولها ثلاثا «2».

و منها صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن دواء عجن بالخمر فقال: لا و اللّه ما أحبّ أن أنظر اليه فكيف أتداوى به انّه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير و ترون أناسا يتداوون به «3» الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة صريحا أو ظاهرا في نجاسة الخمر.

و لكن تعارض هذه الروايات روايات أخر طاهرة في طهارة الخمر.

فمنها صحيحة ابن أبي سادة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ان أصاب ثوبي شي ء من الخمر أصلي فيه قبل أن أغسله قال: لا بأس انّ الثوب لا يسكر «4».

و منها موثقة ابن بكير قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده عن المسكر و النبيذ يصيب

الثوب قال: لا بأس «5».

و منها صحيحة علىّ بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلي فيه قال: صلّ فيه الّا أن تقذره فتغسل فيه موضع الأثر انّ اللّه تبارك و تعالى انّما حرّم شربها «6» و منها ما عن الفقيه قال: و سئل أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السلام فقيل لهما: انّا نشتري ثيابا يصيبها الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها أ نصلّي فيها قبل أن نغسلها فقال (فقالا ظ): نعم لا بأس إنما حرّم اللّه أكله و شربه و لم يحرّم لبسه و مسّه و الصلاة فيه «7».

و منها صحيحة علىّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام أنّه سأل عن الرجل يمرّ في ماء المطر

______________________________

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.

(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2 و 4.

(3) الوسائل الباب 20 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2 و 4.

(4) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 13.

(5) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 15- 19- 18.

(6) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 15- 19- 18.

(7) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 15- 19- 18.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 286

و قد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلّى فيه قبل أن يغسل ثوبه قال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلّى فيه و لا بأس «1».

و لكن يمكن حمل هذه الأخيرة على ما إذا كان المرور في حال نزول المطر أو ما إذا صبت فيه الخمر ثمّ نزل عليه المطر و منها رواية الواسطي قال:

دخلت الجويرية و كانت تحت موسى بن عيسى- علي أبي عبد اللّه عليه السلام و كانت صالحة فقالت: إني أتطيّب لزوجي فنجعل في المشطة التي أتمشط بها الخمر و أجعله في رأسي قال: لا بأس «2».

و منها رواية: الحسن بن أبي سارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انّا نخالط اليهود و النصارى و المجوس و ندخل عليهم و هم يأكلون و يشربون فيمرّ ساقيهم و يصبّ على ثيابي الخمر فقال: لا بأس الّا أن تشتهي أن تغسله لأثره «3» الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة بظاهرها على طهارة الخمر و فيها الصحيح و الموثّق و قد أفتى بمضمونها الصدوق و الجعفي و العماني- على ما حكى عنهم قدّس سرهم و عن الأردبيلي و المحقق في المعتبر الترديد في نجاستها.

و لكن ادّعى إجماع المسلمين من العامّة و الخاصّة على نجاستها الّا من شرذمة قليلة غير معتد بها.

و حاصل الجواب عن هذه الأخبار أنّ المشهور القريب من الكلّ لم يعملوا الّا بأخبار النجاسة و هذه الأخبار- مع كونها بمرأى منهم و مسمع و فيها الصحيح و الموثّق- لم يفتوا بمضمونها و أعرضوا عنها فالعمل بأخبار النجاسة هو المتعيّن فح لا بدّ من حمل هذه الأخبار على بعض المحامل أورد علمها إلى أهلها و ألحق بعض الفقهاء بل المشهور بالخمر العصير العنبي إذا غلا قبل ذهاب ثلثيه فقال بنجاسته إذا غلا و لم يذهب ثلثاه و اشترط بعضهم في نجاسته بأنّه إذا غلا و اشتدّ و المراد بالاشتداد إمّا حصول القوام له أو المراد الشدّة المطربة.

و كيف كان فعمدة مستند القائلين بالنجاسة بعد ادّعاء الإجماع هو دلالة الأخبار و أظهرها دلالة موثّقة معاوية بن عمّار

المروية عن التهذيب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج و يقول: قد طبخ على الثلث و أنا أعلم أنّه يشربه على

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 8

(2) الوسائل الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 10

(3) الوسائل الباب 37 من أبواب الأشربة المحرّمة الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 287

النصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف فقال: هو خمر لا تشربه قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث فلا يستحلّه على النصف يخبرنا أنّ عنده بختجا قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه نشرب منه قال: نعم «1» تقريب الاستدلال بها أنه عليه السلام جعله من أفراد الخمر و قال: هو خمر لا تشربه فكما أنّ الخمر نجسة فكذا ما هو من أفرادها متثبت نجاستها بهذه الرواية.

و لكن يرد عليه أنّ و إن كان بمعنى العصير المطبوخ بحسب اللغة كما فسره بعض اللغويين بذلك و عن ابن الأثير أنّه معرّب پخته اى الخمر المطبوخ الّا أنّه يمكن أن يكون من أقسام العصير الذي يصير بالطبخ مسكرا لا يذهب سكره الّا بذهاب ثلثيه.

و الحاصل أنّا لا نعلم أنّ المراد بالعصير المطبوخ المعبّر عنه في الرواية من أىّ قسم من أقسام العصير المطبوخ أن يكون من الأقسام التي يحصل فيه الإسكار لا مطلق العصير المطبوخ مضافا الى أنه لم يكن كلمة (هو خمر) في الرواية المرويّة عن الكافي فتحتمل زيادتها في نسخة التهذيب مع أنّه نقل عن بعض التهذيب عدم وجود هذه الزيادة فيها و على فرض وجودها يحتمل أن يكون معناها هو بمنزلة الخمر أي في الحرمة لا في

جميع الآثار فانّ التنزيل لا يفيد ترتيب جميع آثار المنزّل عليه على المنزّل كما هو واضح.

و حاصل الكلام في العصير العنبي أنّا لم نجد في جميع الأخبار التي تمسّكوا بها لنجاسته ما يدلّ صريحا أو ظاهرا على نجاسته بمجرد الغليان و أمّا حرمته بمجرّد الغليان فمما لا اشكال فيه و يدلّ عليها- مضافا الى دعوى الإجماع من غير واحد- الأخبار الكثيرة.

منها مرسلة محمّد بن الهيثم عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن العصير يطبخ بالنّار حتّى يغلى من ساعته أ يشربه صاحبه فقال: إذا تغيّر عن حاله و غلا فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه «2».

و منها حسنة حمّاد بن عثمان المرويّة في الكافي عنه عليه السلام قال: لا يحرم العصير حتّى يغلي «3».

______________________________

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الأشربة المحرّمة الحديث 4

(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الأشربة المحرّمة الحديث 7- 1

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب الأشربة المحرّمة الحديث 1- 3- 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 288

و منها مرسلة حمّاد أيضا المروية في الكافي أيضا عنه عليه السلام قال: سألته عن شرب العصير فقال: اشرب ما لم يغل فإذا غلا فلا تشربه قال: قلت: جعلت فداك أيّ شي ء الغليان قال: القلب «1» و منها حسنة ابن سنان المروية في الكافي عنه عليه السلام قال: كلّ عصير أصابته النّار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه «2». الى غير ذلك من الأخبار بل في بعض الأخبار حصول الحرمة للعصير بمجرّد النشيش و هو ما إذا وقع له صوت و لم يحصل له الغليان بعد بل هو من مقدمات الغليان القريبة.

و هو موثقة ذريح قال: سمعت أبا

عبد اللّه عليه السلام يقول: إذا نش العصير أو غلا حرم «3».

و لكن يرد على ظاهر هذه الرواية أنّ النشيش إذا كان سببا للحرمة فذكر الغليان يصير مستدركا لأنّ النشيش دائما يكون قبل الغليان فإذا نشّ صار حراما على هذه الرواية فلا تصل النوبة إلى الغليان.

الّا أن يقال: انّ كلّ واحد من النشيش و الغليان سبب مستقلّ للحرمة و النشيش سبب فيما لا يمكن فيه الغليان كما إذا تحقّق الغليان من قبل نفسه بأن كان بواسطة حرارة الهواء فانّ هذا المورد لم يتحقّق الغليان الحقيقي الذي هو القلب اى جعل أعلاه أسفله كما فسّره الامام عليه السلام في الرواية المتقدّمة بذلك.

فالنشيش مختصّ بما إذا تحقق الغليان من قبل نفسه و الغليان بما إذا غلا بالنّار.

ثم انّه إذا غلا بالنّار أو نشّ بنفسه فهل يطهر بذهاب ثلثيه بأيّ نحو اتّفق اى و لو كان بالشمس أو بالهواء أو لا بدّ من أن يكون ذهاب ثلثيه بخصوص النار- قيل بالأوّل لإطلاق قولهم عليهم السلام في الروايات: حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه و لم يقيّدوه بكون ذهاب الثلثين بالنّار.

و قيل انّه لا بدّ من أن يكون ذهاب الثلثين بالنار فقط و هو الأظهر و يستفاد ذلك من الروايات.

منها حسنة ابن سنان المتقدمة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كل عصير أصابته النّار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه.

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1- 3- 4

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1- 3- 4

(3) الوسائل الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1- 3- 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 289

و المراد بإصابة النّار إغلاء النّار للعصير بقرينة سائر

الروايات و ظاهر هذه الرواية أنّ ذهاب الثلثين ايضا بالنار فإنّه إذا قيل في المثل العرفي: إذا غلا لماء بالنّار فلا تغسل جسدك به حتّى يذهب ثلثاه يستفاد منه أنّ ذهاب الثلثين ايضا بالنّار كما كان غليانه بالنار ايضا.

و منها رواية محمّد بن الهيثم المتقدّمة عن عليه السلام قال: سألته عنه العصير يطبخ بالنّار حتّى يغلى من ساعته فيشربه صاحبه قال: إذا تغيّر عن حاله و غلا فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه و هذه ايضا ظاهرة في كون ذهاب ثلثيه بالنّار حيث انّ المفروض في السؤال أنّه يطبخ بالنّار فالجواب منزّل على مفروض السؤال فلا إطلاق فيه حتّى يتمسّك به للعموم.

و منها رواية أبي بصير عنه عليه السلام و قد سئل عن الطلاء فقال: ان طبخ حتّى يذهب منه ثلثان و يبقى واحد فهو حلال و ما كان دون ذلك فليس فيه خير «1».

و منها حسنته قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: انّ العصير إذا طبخ حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه فهو حلال «2» و هاتان الروايتان ليس لهما إطلاق يتمسّك به لأنّ المفروض فيهما هو الطبخ و هو لا يكون الّا بالنّار فذهاب ثلثيه المتفرّع على الطبخ لا يكون الّا بالنّار و مثل هذه الروايات سائر روايات الباب التي قيل بإطلاقها أو إطلاق بعضها في كون ذهاب الثلثين بأيّ نحو اتّفق كافيا في حصول الحلية فإنّك إذا تأمّلتها حقّ التأمّل لا تجد فيها إطلاقا يشمل جميع أنحاء ذهاب الثلثين بأيّ نحو اتّفق.

فإنّه إمّا فرض فيها اصابة النّار للعصير أو طبخ العصير و ما لم تفرض فيها احدى الجهتين فظاهرها ايضا كون ذهاب الثلثين بالنّار بل الظاهر من هذه

الروايات كون الغليان ايضا بالنار فليس لها إطلاق يشمل ما إذا غلا بنفسه أو بالشمس فالأحوط احتياطا شديدا كون الغليان بالنّار و ذهاب الثلثين ايضا بها و في غير هذه الصورة لا يعلم بتحقّق الحلّية فالأحوط الاجتناب عنه الى أن يصير خلّا هذا كلّه في العصير العنبي.

و أمّا العصير الزبيبي و التمري إذا غليا فعدم نجاستهما إجماعيّ كما ادّعاه بعضهم و أمّا حرمتهما فعن صاحب الحدائق دعوى الإجماع على عدمها و لكن حدث القول بالحرمة في الأعصار المتأخرة و حكى عن الشيخ سليمان البحراني و السيّد الجزائري و المولى محمّد باقر البهبهاني

______________________________

(1) لم أظفر بها في مظانها نعم أوردها العلامة الهمداني في طهارته

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 290

و غيرهم الحكم بالحرمة و ربّما يستدل لهم بصحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال: كلّ عصير أصابته النّار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه «1».

و بموثقة عمّار عنه عليه السلام أنّه سئل عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحلّ قال:

خذ ماء التمر فاغسله (فأغله) حتّى يذهب ثلثاه «2».

و موثقته الأخرى المرويّة عن الدروس عنه عليه السلام قال: سألته عن النضوح قال:

يطبخ التمر حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم يتمشّطن «3». و الظاهر أنّ النضوح كان طيبا تجعله النساء في رأسها عند ارادتها التمشّط كما يظهر من هذه الرواية.

و كذا يستدلّ برواية عيثمة قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده نساؤه فشم رائحة النضوح فقال ع: ما هذا قالوا: نضوح يجعل فيها الضياح قال: فأمر به فأهريق في البالوعة «4» و برواية علىّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام

قال: سألته عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتّى يخرج طعمه ثم يؤخذ الماء فيطبخ حتّى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم يرفع فيشرب منه السنة فقال: لا بأس به «5» و برواية زيد النرسي في أصله قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الزبيب يدقّ و يلقى في القدر ثمّ يصبّ عليه الماء و يوقد تحته فقال: لا تأكله حتّى يذهب الثلثان و يبقى الثلث فانّ النّار قد أصابته قلت: فالزبيب كما هو يلقى في القدر قد يصبّ عليه الماء ثم يطبخ و يصفّى عنه الماء فقال: كذلك هو سواء إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فصار حلوا بمنزلة العصير ثمّ نشّ من غير أن تصيبه النّار فقد حرم و كذلك إذا أصابته النّار فأغلاه (فأغلته ظ) فقد فسد «6».

و كذا يستدلّ بموثّقة عمّار بن موسى قال: وصف لي أبو عبد اللّه عليه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالا فقال لي عليه السلام: تأخذ ربعا من زبيب و تنقّيه ثم تصبّ عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثمّ تنقعه ليلة فإذا كان أيام الصيف و خشيت أن ينشّ جعلته في تنور سخن قليلا حتّى لا ينشّ ثم تنزع الماء منه كلّه إذا أصبحت ثمّ تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرّمة الحديث 1 و الباب 32 الحديث 2. و الباب 37 الحديث 1 و الباب 31 الحديث 1.

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرّمة الحديث 1 و الباب 32 الحديث 2. و الباب 37 الحديث 1 و الباب 31 الحديث 1.

(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرّمة الحديث 1 و الباب 32 الحديث

2. و الباب 37 الحديث 1 و الباب 31 الحديث 1.

(4) الوسائل الباب 2 من أبواب الأشربة المحرّمة الحديث 1 و الباب 32 الحديث 2. و الباب 37 الحديث 1 و الباب 31 الحديث 1.

(5) لم نظفر بها في مظانها نعم أوردها العلامة الهمداني في طهارة صفحة 553.

(6) المستدرك جلد 3 الباب 2 من أبواب الأشربة المحرمة 1 صفحة 135.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 291

ثمّ تغليه حتّى يذهب حلاوته ثمّ تنزع مائه الآخر فتصبّه على الماء الأوّل ثمّ تكيله كلّه فتنظر كم الماء ثم تكيل ثلثه فتطرحه في الإناء الذي تريد أن تغليه و تقدّره و تجعل قدره قصبة أو عودا فتحدّها على قدر منتهى الماء ثم تغلي الثلث الآخر حتى يذهب الماء الباقي ثمّ تغليه بالنار فلا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان و يبقى الثلث الحديث «1».

و لكنّ الإنصاف أنّه لا دلالة لهذه الروايات على الحرمة أو النجاسة بمجرّد الغليان أمّا قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان كلّ عصير أصابته النّار إلخ فالظاهر منه العصير العنبي لعدم إمكان إرادة الكليّة منه لشموله ح لعصير الرّمان و البطّيخ و التفّاح و غيرها و هو واضح الفساد فلا بدّ من أن يراد منه العصير العنبي بل ادّعى بعض بأنّ العصير لغة أو عرفا هو العصير العنبي فقط فلا يقال للعصير الزبيبي.

و أمّا روايات النضوح فلم يعلم ما المراد منها و أنّ حرمتها أو نجاستها هل هو لأجل نفس الغليان بدون وصف الإسكار أو كان الأمر بإذهاب الثلثين منه أو الأمر بإهراقه في البالوعة لأجل حصول الإسكار له بمجرّد الغليان بدون ذهاب الثلثين منه بواسطة جعل بعض الموادّ في ماء التمر أو لأجل فساده و إضراره

بالبدن بمجرّد الغليان بدون ذهاب ثلثيه فلذا أمر بإهراقه في البالوعة لأنّه من البعيد عدم علم نسائه بنجاسته قبل ذهاب ثلثيه و كذا عدم علمهنّ بحرمته فإنّه على تقدير طهارته و حرمته لا مانع من استعماله في غير الشرب و إن كان شربه محرّما فيحتمل ما ذكرناه من كون شربه قبل ذهاب ثلثيه مضرّا للبدن.

و أمّا رواية علىّ بن جعفر فمع فرض ذهاب الثلثين في كلام السائل لا في كلام الامام عليه السلام- يحتمل أن يكون ذهاب الثلثين لأجل بقائه سنة كما يظهر من كلام السائل لا لأجل تحقّق الحليّة.

و أمّا رواية زيد النرسي فإنّها- و إن كانت صريحة في الحرمة- الّا أنّه لا يصحّ الاعتماد عليها لأنّها ضعيفة السّند بل قيل: انّ أصله موضوع و رواية ابن ابى عمير عنه أحيانا لا يجبر ضعف روايته لإمكان روايته أحيانا عن الضعفاء مع أنّ الرواية التي يرويها ابن عنه يمكن جبرها بنقله عنه و هذه الرواية لم ينقلها عنه ابن أبي عمير هذا ما ذكره الأستاذ دام ظله.

(و لكن يمكن أن يقال: انّ ابن أبي عمير رض لا يرسل الّا عن ثقة فلذا يعتمد الأصحاب

______________________________

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 292

على مراسيله و حينئذ إرساله عن زيد النرسي و روايته عنه يكشف عن اعتماده عليه و أنّه كان معتمدا عليه عنده فهذه الرواية و ان لم يروها عنه ابن أبى عمير الّا أنّ روايته عنه أحيانا يكشف عن أنّه معتمد عليه عنده الّا أن يقال: انّ توثيق ابن أبي عمير له وحده غير كاف لأنّه عدل واحد مع أنّ توثيقه معارض بتضعيف غيره له فح يشكل الاعتماد

على هذه الرواية المشتملة على حكم مخالف للأصل و للروايات الدالة على انحصار المحرّم في المسكر) و أمّا موثقة عمّار فإنّها و إن كانت ظاهرة في الحرمة بمجرّد الغليان خصوصا قوله كيف يطبخ حتّى يصير حلالا بل يظهر منها حصول الحرمة بمجرّد النشيش- الّا أنّ الظاهر بل المعلوم أنّ قوله: كيف يطبخ حتّى يصير حلالا من كلام السائل لا من كلام الامام عليه السلام.

و أمّا قوله: فإذا كان أيّام الصيف و خشيت أن ينش فإنّه و ان كان من كلام الامام ع الّا أنّه يحتمل أن يكون مراده ع و خشيت أن ينشّ و يصير بعد ذلك مسكرا أو خشيت أن ينشّ و يصير فاسدا بغير السكر أو إذا نشّ لا يمكن بقائه سنة كما يظهر من آخر الرواية- أنّ هذه الدستورات بأن يجعل فيه العسل و الزنجبيل و الزعفران- لأجل طول مكثه و بقائه مدة كما يظهر من رواية علىّ بن جعفر المتقدّمة- أنّ ذهاب الثلثين لأجل بقائه سنة و على فرض ظهورها في الحرمة بواسطة تقرير الامام عليه السلام له أو بواسطة قوله ع و خشيت أن ينش فلا بدّ من رفع اليد من هذا الظهور بواسطة الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ ماء التمر أو ماء الزبيب لا ينجس الّا بالإسكار.

فمنها «1» رواية حنّان بن سدير قال: سمعت رجلا يقول لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في النبيذ فإنّ أبا مريم يشربه و يزعم أنّك أمرته بشربه فقال: صدق أبو مريم سألني عن النبيذ فأخبرته أنّه حلال و لم يسألني عن المسكر ثم قال انّ المسكر ما اتقيت فيه أحدا سلطانا و لا غيره الحديث.

و منها رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال:

استأذنت لبعض أصحابنا على أبي عبد اللّه عليه السلام فسأله عن النبيذ فقال: حلال فقال: أصلحك اللّه إنّما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلي حتى يسكر فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

______________________________

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 293

كلّ مسكر حرام الخبر «1».

و منها رواية الكلبي النّسابة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن النبيذ فقال: حلال فقال: انّا ننبذه فتطرح فيه العكر و ما سوى ذلك قال: شه شه تلك الخمرة المنتنة «2».

و منها صحيحة صفوان الجمّال قال: كنت مبتلى بالنبيذ معجبا به فقلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أصف لك النبيذ فقال: بل أنا أصفه لك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كلّ مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله حرام فقلت له: هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة فقال لي: ليس هكذا كانت السقاية انّما كانت السقاية زمزم أ فتدري من أوّل من غيّرها قال: لا قال: العبّاس بن عبد المطلب كانت له حبلة أ فتدري ما الحبلة قال: الكرم كان ينقع الزبيب غذوة و يشربونه بالعشيّ و ينقعه بالعشيّ و يشربونه من الغدا يريد أن يكسر غلظ الماء عن النّاس و انّ هؤلاء قد تعدّوا فلا تشربه و لا تقربه «3» و الظاهر أنّ المراد أنّ النبيذ بنفسه ليس بحرام و ان لم يذهب ثلثاه و لكن النّاس قد تعدّوا و شربوه حتى مع إسكاره فلا تشربه و لا تقربه أنت مع الإسكار.

و منها صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انّ رجلا من بنى عمّى و هو

من صلحاء مواليك يأمرني أن أسألك عن النبيذ و أصفه لك فقال: أنا أصف لك قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كلّ مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله حرام قال: فقلت: فقليل الحرام يحلّه كثير الماء فردّ بكفّه مرتين: لا لا «4» و يستفاد من جميع هذه الروايات أنّ النبيذ له قسمان حرام و حلال و الحرام منهما يدور مدار الإسكار و أنّ الغليان لا يوجب الحرمة فلذا لم تعلّل الحرمة في هذه الأخبار بالغليان و حكم بحلّية النبيذ الّا إذا جعل فيه العكر الذي هو دردىّ الخمر و هو ممّا يصنع به الخمر أو إلّا إذا أسكر فحكم عليه السلام في جميع هذه الأخبار بأنّ مناط الحرمة هو الإسكار لا غير فان كان شي ء غير الإسكار موجبا للحرمة ايضا كان عليه ع بيانه و أظهر من الكلّ دلالة.

رواية الكافي عن محمّد بن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: قدم على رسول اللّه صلى اللّه

______________________________

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 7

(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الماء المضاف الحديث 2

(3) الوسائل الباب 17 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 3- 1

(4) الوسائل الباب 17 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 3- 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 294

عليه و آله قوم من اليمن فسألوه عن معالم دينهم فأجابهم فخرج القوم بأجمعهم فلمّا ساروا مرحلة قال بعض لبعض: نسينا أن نسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمّا همّ إلينا فنزل القوم و بعثوا وفدا لهم فأنى الوفد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فقالوا: يا رسول اللّه انّ القوم قد بعثونا إليك يسألونك عن النبيذ.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه

عليه و آله: و ما النبيذ صفوه لي قالوا: يؤخذ التمر فينبذ في إناء ثمّ يصبّ عليه الماء ثمّ يوقد تحته حتّى ينطبخ فإذا انطبج اتخذوه (أخرجوه خ ل) فألقوه في إناء آخر ثمّ صبّوا عليه ماء ثم يمرس ثم صفّوه بثوب ثم ألقى في إناء ثمّ صبّ عليه من عكر ما كان قبله ثم هدر و غلى ثم سكن على عكرة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يا هذا قد أكثرت علىّ أ فيسكر قال: نعم فقال: كلّ مسكر حرام الحديث «1».

التاسع

من النجاسات الفقّاع و هو شراب خاصّ متّخذ من الشعير- كما ذكره غير واحد و نجاسته اجماعية عندنا و أمّا العامّة فيحكمون بحليته و لعلّ حكمهم بحليته- مع أنّ كلّ مسكر عندهم حرام- لأجل خفاء السكر فيه أو حصول السكر في كثير منه دون قليله فما يقال: من أنّ الفقّاع لا يشترط فيه السكر فكلّ شي ء يصدق عليه الفقاع فهو حرام سواء أسكر أم لا- يردّه ما يستفاد من الأخبار من أنّ الفقّاع من الخمر و لا يصدق الخمر على غير المسكر فلنذكر بعض الأخبار حتّى يتّضح المراد.

منها موثّقة ابن فضّال قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الفقّاع فقال: هو خمر و فيه حدّ شارب الخمر «2».

و منها رواية الحسن بن الجهم و ابن فضّال قالا: سألنا أبا الحسن عليه السلام عن الفقاع فقال هو خمر مجهول الحديث «3».

و منها موثّقة عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفقاع فقال:

هو خمر «4».

و منها رواية محمّد بن سنان عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الفقّاع فقال: هي هو خمر بعينها «5».

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب

الأشربة المحرمة الحديث 6 مع اختلاف ما

(2) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2- 11- 7- 8

(3) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2- 11- 7- 8

(4) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2- 11- 7- 8

(5) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2- 11- 7- 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 295

و منها رواية هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الفقّاع فقال:

لا تشربه فإنّه خمر مجهول و إذا أصاب ثوبك فاغسله «1» الى غير ذلك من الأخبار.

و ظاهر هذه الروايات كغيرها أنّ الفقاع من أفراد الخمر حقيقة خصوصا رواية الحسن بن الجهم و رواية ابن سنان المتقدّمتان حيث ذكر عليه السلام: أنّه خمر لكنه مجهول (اى على النّاس أي أبناء العامة) خمريّته لخفاء الإسكار فيه أو لكون كثيره مسكرا دون قليله و ذكر ع في رواية ابن سنان أن الفقاع هو الخمر بعينها فإنّه كالصريح في كونه من مصاديق الخمر لا أنّه من الأفراد التّنزيلية للخمر حتى يقال: بأنّه لا يعتبر في حرمته الإسكار بل المناط في الحرمة هو صدق إطلاق الفقّاع عليه فإنّه خلاف ما يستفاد من الأخبار كما ذكرنا.

و الحاصل أنّه يستفاد من ملاحظة مجموع أخبار الفقاع أنّ الفقاع على قسمين حلال و حرام فالحرام ما حصل فيه الإسكار و هو الذي قد أطلق عليه الخمر في الروايات المتقدّمة و هو ماء الشعير الذي حصل فيه الغليان و صار مسكرا و لا يبعد عدم اختصاص الحرمة بماء الشعير فقط فكلّ شي ء سمّى بالفقّاع و حصل فيه خواص الفقّاع من الإسكار و غيره يحرم ايضا سواء أخذ من الشعير أو القمح

أو الزبيب أو غيرها فالملاك هو صدق إطلاق الفقاع المسكر عليه.

و أمّا القسم الحلال منه فهو الذي يستفاد من بعض الأخبار أنّه كان موجودا في بيت بعض الأئمة الهداة عليهم السلام و الصلاة و هي صحيحة ابن أبي عمير عن مرازم قال: كان يعمل لأبي الحسن عليه السلام الفقاع في منزله قال محمّد بن أحمد قال أبو أحمد يعني ابن أبى عمير: و لم يعمل فقّاع يغلى «2» و كذا غيرها من الروايات حيث يستفاد منها أنّ بعض أفراد الفقّاع حلال و هو ما لم يغل فح ما يصدق عليه السم الفقّاع و لو كان مثل ما الشعير الذي يستعمله الأطبّاء أي ما كان قبل الغليان- لا يكون حراما بل المحرّم الفقاع الذي يكون مسكرا و لو كان إسكاره خفيّا بأن كان بعد الغليان كما يظهر من الرواية المتقدمة.

(العاشر:)

من النجاسات عرق الجنب من الحرام كما نسب الى الصدوقين قدس سرهما و الشيخين و الإسكافي و كثير من المتأخّرين و مستند هم ما عن الذكرى قال: روى محمّد بن همام بإسناده عن

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2- 11- 7- 8

(2) الوسائل الباب 39 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 296

إدريس ابن زياد الكفرثوتى أنّه كان يقول بالوقف فدخل سرّ من رأى في عهد أبى الحسين عليه السلام و أراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أ يصلّى فيه فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره حركه أبو الحسن عليه السلام بمقرعة و قال مبتدئا: ان كان من حلال فصلّ فيه و إن كان من حرام فلا تصلّ فيه الحديث «1» و ما عن البحار

عن علىّ بن مهزيار قال: وردت العسكر و أنا شاك في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج الى الصيد في يوم من الربيع الّا أنّه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف و على أبى الحسن عليه السلام لبابيد و على فرسه تخفاف لبود و قد عقد ذنب فرسه و الناس يتعجّبون منه و يقولون: ألا ترون الى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه فقلت: لو كان اماما ما فعل هذا فلما خرج النّاس الى الصحراء لم يلبوا إذا ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلّا ابتلّ ثم غرق بالمطر و عاد (عليه السلام) و هو سالم من جميعه.

فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الامام ثمّ قلت: أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب فقلت: ان كشف وجهه فهو الامام فلمّا قرب منى كشف وجهه ثمّ قال:

ان كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه و إن كانت جنابته من حلال فلا بأس به فلم يبق في نفسي بعد ذلك شك الحديث «2».

و في رواية أخرى عنه عليه السلام قال: إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال و إن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام «3» و لكن لا يستفاد من هذه الروايات نجاسة عرق الجنب من الحرام فانّ هذه الروايات في حكم رواية واحدة لأنّ المرويّ عنه هو أبو الحسن الهادي عليه السلام و مورد السؤال هو شي ء واحد فيحتمل أن يكون قد اشتبه اسم الراوي على الرواة و غاية ما تدلّ عليه هذه الرواية أو الروايات أن هذا العرق لا تجوز الصلاة فيه و هذا لا دلالة له على النجاسة فيحتمل أن يكون

هذا العرق من موانع الصلاة كرطوبة ما لا يؤكل لحمه و شعره و وبره.

نعم رواية فقه الرضا لا تخلو من اشعار في ذلك قال: ان عرقت في ثوبك و أنت جنب و كانت الجنابة من حلال تجوز الصلاة فيه و إن كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتّى

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب النجاسات الحديث 2

(2) مستدرك الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 5

(3) مستدرك الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 297

يغسل «1».

و لكن رواية فقه الرضا غير قابلة للاعتماد- كما ذكرنا ذلك غير مرّة- مضافا أن قوله: حتى يغسل يمكن أن يكون لأجل إزالة عين العرق فان العرق له عين ما غالبا و لو بعد يبوسته فلا دلالة لها على النجاسة مع أن هذه الروايات ضعيفة السند و لم يجبر ضعفها بعمل الأصحاب بها لأن المسألة فيها ثلاثة أقوال الأوّل الحكم بنجاسته الثاني الحكم بطهارته لكن لا تجوز الصّلاة فيه.

الثالث الحكم بطهارته مع كراهة الصلاة فيه فمع هذه الاختلافات كيف يمكن جبر ضعف هذه الأخبار مضافا الى عدم صدور حكم عرق الجنب من الحرام عن أحد من أئمة الإسلام عليهم السلام الى زمان ابى الحسن على الهادي عليه السلام مع وجود كثرة الزنا و اللواط في زمانهم عليهم السلام و من البعيد جدّا ثبوت هذا الحكم في الشريعة و عدم بيان النبيّ أو لأئمة صلوات اللّه عليهم له- الى زمان الهادي عليه السلام مع عدم وجود أى مانع ظاهرا من بيانه مع كون الأخبار المطلقة في مقام البيان و مع ذلك لم تفرق بين أقسام الجناية بل حكمت بنحو الإطلاق بعدم نجاسة عرق الجنب الشامل لعرق

الجنب من الحرام فلنذكر بعضها.

فمنها رواية على بن أبي حمزة قال سئل أبو عبد اللّه عليه السلام- و أنا حاضر- عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه فقال: ما أدى به بأسا و قال: انّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره فقطب أبو عبد اللّه عليه السلام في وجه الرجل و قال: أن أبيتم فشي ء من ماء فانضحه به «2» و منها رواية حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يجنب الثوب الرجل و لا الرجل الثوب «3».

و منها رواية عمرو بن خالد عن زيد بن على عن أبيه عن جدّه عن على عليهم السلام قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عن الجنب و الحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما فقال: ان الحيض و الجنابة حيث جعلهما اللّه عزّ و جل ليس كذا في العرق فلا يغسل

______________________________

(1) فقه الرضا صفحة 4

(2) الوسائل الباب 37 من أبواب النجاسات الحديث 4

(3) الوسائل الباب 27 من أبواب النجاسات الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 298

ثوبهما «1».

و منها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القميص يعرق فيه الرجل و هو جنب حتّى يبتل القميص فقال: لا بأس و ان أحبّ أن يرشه بالماء فليفعل «2» الى غير ذلك من الأخبار.

و هذه الروايات لم يفصّل فيها بين عرق الجنب من الحرام و عرق الجنب من الحلال و يستفاد من الأسئلة الواقعة في هذه الأخبار أن المركوز في أذهان السائلين كان نجاسة عرق الجنب مطلقا و الظاهر أن هذا الارتكاز كان من فتوى العامّة فلذا ألحّ السائل في رواية علىّ بن أبي حمزة مع أنّه عليه

السلام أجاب بأنه لا يأس و مع ذلك لم يكتف به حتى أعاد السؤال فغضب عليه السلام من تكرار سؤاله و قال: ان أبيتم فشي ء من ماء فانضحه به- اى ان أبيتم أيها العامة من طهارته و لم تقبلوا قولي فانضحوا عليه شيئا من الماء نعم في رواية محمد بن على بن جعفر اشعار بالنجاسة.

حيث قال الرضا عليه السلام في حديث: من اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومن الّا نفسه قال: فقلت لأبي الحسن عليه السلام: ان أهل المدينة يقولون: ان فيه شفاء من العين فقال: كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرّهما و كلّ من خلق اللّه ثم يكون فيه شفاء من العين «3».

و لكن هذه الرواية أيضا لا دلالة لها على نجاسة عرق الجنب من الحرام بل هي دالّة على أن ليس في غسالة الحمام التي اغتسل فيها هؤلاء الأشرار شفاء من العين و المراد من الرواية الرد على من زعم أن في غسالة الحمام شفاء من العين و ليس المراد إثبات نجاستها كما هو واضح لمن تدبّر في معنى الرواية.

الحادي عشر:

عرق الإبل الجلالة على المشهور بل ادّعى بعض الإجماع عليه و تدل على نجاستها ثلاث روايات الأولى صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

______________________________

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب النجاسات الحديث 9- 8

(2) الوسائل الباب 27 من أبواب النجاسات الحديث 9- 8

(3) الوسائل الباب 11 من أبواب المضاف الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 299

لا تأكلوا لحوم الجلالة و ان أصابك من عرقها فاغسله «1» و الثانية حسنة حفص بن البختري عنه عليه السلام قال: لا تشرب من

ألبان الإبل الجلّالة و ان أصابك من عرقها فاغسله «2».

الثالثة مرسلة الصدوق في الفقيه في باب مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله نهى عن ركوب الجلّالات و شرب ألبانها و قال: ان أصابك من عرقها فاغسله «3» و لكن أورد على الرواية الاولى و الثالثة بأن مضمونها نجاسة عرق مطلق الحلال و لم يقل أحد بنجاسة عرق غير الإبل الجلّالة من سائر الحيوانات الجلّالة- الّا حكى عن ابن سعيد في النزهة و هو شاذّ فح لا يمكن التمسك بهما لإثبات نجاسة عرق الإبل الجلّالة لدلالتهما على الإطلاق و حمل الألف و اللام في الرواية الأولى على العهد لتوافق الرواية الثانية بأن يكون المراد بالجلّالة الإبل الجلّالة لا دليل عليه و لا يمكن حمل العام على الخاص بقرينة الرواية الثانية لكون ذلك الحمل فيما إذا علم بأن المراد من العام و الخاصّ شي ء واحد لا ما إذا احتمل تعدد المطلوب مثل ما إذا قيل: أكرم العلماء ثم قال: أكرم زيدا العالم فإنّه لا يمكن حمل العام في هذا المورد على الخاص كما لا يخفى هذا و لكن يمكن الجواب عن هذا الإشكال بأن هذا الإطلاق حيث علم من الخارج عدم عمل الفقهاء به فلا بد من حمله على الاستحباب.

و لكن رواية حضص بن البختري حيث حكم بغسل العرق من خصوص الإبل الجلّالة و أفتى المشهور بمضمونها فاللازم هو الحكم بوجوب الغسل من خصوص عرق الإبل فنقول: انّ الرواية الأولى و إن كان اللازم حملها على الاستحباب و كذا الرواية الثالثة لعدم عمل المشهور بإطلاقهما إلّا أنّا نحملهما على الوجوب في الإبل فقط دون سائر الجلّالات بقرينة حسنة حفص و فتوى المشهور.

(الثاني عشر:)

الكافر و نجاسته في

الجملة اجماعية بين المسلمين و لا فرق في الكافر بين أقسامه من المشرك و الطبيعي و الدهري و الكتابي و منكر الضروري و الناصبي و الغالي و الخوارج و غير ذلك و استدل لنجاسة مطلق الكافر بقوله تعالى:

______________________________

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب النجاسات الحديث 1- 2

(2) الوسائل الباب 15 من أبواب النجاسات الحديث 1- 2

(3) الجواهر جلد 6 صفحة 77

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 300

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ «1».

بناء على أن المراد بالمشرك مطلق من كفر باللّه العظيم أو بأنبيائه أو بأوليائه أو بآياته بدليل قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ آمِنُوا بِمٰا نَزَّلْنٰا مُصَدِّقاً لِمٰا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهٰا عَلىٰ أَدْبٰارِهٰا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمٰا لَعَنّٰا أَصْحٰابَ السَّبْتِ وَ كٰانَ أَمْرُ اللّٰهِ مَفْعُولًا إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ الآية «2» فإن ظاهر هذه الآية أن اللّه تعالى قد سمى عدم الايمان بما أنزله شركا لأن قوله ان اللّه لا يغفر إلخ وقع في قبال يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلنا مصدقا لما معكم إلخ و قوله تعالى أيضا في شأن اليهود و النصارى وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ وَ قٰالَتِ النَّصٰارىٰ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوٰاهِهِمْ يُضٰاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ الى أن قال وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ «3».

فسمى قولهم شركا الى غير ذلك من الآيات الدالة على إطلاق الشرك على الكفر و يؤيّد الآيات ما روى عن الفضل أنه دخل على أبي جعفر عليه السلام رجل محصور عظيم

البطن فجلس معه على سريره فحيّاه و رحب به فلمّا قام قال: هذا من الخوارج قال: قلت مشرك فقال مشرك و اللّه مشرك «4».

حيث دلّت هذه الرواية على إطلاق المشرك على الخارجي و ان لم يكن مشركا بالمعنى الاصطلاحي.

و على فرض عدم إطلاق الشرك على مطلق الكفر يمكن تتميم دلالة الآية بالإجماع على نجاسة مطلق الكافر سوى الكتابي.

و أورد على دلالة الآية- مضافا الى الإيراد السابق من عدم شمولها لمطلق الكافر- بإشكالين الأول عدم كون (نجس) بالفتح صفة قابلة للحمل على الذات فإنه مصدر لا صفة مشبهة كما لا يخفى فلا بد من تقدير شي ء يصح معه الحمل على الذات مثل كلمة (ذو) فيصير

______________________________

(1) سورة التوبة الآية 28

(2) سورة التوبة الآية 47

(3) سورة النساء الآية 30- 31

(4) الجواهر جلد 6 من الطبقة الحديثة صفحة 50

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 301

المعنى- و اللّه العالم- إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ ذو نجس فلا تدل الآية حينئذ على نجاستهم الذاتية فيصير ظاهرها على تقدير (ذو) إنما المشركون أصحاب النجاسة فلا تدل الأعلى النجاسة العرضية أي إنهم حيث لا يجتنبون من النجاسات كالخمر و الخنزير و البول و الغائط فلذا يكونون مصاحبين للنجاسة الثاني أن النجس على فرض إمكان حمله على الذات يحتمل أن يراد منه النجاسة الحكمية اى الخباثة الباطنية فهو نظير قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ الآية حيث انه لا معنى لكون الميسر و الأنصاب و الأزلام رجسا إلّا إذا كان بمعنى الخباثة فمع هذا الاحتمال لا يمكن الاستدلال لنجاسة المشركين بهذه الآية إنما المشركون نجس.

و لكن يمكن الجواب عن الإشكال الأول بأنه لا حاجة الى تقدير كلمة ذو حتى يلزم ما ذكر

فإنه يمكن حمل المصدر على الذات للمبالغة مثل زيد عدل فح تصير دلالة الآية على نجاسة الكافر أوضح مما إذا كان النجس بالكسر- أعنى ما إذا كان بنحو الوصفية- محمولا على المشركين كما هو واضح.

و عن الإشكال الثاني بأنه و إن كان النجس يحتمل بأن يراد منه النجاسة الحكمية- أعنى الخباثة- الا أن الظاهر من لفظ النجس هو النجاسة العينية كما في سائر النجاسات فكما أنه إذا قيل: الكلب نجس لا يحتمل أحد منه الا النجاسة العينية فكذا فيما نحن فيه.

نعم يحتمل ذلك- أي النجاسة الحكمية- في قوله تعالى يَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ «1» فإن استدل لنجاسة مطلق الكفار بهذه الآية فلو لا احتمال ان المراد من الرجس في هذه الآية النجاسة الحكمية لكانت دلالة الآية على نجاسة مطلق الكفار أوضح من دلالة الآية السابقة هذا كلّه في نجاسة غير الكتابي.

في حكم الكتابي:

و أما الكتابي اى أهل الكتاب- فالمشهور بل ادعى من غير واحد الإجماع على نجاستهم و لكن نقل عن ابن الجنيد الحكم بطهارتهم و عن ابن أبى عقيل الحكم بطهارة سؤر الذمي و عن المفيد قدس سره الحكم بكراهة سؤر الدمى.

______________________________

(1) سورة الانعام الآية 125

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 302

و لكن مخالفة ابن الجنيد غير ضائرة بعد ما علم كونه عاملا بالقياس و حكم ابن ابى عقيل يمكن أن يكون لأجل عدم انفعال الماء القليل بملاقاته للنجس كما هو مذهبه و الحكم بالكراهة المنقول عن المفيد قده لعل المراد بها الحرمة و كيف كان فاستدل لنجاسة أهل الكتاب بعد الإجماع- أولا بالآية المتقدمة- أعني قوله تعالى وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الهِٰ ا وَ قٰالَتِ النَّصٰارىٰ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ الى أن

قال سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ حيث يستفاد من ذيلها أنهم مشركون و ثانيا بالاخبار.

منها صحيحة سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن سؤر اليهودي و النصراني فقال: (ع) لا «1» و منها رواية أبي بصير عن أحدهما عليه السلام في مصافحة اليهودي و النصراني فقال: من وراء الثوب فان صافحك بيده فاغسل يدك «2».

و منها صحيحة على بن جعفر عن أخيه أبي الحسن موسى عليه السلام قال: سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة و أرقد معه على فراش واحد و أصافحه قال: لا «3».

و منها رواية هارون بن خارجة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انى أخالط المجوس فآكل من طعامهم فقال: لا «4».

و منها صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه السلام أنه سأله عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام قال: إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام الّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل و سأله عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة قال: لا الّا أن يضطرّ إليه «5» الى غير ذلك من الروايات التي استدلوا بها لنجاسة أهل الكتاب و لكن ذيل هذه الرواية الأخيرة غير خال عن الاضطراب فإنه إذا كان الماء طاهرا عند مماسة اليهودي أو النصراني له فكيف لا يجوز الوضوء منه الّا عند الاضطرار و إن كان نجسا فلا يجوز الوضوء منه حتى في حال الاضطرار لعدم جواز التوضؤ بالماء النجس.

الّا أن يكون المراد بالاضطرار الاضطرار في حال التقية بأن يخاف من المخالفين- ان لم يتوضأ من الماء النجس- أن يقتلوه فح يجوز الوضوء به بل يجب عليه الوضوء بهذا الماء

______________________________

(1) الوسائل الباب

14 من أبواب النجاسات الحديث 8

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، در يك جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1407 ه ق

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)؛ ص: 302

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 5

(3) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 6- 7- 9

(4) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 6- 7- 9

(5) الوسائل الباب 14 من أبواب النجاسات الحديث 6- 7- 9

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 303

وجوب غسلها بعد رفع الاضطرار- كما يظهر ذلك من هذه الرواية حيث انه عليه السلام لم ينبه السائل بذلك فيحتمل قويا رفع التقية للأحكام الوضعية كما أنها رافعة للأحكام التكليفية.

و استدل القائلون بطهارة أهل الكتاب بالآية و الأخبار أما الآية فقوله تعالى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ الآية «1» فإن الطعام فيه إطلاق يشمل ذبائحهم و غيرها كالخبز و اللبن و السمن و غير ذلك فيستفاد من إطلاق الآية طهارتهم.

و لكن يرد عليه أن الطّعام قد فسر في بعض الأخبار الصحيحة و الموثقة بالحبوب فمنها رواية قتيبة الأعشى قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده فقال له: الغنم يرسل فيها اليهودي و النصراني فتعرض فيها العارضة فتذبح أ نأكل ذبيحته فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا تدخل ثمنها مالك و لا تأكلها فإنما هو الاسم و لا يؤمن عليه الّا مسلم فقال له الرجل: قال اللّه تعالى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام: كان أبى يقول: انما هو الحبوب و أشباهها «2».

و منها روايته الأخرى

عنه عليه السلام قال: رأيت عنده رجلا يسأله و هو يقول له:

ان لي أخا يسلف في الغنم في الجبال فيعطى السنّ مكان السنّ فقال: أ ليس بطيبة نفس من أصحابه؟ قال بلى، قال: فلا بأس قال: يكون فيها الوكيل فيكون يهوديا أو نصرانيا فتقع فيها العارضة فيبيعها مذبوحة و يأتيه بثمنها و ربما ملحها فأتاه بها مملوحة فقال: ان أتاه بثمنها فلا يخلطه بماله و لا يحركه، و ان أتاه بها مملوحة فلا يأكلها فإنما هو الاسم و ليس يؤمن على الاسم الّا مسلم فقال له بعض من في البيت: فأين قول اللّه عزّ و جل وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ فقال: ان أبى عليه السلام كان يقول: ذلك الحبوب و ما أشبهها (و أشباهها خ ل) «3».

و منها رواية على بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى:

______________________________

(1) سورة المائدة الآية 5

(2) الوسائل الباب 26 من أبواب الذبائح الحديث 1

(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الذبائح الحديث 6 و الباب 27 و الحديث 46

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 304

و طعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم قال عنى بطعامهم هنا الحبوب و الفاكهة غير الذبائح التي يذبحون فإنهم لا يذكرون اسم اللّه عليها اى على ذبائحهم ثم قال: و اللّه ما استحلوا ذبائحكم فكيف تستحلّون ذبائحهم «1».

و منها مفهوم رواية سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن طعام أهل الكتاب ما يحل منه قال: الحبوب «2».

و منها صحيحة هشام بن سالم عنه عليه السلام في قوله تعالى: و طعامهم حل لكم (وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ ظ) فقال: العدس و الحمص و

غير ذلك «3» الى غير ذلك من الأخبار بل عن كثير من أهل اللغة تفسير الطعام بخصوص البر و على فرض كون الطعام في الآية مطلق ما يؤكل فالمراد من حليته حليته من حيث هو فلا ينافيها حرمته و نجاسته من حيث كونه ملاقيا لهم بالرطوبة السارية مثل أن يقال: لحم الغنم حلال فمن المعلوم أنّ المراد من حليته انما هو من حيث ذاته فلا ينافيها ما إذا عرضت عليه الحرمة بالعنوان الثانوي مثل ما إذا كانت موطوءة للإنسان أو مغصوبة.

و أما ما عن بعض من أن المراد بالطعام في الآية ذبائح أهل الكتاب فهو مناف لقوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ «4» حيث ان من المعلوم عدم ذكرهم لاسم اللّه عز و جل على ذبائحهم و على فرض ذكر هم اسم اللّه عليها أو دلالة إطلاق الآية على حلية ذبائحهم فلا تدل على طهارتهم لعدم الملازمة بين الحلية و الطهارة كما يظهر ذلك فيما يصيده الكلب المعلّم فإنه إذا لم يدركه حيا و قتله الكلب قبل ذلك فإنه حلال إذا اجتمع فيه شرائط الصيد مع أنه ليس بطاهر بل موضع ملاقاته الكلب نجس كما هو واضح.

و أما الأخبار فمنها صحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الثياب السابرية يعملها المجوس و هم أخباث يشربون الخمر و نسائهم على تلك الحال ألبسها فأصلي فيها؟ قال: نعم قال معاوية: فقطعت له قميصا و خطته و فتلت له أزرارا و رداء من السابري ثم بعثت بها إليه في يوم الجمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج بها الى

______________________________

(1) الوسائل الباب 26

من أبواب الذبائح الحديث 6 و الباب 27 الحديث 46

(2) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبائح الحديث 2- 5

(3) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبائح الحديث 2- 5

(4) سورة الانعام الآية 121

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 305

الجمعة «1».

و منها صحيحة ابن سنان قال: سأل أبي أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا حاضر أنى أعير الذمي ثوبا و أنا أعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده على فأغسله قبل أن أصلّي فيه فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: صل فيه و لا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجسه فلا بأس أن تصلّى فيه حتى تستيقن أنه نجسه «2».

و لكن يمكن حمل الروايتين على ما إذا لم يعلم تنجيس المجوسي و الذمي للثوب بأن شك في ملاقاتهما له بالرطوبة السارية كما يظهر ذلك من الرواية الثانية فلا تدلان على طهارة المجوسي و الذمّي.

و منها صحيحة العيص قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن مؤاكلة اليهود و النصارى و المجوس فقال: ان كان من طعامك و توضأ فلا بأس «3».

و منها صحيحة إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في طعام أهل الكتاب فقال: لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال: لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال:

لا تأكله و لا تتركه تقول: انه حرام و لكن تتركه تتنزه عنه ان في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير «4» و منها صحيحة زكريا بن إبراهيم قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقلت:

انى رجل من أهل الكتاب و انّى أسلمت و بقي أهلي كلّهم على النصرانية و أنا معهم في

بيت واحد لم أفارقهم بعد فآكل من طعامهم فقال لي: يأكلون الخنزير فقلت: لا و لكنهم يشربون الخمر فقال لي: كل معهم و اشرب «5».

و منها موثقة عمار عنه عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوزا و إناء

______________________________

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب النجاسات الحديث 1

(2) الوسائل الباب 74 من أبواب النجاسات الحديث 1

(3) الوسائل الباب 53 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4

(4) الوسائل الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4

(5) الوسائل الباب 54 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 306

غيره إذا شرب على أنه يهودي قال: نعم قلت: فمن ذلك الماء الذي يشرب منه قال نعم «1».

و منها صحيحة إبراهيم بن محمود قال: قلت للرضا عليه السلام الجارية النصرانية تخدمك و أنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ و لا تغتسل من جنابة قال: لا بأس تغسل يديها «2».

و منها صحيحته الأخرى قال: قلت للرضا عليه السلام: الخياط أو القصار يكون يهوديا أو نصرانيا و أنت تعلم أنه يبول و لا يتوضأ ما تقول في عمله قال: لا بأس «3» الى غير ذلك من الأخبار الدالة بظاهرها على طهارة أهل الكتاب.

و لكن هذه الروايات- مع كثرتها و وجود الصحيح و الموثق فيها- لم يعمل الأصحاب بها و أعرضوا عنها مع أنها كانت بمرأى منهم و مسمع الا ما نقل عن ابن الجنيد من حكمه بطهارتهم و لكن لا يعبأ الأصحاب بخلافه لأنّ أكثر أقواله موافق للعامّة لعمله بالقياس.

و أما ابن ابى عقيل القائل بطهارة سؤر الذمي فيمكن أن يكون لأجل قوله بعدم انفعال الماء القليل كما هو مذهبه فلم يعلم مخالفته لما ذهب إليه الأصحاب و

قد عرفت عدم العلم بمخالفة المفيد القائل بكراهة سؤر الذمي لاحتمال أن يراد منها الحرمة مع عدم نسبة تلامذته هذا القول- أعني طهارة أهل الكتاب- اليه مع أنهم أعرف بمذهبه فح لا خلاف بين الأصحاب في نجاستهم الا من ابن الجنيد من القدماء و قد عرفت عدم اعتناء الأصحاب بمخالفته.

نعم قد وافقه بعض المتأخرين كالسبزواري و الفيض القاساني على ذلك لكنهما حيث كانا من المتأخّرين مع أن لهما أقوالا شاذة كحلية الغناء و طهارة الخمر و عدم وجوب الخمس فيما زاد على المؤنة في زمان الغيبة- فلا اعتداد بمخالفتهما فإذا انعقد الإجماع على نجاستهم فلا بد من تأويل هذه الروايات و حملها على بعض المحامل و إن كانت المحامل بعيدة أو نحملها على التقية لموافقتها لمذهب العامة و اللّه العالم.

ثم انه لا فرق في الكافر بين المنكر للألوهية أو المنكر للرسالة و بين من أنكر ضروريا

______________________________

(1) لم أظفر بها في مظانها نعم أوردها الهمداني في طهارته صفحة 560

(2) الوسائل الباب 54 من أبواب النجاسات الحديث 2

(3) لم أظفر بها نعم أوردها الهمداني في مصباح الفقيه صفحة 560

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 307

من ضروريات الإسلام كمن أنكر وجوب الصلاة أو الزكاة أو الحج بل و كذا إذا أنكر استحباب بعض المستحبات المعلوم ثبوته في الشرع الأطهر كاستحباب صلاة الجماعة.

و هل يكون إنكار الضروري سببا مستقلا للكفر فيوجب الكفر و إن كان الإنكار لشبهة أو يكون من حيث استلزامه لتكذيب النبي صلى اللّه عليه و آله فلا استلزام في موارد الشبهة أو يكون طريقا تعبديا لتحقق الكفر فلا بد من ملاحظة الدليل في كل مورد- وجوه.

و ربما يتمسّك لكونه سببا مستقلا لحصول الكفر بالأخبار الدالة على

تحقق الكفر بإنكار الفرائض أو إنكار أحد من الأحكام الضرورية كمكاتبة عبد الرحيم القصير الى الصادق عليه السلام حيث قال فيها: لا يخرجه (اى المسلم) الى الكفر الا الجحود و الاستحلال أن يقول للحلال: هذا حرام و للحرام: هذا حلال و دان بذلك فعندها يكون خارجا عن الإسلام و الايمان داخلا في الكفر و كان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة و أحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة و عن الحرم فضربت عنقه الحديث «1».

و كالصحيحة المنقولة عن أبي جعفر عليه السلام حيث سئل عن أدنى ما يكون به العبد مشركا قال: من قال للنواة حصاة و للحصاة: نواة و دان به «2».

و صحيحة أبي الصباح الكناني قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ان عندنا قوما يقولون: إذا شهد أن لا إله إلّا اللّه و أن محمدا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فهو مؤمن قال:

فلم يضربون الحدود و تقطع أيديهم الى أن قال: فما بال من حجد الفرائض كان كافرا الحديث «3».

و صحيحة عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك عن الإسلام و ان عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة و انقطاع فقال: من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك عن الإسلام و عذب أشدّ العذاب و إن كان معترفا أنّه أذنب و مات عليه أخرجه من الايمان و لم يخرجه من الإسلام و كان عذابه أهون من عذاب الأول «4» و حاصل ما يستفاد

______________________________

(1) أصول الكافي جلد 2 صفحة 27 من الطبعة الحديثة

(2) مصباح الفقيه للعلامة الهمداني صفحة 566

(3) مصباح

الفقيه للعلامة الهمداني صفحة 566

(4) أصول الكافي جلد 2 صفحة 33

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 308

من هذه الأخبار و غيرها أن الإسلام عبارة عن الشهادتين مع التدين بواجباته و محرّماته فمن أنكر واجبا من واجباته أو استحل محرما من محرّماته خرج عن الإسلام و صار كافرا و في هذه الأخبار إطلاق يشمل العالم بالضروري و الجاهل به بل يشمل كلّ منكر لحكم من أحكام الدين و ان لم يكن ضروريا بل و ان لم يكن إجماعيّا.

و من جملة ما استدلّ به على كفر مطلق من أنكر الضروري- و إن كان عن جهل- تسالم الأصحاب على كفر الخوارج و النواصب مطلقا اى من غير فرق بين العالم منهم و الجاهل مع وضوح كون أكثرهم من الجاهلين بحقّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام و كذا حقّ أولاده عليهم السلام فعدم تفصيلهم بين العالم بحقّهم و الجاهل يستكشف منه عدم الفرق بين منكر الضروري عن علم و عمد أو عن جهل بحقّهم عليهم السلام.

هذا و لكن يمكن أن يقال: انّ الظاهر أنّ هذه الأخبار منزلة على صورة العلم بكون شي ء ضروريا بقرينة التعبير في بعض هذه الأخبار بالإنكار و الجحد المختصان بصورة العلم فانّ من المعلوم عدم استعمال الجحد في صورة إنكار الشي ء جاهلا و على فرض ظهور ذلك في الإطلاق فلا بدّ من حمله على صورة العلم لاستثناء مورد الشبهة في كلمات كثير من الأصحاب فالقدر المتيقن إذا من هذه الأخبار هو صورة العلم بكونه ضروريا.

و حمل شيخنا الأنصاري قده هذه الأخبار على صورة العلم و العمد و على صورة الجهل أيضا إذا كان الجهل عن تقصير و أما إذا كان عن قصور فلا يشمله إطلاق هذه

الأخبار لدلالة بعض الأخبار على معذورية الجاهل مثل ما ورد في باب حدّ شارب الخمر من أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام رفع الحد عن شارب الخمر الذي اعتذر بأنّي لو أعلم أنّها حرام اجتنبتها «1».

و ما ورد عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام رجل دعوناه إلى جملة الإسلام فأقر به ثم شرب الخمر ثم زنا و أكل الربا و لم يتبيّن له شي ء من الحلال و الحرام أقيم عليه الحدّ إذا جهله قال: لا الّا أن تقوم عليه بيّنة أنّه قد كان أقر بتحريمها «2».

و ما ورد عن أبى عبيدة الحذاء بسند حسن قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لو وجدت رجلا كان من العجم أقرّ بجملة الإسلام لم يأته شي ء من التفسير- زنا أو سرق أو شرب خمرا لم

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 5- 2

(2) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 5- 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 309

أقم عليه الحدّ إذا جهله الّا أن تقوم عليه بينة أنّه قد أقرّ بذلك و عرفه «1».

و لكن قد فرّق الشيخ الأنصاري قده بين ما إذا كان الضروري مطلوبا فيه العمل كالصلاة و الزكاة و الصوم و بين الضروري الذي يكون المطلوب فيه الاعتقاد فحكم بعدم حصول الكفر بإنكار الأول- أي المطلوب فيه العمل إذا كان الإنكار عن قصور و علّله بأنّه يبعد أن لا يحرم على الشخص شرب الخمر (لجهله بحرمتها) و يكفّر بترك التديّن بحرمته.

و أمّا إذا كان المطلوب فيه الاعتقاد كالاعتقاد بالمعاد و الجنّة و النّار فالواجب عليه هو الاعتقاد دون العمل نظير الاعتقاد بالمبدإ و نبوة نبيّنا (صلّى اللّه عليه و

آله) فكما أنّ غير المعتقد بألوهيّة اللّه تعالى أو بنبوّة نبيّنا ص يكون كافرا و إن كان عن جهل قصور- غاية الأمر يكون معذورا و من المرجين لأمر اللّه- فكذا فيما نحن فيه مما يكون الاعتقاد فيه مطلوبا و بهذا الوجه جمع قدّس سرّه بين الأخبار الدالّة على كفر منكر الضروري و هذه الأخبار الدالّة على معذوريّة الجاهل.

و يرد عليه أنّه يلزم ممّا ذكره قده أنّ المجتهد إذا أفتى على خلاف الواقع يصير كافرا إذا كان اجتهاده عن تقصير في مقدماته كالقياس و لم يقل به أحد.

و ايضا ما الفرق بين ما إذا كان المطلوب منه العمل و بين ما إذا كان المطلوب منه الاعتقاد و ما الدليل على هذا الفرق و ما الدليل على إلحاق ما كان المطلوب منه الاعتقاد بمنكر الألوهية أو الرسالة؟

فالأقوى أنّ إنكار الضروري إذا كان عن علم و عمد دون ما إذا كان عن جهل مطلقا اى و إن كان الجهل عن تقصير بل إنكار مطلق ما كان من الدين موجب للكفر و إن كان ثبوت كونه من الدين- بالإجماع بل و ان لم يكن إجماعيّا و لكن علم كونه من الدين.

و المناط في حصول الكفر بالإنكار- هو رجوع إنكاره الى تكذيب النبيّ صلى اللّه عليه و آله فلم يتحقق هذا المناط في صورة الجهل و إن كان عن تقصير.

و أمّا تسالم الأصحاب على كفر الخوارج و النواصب مطلقا اى و إن كان الخروج عليهم عليهم السلام أو النصب لهم (ع) عن جهل فيمكن أن يكون لأجل الروايات المطلقة الواردة

______________________________

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 310

في ذلك لا لأجل إنكار هم

للضروري أما الروايات الواردة في نجاسة النواصب.

فمنها رواية القلانسي قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام ألقى الذمي فيصافحني قال: امسحها بالتراب أو الحائط قلت: فالنّاصب قال: اغسلها «1».

و منها مرسل الوشاء عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنه كره سؤر ولد الزنا و اليهودي و النصراني و المشرك و كلّ من خالف الإسلام و كان أشد ذلك عنده سؤر الناصب «2» و منها موثقة ابن أبى يعفور عنه عليه السلام أنه قال في حديث: و إيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت فانّ اللّه تعالى لم يخلق خلفا أنجس من الكلب و انّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه «3».

و منها روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمّام فانّ فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر إلى سبعة آباء و فيها غسالة الناصب و هو شرّهما انّ اللّه لم يخلق خلقا شرّا من الكلب و انّ الناصب أهون على اللّه تعالى من الكلب الحديث «4» الى غير ذلك من الاخبار.

و أمّا الروايات الدالّة على كفر الخوارج و نجاستهم.

فمنها رواية الفضل أنّه دخل على ابى جعفر عليه السلام رجل محصور عظيم البطن فجلس معه على سريره فحيّاه و رحب به فلمّا قام قال: هذا من الخوارج كما هو قلت: مشرك فقال: مشرك و اللّه مشرك «5».

و منها ما أرسل عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنه قال في وصفهم: أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية «6» و لعلّ الوجه في كفر الخوارج و النواصب على الإطلاق

كما يستفاد من هذه الأخبار بضميمة فتوى الأصحاب أنّ مودّة ذوي القربى التي قد أمر اللّه بها صارت من حيث الوضوح بمثابة الإقرار بالألوهيّة و الرسالة فكما أنّ إنكارهما

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب النجاسات الحديث 3

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب الأسئار الحديث 4

(3) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 12- 11

(4) جامع الأحاديث الباب 15 من أبواب المياه الحديث 12- 11

(5) الجواهر جلد 6 صفحة 50

(6) سفينة البحار جلد 1 صفحة 383

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 311

موجب للكفر و إن كان عن قصور- و كان معذورا لا يعذّبه اللّه على هذا الإنكار في الآخرة لأنه من المستضعفين- فكذا مودّة ذوي القربى فإن إنكارها يمكن أن يكون كإنكار الألوهية و الرسالة و بهذا البيان ظهر لك الوجه في كفر الخوارج و النواصب على الإطلاق.

و أمّا الغلاة فقد حكم في الشرائع بكفرهم لأنهم ينكرون الضروري من الدين» و لكن إذا كان المراد منهم من قال: بأنّ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام هو اللّه تعالى فهو منكر للألوهية لا للضروري من الدين و أمّا إذا كان المراد منهم من قال: انّ اللّه تعالى غير أمير المؤمنين و لكنه قد حل فيه أو حلّ في أحد من الأئمة فإنه يصير حينئذ من المنكرين للضروري لأن من ضروريات الدين أنّ اللّه تعالى لا يحل في شي ء من الأشياء و كذا يكون من الغلو الموجب للكفر أن يثبت للأئمة عليهم السلام الصفات المختصة باللّه تعالى مثل أن يدعى أنهم خالقون أو هم الرازقون للخلق أو هم المميتون للخلق أو هم المحيون لهم و هذا إذا ادّعى أنهم مستقلّون بهذه الأمور و أنّ اللّه تعالى

قد فرغ من جميع ذلك.

و أمّا إذا ادّعى أنّ هذه الأمور تصدر منهم باذن اللّه تعالى و أن اللّه قد مكنهم و أمرهم بها يفعلون ما يشاء اللّه فلا يوجب الكفر و غاية ما يترتب على هذه الدعوى هو الكذب ان لم نقل باستفادة ذلك من بعض الأخبار.

و من الطوائف الىّ قد حكم بعض بكفرهم المجسّمة و يمكن أن يوجّه كفرهم بأنّهم منكرون للضروري من ضروريّات الدين و هو أنّ اللّه تعالى بسيط غير محتاج الى التركيب و التركيب يستلزم التعدّد و مع أنّه قديم يلزم تعدّد القدماء و القول به موجب للشرك و ايضا الجسم محتاج الى الحيز و المحتاج ممكن مضافا الى دلالة ظاهر بعض الأخبار على كفرهم.

كرواية ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام قال: من شبه اللّه بخلقه فهو مشرك و من نسب اليه ما نهى عنه فهو كافر «1» و رواية الحسين بن خالد عنه عليه السلام قال: من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر مشرك «2».

و رواية داود بن القاسم عنه عليه السلام قال من شبه اللّه بخلقه فهو مشرك و من وصفه بالمكان فهو كافر «3». و رواية أبي الصلت الهروي عنه عليه السلام قال: من وصف

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حدّ المرتد الحديث 1- 5

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حدّ المرتد الحديث 1- 5

(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حدّ المرتد الحديث 16

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 312

اللّه بوجه كالوجوه فقد كفر «1».

و لكن يمكن أن يقال: انّ الحكم بكفرهم انّما هو في صورة التفاتهم بالملازمة و إقرارهم بالتركيب و التعدّد و أمّا إذا كان بدون التوجّه الى أنّ قولهم بجسميّته تعالى مستلزم للتركيب و

التعدّد و الاحتياج- كعدم توجّه أكثر العوام فلا يوجب- صرف القول بذلك- الكفر مع أنّ ظاهر بعض الآيات هو الجسميّة كقوله تعالى الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ «2» و قوله تعالى وَ جٰاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا «3» و غير هما فالتمسّك بظاهر الآيات مع عدم ملاحظة تأويلها ليس بكفر إذا لم يلتزم بلوازم الجسمية و لم يلتفت إليها و أمّا الروايات فلعلّ المراد بالكفر فيها هو الكفر الأخروي كما يأتي نظيره في بحث كفر العامّة و إسلامهم كيف لا و الحال أنّ كثيرا من العامة قائلون بجسميته تعالى بل كثير من عوام الخاصة يزعمون أنه تعالى جسم لا كالأجسام و نور لا كالأنوار و الالتزام بكفر جميعهم كما ترى.

و من الطوائف التي قد حكم الشيخ قده- على ما حكى عنه- بكفرهم المجبرة و دليله ظاهرا هو الرواية المتقدمة آنفا عن الرضا عليه لسلام قال: من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر مشرك و البحث في هذه الطائفة نظير الطائفة السابقة فإنه يقال في هذا المورد ايضا انّ القول بالجبر ان استلزم الإنكار لضروري من ضروريّات الدين كإنكار العذاب و إنكار بعث الرسل و إنزال الكتب فان هذه الأمور لازمة للقول بالجبر فهو موجب للكفر في صورة التزامه بهذه الأمور و إقراره بها و الّا فلا و الظاهر أنّ المراد بالكفر في الرواية هو الكفر الأخروي كما مرّ نظيره.

و هكذا الكلام في المفوّضة سواء أ كان المراد منهم من زعم أنّ اللّه تعالى قد فوض أمور الخلق من الأحياء و الإماتة و الخلق و الرزق الى محمد و إله صلوات اللّه عليهم أجمعين أم كان المراد منهم من زعم أنّ اللّه قد فوض جميع الأمور

إلى العباد و ليس له تعالى دخل و لا تصرّف في أي أمر من أمورهم من الرزق و المرض و الصحّة و الفقر و الغنى و غير ذلك فادّعى أنّ ذلك كلّه مفوّض إليهم فإن هذا القول أيضا إذا استلزم إنكار الضروري من نسبة العجز أو

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب حدّ المرتد الحديث 3

(2) سورة طه الآية 5

(3) سورة الفجر الآية 12

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 313

نسبة الفراغ اليه من جميع الأشغال مع أنّه تعالى قال كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ «1» (اى شغل)- فهو موجب للكفر و أمّا إذا كان غير ملتفت الى لوازم كلامه كما هو الشأن في غالب من قال بهذه الأقوال الفاسدة فلا يستلزم كلامه الكفر.

و أمّا المخالفون غير الناصبين للأئمة الهداة عليهم السلام و الصلاة فقد نسب الى السيّد المرتضى قدّه الحكم بكفرهم و نجاستهم بل نسب في الحدائق هذا القول إلى الشهرة بين القدماء و نقل عن الشيخ الجليل ابن النوبخت أنّه قال: دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا و من الأصحاب من يفسّقهم انتهى و قوى هذا القول في الحدائق و استدلّ على كفرهم بروايات كثيرة.

منها ما عن الكافي مسندا عن الباقر عليه السلام قال: انّ اللّه عزّ و جلّ نصب عليّا عليه السلام علما بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا و من جهله كان ضالّا «2» و منها رواية أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: انّ عليا عليه السلام باب فتحه اللّه من دخله كان مؤمنا و من خرج منه كان كافرا «3».

و منها ما عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: انّ عليا عليه السلام

باب من أبواب الجنّة فمن دخل بابه كان مؤمنا و من خرج من بابه كان كافرا و من لم يدخل فيه و لم يخرج عنه كان في الطبقة الذين للّه عزّ و جلّ فيهم المشية «4».

و منها حسنة الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: انّ اللّه عزّ و جلّ نصب عليّا عليه السلام علما بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا و من جهله كان ضالّا و من نصب معه شيئا كان مشركا و من جاء بولايته دخل الجنّة و من جاء بعداوته دخل النّار «5».

و منها رواية أبي سلمة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من عرفنا كان مؤمنا و من

______________________________

(1) سورة الرحمن الآية 29

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب حدّ المرتد الحديث 48- 49

(3) الوسائل الباب 10 من أبواب حدّ المرتد الحديث 48- 49

(4) أصول الكافي جلد 2 صفحة 389

(5) أصول الكافي جلد 2 صفحة 388 و جلد 1 صفحة 187

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 314

أنكرنا كان كافرا و من لم يعرفنا و لم ينكرنا كان ضالا «1» الى غير ذلك من الأخبار.

و استدلّ صاحب الحدائق على نجاستهم بأنّهم بمقتضى بعض الأخبار من النواصب فتشملهم الروايات الدالّة على كفر الناصب و أنّه أنجس من الكلب و هو رواية. عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنّك لا تجدا حدا يقول: انّى أبغض محمدا و آل محمد صلى اللّه عليهم و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنكم تتولّونا و تبرؤون من أعدائنا «2» و رواية محمّد بن على

بن عيسى قال: كتبت إليه يعنى على بن محمد عليه عليهما السلام أساله عن الناصب هل احتاج في امتحانه الى أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت و اعتقاد إمامتهما فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب «3».

و لكن لا يحضرني الآن من كلام القدماء شي ء و أمّا ما نسبه الى السيّد قده- فمع أنّه يحتمل أن يكون مراده ما نذكره في كلام غيره و في الأخبار- فهو ضعيف مخالف للأخبار الآتية و أما ما نقل عن ابن نوبخت فالظاهر أنّ مراده من الكفر الكفر الأخروي و ان حكى عن العلّامة أنّه قال في شرح كلامه في علّة كفرهم: انّ النصّ (اى النصّ على امامة أمير المؤمنين عليه السلام) معلوم بالتواتر من دين محمّد صلّى اللّه و آله فيكون ضروريّا اى معلوما من دينه فجاحده كافر كوجوب الصلاة انتهى فيحتمل أن يكون المراد كفر خصوص الطبقة الأولى من المسلمين الذين سمعوا النصّ من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثم أنكروه كما ذكره في الجواهر و من المعلوم أنّ النصّ لا يعلمه الّا بعض علمائهم.

و أمّا العوام منهم ان لم يعلموا بوجود النصّ على إمامته عليه السلام فلم يكن إنكارهم من الضروري مع أنّه يمكن أن يقال- كما احتمله الشيخ الأعظم في طهارته- أنّ إنكار هذا الضروري ليس كإنكار سائر الضروريات موجبا للكفر لكثرة احتياج الشيعة إلى معاشرة أبناء العامة و لذا قد رخصوا عليهم السلام في معاشرتهم كما يستفاد من الروايات الآتية.

أو يقال: انّهم و إن كانوا محكومين بالنجاسة الّا أنّ الشارع قد عفى عن هذه النجاسة

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3

(2) أصول الكافي جلد 2 صفحة

388 و جلد 1 صفحة 187.

(3) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 14

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 315

للعسر و الحرج الشديد على الشيعة لو حكم الشارع باجتنابهم.

و أمّا الروايات الدالّة بظاهرها على نجاستهم فتعارضها روايات كثيرة دالّة على إسلامهم و جريان أحكام الإسلام عليهم فمنها ما رواه في الكافي عن سفيان بن السمط قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الإسلام و الايمان ما الفرق بينهما؟ فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم التقيا في الطريق و قد أزف من الرجل الرحيل فقال له أبو عبد اللّه عليه السلام كأنّه قد أزف منك رحيل فقال: نعم فقال: فالقنى في البيت فلقيه فسأله عن الإسلام و الايمان ما الفرق بينهما فقال:

الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله. و اقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حجّ البيت و صيام شهر رمضان فهذا الإسلام و قال:

الايمان معرفة هذا الأمر مع هذا فإن أقرّ بها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلما و كان ضالّا «1» و منها موثقة سماعة أنه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام: أخبر في عن الإسلام و الايمان أ هما مختلفان فقال: انّ الايمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الايمان فقلت: فصفهما لي فقال: الإسلام و شهادة أن لا إله إلّا اللّه و التصديق برسول اللّه ص به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و على ظاهره جماعة النّاس و الايمان الهدى و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام و ما ظهر من العمل الخبر «2».

و منها صحيحة حمران

بن أعين عن الباقر عليه السلام قال: سمعته يقول: الايمان ما استقرّ في القلب و أفضى به الى اللّه تعالى و صدقه العمل بالطاعة للّه و التسليم لأمره و الإسلام ما ظهر من قول أو فعل و هو الذي عليه جماعة النّاس من الفرق كلّها و به حقنت الدماء و عليه جرت المواريث و جاز النكاح و اجتمعوا على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج فخرجوا بذلك من الكفر و أضيفوا الى الايمان الحديث «3» الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة على بيان الفرق بين الإسلام و الايمان و أنّ المخالف مسلم لكنّه ليس بمؤمن و يدلّ على إجراء أحكام الإسلام على المخالف الأخبار الكثيرة المتظافرة «4» الدالّة على حلية اللحوم و الشحوم و الجلود المأخوذة من أسواق المسلمين

______________________________

(1) أصول الكافي جلد 2 صفحة 24 و صفحة 25 و صفحة 26

(2) أصول الكافي جلد 2 صفحة 24 و صفحة 25 و صفحة 26

(3) أصول الكافي جلد 2 صفحة 24 و صفحة 25 و صفحة 26

(4) الوسائل الباب 50 من أبواب النجاسات

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 316

مع أنّ من المعلوم أنّ أكثر الأسواق في زمان صدور الروايات كانت قائمة بأبناء العامّة بل لم يكن للخاصّة سوق معلوم كما هو واضح.

و أمّا الأخبار المتقدّمة الدالّة بظاهرها على كفرهم فيمكن حملها- بقرينة هذه الروايات على الكفر الباطني و الأخروي و عليه يحمل ما نقل عن بعض القدماء كابن النوبخت من الحكم بكفرهم كما تقدّم.

و أمّا الجواب عن الروايتين الدالتين على أنّهم من النواصب فبأن يقال: أنّ من المحتمل أن يكون المراد أنّ تقديم الجبت و الطاغوت على مولانا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه و كذا

نصب الشيعة لكونهم موالين للأئمّة عليهم السّلام مرتبة ضعيفة من النصب لهم عليهم السلام فيكون حكمهم حكم النواصب المعلنين بسبّهم و عداوتهم عليهم السلام- بحسب العقاب الأخروي لا أنهم بحكمهم في جميع الأحكام حتى النجاسة بقرينة هذه الأخبار الدالّة على إثبات أحكام الإسلام عليهم.

و امّا قوله عليه السلام: لأنّك لا تجد أحدا يقول: انى أبغض محمّدا و آل محمّد ص فهو بظاهره خلاف الواقع لكثرة المبغضين لهم و السابين لهم و المستحلين لقتالهم عليهم السلام فلا بدّ من تأويله أورد علمه إلى أهله.

(فصل:)

اشارة

في أحكام النجاسات و هي أمور.

الأوّل

هل يكون المتنجّس منجسا إذا لاقى الطاهر له مع الرطوبة السارية أولا؟- المشهور بل ادّعى كثير من الأعلام الإجماع على تنجيس المتنجّس في الجملة.

نعم يظهر من ابن إدريس في السرائر إنكار سراية النجاسة فيما عدا الملاقي الأوّل و أنكر المحدّث الفيض القاساني على ما حكى عن مفاتيحه- إنكار السراية مطلقا اى حتى بالنسبة إلى الملاقي الأوّل استنادا الى روايات سنذكرها و نذكر الجواب عنها.

و استدلّ على السراية أوّلا بالإجماع من جميع العلماء في جميع الأعصار على تنجيس المتنجّس و مخالفة ابن إدريس غير قادحة بعد معلوميّة نسبه و الفيض من المتأخرين مع أنّ له فتاوى شاذة كطهارة الخمر و حلّية الغناء.

و ثانيا بالأخبار و هي كثيرة فمنها الروايات الدالّة على نجاسة الإناء إذا أدخل يده فيه

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 317

و كانت قذرة «1» و منها موثقة عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يجد في إنائه فأرة و قد توضأ من ذلك الإناء مرارا أو اغتسل أو غسل ثيابه و قد كانت الفأرة متسلّخة؟

فقال: إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه و يغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة الحديث «2».

و هذه الموثقة دالة على سراية النجاسة إلى الملاقي الثاني لأنّ الملاقي الأوّل الماء الذي لاقته الفأرة فتنجّس بها و الملاقي الثاني بدنه و ثيابه و غيرهما التي لاقت الماء فتنجّست به و قد أمر عليه السلام بغسلها و غسل كلّ ما أصابه ذلك الماء.

و منها رواية المعلّى بن خنيس عنه عليه

السلام في الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق يسيل منه الماء أمرّ عليه حافيا قال ع: أ ليس ورائه شي ء جافّ قلت: بلى قال:

فلا بأس انّ الأرض يطهّر بعضها بعضا «3».

تدل هذه الرواية على تنجّس الرجل الملاقية للأرض التي مشى عليها الخنزير الذي سأل منه الماء و أنّ الأرض الجافة تطّهرها و من المعلوم انّ الرجل الملاقية الثانية بل الثالثة بالنسبة إلى الخنزير فإنّ الملاقي الأول للخنزير هو الماء و الملاقي الثاني هو الأرض فتصير الرجل هي الملاقية الثالثة.

و منها الروايات الدالّة على وجوب تطهير الإناء إذا شرب الكلب منه الماء «4».

و منها صحيحة العيص قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذاه قال: يغسل ذكره و فخذه و سألته عمّن مسح ذكره بيده ثمّ عرقت يده فأصاب ثوبه يغسل ثوبه قال: لا «5».

و صدر هذه الرواية يدلّ على سراية النجاسات الى ثلاث وسائط لأنّ الذكر هو الملاقي الأوّل للبول و العرق هو الملاقي الثاني الذي لاقى الذكر و الملاقي الثالث هو الفخذ ان

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 8 من أبواب المياه

(2) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب المياه الحديث 4 و الباب 36 من أبواب النجاسات الحديث 5

(3) جامع الأحاديث الباب 12 من أبواب المياه الحديث 4 و الباب 36 من أبواب النجاسات الحديث 5

(4) جامع الأحاديث الباب 19 من أبواب النجاسات

(5) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث 1 و الباب 6 الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 318

اللذان لاقيا العرق و قد أمر عليه السلام بغسل الجميع و لكن ذيلها ينافي صدرها إذا كان المراد

من السؤال أنّ الموضع الذي أصاب البول هو الذي أصاب الثوب فيدلّ على عدم السراية مع أنّ الصدر دلّ على السّراية فيحصل التنافي بين الصدر و الذيل.

مضافا الى أنّ بعض الفقهاء استدلّ بذيلها على عدم تنجيس المتنجس و لكن يحتمل أن يكون المراد بالسؤال انّه مسح البول ببعض يده ثم مسح ثوبه ببعضها الآخر يشك معه أنّ موضع النجس من يده هل أصاب ثوبه أم لا فأجاب ع بأنّه لا يغسل ثوبه لأنّه لا يدرى أنّ الموضع الذي أصاب الثوب هو الموضع الذي أصابه البول هذه هي الروايات التي تدلّ على تنجيس المتنجّس لملاقيه.

و أمّا الروايات الدالّة- بظاهرها- على عدم تنجيس المتنجّس فكثيرة أيضا.

منها موثقة حنان بن سدير قال: سمعت رجلا يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال:

انّى ربما بلت فلا أقدر على الماء و يشتدّ ذلك علىّ فقال: إذا بلت فامسح و تمسحت (خ ل) ذكرك بريقك فان وجدت شيئا فقل: هذا من ذاك «1».

فإنّه يستفاد منها أنّ البلل الخارج بعد البول مع عدم الاستنجاء منه بحكم الريق اى هو طاهر مع أنّه أصاب موضع البول الذي لم يغسله.

و لكن يحتمل أن يكون مراد السائل من قوله: يشتدّ ذلك علىّ- أنّي بواسطة عدم وجدان الماء و خروج البلل الملاقي لموضع البول أقع في الشدّة و الضيق لأجل تنجّس جسدي و سراويلي فأجاب عليه السلام بأنّه يمكن لك دفع الشدّة بإلقاء الشك عليك بأن تمسح ذكرك- اى غير الموضع البول منك- بالريق فان وجدت بعد ذلك شيئا من الرطوبة فقل:

هذا رطوبة الريق لا الرطوبة الخارجة من مخرج البول فكأنّه عليه السلام علّمه بعض الحيل الشرعية.

و منها صحيحة حكم بن حكيم قال: قلت لأبي عبد اللّه

عليه السلام: أبول فلا أصيب الماء و قد أصاب يدي شي ء من القذر فأمسحه بالحائط أو التراب ثم تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي فقال: لا بأس به «2».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 34 من أبواب النجاسات الحديث 2

(2) لم أظفر بها مظانها نعم أوردها الهمداني في مصباحه صفحة 581

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 319

بناء على أنّ المراد أنّ خصوص موضع البول أصاب الوجه أو بعض الجسد أو الثوب.

و لكن يمكن أن يكون مراده أنّ هذه اليد التي أصاب ببعضها البول- أصابت الوجه و لكن لا أعلم أنّ الموضع المتنجّس أصاب الوجه أو الموضع الطاهر منها أصاب وجهي فأجاب (ع) بأنّه لا بأس به يعني أنّك حيث لا تعلم بأنّ خصوص الموضع المتنجّس قد أصاب وجهك فلا تعتن بذلك و منها رواية سماعة أو موثقته قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: انّى أبول فأتمسّح بالأحجار فيجي ء منّي البلل ما يفسد سراويلي قال: لا بأس به «1».

و هذه الرواية يمكن أن يكون نفى البأس فيها لأجل عدم تنجيس المتنجّس فتصير دليلا لما نحن فيه.

و يحتمل أن يكون لأجل كفاية المسح بالأحجار في رفع قذارة البول فتكون الرواية موافقة لقول العامة و حيث انّه لا دليل على تعيين أحد الاحتمالين فلا يمكن الاستدلال بها مع أنّها ضعيفة السّند.

و منها رواية حفص الأعور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الدنّ يكون فيه الخمر ثم يجفّف فيجعل (يجعل خ ل) فيه الخلّ قال: نعم «2».

فإنّه يستفاد منها أنّ الدن مع أنّه لاقى الخمر و تنجّس لا ينجّس الخلّ الذي يصبّ فيه و الّا كان عليه أن يأمر بغسله و لكن تعارض هذه الرواية روايات

أخر.

مثل رواية عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الدنّ يكون فيه الخمر هل يصلح أن يكون فيه الخلّ أو ماء كامخ أو زيتون قال: إذا غسل فلا بأس و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر أ يصلح أن يكون فيه ماء قال: إذا غسل فلا بأس الحديث «3».

و رواية علىّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الشراب في إناء يشرب فيه الخمر قدحا عيدان أو باطية قال: إذا غسله فلا بأس و سألته عن دنّ الخمر أ يجعل

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 16 من أبواب التخلّي الحديث 6

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 12

(3) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 9

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 320

فيه الخلّ و الزيتون أو شبهه قال: إذا غسل فلا بأس «1». الى غير ذلك من الأخبار فلذا حمل الشيخ قده رواية حفص الأعور على ما إذا غسل ثلاثا، و منها اى من الروايات الدالة- بظاهرها على عدم تنحيس المتنجس رواية على بن جعفر عنه عليه السلام قال: سألته عن الكنيف يصبّ فيه الماء فينتضح على الثياب ما حاله قال: إذا كان جافّا فلا بأس «2» بناء على أنّ المراد أنّ الكنيف مع كونه نجسا- إذا انتضح الماء منه على الثياب لا تتنجّس لعدم تنجيس المتنجّس و أمّا إذا كان رطبا فلا يكون كذلك لوجود أجزاء النجاسة فيه فيكون من انتضاح النجس حينئذ دون المتنجّس.

و لكن يحتمل أن يكون المراد أنّ الموضع ان كان جافا بإشراق الشمس عليه فلا بأس لأنّه قد طهّرته الشمس و كيف كان فلا يمكن الحكم بظواهر هذه الروايات مع هذه الاحتمالات فيها مع

ما في أكثرها من الضعف و أعراض المشهور عنها فلا تكافئ تلك الأخبار الصحيحة و المعتبرة المعمول بها فالأقوى ما عليه المشهور من أنّ المتنجّس منجّس.

الثاني:

من أحكام النجاسات أنّه يحرم على المكلّف تنجيس المساجد و استدلّ لتحريم تنجيس المساجد بأمور الأوّل الإجماع الثاني قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ «3» بدعوى عدم الفصل بين نجاسة المشرك و سائر النجاسات و دعوى عدم الفصل بين المسجد الحرام و سائر المساجد.

و لكن يمكن أن يناقش في دلالة الآية بأنه لم يثبت كون النجس في الآية بمعنى النجس الشرعي إذ يحتمل أن يكون بمعنى القذارة و لم يثبت شرعا عدم جواز إدخال كلّ قذر في المسجد.

و استدلّ ايضا بقوله تعالى أَنْ طَهِّرٰا بَيْتِيَ لِلطّٰائِفِينَ وَ الْعٰاكِفِينَ «4» مع تتميمه بعدم

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 10

(2) جامع الأحاديث الباب 37 من أبواب النجاسات الحديث 10

(3) سورة التوبة الآية 28

(4) سورة الحج الآية 26

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 321

الفصل بين المسجد الحرام و غيره و لكن يرد على هذا الاستدلال أنّ الأمر على فرض دلالته على الوجوب لا يدلّ الّا على وجوب تطهير المسجد بعد تنجّسه فلا يدلّ على حرمة تنجيس المسجد كما لا يخفى فتأمّل.

الثالث- الرواية المرويّة من طرق العامة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:

جنّبوا مساجد كم النجاسة «1» بعد انجبار ضعفها بعمل الأصحاب بها.

و يمكن أن يناقش في دلالتها- مع الغضّ عما في سندها- بأنّه يحتمل أن يكون المراد بالمساجد مواضع السجدة كما في قوله تعالى أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ فَلٰا تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً «2».

الّا أنّ يجاب عن هذه المناقشة بأنّ الظاهر من المساجد هي المساجد

المعروفة لا مواضع السجدة لوقوع نظائرها في الأخبار كقوله عليه السلام: جنّبوا مساجدكم الأطفال و المجانين و نحو ذلك.

و استدلّ ايضا على عدم جواز تنجيس المساجد بموثقة الحلبي قال: نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد زفاق قذر فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: أين نزلتم فقلت: في دار فلان فقال: انّ بينكم و بين المسجد زقاقا قذرا أو قلنا له: انّ بيننا و بين المسجد زقاقا قذرا فقال: لا بأس انّ الأرض يطهر بعضها بعضا «3» و بروايته الأخرى عنه عليه السلام قال:

قلت له: انّ طريقي الى المسجد في زقاق يبال فيه فربّما مررت فيه و ليس علىّ حذاء فيلصق برجليّ من نداوته فقال: أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة قلت: بلى قال: فلا بأس أنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا قلت: فأطأ على الروث الرطب فقال: لا بأس أنا و اللّه ربما وطئت عليه ثم أصلّي و لا أغسل «4».

و يرد على الاستشهاد بهذه الرواية أنّه يمكن أن يكون مورد نظر السائل أنّ النجاسة مانعة للصلاة فأجاب عليه السلام بأنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا حصوصا بقرينة

______________________________

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة الحديث 2

(2) سورة الجن الآية 18

(3) جامع الأحاديث الباب 36 من أبواب النجاسات الحديث 1

(4) جامع الأحاديث الباب 36 من أبواب النجاسات الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 322

ذيله من قوله ع: ثمّ أصلّي و لا أغسل.

و ربّما يستدلّ بهذه الأدلّة على عدم جواز إدخال مطلق النجاسات في المسجد و إن كانت غير متعدّية.

و لكن يرد عليه- مضافا الى الخدشة في أصل دلالتها على حرمة إدخال مطلق النجاسات و المتعدية ايضا- أنّ ما

يستفاد من بعض الأخبار من جواز اجتيار الجنب و الحائض و دخول الأطفال- على كراهية- و دخول صاحب القروح و الجروح- في المساجد مع العلم غالبا أو دائما بنجاستهم و حضور صاحب القروح و الجروح و من به الدم القليل لصلاة الجماعة- مناف لذلك كلّه و للأخذ بإطلاق الأدلّة المتقدّمة و يعلم أنّ الإطلاق ليس على حاله بل المراد حرمة تلويث المسجد بالنجاسة الذي لا يتحقّق إلا بإدخال النجاسة الرطبة فيه فلا بأس بإدخال اليابسة نعم إذا استلزم إدخالها هتكا للمجسد يحرم ح إدخالها فيه لأجل الهتك لا لأجل حرمة مطلق إدخال النجاسة فيه.

ثم انّه كما يحرم تنجيس المساجد كذلك يجب إزالة النجاسة عنها إجماعا و مستند ذلك- بعد الإجماع- هي الأدلّة المتقدّمة- أعني قوله تعالى فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ و قوله تعالى وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ إلخ و قوله صلّى اللّه عليه و آله: جنّبوا مساجدكم النجاسة- بل دلالة بعض تلك الأدلّة على وجوب التطهير أوضح من دلالتها على حرمة تنجيس المساجد بل يستفاد من بعضها أوّلا و بالذات وجوب التطهير كقوله تعالى وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ و قوله ص جنّبوا مساجدكم النجاسة و دلالة هذين على حرمة التنجيس على نحو الاستلزام.

ثم أنّه ألحق بالمساجد في حرمة تنجيسها و وجوب تطهيرها عن النجاسات المشاهد المشرفة و الضرائح الشريفة و كذا المصحف الشريف و كتب الأحاديث بل يمكن إلحاق كلّ ما يكون تنجيسه هتكا لحرمة الإسلام كالكتب الفقهيّة و الرسائل العملية و الأمكنة المعدّة للعبادة كمزار العلماء و الصلحاء و أولاد الأئمّة الأطهار صلوات اللّه عليهم ما بقي الليل و النهار.

و أمّا إذا لم يستلزم التنجيس للهتك بأن صار جلد الكتب متنجسا بالنجاسة غير العينية و كذا

سائر المذكورات فلا يجب تطهيرها.

ثم انّ ازالة النجاسة عن المساجد فورية فلا يجوز تأخيرها و المبادرة بالصلاة في سعة وقتها فان صلّى قبل الإزالة قيل ببطلان الصلاة لأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 323

الخاص.

و لكن حيث اخترنا في الأصول عدم كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضدّه الخاصّ- فلا نحكم ببطلان الصلاة من هذه الجهة نعم يمكن الحكم ببطلانها من جهة عدم الأمر بها مع ورود الأمر بالإزالة لعدم إمكان صدور الأمر بالضدّين في وقت واحد و المفروض أنّ مشروعية العبادة تحتاج الى ورود الأمر من الشارع.

و لكن يمكن تصوير وجود الأمر على نحو الترتّب بأن يقال: انّ الصلاة و الإزالة كل واحدة قد تعلق الأمر بها بالأصالة و لكن يمنع الأمر الصلاتي الأمر بالإزالة فإذا خالفه فالأمر بالصلاة يصير فعليّا مع أنّه يمكن أن يقال: انّا لا نحتاج الى وجود الأمر بالصّلاة فإنّ المصلحة الذاتية الكائنة فيها تصيرها راجحة بحيث يمكن تحقّق نيّة التقرّب بها.

(الثالث:)

من أحكام النجاسات أنّه تجب على المصلّى إزالة النجاسة عن بدنه و لباسه فان صلّى مع النجاسة عامدا مختارا بطلت صلاته و ان صلّى جاهلا بالنجاسة صحّت و ان صلّى ناسيا لها بطلت ايضا و تدل على الفروع الثلاثة- أعني بطلان صلاته بإتيانها مع النجاسة تعمّدا أو نسيانا و صحّة إتيانها مع النجاسة جهلا روايات كثيرة.

منها رواية عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم قال: ان كان علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّى ثم صلّى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى و ان كان لم

يعلم به فليس عليه اعادة «1».

و منها رواية الحسن بن زياد قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يبول فيصيب بعض فخذه و ركبته قدر نكتة من بوله فيصلّى ثم يذكر بعد ذلك أنه لم يغسله قال:

يغسله و يعيد صلوته «2».

و منها رواية ابن مسكان قال: بعثت بمسألة إلى أبي عبد اللّه عليه السلام مع إبراهيم بن ميمون قلت سله (تسأله خ ل) عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلّى و يذكر بعد ذلك أنّه لم يغسلها قال: يغسلها و يعيد صلاته الصلاة «3» الى غير ذلك من

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث 3

(2) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 2- 3 و الباب 28 من أبواب النجاسات- 28 الحديث 15

(3) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 2- 3 و الباب 28 من أبواب النجاسات- 28 الحديث 15

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 324

الأخبار و سنتكلّم في هذه المسألة تفصيلا.

فصل في النجاسات المعفوّ عنها في الصلاة
اشارة

و هي أمور

الأول دم القروح الثاني دم الجروح

و هل يكون العفو منهما على الإطلاق أو بشرط أن يكون في تطهيرهما المشقة أو بشرط السيلان مع ذلك؟- قد اعتبر كثير من القدماء و المتأخّرين- بل قيل: انّه مختار الأكثر وجود القيدين بل قيل: انّ المستفاد من الأخبار ذلك و لكن قال بعضهم بأنّه لا يشترط شي ء من القيدين بل يكون الدم معفوّا ما دام القروح أو الجروح باقية فلنذكر بعض الأخبار حتّى يتضح القول الصواب.

فمنها صحيحة ليث المرادي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يكون به الدماميل و القروح فجلده و ثيابه مملوّة دما و قيحا (و ثيابه بمنزلة جلده خ ل) فقال: يصلّى في صلاته و لا يغسلها و لا شي ء عليه «1».

و منها موثقة سماعة عنه عليه السلام قال إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتّى يبرأ و ينقطع الدم «2».

و منها رواية أبي بصير قال: دخلت على ابي جعفر عليه السلام و هو يصلّى فقال لي قائدي: انّ في ثوبه دما فلما انصرف قلت له: انّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دما فقال لي: انّ بي دماميل و لست أغسل ثوبي حتّى تبرأ «3». و هذه الرواية كالصريحة بأن غاية وجوب غسل الدم حصول البرء.

و مثله رواية سماعة بن مهران التي قبل هذه الرواية و المراد بانقطاع الدم في رواية سماعة هو حصول البرء و ليس المراد بحصول البرء هو انقطاع الدم و ان لم يبرأ الجرح فإنّه خلاف الظاهر فيستفاد من الروايتين العفو عن هذا الدم ما دام القرح و الجرح باقيين و بعد حصول البرء يجب تطهير الدم و لم يقيّد في الروايتين بحصول المشقة في تطهيره بل

هما مطلقتان.

نعم يظهر من موثقة سماعة اعتبار السيلان حيث قال: إذا كان بالرجل جرح سائل.

و مثله رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن الرجل تخرج

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث 3

(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 18- 20

(3) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 18- 20

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 325

به القروح فلا تزال تدمى كيف يصلّى فقال: يصلّى و ان كانت الدماء تسيل «1».

حيث يستفاد منها أنّ مفروض السؤال هو دوام الإدماء فيستكشف من الروايتين أنّ العفو مشروط بالسّيلان هذا.

و لكن رواية محمّد بن مسلم دلالتها على عدم اعتبار السيلان أظهر لأنّه عليه السلام قال في جوابه: يصلّى و ان كانت الدماء تسيل حيث يظهر منه أنّه فرض فردا خفيّا يعنى تجوز الصلاة مع الدماء و إن كانت تسيل فضلا عمّا إذا لم تكن سائلة ففرض السيلان فرض خفي فعدم السيلان اولى بالعفو مع أنّه ليس المراد بالسيلان سيلان الدم دائما بحيث لا يحصل له فتور و انقطاع فإنّه غير ممكن في أكثر القروح و الجروح بل المراد بالسيلان في بعض هذه الأخبار و كلمات بعض الأصحاب مجي ء الدم شيئا فشيئا أي في وقت دون وقت بحيث لم ينقطع بالكلية فإنّه يطلق عليه السيلان في العرف مثلا إذا رأى أحد في بدن غيره جراحة يسيل منها الدم ثمّ رآه بعد أيّام فسأل عنه هل انقطع الدم أولا فأجابه بأنّه لا يزال يجرى منه الدم- لا يتبادر الى ذهن السّائل أنّ الدم كالماء الجاري لا ينقطع جريانه أصلا بل يستفيد من كلامه أنّ جرحه لمّا يندمل و يجي ء منه الدم في بعض الأحيان

هذا تمام الكلام في السيلان. و أمّا اعتبار المشقّة فإطلاق هذه الروايات يدفعه نعم يستشعر من بعض الأخبار اعتبارها.

فمنها مضمرة سماعة قال: سألته عن الرجل به القرح أو الجرح فلا يستطيع أن يربطه و لا يغسل دمه قال: يصلّى و لا يغسل ثوبه كلّ يوم الّا مرّة فإنّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة «2».

و منها رواية محمد بن مسلم المضمرة قال: قال: انّ صاحب القرحة التي لا يستطيع ربطها و لا حبس دمها يصلّى و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرّة «3».

و لكن لا يمكن الاعتماد على هاتين المضمرتين لأنّها مخالفتان لإطلاق الروايات المتقدّمة التي فيها الصحيحة و الموثقة مع كونهما مضمرتين و مشتملتين على ما لم يفت الأصحاب به و هو غسل الثوب في كلّ يوم مرّة.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 14

(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 19

(3) لم أظفر مظانها نقلها الهمداني في طهارته صفحة 588

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 326

نعم حملهما الأصحاب بالنسبة إلى غسل الثوب كلّ يوم مرّة على الاستحباب فح العمل على طبق إطلاق تلك الأخبار متعيّن اللّهم الّا أن يقال: انّ تلك الأخبار مطلقة يمكن تقييدها بهاتين المضمرتين لكن يرد عليه أنّ المضمرتين لا تصلحان للتقييد لأنّهما ضعيفتا السند و لا جابر لهما و إن كان الأحوط اعتبار المشقة في غسل الدم.

و أمّا اعتبار السيلان فقد عرفت معناه و أنّ المراد به على تقدير اعتباره هو عدم انقطاع الدم بالمرّة و لا بأس بالالتزام به بهذا المعنى و ان أمكن دفع اعتباره بإطلاق سائر الأخبار.

ثم انّ المعفو من دم القروح و الجروح ما كان في أطراف القروح- أو

الجروح دون ما إذا تجاوز من أطرافها فإذا تجاوز عن المقدار المتعارف إلى الأطراف و كان يمكنه ربطه بخرقة أو نحوها فالأقوى عدم العفو، و المقدار المتعارف يختلف بحسب اختلاف القروح و الجروح في الكبر و الصغر و بحسب اختلاف مواضعها و لا بدّ من صدق القروح أو الجروح من موارد العفو فالدماميل الصغار التي تحصل بالحكّة و نحوها لا يصدق عليها القروح و كذا الشقاق الذي يتحقق في البدن بواسطة البرد و نحوه لا يصدق عليه الجروح نعم في صورة الصدق في كلّ مورد يجرى عليه حكم العفو، و في موارد عدم الصدق ان استلزم غسلها للعسر و الحرج المنفيين في الإسلام لا يجب غسلها بواسطة أدلة العسر و الحرج لا بواسطة هذه الأدلّة فإنّ هذه الأدلة أعمّ من أدلّة العسر و الحرج فانّ الظاهر من هذه الأدلّة هو العفو عن دم القروح و الجروح و ان لم يستلزم غسلها للعسر و الحرج فهذه الأدلّة دائرتها أوسع من دائرة أدلة نفى العسر و الحرج.

(الثالث:)

ممّا يعفى عنه في الصلاة الدم الأقلّ من الدرهم و ادّعى غير واحد على عفوه الإجماع و أمّا الدم الذي يكون أكثر من الدرهم فالإجماع على عدم عفوه.

و انّما الاختلاف في الدم الذي يكون بمقدار الدرهم فالأكثر على عدم عفوه و قيل بالعفو عنه و يستشعر ذلك من بعض الأخبار فلنذكر بعضها حتّى يتّضح القول المختار.

منها صحيحة عبد اللّه بن أبى يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما تقول في دم البراغيث؟ قال: ليس به بأس قال: قلت: انّه يكثر و يتفاحش قال: و ان كثر قلت:

فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى

أن يغسله فيصلّى ثم يذكر بعد ما صلّى أ يعيد صلاته قال: يغسله و لا يعيد صلاته الّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 327

و يعيد الصلاة «1» و هذه الرواية صريحة في عدم العفو عن الدم بمقدار الدرهم و هي صحيحة و ليس لها معارض صريح و ما يترائى من بعض الأخبار الآتية من ظهوره في العفو عن مقدار الدرهم- سيجي ء التكلّم فيه و قوله ع: مجتمعا اى يقدّر مجتمعا بمقدار الدرهم و ليس المراد به الاجتماع الفعلي.

و منها مرسلة جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما قالا: لا بأس بأن يصلّى الرجل في الثوب و فيه الدم متفرّقا شبه النضح و ان كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم «2».

و منها رواية إسماعيل الجعفر عن أبي جعفي عليه السلام قال في الدم يكون في الثوب: إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة و إن كان أكثر من قدر الدرهم و قد كان قد رآه فلم بغسل حتّى صلّى فليعد صلاته و ان لم يكن رآه حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة «3».

و استدلّ من قال بالعفو عن الدم بمقدار الدرهم أوّلا بهذه الرواية لأنّه عليه السلام قد علّق الإعادة على ما إذا كان الدم أكثر من الدرهم فيستفاد منها عدم وجوب الإعادة فيما إذا كان بمقدار الدرهم و الّا لم يكن لتعليق وجوب الإعادة على ما إذا كان أكثر من الدرهم ثانيا بحسنة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الدم يكون في الثوب على و

أنا في الصلاة قال: ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم و ما كان أقلّ من ذلك فليس بشي ء رأيته قبل أو لم تره و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله و صلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه «4».

و لكن لا يمكن التمسّك بالروايتين لإثبات العفو عن مقدار الدرهم- بعد التصريح في صحيحة ابن ابى يعفور بوجوب غسل مقدار الدرهم و اعادة الصلاة فيمكن حمل الروايتين على بعض المحامل.

أمّا الرواية الأولى فبأن يقال: انّ غاية ما تدلّ عليه هو عدم بيان حكم الدم بمقدار

______________________________

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 1

(2) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 4- 2

(3) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 4- 2

(4) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 6

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 328

الدرهم فكما يحتمل دخوله في حكم الجملة الأولى- أعنى حكم الدم الأقل من الدرهم- فكذا يحتمل دخوله في حكم الجملة الثانية- أعني حكم ما إذا كان أكثر من الدرهم- و لا مرجح لأحد الاحتمالين على الآخر فتكون الرواية مجملة بالنسبة إلى الدم بمقدار الدرهم و يقال أيضا إذا كان الدم بمقدار الدرهم معفوّا فلم خصّ العفو في صدر الرواية بالدم الأقلّ من الدرهم فمع هذا الإجمال كيف يمكن التمسك بالرواية؟

و أمّا الرواية الثانية فإنّها أيضا لا تخلو عن إجمال لأنّ قوله ع و ما كان أقلّ من ذلك- كما في نسخة الكافي و التهذيب- ان كان المشار اليه بذلك- الزائد

من الدرهم- أي إذا كان أقلّ من الزائد عن الدرهم- فيكون مقدار الدرهم على هذا البيان معفوا عنه.

و أمّا إذا كان كلمة ذلك إشارة إلى الدرهم فيكون المعفوّ أقلّ من الدرهم و إن كان يؤيّد الاحتمال الأوّل قوله ع: و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم و يؤيّد الاحتمال الثاني ما عن الفقيه من قوله ع: فان كان أقلّ من درهم بدل قوله: و ما كان أقلّ من ذلك فيكون حكم العفو مختصا بأقلّ من الدرهم.

و الحاصل أنّ هذه الرواية مع هذه الاحتمالات و اختلاف النسخ لا يمكن الاستدلال بها فالعمل ح على طبق صحيحة ابن ابى يعفور مع أنّ عمل أكثر الأصحاب على طبقها.

ثم انّه لا فرق ظاهرا بين ما إذا كان الدم الأقل من الدرهم مجتمعا و بين ما إذا كان متفرقا و ربّما يقال: بأنّ المتفرق مثل النضح معفو عنه و إن كان أكثر من الدرهم.

و استدلّ له بصحيحة ابن ابى يعفور المتقدمة حيث قال في ضمنها: قلت: فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلّى ثم يذكر بعد ما صلى، أ يعيد صلاته قال: يغسله و لا يعيد صلاته الّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة حيث يظهر منها أنّ مقدار الدرهم إذا كان مجتمعا فلا بدّله من إعادة الصلاة.

و لكن هذا بناء على أن يكون مقدار الدرهم اسما لكان و مجتمعا خبره أو يكون مجتمعا خبرا بعد خبر لكان أو يكون حالا لمقدار الدرهم و أمّا إذا كان حالا للدم المقدر كونه اسما لكان فيصير معناه ح الّا أن يكون ذلك الدم اى الدم المنقط اى

المنتشر في الثوب بمقدار الدرهم حال كون الدم مجتمعا اى مقدرا اجتماعه بمقدار الدرهم فيكون المراد بالاجتماع

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 329

الاجتماع التقديري دون الفعلي و ظاهر الرواية هو الاحتمال الأخير فإنّه المناسب لمفروض السؤال و أمّا إذا كان المراد الاجتماع الفعلي فلا يناسب مفروض السائل فإنّ السائل إنما سأل عن الدم المنتشر في الثوب لا مطلق الدم أو الدم المجتمع فجوابه بحكم الدم المجتمع جواب بشي ء أجنبيّ عن السؤال فيصير الاستثناء عند ذلك منقطعا بخلاف ما إذا كان المراد بالاجتماع الاجتماع التقديري فإن الجواب يصير حينئذ ملائما للسؤال.

و استدل هذا القائل أيضا بمرسلة جميل المتقدمة حيث قالا- اى الباقر و الصادق عليهما السلام: لا بأس بأن يصلّى الرجل في الثوب و فيه الدم متفرّقا شبه النضح و إن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم. بأن يكون المراد إذا كان مجتمعا ففيه بأس إذا كان بمقدار الدرهم و أمّا إذا لم يكن مجتمعا فلا بأس و إن كان بمقدار الدر هم.

و لكن دلالة هذه الرواية على مراد هذا البعض أضعف من دلالة الأولى بل دلالتها على ما ذكرناه في الرواية الأولى- من أنّ المراد بالاجتماع الاجتماع التقديري لا الفعلي- أظهر من دلالة الرواية الأولى فالأقوى ما عليه الأكثر من أنّه لا فرق بين الدم المجتمع و المتفرّق في الحكم.

ثم انه استثنى من الدم الأقلّ من الدرهم الدماء الثلاثة- أعني دم الحيض و النفاس و الاستحاضة و كذا دم النجس العين كالكلب و الخنزير و الكافر و الميتة و كذا دم غير مأكول اللحم أمّا الدليل على استثناء دم الحيض- مضافا الى دعوى الإجماع عليه من

غير واحد- فرواية أبي بصير عن أبي جعفر و ابى عبد اللّه عليهما السلام قالا: لا تعاد الصلاة من دم لم لا تبصره الّا دم الحيض فإنّ قليله و كثيره في الثوب ان رآه أو لم يره سواء «1».

و استشكل في الرواية بأمرين أحدهما ضعف السند و ثانيهما من جهة ضعف الدلالة- فان قولهما عليهما السلام: لا تعاد الصلاة من دم لم لا تبصره- كما يحتمل أن يكون المراد به القلّة يعني لا تعاد الصلاة من الدم الذي لا يدركه الطرف لأجل قلته- كذلك يحتمل أن يكون المراد منه الدم الذي لم تره قبل الصلاة اى ان كنت به جاهلا قبل الصلاة خصوصا في

______________________________

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب النجاسات الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 330

النسخة المشتملة على لفظ لم في قوله: من دم لم تبصره فإنّ الأظهر أنّ المراد الجهل بوجوده فمع هذين الإشكالين كيف يمكن التمسّك بالرواية؟

و لكن يمكن الجواب عن كلا الإشكالين أمّا ضعف السند فمنجبر بعمل الأصحاب بها.

و أمّا ضعف الدلالة فيقال: انّ المراد بقرينة فهم الأصحاب و بقرينة قوله: الّا دم الحيض فإن قليله و كثيره إلخ- الدم القليل لا الدم المجهول وجوده فح يحتمل أن يكون قوله رآه أو لم يره تأكيدا لقوله: قليله و كثيره يعنى أنّ دم الحيض و إن كان قليلا بل و ان لم يره من جهة قلّته لا بد من إعادة الصلاة منه و على فرض أن يكون المراد بقوله: و ان لم يره الجهل بوجوده فيكفي قولهما عليهما السّلام: قليله و كثيرة غاية الأمر أنّ الرواية دالّة على عدم العفو عن دم الحيض حتّى في حال الجهل بوجوده فالرواية تصير حينئذ

غير معمول بها بالنسبة الى هذه الفقرة و لا مانع منه بعد عمل الأصحاب بالفقرة الأولى- أعنى قولهما ع: قليله و كثيره.

و على فرض ضعف سند الرواية و دلالتها فالإجماع و عدم نقل الخلاف كاف في المسألة هذا كلّه في دم الحيض.

و أمّا دم النفاس فلا رواية فيه تدل على المنع نعم يمكن دلالة هذه الرواية المانعة من دم الحيض على ذلك بان يقال ان دم النفاس هو دم الحيض حبسه اللّه تعالى في رحم الأمّ لغذاء الولد كما يستفاد من بعض الأخبار «1» فيكون من أفراد دم الحيض الممنوع فيه الصلاة.

و فيه أنّ هذا الوجه مجرد استحسان لا يمكن الاعتماد عليه فإنّه يشبه بالقياس فانّ كونه بحسب الواقع دم الحيض لا يترتب عليه جميع أحكام الحيض و الّا فلا وجه لجعله قسيما للحيض و فردا مقابلا له فالعمدة في المستند هو دعوى الإجماع.

و كذا الاشكال بعينه جار في دم الاستحاضة بأنّه ليس من أقسام الحيض و لم يدلّ على مانعيّته دليل على حده و يجاب بهذا الجواب أيضا بأن يقال: انّه و ان لم يكن من أفراد الحيض الّا أنّ بطلان الصلاة بترك الاغتسال منه يصيره بمنزلة دم الحيض.

______________________________

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب النفاس

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 331

و لكن هذا الجواب كسابقه فالعمدة فيه ايضا دعوى الإجماع.

و أمّا دم نجس العين فذكروا لاستثنائه من الدم المعفوّ عنه أمرين الأول أنّ دم نجس العين ملاق للنجس العين و من المعلوم أنّ الدم من حيث هو معفو عنه فإذا لاقى نجسا آخر كالعذرة أو البول ينتفي العفو عنه فدم نجس العين حيث انّه دائما ملاق لنجاسة أخرى و هي نجاسة نجس العين لا يمكن

القول بالعفو عنه.

الثاني أنّ نجس العين من الحيوان غير المأكول و كلّ حيوان غير مأكول اللحم لا يجوز الصلاة بشي ء من أجزائه كما ورد في بعض الأخبار من قوله عليه السلام: انّ الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره مما أحلّه اللّه إلخ «1».

فالصلاة في دم نجس العين ايضا فاسد لدخوله في قوله ع: و كلّ شي ء منه. و من هذا البيان يظهر الوجه في عدم جواز الصلاة في دم ما لا يؤكل لحمه.

ثم انّه لا فرق بين الثوب و البدن في العفو عمّا دون الدرهم من الدم فيه و ان كانت الأخبار قد ذكر فيها الثوب فراجعها. لعدم اختصاص الحكم بالثوب فقط مع أنّ في بعض الأخبار ذكر البدن.

كرواية مثنى بن عبد السلام عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: حككت جلدي فخرج منه دم فقال: إذا اجتمع منه قدر حمّصة فاغسله و الّا فلا «2».

و تحديد الدم بالحمصة في هذه الرواية و إن كان منافيا لتحديده في سائر الأخبار الّا أنه لا مانع من الاستشهاد بصدرها مع أنّه يمكن توجيهه بأنّ المراد بالحمصة مقدار وزنها و هذا المقدار لعله أكثر من مقدار الدرهم.

ثمّ انّ المشهور أن الدرهم الذي وقع غاية للجواز هو الدرهم البغلي و قد اختلفوا في مقداره على أربعة أقوال الأوّل تحديد مقداره بأخمص الراحة أي المقدار المنخفص من راحة الكفّ الثاني أنّ مقداره رأس عقد الإبهام الثالث أنّ مقداره عقد السبابة الرابع أنّ مقداره عقد الوسطى.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب لباس المصلى

الحديث 8

(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 8

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 332

الرابع:

من النجاسات المعفو عنها في الصلاة نجاسة ثوب المربية للطفل إذا غسلته في كل يوم و ليلة مرّة واحدة على المشهور بل ادعى غير واحد عليه الإجماع و الدليل على عفو هذه النجاسة هو رواية أبي حفص عن أبي عبد اللّه عليه السلام سئل عن امرأة ليس لها الّا قميص واحد و لها مولود فيبول عليها كيف تصنع قال: تغسل القميص في اليوم مرّة «1».

و لكن الرواية ضعيفة السند لأنّ في طريقها محمّد بن يحيى المعاذي الذي ضعّفه العلامة قده- على ما حكى عنه و لاشتراك ابى حفص بين الثقة و غيره و لذا قد توقف في هذا الحكم المقدس الأردبيلي و تبعه صاحب الذخيرة و صاحبي المعالم و المدارك- على ما حكى عنهم.

الّا أن يقال: انّ الرواية مع ضعفها قد عمل أكثر الأصحاب بها فلا اشكال فيها من جهة ضعف السند.

و أمّا من جهة دلالتها فيقع البحث فيها من جهات الأولى هل يمكن تعدى الحكم من المربية الى المربي للطفل- فيه وجهان من جهة أنّ مورد الرواية المربية و التعدي عن موردها يحتاج الى الدليل و من جهة أنّ لفظ المرأة لا دخل له في هذا الحكم و التعبير بلفظ المرأة في الرواية باعتبار أنّ المتصدي لتربية المولود غالبا هي المرأة و هذا كما يقال: ان لاقى الكلب ثوب رجل مع الرطوبة يجب غسله فكما لا يفهم من هذا الكلام اختصاص الحكم بالرجل و لا بالثوب فكذا فيما نحن فيه فيقال: انّ مناط الحكم في المرية المتصدية لتربية المولود موجود في المربّي أيضا فيمكن أن يكون التعبير بالمرئة

من باب المثال لا الاختصاص و الأوجه هو الوجه الثاني أي التعدّي من مورد الرواية.

الجهة الثانية هل يكون فرق في المولود بين الذكر و الاثني؟- الظاهر لا و ان عبّر بعض الفقهاء كصاحب الشرائع بالصبيّ لأنّ مورد الرواية هو المولود و هو يشمل الذكر و الاثنى.

الجهة الثالثة هل يمكن التعدّي من البول الذي هو مورد الرواية إلى غيره من

______________________________

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب النجاسات الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 333

النجاسات كالغائط و الدم- الظاهر لا لأنّ مورد الرواية هو البول و لا إطلاق في لفظه بحيث يشمل سائر النجاسات مع أنّه يمكن اختصاص الحكم بالبول من جهة عسر التجنّب عنه لأجل كثرته و مائيته بخلاف مثل الغائط فإن التجنّب عنه ليس بهذه المثابة من العسر فالتعدّي في هذا الحكم المخالف للأصل يحتاج الى دليل.

و كذا يكون مورد الرواية هو ثوب المربية فلا يمكن التعدّي منه الى البدن و إن كان نجاسة الثوب غالبا ملازمة لنجاسة البدن و لكن حيث انّ تطهير البدن أقلّ مشقّة من تطهير الثوب لعدم اعتبار العصر فيه و حصول الجفاف بمجرّد غسله بخلاف الثوب- فلا بدّ من غسله كلّما صار نجسا اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على المتيقّن و هو الثوب الذي هو مورد الرواية.

نعم إذا استلزم غسل البدن للعسر و الحرج المنفيّين في الدين لا يجب غسله الّا بمقدار لا يستلزم الحرج و العسر حتّى أنّه إذا كان غسله في كلّ يوم و ليلة مرّة واحدة مستلزما للعسر لا يجب غسله مرّة في كلّ يوم و ليلة.

فيكون حكم غسل البدن دائرا مدار العسر و الحرج فكلّ مورد يستلزم غسله للعسر و الحرج يسقط غسله و لا ارتباط

له بحكم الثوب فانّ الثوب لا يجب غسله في كل يوم و ليلة الّا مرّة واحدة و ان لم يستلزم غسله في كلّ يوم عشر مرّات للعسر و الحرج فوجوب غسل البدن و عدم وجوبه دائر مدار العسر فكل مورد يكون غسله عسرا لا يجب غسله و إذا لم يستلزم العسر وجب غسله.

و هذا بخلاف الثوب فانّ وجوب غسله لا يدور مدار العسر فلا يجب غسله في كلّ يوم الّا مرّة واحدة و ان لم يستلزم غسله عشر مرّات في كلّ يوم للعسر و الحرج.

نعم إذا استلزم غسله في كلّ يوم و ليلة مرّة للعسر و الحرج سقط ح وجوب غسله في كل يوم و ليلة مرّة بل يجب غسله ح بمقدار لا يستلزم العسر و الحرج.

الرابع:
اشارة

من أحكام النجاسات أنّه يجب غسل البول من الثوب و البدن مرّتين على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا بل ربما ادّعى عليه الإجماع.

و قيل: بكفاية المرّة مطلقا استضعافا للروايات الآمرة بالمرتين و استنادا الى بعض الروايات

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 334

المطلقة.

كحسنة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بول الصبيّ قال: تصبّ عليه الماء و ان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء «1».

و رواية قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: و سألته عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل؟ قال: يغسل الظاهر ثمّ يصبّ عليه الماء في المكان الذي اصابه البول حتّى يخرج من الجانب الآخر «2».

و لكن هاتان الروايتان لا تصلحان للمعارضة مع الأخبار الآتية التي فيها الصحيحة و الحسنة مع أنّ هاتين الروايتين و نحوهما من

الإطلاقات يمكن تقييدها بسائر الأخبار المقيّدة و استضعاف الأخبار الآتية في غير محلّه لأنّ بعضها صحيحة و بعضها حسنة أو موثّقه و عمل الفقهاء بها و ربّما فصّل بين الثوب و البدن فقيل بوجوب التعدد في الأول دون الثاني استضعافا للرواية المشتملة على الجسد.

و هي رواية الحسين بن أبى العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البول يصيب الجسد قال: صبّ عليه الماء مرّتين فإنّما هو ماء الخبر «3».

و رواية أبي إسحاق النحوي عنه عليه السلام قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صبّ عليه الماء مرتين «4» فإنه قيل: انّها ايضا ضعيفة السند كسابقتها.

و يمكن أن يقال: انّ كثيرا من العلماء قالوا بصحّة سندهما و على فرض ضعف سندهما فهو مجبور بعمل الأصحاب و المشهور بهما كما ذكرنا من أنّه لا فرق بين الثوب و البدن في وجوب غسلهما من البول مرّتين و مستند المشهور روايات كثيرة منها الروايتان المتقدمتان- أعني رواية الحسين بن ابى العلاء و رواية إسحاق النحوي- المشتملتان على ذكر الجسد.

و منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام «5».

و صحيحة ابن ابى يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين «6» و منها رواية الحسين بن ابى العلاء التي مرّ صدرها ثم قال في

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 14- 19

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 14- 19

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 7- 1- 1

(4) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 7- 1- 1

(5) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 7- 1- 1

(6) جامع

الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 335

ذيلها: و سألته عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرّتين و سألته عن الصبي يبول على الثوب قال: يصبّ عليه الماء قليلا ثم يعصره «1».

و منها رواية إسحاق النحوي عن أبي عبد اللّه عليه السلام التي قدّمناها قال: سألته عن البول يصيب الجسد قال: صبّ عليه الماء مرّتين «2» الى غير ذلك من الأخبار.

و لا فرق- كما عرفت- بين الثوب و الجسد كما لا فرق بين الثوب و غيره مما يرسب فيه الماء كالملاحف و الفرش و الستور و غيرها فذكر الثوب في هذه الروايات من باب المثال لا الخصوصيّة.

و كذا لا فرق بين جسد الإنسان و سائر الأجسام التي لا يرسب فيها الماء كالأحجاز و الأخشاب و الحديد نعم يستثني من ذلك الأواني حيث انّه يجب غسلها ثلاث مرّات كما يأتي تفصيله إنشاء اللّه تعالى.

و كذا يستثني من الكلّية بول الصبيّ الرضيع ما لم يأكل فإنّه يكفي في غسله بالماء مرّة واحدة و تدل عليه روايات.

منها ذيل رواية أبي العلاء المتقدّمة حيث قال: و سألته عن الصبيّ يبول على الثوب قال: يصبّ عليه الماء قليلا ثم يعصره. و منها حسنة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بول الصبيّ قال: تصبّ عليه الماء و إن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا و الغلام و الجارية في ذلك شرع سواء «3».

ثم انّه هل يكفى غسله اى غسل مطلق البول مرّة واحدة بعد إزالته بالماء أو غيره أو لا بد من غسله مرتين حتّى بعد إزالته- فيه وجهان مبناهما أنّ الغسلة الأولى للإزالة فقط و ليس لها جهة المطهّرية بل ربّما يستفاد

ذلك من ذيل رواية المعتبر حيث انّه ذيّل بعض الروايات «4» المتقدّمة الدالة على غسل البول مرّتين- بقوله ع: الأولى للإزالة و الثانية للإنقاء و لكن ظاهر سائر الروايات أنّ كلا الغسلتين للإنقاء حيث عبّر فيها بالغسل فقال عليه السلام: اغسله مرتين و لا أقلّ من الشك بكفاية الغسلة الواحدة بعد الإزالة و مقتضى

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 7- 6

(2) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 7- 6

(3) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 14

(4) ما ظفرت بهذه العبادة في المعتبر

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 336

الاحتياط عدم الكفاية.

و أمّا ذيل رواية المعتبر فلم يثبت مع احتمال كونه من كلام المؤلّف (رم) و اجتهاد منه لا أنّه من كلام الامام عليه السلام فالأحوط اعتبار مرتين بعد ازالة العين و ان كان الأقوى كفاية المرّة بعد ازالة العين بالماء.

هذا كلّه في الماء القليل و أمّا الجاري فلا يعتبر فيه التعدّد لصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اغسله في المركن مرّتين فان غسلته في ماء جار فمرّة واحدة «1».

حيث دلّت على أنّ غسله في الجاري يكفي فيه المرّة.

و أمّا الكر أو ماء الحمّام أو المطر- و بالجملة الماء الذي له العاصم- فالظاهر أيضا كفاية المرّة لأنّه عليه السلام حكم بوجوب غسله مرّتين في الماء القليل فقال: اغسله في المركن مرّتين و المركن بمنزلة الإجانة أو نفسها و هي دائما أقلّ من الكرّ مع عدم وجود العاصم له بحسب الغالب فبعد ذلك ذكره عليه السلام لخصوص الجاري في مقابله من باب المثال لا الخصوصيّة مع أنّ الأخبار الدالّة على عدم تنجس الماء إذا كان كرّا-

كقوله ع: إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجّسه شي ء و عدم تنجّس ماء الحمام كقوله عليه السلام هو بمنزلة الجاري أو ماء الحمام بمنزلة الجاري أو ماء الحمام كماء النهر يطّهر بعضه بعضا و قوله عليه السلام في بعض المياه الذي له عاصم: هذا و أشباهه لا يصيب شيئا الّا و قد طهره- كافية في عدم اعتبار التعدّد في غير القليل و لكن لا يخفى أنّ غير الرواية الأخيرة لا يدل على الاكتفاء بغسله مرة.

ثم انّه هل يكفى التعدّد التقديري بمعنى أنّه يصب عليه الماء مرّة واحدة مستمرّا بحيث يتحقق الغسل بمقدار غسلتين أو أكثر أو لا بدّ من التعدّد الحسي؟ يمكن ان يقال ان الأمر بالتعدد في هذه الروايات انّما هو لأجل تحقّق استمرار الماء على موضع البول و هذا الاستمرار يتحقق باستمرار الغسل مرّة واحدة من غير انقطاع بمقدار الغسل مرّتين.

و لكن هذا الوجه مجرّد استحسان لا يساعده ظاهر الروايات فيمكن أن تكون في البول قذارة لا يمكن رفعها الّا بغسلتين مع تخلّل الفصل بينهما و ظاهر الأخبار هو وجوب غسلتين و لا تصدقان في الغسلة الواحدة المستمرة.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 1 من أبواب النجاسات الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 337

(فرع:)

إذا تنجّس شي ء بالمتنجّس بالبول فهل يكفى غسله مرّة واحدة أو لا بدّ من غسله مرتين؟

- وجهان و التحقيق أن يقال: انّ النجاسة امّا ان تثبت كيفية تطهيرها بدليل لفظي و امّا لم يرد في كيفية تطهيرها لفظ خاصّ فان كانت من قبيل الأوّل كالدم و المنى و ملاقي الكلب و العذرة فيمكن نفى التعدّد بواسطة إطلاق قوله: اغسله الوارد في هذه الموارد مثلا إذا سأل السائل الإمام عليه السلام

أنّه أصاب ثوبي الدم أو المني أو لاقى ثوبي الكلب فيقول:

اغسله ففي هذه الموارد ننفي وجوب التعدّد بإطلاق قوله ع: اغسله الظاهر منه طلب نفس طبيعة الغسل و لا يستفاد منه التعدّد و بهذا البيان نقول في سائر النجاسات غير البول: بأنّه لا يجب التعدّد.

و أمّا الثاني و هو ما إذا لم يرد في كيفية تطهيره لفظ خاصّ بل كان الدليل مثل الإجماع فلا يمكن التمسّك بالإطلاق لنفى وجوب التعدّد لعدم وجود إطلاق في البين حيث انّه لا لفظ حتّى يتمسك بإطلاقه فالمرجع ح أمّا إجراء البراءة بالنسبة إلى الزائد على الغسلة الأولى فإنّه من قبيل الأقل و الأكثر الاستقلاليين فالغسلة الأولى متيقّنة الوجوب و الزائد عليها مشكوك الوجوب فينفى بإجراء أصل البراءة فيه فتأمل.

و امّا الاستصحاب بأن يقال: انّ هذا الشي ء صار نجسا بملاقاته للمتنجس بالبول و نشك في زوال النجاسة عنه بغسله مرّة واحدة فالأصل يقتضي بقاء النجاسة فيه الى أن يعلم بالمزيل و هو ما إذا غسل مرتين فمع جريان هذا الأصل- أعني الاستصحاب- لا مجال لإجراء أصالة البراءة بالنسبة الى الغسلة الثانية فإنّ الاستصحاب بمنزلة الدليل اللفظي فمع وجوده لا يمكن اجراء البراءة- كما هو واضح- فالأحوط هو التعدّد في المتنجّس بالبول.

و لكن يمكن أن يقال: أنّه يمكن التمسّك لنفى التعدّد بإطلاق أدلة الغسل في جملة من النجاسات و تتميمه بعدم القول بالفصل بين النجاسات و خرج من الإطلاق البول بأدلّته الخاصة فيبقى الباقي تحت الإطلاق و منه المتنجّس بالمتنجّس بالبول الّا أنّ الأوجه هو الاحتمال الأول- أعني وجوب التعدّد لأنّه أوفق بالاحتياط.

ثم انّ المعتبر في النجاسات زوال أعيانها فلا عبرة ببقاء اللون بل الريح و الطعم بعد

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)،

ص: 338

زوال أعيانها لمساعدة العرف على زوال العين مع بقاء الريح و نحوها و الدقة العقلية- بأنّ العرض غير ممكن البقاء مع زوال الذات- غير جارية في الأحكام الشرعيّة مع أنّ بعض الروايات دالّ على زوال النجاسة ببقاء أحد الأوصاف الثلاثة.

كقول ابى الحسن عليه السلام- بعد ما سئل هل للاستنجاء حدّ: لا حتّى ينقى ما ثمّة فقيل له: يبقى الريح قال ع: الريح لا ينظر إليها «1».

و رواية علىّ بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه السلام قال: سألته أمّ ولد فقالت:

جعلت فداك انّى أريد أن أسألك عن شي ء و أنا أستحى منه قال: سلى و لا تستحيي قالت:

أصاب ثوبي دم الحيض فغسلته فلم يذهب أثره قال: اصبغيه بمشق حتّى يختلط و يذهب أثره «2».

و بيان دلالة هذه الرواية أنه عليه السلام لم يقل: اغسليه حتّى يذهب أثره بل قال:

اصبغيه فيعلم منه أنّه صار طاهرا بغسله و انّما أمرها بصبغها بمشق إمّا لأجل زوال الشك من قلبها و إمّا لأجل ارتفاع القذارة الظاهرية التي تشمئزّ منها النفوس برؤيتها».

و على أىّ حال فتدلّ الرواية على عدم الاعتناء باللون و ربّما يفصّل- كما عن العلامة في بعض كتبه- بين الطعم و غيره فحكم بعدم زوال النجاسة ببقاء الطعم.

فان كان مراده قده عدم زوال العين مع بقاء الطعم كطعم الخمر فما الفرق بينه و بين اللون و الريح؟ فإذا كان بقاء الطعم كاشفا عن عين النجس فليكن في الريح و اللون ايضا كذلك و إن كان لأجل وجود دليل بالنسبة إلى الطعم فليس لنا دليل على ذلك نعم لا يبعد أن يكون هذا التفصيل مطابقا لارتكاز العرف.

الخامس:

من أحكام النجاسات أنّه تجب إزالة النجاسة عن البدن و

اللباس- و هذه المسألة قد قدّمنا الكلام فيها مجملا و لنذكرها هنا بالتفصيل بعون اللّه تعالى.

فنقول: إذا صلّى عالما عامدا مع النجاسة بطلت صلاته و كذا إذا صلّى ناسيا بعد ما علم بتنجّس ثوبه أو بدنه.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب النجاسات الحديث 7

(2) الوسائل الباب 52 من أبواب الحيض باختلاف ما

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 339

و أمّا إذا كان جاهلا بالحكم اى كان جاهلا بأنّه لا يجوز الصلاة في الثوب المتنجّس مثلا مع علمه بتنجّس ثوبه و صلّى فيه فالمشهور وجوب الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه.

و أمّا إذا كان جاهلا بأصل النجاسة موضوعا فلا تجب عليه الإعادة و لا القضاء.

و الدليل على وجوب الإعادة سواء أ كان عامدا أم ناسيا روايات كثيرة.

منها حسنة ابن سنان أو صحيحته عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم قال: ان كان علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّى ثم صلّى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى «1».

و منها صحيحة أبي بصير عنه عليه السلام قال: ان أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لا يعلم فلا اعادة عليه و ان هو علم قبل أن يصلّى فنسي و صلّى فيه فعليه الإعادة «2».

و منها رواية الحسن بن زياد قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يبول فيصيب بعض فخذه و ركبته قدر نكتة من بوله فيصلّى ثمّ يذكر بعد ذلك أنّه لم يغسله قال:

يعسله و يعيد صلاته «3» الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

و ربّما فصّل في حال النسيان بين الوقت و خارجه بوجوب الإعادة في الوقت دون خارجه.

و

استدلّ لذلك بصحيحة علىّ بن مهزيار قال: كتب اليه سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل و أنّه أصاب كفّه برد نقطة من البول لم يشك أنّه أصابه و لم يره و انه مسحه بخرقة ثمّ نسي أن يغسله و تمسّح بدهن فمسح به كفّه و وجهه و رأسه ثم توضّأ وضوء الصلاة فصلّى فأجابه ع بجواب قرأته بخطّه: أمّا ما توهمت ممّا أصاب يدك فليس بشي ء إلّا ما تحققت فان حقّقت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها و ما فات وقتها فلا اعادة عليك لها من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت و إن كان جنبا أو صلّى على غير وضوء فعليه اعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لأنّ الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث أو الباب 24 الحديث 8

(2) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث أو الباب 24 الحديث 8

(3) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 340

إنشاء اللّه «1».

و لكن هذه الرواية لا تكافئ تلك الروايات الصحيحة و الموثقة و الحسنة لأنّها أوّلا مقطوعة لعدم معلومية المسئول.

و ثانيا إنّها مضطربة المتن لأنّها ذكر فيها أوّلا وجوب اعادة الصلوات التي صلّاهن بالوضوء الذي كان مواضعه نجسة ثم ذكر في تعليله أنّ العلّة في وجوب الإعادة دون القضاء أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا يعيد في الوقت دون خارجه فذكر في أصل الحكم أنّ وجوب الإعادة لأجل نجاسة مواضع الوضوء و ذكر في تعليله أنّ وجوبها

لأجل نجاسة الثوب فهي مضطربة المتن جدّا مضافا الى أنّ الأصحاب لم يعملوا بها الا القليل منهم و تلك الروايات مضافا الى صحّة سندها قد عمل أكثر الأصحاب بها.

و قد يقال في الناسي بعدم الإعادة مطلقا- اى لا في الوقت و لا في خارجه استنادا إلى صحيحة العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي ء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّى فيه ثم يذكر أنه لم يكن غسله أ يعيد الصلاة قال: لا يعيد قد مضت الصلاة صلاته خ ل و كتبت له «2».

و استدلّ ايضا لهذا القول ببعض أخبار ناسي الاستنجاء كرواية هشام بن سالم عنه عليه السلام في الرجل يتوضأ و ينسى أن يغسل ذكره و قد بال فقال: يغسل ذكره و لا يعيد الصلاة «3».

و رواية علىّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل ذكر و هو في الصلاة انّه لم يستنج من الخلاء قال: ينصرف و يستنجي من الخلاء و يعيد الصلاة و ان ذكر و قد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك و لا اعادة «4».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 4- 8.

(2) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 4- 8.

(3) الوسائل الباب 10 من أبواب آداب الخلوة الحديث 2- 4.

(4) الوسائل الباب 10 من أبواب آداب الخلوة الحديث 2- 4.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 341

و موثقة عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: لو أن رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتى يصلّى لم يعد الصلاة «1» و لكن يرد على الاستدلال بهذه الروايات- مضافا الى تغاير المسألتين حيث انّه يمكن الالتزام بصحّة

الصلاة فيما إذا نسي غسل موضع الاستنجاء دون سائر النجاسات- أنّ هذه الروايات تعارضها روايات أخر هي أصحّ سندا و أكثر عملا كصحيحة زرارة قال: توضّأت و لم أغسل ذكري ثمّ صليت فسألت أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: اغسل ذكرك و أعد صلاتك «2».

و صحيحة عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أبول و أتوضّأ و أنسي استنجائي ثمّ أذكر بعد ما صليت قال: اغسل ذكرك و أعد صلاتك «3».

و مرسلة ابن بكير عنه عليه السلام في الرجل يبول و ينسى أن يغسل ذكره حتى يتوضّأ و يصلّى قال: يغسل ذكره و يعيد الصلاة و لا يعيد الوضوء. «4»

فح العمل على طبق هذه الأخبار متعين و أمّا صحيحة العلاء فلا تقاوم هذه الصحاح لعمل جلّ الأصحاب بهذه الصحاح و اعراضهم عن هذه الصحيحة فالأقوى ما عليه المشهور من وجوب الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه فيما إذا صلّى ناسيا في المتنجّس.

و أمّا إذا صلّى جاهلا بالحكم مع العلم بالنجاسة فالمشهور ايضا كذلك و هو الأقوى و تدلّ عليه روايات كثيرة.

منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه ذكر المني فشدّده و جعله أشدّ من البول ثم قال: ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صليت فيه ثم رأيته بعد فلا اعادة عليك و كذلك البول. «5»

و دلالة هذه الرواية على ما نحن فيه- بنحو الإطلاق حيث انّ قوله: ان رأيت المني قبل أو بعد إلخ له أفراد ثلاثة الأوّل أنّه يراه و يصلّى فيه عالما عامدا الثاني أنّه يراه و

يصلّى فيه

______________________________

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب آداب الخلوة الحديث 3 و الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 7.

(2) الوسائل الباب 10 من أبواب آداب الخلوة الحديث 3 و الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 7.

(3) الوسائل الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 7- 5.

(4) الوسائل الباب 18 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 7- 5.

(5) الوسائل الباب 41 من أبواب النجاسات الحديث 2.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 342

جاهلا بالحكم- اى جاهلا بأن الصلاة في النجاسة باطلة- الثالث أنه يراه ثمّ يصلّي فيه ناسيا.

و لكن حمل الرواية على الفرض الأوّل فقط حمل على الفرد النادر لأنّه من المستبعد جدا أن يصلّى أحد في المتنجّس مع العلم ببطلان صلاته فلا بدّ من حملها على الفرض الثاني و الثالث معا إذا لا مرجّح لأحدهما على الآخر مع أنّ إطلاق الرواية يشملهما معا حيث انّه يصدق على كل منهما أنّه رأى المني أو البول قبل أن يدخل في الصلاة أو بعد ما دخل فيها ثمّ صلّى بعد رؤيته.

و منها حسنة عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم قال: إن كان قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّى ثم صلّى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى و إن كان لم يعلم به فليس عليه اعادة الخبر «1». و هذه الرواية أيضا شاملة بإطلاقها للجاهل بالحكم لأنّه علم به ثمّ صلّى فيه.

و منها صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: ان رأيت في ثوبك دما و أنت تصلّى و لم يكن رأيته قبل ذلك فأتمّ صلاتك فإذا انصرفت فاغسله و

ان كنت رأيته قبل أن تصلّى فلم تغسله ثم رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف و اغسله و أعد صلاتك. «2»

و منها رواية إسماعيل بن جابر عن ابي جعفر عليه السلام قال في الدم يكون في الثوب:

إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة و ان كان أكثر من قدر الدرهم و قد كان قد رآه فلم يغسله حتّى صلّى فليعد صلاته و ان لم يكن رآه حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة «3».

و هذه الروايات و إن كان يستشعر منها أن موردها صورة النسيان الّا أنّ لها إطلاقا يشمل صورة الجهل بالحكم هذا كلّه في الجاهل بالحكم.

و أمّا الجاهل بالموضوع اى الجاهل بأصل النجاسة موضوعا- فالمشهور بل ادّعى الإجماع

______________________________

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث 3.

(2) جامع الأحاديث الباب 24 من أبواب النجاسات الحديث 12.

(3) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 4.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 343

على صحّة صلاته إذا علم بها بعد الفراغ منها و الدليل على ذلك روايات كثيرة تقدم بعضها حيث فصلّ فيها بين ما إذا رأى النجاسة قبل الصلاة ثمّ صلّى معها فحكم بوجوب الإعادة و بين ما لو رآها بعد الصلاة فحكم بعدم وجوب إعادتها.

و من الروايات أيضا صحيحة زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف الى أن قال:

قلت: فان ظننت أنّه قد أصابه و لم أتيقّن فنظرت فلم أر فيه شيئا ثم صليت فرأيت فيه قال:

تغسله و لا تعيد الصلاة قلت: و لم ذلك قال: لأنّك كنت على يقين ثمّ شكلت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا الحديث «1».

و منها رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

ان أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه و هو لا يعلم فلا اعادة عليه الخبر «2».

و منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلّى قال: لا يؤذيه حتّى ينصرف «3».

و منها صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى في ثوب رجل أيّاما ثم انّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّى فيه قال: لا يعيد شيئا من صلاته «4».

و هذه الرواية الأخيرة يمكن الاستدلال بإطلاقها لجواز الصلاة في كلّ مشكوك الحليّة سواء أ كان الشك في جواز الصلاة فيه لأجل الشك في نجاسته أم لأجل الشك في كونه من مأكول اللحم أو من غيره أم لأجل الشك في كون شي ء ذهبا أو حريرا محصنا أم غير ذلك حيث انّ مفاد الرواية أنّ صاحب الثوب أخبر بأنّه لا تجوز الصلاة فيه و لم يبيّن بأن عدم جواز الصلاة فيه انّما هو لأجل النجاسة فإطلاق السؤال و تقرير الامام عليه السلام له يشملان جواز الصلاة في المشكوك كونه من مأكول اللحم أو من غيره أو المشكوك كونه من الحرير أو الذهب أو غير ذلك و اللّه العالم.

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 5.

(2) جامع الأحاديث الباب 24 من أبواب النجاسات الحديث 8- 1.

(3) جامع الأحاديث الباب 24 من أبواب النجاسات الحديث 8- 1.

(4) جامع الأحاديث الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث 1.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 344

ثم انّه تعارض هذه الأخبار صحيحة وهب بن عبد ربّه عن الصادق عليه السلام في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم به صاحبه فيصلّى فيه ثم يعلم بعد قال:

يعيد إذا لم يكن علم «1».

و رواية أبي بصير عنه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى و في ثوبه بول أو جنابة فقال: علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم «2».

و لكن الروايتين لا تكافئان الأخبار الصحيحة الصريحة المعمول بها عند جلّ الأصحاب لو لا كلّهم بخلاف هاتين الروايتين اللتين لم يعمل بهما الّا الشاذ منهم.

و هل يكون فرق بين ما إذا علم بالنجاسة بعد الصلاة و بين ما إذا علم بها في أثناء الصلاة وجهان ظاهر كثير من الفقهاء بل الأكثر هو الفرق و أنّه إذا علم بها في الأثناء حكموا ببطلان صلاته و الدليل الفارق بينهما هو صحيحة زرارة الطويلة حيث قال منها: قلت له: ان رأيته (أي الدم) في ثوبي و أنا في الصلاة قال: تنقص و تعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته و ان لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت على الصلاة لأنّك لا تدري لعلّه شي ء أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك. «3»

حيث انّ قوله (ع): إذا شككت في موضع منه ثم رأيته- يظهر منه أنّه كان شاكّا من أوّل الصلاة في وقوع الدم عليه و بعد ما رآه يعلم أنّه كان قبل الصلاة و أمّا إذا لم يكن شاكّا ثم رآه في أثناء الصلاة رطبا لا يعلم بأنّه كان من أوّل الصلاة موجودا لأنّه يحتمل بأنّه وقع عليه في هذا الآن الذي يراه فلذا قال (ع): لأنّك لا تدري لعلّه شي ء أوقع عليك فيظهر منه أنّه إذا علم بأنّه كان من أوّل الصلاة لا بدّ له من نقض الصلاة و إعادتها كما صرّح عليه السلام بذلك.

______________________________

(1)

الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث 8- 9.

(2) الوسائل الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث 8- 9.

(3) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 5.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 345

و أمّا حمل قوله (ع): إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته على ما إذا علم بوقوع الدم عليه من أوّل الصلاة و لكنّه شك في موضع خاصّ منه بأنّه هل أصابه أولا فهو خلاف الظاهر خصوصا مع قوله (ع): لعلّه شي ء أوقع عليك فإنّه يستفاد من مفهومه أنّه إذا علم بوقوعه عليه قبل الصلاة لا يكون حكمه قطع الصلاة و غسله و البناء عليها بل تكون الصلاة باطلة من أصلها.

و من الأخبار التي استدلّ بها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصّلاة فعليك إعادة الإعادة خ ل الصلاة و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه و صلّيت فيه ثم رأيته بعد ذلك فلا اعادة عليك فكذلك البول «1».

حيث فصّل (ع) بين ما إذا رآه بعد ما دخل في الصلاة فحكم بإعادة الصلاة و بين ما إذا رآه بعد الصلاة فحكم بعدم وجوب الإعادة عليه.

و من الروايات رواية أبي بصير عنه عليه السلام في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم بها قال: عليه أنّ يبتدأ الصلاة قال: و سألته عن رجل يصلّى و في ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ثم علم قال: مضت صلاته و لا شي ء عليه «2» و قيل بأنّه تعارض هذه الروايات روايات كثيرة.

منها صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرعاف أ ينقض

الوضوء قال: لو أنّ رجلا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من يشير اليه بماء فتناوله فمال برأسه فغسله فليبن على صلابة و لا يقطعها «3» و بهذا المضمون روايات كثيرة في الرعاف.

______________________________

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب النجاسات الحديث 2 و الباب 40 الحديث 2.

(2) الوسائل الباب 41 من أبواب النجاسات الحديث 2 و الباب 40 الحديث 2.

(3) الوسائل الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 11.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 346

و فيه أن روايات الرعاف لا دخل لها لما نحن فيه لأنّ المفروض فيما نحن هو ما إذا علم بسبق النجاسة على الصلاة و مفروض روايات الرعاف هو عروضه في أثناء الصلاة و أين هذا من ذاك؟

و منها حسنة محمّد بن مسلم قال: قلت له: الدم يكون في الثوب و أنا في الصلاة قال:

ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صلّ في غيره و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم «1».

و لكن لا يخفى عليك أنّ هذه الرواية- كما ترى- لا تدلّ الأعلى جواز الصلاة في الدم ما لم يزد على مقدار الدرهم لا مطلقا فلا تكون من الأخبار المعارضة.

و منها موثقة داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلّى في ثوبه فأبصر في ثوبه دما قال: يتمّ «2».

و منها ما عن السرائر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان عنه عليه السلام قال: ان رأيت في ثوبك دما و أنت تصلّى و لم تكن رأيته قبل ذلك فأتمّ صلاتك فإذا انصرفت فاغسله الخبر «3».

و لكن الروايتين غير معمول

بهما عند الأصحاب حيث انّ ظاهر هما عدم وجوب التبديل أو التطهير بعد رويته للدم الى تمام الصلاة و هذا مخالف لما عليه الأصحاب.

نعم يمكن حملهما على الدم الأقلّ من الدرهم فح لا تعارضان الروايات المتقدّمة.

و ربّما يتشبّث لعدم بطلان الصلاة برؤية النجاسة في أثناء الصلاة إذا علم بسبقها- بالأولوية القطعيّة بأن يقال: انّ الروايات الدالّة على جواز الإتيان بتمام الصلاة- إذا كان جاهلا بالنجاسة- تدلّ على جواز الإتيان ببعضها مع النجاسة جهلا بطريق أولى.

و لكن مع ورود الروايات المتقدّمة ببطلان الصلاة إذا رأى النجاسة في أثنائها و علم بسبقها عليها لا عبرة بهذه الأولوية كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 11

(2) جامع الأحاديث الباب 28 من أبواب النجاسات الحديث 1

(3) الوسائل الباب 44 من أبواب النجاسات الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 347

المبحث الثاني عشر

اشاره

في المطهّرات و هي كثيرة

الأوّل الماء

و قد مضى بعض أحكامه في المباحث السابقة.

الثاني الشمس

و هي مطهّرة للسطح و الأرض و الأبنية و الأشجار بل للحصر و البواري من المنقولات على قول و لا تطهّر غيرهما من المنقولات و الدليل على مطهّريّتها للسطح و الأرض دون غيرهما هو صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلّى فيه فقال: إذا جفّفته الشمس فصلّ فيه فهو طاهر «1».

و يستفاد من هذه الرواية أمور.

الأوّل اشتراط مطهريتها باستناد الجفاف إليها فلا يكفي إذا حصل الجفاف بهبوب الرياح أو حصل من قبل نفسه.

الثاني أنّ مورد السؤال هو البول فالتعدي عنه إلى سائر النجاسات مشكل و لكن يمكن أن يقال: انّ ذكر البول من باب المثال لا التقييد مع أنّ في سائر الروايات الآتية ما يفيد التعميم فلا حظها.

الثالث أنّه يستفاد منها أنّ الشمس مطهرة للنجاسة لا أنّه بإشراق الشمس عليه يصير من النجاسات المعفو عنها كما عن الراوندي و حمل قوله عليه السلام: فهو طاهر على غير الطهارة الشرعيّة- ضعيف في الغاية و هذه الرواية من أوضح الروايات الدالّة على مطهرية الشمس و أصحها سندا و دلالة إلا أنّها لا تدلّ الّا على مطهريّتها للسطح و الأرض دون مثل الأشجار و الأحجار و الزرع و النبات ما دامت قائمة على أصولها و لا يبعد دلالتها على طهارة

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 348

الحصر و البواري بها لأن الأرض المفروشة تصدق عليها الأرض بل يمكن شمولها للفراش المنسوج من القطن أو الصوف أو غيرهما الّا أنّ الإجماع قد دلّ على عدم طهارته بالشمس بل لا بدّ من غسله.

و

منها رواية أبي بكر الحضرمي عنه عليه السلام قال: يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر «1».

و هذه الرواية دالّة بإطلاقها على مطهرية الشمس لمطلق الأشياء من المنقول و غيره من الأشجار و النبات الّا أنّها ضعيفة السند و لكن يمكن جبر ضعفها بعمل الأصحاب بها إلا أنّه لا بدّ من تخصيصها و إخراج المنقول عنها بالإجماع.

نعم يمكن أن يقال: انّ الظاهر من قوله: ما أشرقت كلّ شي ء يكون في مظانّ إشراق الشمس بأن كان ممّا تشرق عليه الشمس طبعا بأن كان في مكان غير مسقّف مثلا فلا تشمل المنقول لأنّ المنقول ليس طبعه أوّلا و بالذات إشراق الشمس عليه فتشمل هذه الرواية الأرض و ما يتبعها من الزرع و النبات و الحصى و تشمل ايضا السطح و الأبنية و الأبواب و الأخشاب المنصوبة في البناء و كذا تشمل الأشجار و في شمولها للحصر و البواري تأمّل الّا أن يقال: انّها تعدّ من الأرض كما قدّمنا و على فرض عدم شمولها لهما يدلّ على تطهير الشمس لهما بعض الأخبار.

كرواية علىّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام أنه قال في حديث: سألته؟ عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفّت من غير أن تغسل؟ قال: نعم «2».

و صحيحته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أ يصلّى عليها؟ قال: إذا يبست فلا بأس «3».

و رواية عمّار بن موسى الساباطي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البارية يبلّ قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها فقال: إذا جفّت فلا بأس بالصّلوة عليها «4».

و لكن لا بدّ من تقييد هذه الروايات بما إذا جفّت بالشمس بقرينة تينك

الروايتين

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 5

(2) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 3

(3) الوسائل الباب 30 من أبواب النجاسات الحديث 2- 5.

(4) الوسائل الباب 30 من أبواب النجاسات الحديث 2- 5.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 349

المتقدّمتين و غيرهما.

و من الروايات الدالّة على كون الشمس من المطهرات صحيحة زرارة و حديد بن الحكم الأزدي قالا: قلنا لأبي عبد اللّه عليه السلام: السطح يصيبه البول أو يبال عليه يصلّى في ذلك المكان فقال إن كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافّا فلا بأس الّا أن يتخذ مبالا «1» و هذه الرواية و ان لم تكن ظاهرة في تطهيرها للموضع القذر لاحتمال كون جواز الصلاة عليه لأجل جفاف الموضع لا لأجل أنّه طهّرته الشمس الّا أنّ هذه الرواية بضميمة سائر الروايات الدالّة على مطهّرية الشمس تدلّ ايضا على كونها من المطهرات و لا ينافي ذلك عطف الريح عليها مع عدم دخلها في المطهريّة لاحتمال أن يكون المراد بذكر الريح من جهة تلازمهما غالبا في جفاف الموضع مع استناد الجفاف الى الشمس.

و من الروايات موثقة عمّار الساباطي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكنّه قد يبس الموضع القذر قال: لا يصلّى عليه و أعلم موضعه حتّى تغسله و عن الشمس هل تطهّر الأرض قال: إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس حتى يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة و ان أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر و كان رطبا فلا تجوز الصلاة عليه حتى ييبس الحديث «2».

و هذه الرواية و إن كان من المحتمل فيها

أنّ جواز الصلاة على الموضع القذر بعد الجفاف لأجل العفو عن النجاسة التي أشرقت عليها الشمس- كما عن الراوندي- و كذا من المحتمل أنّ جواز الصلاة على الموضع القذر انّما هو لجفاف الموضع و عدم سراية النجاسة إلى لباس المصلّي- الّا أنّ الظاهر من الرواية أنّ إشراق الشمس عليه موجب لطهارته لأنّه قد ذكر عليه السلام في الفرض الأوّل أنّه لا يصلّى عليه و أمر بأن يعلم موضع النجاسة حتّى يغسله و لكن لم يذكر في الفرض الثاني أنّه يعلم موضع القذر حتّى يغسله فيعلم منه أنّه غير محتاج الى التطهير و الّا كان عليه ع أن يبينه و الّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

و لأنّه عليه السلام ذكر في هذا الفرض أنّه يصلّى عليه إذا صار يابسا و ظاهره أنّ

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 3

(2) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 350

المراد السجود على الموضع الذي كان قذرا و الّا فإذا كان المراد الصلاة في هذا الموضع مع السجود على الموضع الطاهر فلا فرق بين هذا الفرض و الفرض السابق لأنّه تجوز الصلاة على الموضع القذر إذا كان يابسا مطلقا اى و ان لم تشرق عليه الشمس فمنعه عليه السلام من الصلاة على الموضع القذر في الفرض الأوّل و تجويزه في الفرض الثاني كاشف عن أنّ المراد بالصلاة عليه هو السجود عليه لا غير.

و ايضا مورد السؤال في الرواية أنّه هل تكون الشمس مطهّرة أم لا؟ فلا بدّ من أن يكون الجواب مطابقا للسؤال و الّا يلزم أن يكون سئواله بلا جواب.

و يستفاد من هذه الرواية التعميم بين البول و غيره حيث قال:

إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك.

و تعارض هذه الروايات الدالّة على كون الشمس من المطهّرات صحيحة إسماعيل ابن بزيع قال: سألته عن الأرض و السطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل تطهّره الشمس من غير ماء قال: كيف تطهّر من غير ماء «1».

لكن يمكن حمله على استبعاد أن تطهّر الشمس الأرض مع جفافها اى لا بدّ من أن تكون الأرض رطبة حتّى تشرق عليها الشمس فتجفّفها حتّى تطهر.

(الثالث):

من المطهّرات النار ذكرها غير واحد من القدماء و المراد بمطهريّتها أنّها إذا صيّرت عين النجس رمادا أو دخانا يصير ذلك الرماد أو الدخان طاهرا.

و لكن لا اختصاص للنار بذلك فانّ عين النجس إذا تبدلت و استحالت الى عين طاهرة بأيّ سبب حصلت تلك الاستحالة سواء تحققت بالنار كإحراق العذرة أو الميتة و صيرورتها رمادا أو دخانا أو بالهواء كاستحالة الكلب ملحا أو بإشراق الشمس و بالأرض كصيرورة العذرة دودا أو غير ذلك- يطهر ذلك النجس فتخصيص المطهّريّة بالنار كما في كلام بعض القدماء ليس له وجه الّا أن يقال: اقتفوا في ذلك أثر بعض الأخبار الظاهرة في كون النار من المطهّرات.

كصحيحة الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجصّ توقد

______________________________

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب النجاسات الحديث 7

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 351

عليه العذرة و عظام الموتى و يجصّص به المسجد فكتب اليه بخطّه: انّ الماء و النار قد طهّراه «1».

و لكن هذه الرواية لا يمكن الالتزام بمفادها لأنّه إذا كان المراد أنّ طبخ الجصّ يكون بإشعال العذرة و عظام الموتى تحتها من غير حصول المزج و الاختلاط فما معنى قوله: انّ الماء و النّار قد طهّراه فإنّه لم

يصر نجسا حتّى يطهر بإيقاد النار تحته و بتسلّط الماء عليه اللّهم الّا أن يكون المراد بالتطهير هو رفع القذارة الظاهريّة أعني ما يتنفّر الطبع منه بسبب إيقاد العذرة و عظام الموتى عليه دون رفع النجاسة.

و ان كان المراد بإيقاد العذرة و عظام الموتى الإيقاد فوق الجصّ بأن يحصل التخليط بين الجصّ و بينهما فلا يمكن تطهيره بالنار و الماء أمّا بالنّار فواضح لأنّ الجصّ لا يصير بإيقاد النار عليه مستحيلا الى جسم آخر بحيث يتبدّل موضوع النجس الى الموضوع الطاهر بل لم يتبدل الّا بعض أوصافه و من المعلوم أنّ تبدّل أوصافه لا يكون استحالة.

و أمّا بالماء فهو وضح لأن الماء لا يسرى الى الجصّ مع بقاء إطلاقه و لم تنفصل الغسالة بملاقاته فهذه الرواية لا يمكن العمل بظاهرها فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهله.

و من الروايات مرسلة محمّد بن ابى عمير عمّن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في عجين عجن و خبز ثم علم أنّ الماء كانت فيه ميتة قال: لا بأس أكلت النار ما فيه «2».

و رواية أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن الزبير عن جدّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البئر تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها أ يؤكل ذلك الخبز قال: إذا أصابته النّار فلا بأس بأكله «3».

و لكن هذه الرواية لا تدلّ على أنّ النّار قد طهّرت الخبز لإمكان أن لا يكون الخبز نجسا بناء على عدم انفعال ماء البئر بوقوع النجس فيها كما هو المختار فح يحتمل أن يكون المراد بنفي البأس عن أكله عند اصابة النار له هو ما ذكرناه في صحيحة الحسن بن محبوب

من أنّ المراد ذهاب النّار بالقذارة الظاهرية الموجبة لتنفّر الطباع و على هذا تحمل مرسلة ابن أبي عمير بأن يقال: انّ الماء و ان كان غير مقيّد بماء البئر في السؤال الّا أنّه يمكن حمله على ماء البئر

______________________________

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب النجاسات الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 2- 1

(3) جامع الأحاديث الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 2- 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 352

أو بعض المياه التي لها عاصم من النجاسة.

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، در يك جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1407 ه ق

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)؛ ص: 352

و كيف كان فيعارض هاتين الروايتين خبر زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قطرة نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال: يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلاب و اللحم اغسله و كله قلت: فان قطر فيه الدم قال: الدم تأكله النّار قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم قال: فقال: فسد قلت: أبيعه من اليهود و النصارى و أبيّن لهم قال: بين لهم فإنهم يستحلون شربه الحديث «1».

فانّ ظاهره أنّ المرق إذا نجس بوقوع الخمر أو النبيذ فيه لا يطهر بإصابة النار له و كذلك العجين بل لا بدّ من أن يطعمه أهل الذمّة أو الكلب أو يبيعه من اليهودي أو النصراني و لكن بالنسبة إلى الدم قال: الدم تأكله النار و يمكن أن يحمل الدم على الدم الطاهر الذي يحرم شربه كالدم المتخلف في الذبيحة.

و ايضا تعارض الروايتين المتقدّمتين مرسلة ابن ابى عمير الأخرى عن أبي عبد اللّه

عليه السلام في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به قال: يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة «2».

و مرسلته الأخرى عنه عليه السلام قال: يدفن و لا يباع «3».

إذ لو كان اصابة النار له مطهّرا لما كان يأمر بالبيع ممّن يستحلّ أكل الميتة أو الدفن.

و كيف كان فلا اختصاص للنّار في تحقق الاستحالة المطهرة للجسم النجس و أنّ ذكر القدماء لها في عداد المطهرات لأجل متابعة النصّ الذي عرفت عدم دلالته على كونها من المطهّرات إلّا إذا تحقّقت الاستحالة بها فح كلّ جسم نجس تبدّلت حقيقته الذاتيّة الى جسم طاهر سواء أ كان بالنّار كصيرورة العذرة رمادا أم بإشراق الشمس عليه كصيرورة العذرة دودا أو ترابا أو من قبل نفسه كصيرورة الخمر خلّا يطهر و كذا تطهر الخمر إذا انقلبت خلّا بواسطة العلاج كصبّ الخل أو الملح فيها كما تدلّ عليه الروايات الكثيرة فراجعها في باب الأشربة من الوسائل «4».

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 13 من أبواب المياه الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 3- 4

(3) جامع الأحاديث الباب 38 من أبواب النجاسات الحديث 3- 4

(4) الوسائل الباب 31 من أبواب الأشربة المحرمة

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 353

هذه اكله بالنسبة إلى عين النجس. و أما المتنجس كصيرورة الخشب بالإحراق رمادا أو دخانا فربّما يقال بعدم حصول الطهارة بذلك لأنّ الحكم بالطهارة في الأعيان النجسة بسبب الاستحالة انّما ثبت على عين النجس كالخمر و الكلب إذا انقلبا الى عين طاهرة كالخل و الملح فقد تبدّل موضوع النجس أعنى الخمر و الكلب الى موضوع طاهر و هو الخلّ و الملح.

و هذا بخلاف المتنجّس فانّ الحكم بالنجاسة في مثل الخشب لا يثبت على الخشب من

حيث انّه خشب بل من حيث انّه جسم فإذا تبدل جسميّته الى جسم آخر لم تتبدل الجسمية بل تبدّلت الخشبية و المفروض أنّ الحكم بالنجاسة لم يترتّب على الخشبيّة.

هذا و لكن هذا الوجه يشبه بالسفسطة لأنه إذا كان تبدّل عين النجس الى جسم طاهر موجبا لطهارته فتبدّل المتنجّس الى جسم طاهر أولى بالحكم بالطهارة و موضوع النجس و ان لم يكن نفس الخشب الّا أنّ النجس القائم به ينعدم بالإحراق و يتبدّل الى موضوع طاهر.

(الرابع)

من المطهرات الإسلام فإنّ الكافر إذا أسلم يطهر و هو إجماعيّ بل ضروري بالنسبة الى جميع أقسام الكفر الّا كفر المرتدّ الفطري و المراد بالمرتد الفطري من انعقدت نطفته و الحال أنّ أحد أبويه مسلم فإنّه يستفاد من كلمات كثير من الفقهاء بل قيل: انّه مشهور- عدم قبول توبته لا ظاهرا و لا باطنا.

و قيل: انّه تقبل توبته باطنا بمعنى صحّة عباداته و طهارته عند نفسه- لا ظاهرا بمعنى عدم صحّة عباداته بالنسبة إلى الغير فلا يجوز للغير الاقتداء به و لو صار بعد إسلامه عادلا و كذا لا يجوز للغير معاملته معاملة الطاهر.

و قيل بقبول توبته ظاهرا و باطنا و هو الأقوى و يدل على القول الأوّل صحيحة محمّد بن مسلم قال ع: من رغب عن الإسلام و كفر بما أنزل اللّه على محمّد صلّى اللّه عليه و آله بعد إسلامه فلا توبة له و قد وجب قتله و بانت منه امرأته و يقسّم ما ترك على ولده «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حدّ المرتد الحديث

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 354

و موثقة عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام

و جحد محمّدا صلّى اللّه عليه و آله نبوّته و كذّبه فإنّ دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه و امرأته بائنة منه يوم ارتدّ فلا تقربه و يقسّم ماله على ورثته و تعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها و على الامام ان يقتله و لا يستتيبه «1».

و رواية علىّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن مسلم تنصّر قال يقتل و لا يستتاب قلت: فنصرانّي أسلم ثم ارتدّ قال: يستتاب فان رجع و الا قتل «2».

و لا يخفى أنّ هذه الرواية ظاهرة في التفصيل بين المرتدّ الفطري و الملّي بعدم قبول توبة الأوّل و قبولها في الثاني و رواية عمّار و ان لم يكن ظهورها بمثابة ظهور هذه الرواية الّا أنّها لا تخلو من الظهور في المرتدّ الفطري حيث قال: كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام الظاهر منه أنه كان مسلما و ولد من مسلمين ثمّ ارتدّ و ان قرئ مسلمين بصيغة الجمع فهو ايضا ظاهر في المرتدّ الفطري لأنّه يستفاد منه أنّه كان مسلما بين مسلمين ثمّ ارتدّ.

و أمّا صحيحة محمّد بن مسلم فإنها أيضا لا تخلو عن الظهور في كون المراد بقوله: من رغب عن الإسلام هو الذي كان مسلما ثم رغب عن الإسلام و ارتدّ.

و لكن تعارض هذه الروايات الروايات الدالة بإطلاقها أو عمومها على قبول توبته بل بعضها ظاهر في المرتدّ الفطري:

منها رواية الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: انّ رجلا من المسلمين تنصّر فأتى به أمير المؤمنين عليه السلام فاستتابه فأبى عليه فقبض على شعره ثم قال: طئوا يا عباد اللّه فوطئ حتّى مات «3».

و لا يخفى ظهور الرواية في المرتدّ

الفطري لكنّها ضعيفة السند و منها حسنة ابن محبوب عن غير واحد من أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا في المرتد: يستتاب فان تاب و الّا قتل الحديث «4».

______________________________

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب حدّ المرتد الحديث 2

(2) الوسائل الباب 1 من أبواب حدّ المرتد من كتاب الحدود الحديث 5

(3) الوسائل الباب 1 من أبواب حدّ المرتد الحديث 4

(4) الوسائل الباب 3 من أبواب حدّ المرتد الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 355

و هذه الرواية مطلقة تشمل المرتدّ الفطري.

و منها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أتى قوم أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: السلام عليك يا ربّنا فاستتابهم فلم يتوبوا فحفر لهم حفيرة أو قد فيها نارا و حفر حفيرة إلى جانبها أخرى و أفضى بينهما فلمّا لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة و أوقد في الحفيرة الأخرى حتى ماتوا «1».

و منها رواية مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: المرتد تعزل عنه امرأته و لا تؤكل ذبيحته و يستتاب ثلاثة أيّام فإن تاب و الا قتل يوم الرابع «2». و هذه الرواية أيضا شاملة للمرتد الفطري لكنها ضعيفة السند و لا يضرنا ضعفها لأنّ في غيرها من الصحيحة و الحسنة كفاية خصوصا صحيحة هشام بن سالم التي يظهر منها أنّ موضوعها المرتد الفطري حيث انّه يظهر منها أنّ القوم كانوا من شيعة علىّ عليه السلام ثمّ ارتدّوا و صاروا من الغلاة.

ثمّ انّ هذه الروايات التي سردناها أخيرا و غيرها من مطلقات أدلّة التوبة كقوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ

ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ «3»- هي أدلّة القول الثالث الذي قوّيناه- أعنى قبول توبته ظاهرا و باطنا- فما يظهر من الروايات المتقدمة على هذه الروايات من عدم قبول توبته لا بدّ من حمله على عدم سقوط آثار الارتداد عنه بمجرّد التوبة لأنّ مقتضى الجمع بين هذه الروايات- الدالّة على قبول توبته و تلك الروايات الظاهرة في عدم قبولها- ذلك.

ثم أنّه يجوز العقد على زوجته- بعد التوبة- بالعقد الجديد بعد انقضاء العدّة بل يستفاد من بعض الروايات و تقتضيه القواعد الفقهيّة جواز العقد عليها في العدّة و كذا ما يكتسبه بعد التوبة لعدم المانع منه شرعا.

و ما يظهر من بعض الروايات المتقدّمة من انتقال أمواله إلى ورثته بالارتداد هو المال الذي كان يملكه في حال إسلامه قبل ارتداده فلا دليل يدلّ على عدم حصول التملّك له بعد

______________________________

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب حدّ المرتد الحديث 1

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب حدّ المرتد الحديث 2

(3) سورة النساء الآية 48

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 356

الارتداد و كذا لم نظفر بدليل دالّ على عدم إمكان اتّخاذه للزوجة بمجرّد الارتداد سواء أ تاب منه أم لا فله أن يرجع الى زوجته الأولى بالعقد الجديد بعد إسلامه و له أن يتزوج زوجة غيرها.

(الخامس:)

من المطهرات زوال عين النجس عن ظاهر بدن الحيوان و باطن الإنسان و هو إجماعيّ كما حكاه غير واحد أمّا زوال النجاسة عن ظاهر الحيوان فيدلّ على كونه من المطهّرات- مضافا الى السيرة القطعية بين المتشرّعة على عدم تطهير مواضع النجاسة من بدن الحيوان عند ملاقاتها للنجاسة- الروايات الدالّة على طهارة سؤر السنّور و سائر البهائم و الطيور.

كالرواية المروية بسند صحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام

حيث سئل عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش فلم يترك السائر شيئا إلّا سأله عنه فقال ع لا بأس حتّى انتهى الى الكلب فقال: رجس نجس الحديث «1».

و كالرواية المروية عن معاوية بن شريح عنه عليه السلام قال: سأله عذافر و أنا عنده عن سؤر السنور و الشاة و البقرة و البعير و الحمار و الفرس و البغل و السباع يشرب منه أو يتوضّأ منه قال: نعم اشرب منه و توضّأ منه الحديث «2».

و كرواية عمّار أو موثقته عنه عليه السلام قال: سئل عمّا تشرب منه الحمامة قال:

كل ما أكل لحمه فتوضّأ من سؤره و اشرب و عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب فقال:

كلّشي ء من الطير يتوضّأ؟ ممّا يشرب منه الّا أن ترى في منقاره دما فإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه و لا تشرب «3».

و المراد بعدم جواز الشرب عند رؤية الدم عدم الجواز عند العلم بوجود الدم أو ما يقوم مقام العلم كالبينة و اخبار ذي اليد و نحو ذلك لا خصوص الرؤية فإنّ الرؤية لا يمكن أخذها في موضوع عدم جواز الشرب لأنّ موضوع عدم الجواز نفس الدم لا رؤيته.

فيستفاد من هذه الروايات و غيرها أنّ البهائم و السباع و الطيور حتّى المحرّمة منها بل

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأستار الحديث 3

(2) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأستار الحديث 2- 10

(3) جامع الأحاديث الباب 6 من أبواب الأستار الحديث 2- 10

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 357

حتى الآكلة للجيف محكوم بطهارتها و طهارة سؤرها الّا أن تشاهد النجاسة في مواضع سؤرها و من

المعلوم عدم احتراز البهائم و السباع عن مزاولة النجاسات و خصوصا السّباع حتّى مثل الهرّة فإنّ رزقها غالبا من افتراس فريستها إنّ الهرّة من شأنها غالبا أكل الفأر و كذا سائر السباع فإنّها لا تصبر عن أكل الجيف بل أكل بعضها بعضا و كذا بعض الطيور المحرّمة الآكلة للجيف كالصقر و البازي و العقاب و قضاء العادة بعدم تطهيرها لمواضع النجس.

فما يقال: من أنّ الحكم بطهارتها- في صورة غيبتها و احتمال تطهيرها و لو من باب الاتفاق بأن تدخل فمها أو منقارها في الماء الجاري- ضعيف جدّا لأنّه يستلزم حمل الروايات على الموارد الشاذة النادرة خصوصا في صدر الإسلام المعلوم قلّة وجود الماء فيه بل قلّة وجود الكر و الجاري فيه.

و أمّا باطن الإنسان فاستدلّ لكون ذهاب النجاسة عنه مطهّرا- بالإجماع هذا إذا قلنا بتنجّس الباطن بملاقاته للنجس و أمّا إذا قلنا بعدم حصول النجاسة للباطن أصلا كما ليس ببعيد فلا يمكن عدّه من المطهّرات و تظهر الثمرة بين القولين فيما إذا أدخل إصبعه في فيه و كان ريقه ملاقيا للدم ح فان قلنا بقول المشهور من تنجّس الباطن تنجّس إصبعه لأنها لاقت ريقه الملاقي للدم و ان قلنا بالثاني لم تتنجّس لأنّها لم تلاق الدم و انّما لاقت الريق الملاقي للدم و المفروض عدم تنجّسه بملاقاة الدم و لكن قول المشهور أوفق بالقواعد لأنّه إذا دار الأمر بين تخصيص الأدلّة العامة الدالّة على تنجيس كلّ نجس لملاقيه- بالبواطن بأن يقال:

انّ كلّ نجس منجّس لملاقيه الّا البواطن و بين بقاء تلك العمومات على حالها حتّى تشمل البواطن لكن نزيد على عدد المطهرات و نقول: انّ من المطهرات زوال العين عن باطن الإنسان فالثاني أولى لأنّه

على الأوّل يلزم تخصيص الأدلّة العامّة و هي آبية عن التخصيص و أمّا على الثاني فلا يلزم ذلك بل العمومات على حالها غاية الأمر أنّه يقال: انّ من المطهرات التي يستفاد من كلام الشارع حيث قال: انّما عليك أن تغسل الظاهر لا الباطن- أنّ الشارع جعل زوال العين من باطن الإنسان مطهرا، و عدّ هذا من المطهّرات ليس مخالفا للعمومات و لا مخصصا لها لان الشارع لم يحصر المطهرات فيما عدا هذا الفرد فلا منافاة بين كون الماء و الشمس و النار و الأرض مثلا من المطهرات و بين كون زوال العين عن البواطن ايضا من المطهرات و اللّه العالم و على القول الأوّل- أي بناء على عدم تنجّس الباطن فلا وجه لعدّه.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 358

من المطهّرات هذا إذا لم نقل بانصراف أدلّة النجاسات عن البواطن.

(السادس:)

من المطهرات غيبة المسلم و مستند كونه من المطهرات أمور الأوّل السيرة القطعية على طهارة بدن المسلم و لباسه بمجرد غيبته مع علمه بنجاسة بدنه أو لباسه و عدم بناء المتشرعة على استفسار حاله و أنّه هل غسل النجاسة من بدنه و لباسه أو لا؟ و لكن يمكن أنّ يقال: انّ السيرة انّما تكون حجّة لو كانت كاشفة قطعية عن أنّها تكون مستمرة من زمان المعصوم عليه السلام حتى تكشف عن رأيه ع و أنى لهم بإثبات ذلك.

الثاني ظاهر حال المسلم في الاحتراز عن النجاسات فيما يكون استعماله مشروطا بالطهارة فإذا تنجّس بدنه أو لباسه أو أوانيه و علم بذلك ثم استعمله فيما تشترط فيه الطهارة مثل ما إذا صلّى في بدنه الذي كان نجسا من قبل أو مع هذا اللباس الذي كان نجسا أو توضّأ من

هذه الآنية التي كانت نجسة أو شرب منها شيئا من المائعات و لم نعلم بأنه هل طهّر هذه المذكورات أولا و احتملنا تطهيره لها فظاهر حال المسلم- من أنّه يجتنب عن النجاسات- يقتضي الحكم بأنّه قد طهّرها و هذا الوجه من أقوى الوجوه في مستند كون غيبة المسلم من المطهّرات لأنّ بناء أكثر أفعاله على الصحّة.

الثالث دعوى الإجماع من غير واحد على كون غيبة المسلم من المطهرات، و لكن يرد عليه ان الإجماع غير محقق لأنّه قد نقل الخلاف من غير واحد على عدم الحكم بطهارة المسلم بمجرّد غيبته بل قيل: انّه مشهور فلاحظ.

الرابع لزوم الحرج لولا الحكم بطهارته بمجرد غيبته و علمه بنجاسة بدنه أو لباسه و لكن يلزم من هذا الوجه أن يكون غيبة المسلم من المطهرات في موارد الحرج فقط لا مطلقا و لم يقل به أحد.

ثم انّه يشترط في كون الغيبة مطهرة لبدن المسلم أو لباسه أمور ثلاثة الأوّل علمه بنجاسة بدنه أو لباسه فما لم يعلم لا يحكم بطهارة بدنه أو لباسه خلافا لصاحب الجواهر حيث ادّعى السيرة القطعية على الحكم بالطهارة حتى في مورد عدم العلم بالنجاسة.

الثاني استعماله فيما يشترط فيه الطهارة كأن صلّى فيه و لم يكن من الأشياء التي تجوز الصلاة فيها مع النجاسة كالقلنسوة أو لاقاه مع الرطوبة السارية أو أكل منه أو شرب أو

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 359

توضأ منه.

الثالث احتمال تطهيره فلا يمكن الحكم بطهارته في صورة العلم بعدم مبالاته بالنّسبة إلى النجاسات.

(السابع:)

من المطهرات الأرض فإنّها تطهّر النعل و باطن القدم و الخفّ بالمشي عليها على المشهور بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه و تدلّ عليه روايات كثيرة منها النبوي العامي

قال: إذا وطأ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب «1».

و ربما يقال: بطهورية التراب دون مطلق وجه الأرض استنادا الى هذه الرواية و لكنّ الرواية عامية ضعيفة السند و مع ذلك تعارضها روايات صحيحة أو موثقة و ستجي ء إنشاء اللّه تعالى.

و منها صحيحة فضالة عن ابن بكير عن حفص بن ابى عيسى أنه قال للصادق عليه السلام: انى (ظ) أن وطئت على عذرة بخفي و مسحته حتّى لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة فيه؟ فقال: لا بأس «2» و يستفاد من هذه الرواية و كذا رواية زرارة الآتية كفاية المسح على الأرض حتّى يذهب أثر النجاسة و لا يحتاج إلى المشي خصوصا المشي خمسة عشر ذراعا كما يستفاد ذلك من صحيحة الأحول الآتية فإنه يمكن حملها على بعض المحامل كما سيجي ء.

و منها رواية محمّد بن على الحلبي عنه عليه السلام قال: قلت له: انّ طريقي الى المسجد في زقاق يبال فيه فربما مررت فيه و ليس علىّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته فقال:

أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة قلت: بلى قال: فلا بأس انّ الأرض يطهّر بعضها بعضا الحديث «3».

و منها حسنة المعلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا فقال: أ ليس ورائه شي ء جافّ قلت: بلى قال: فلا بأس انّ الأرض يطهر بعضها بعضا «4».

و منها صحيحة الحلبي قال: نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد زقاق قذر فدخلت على

______________________________

(1) كنز العمال- على ما حكى عنه- الحديث 5 صفحة 88

(2) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 6- 9- 3

(3) الوسائل الباب 32

من أبواب النجاسات الحديث 6- 9- 3

(4) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 6- 9- 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 360

أبيعبد اللّه عليه السلام فقال: أين نزلتم فقلت: نزلنا في دار فلان فقال: انّ بينكم و بين لمسجد زقاقا قذرا أو قلنا له: انّ بيننا و بين المسجد زقاقا قذرا فقال: لا بأس انّ الأرض يطهّر بعضها بعضا الحديث «1».

و يستفاد من هذه الجملة في الروايات- أعنى قوله: انّ الأرض يطهر بعضها بعضا- أنّ المراد بنفي البأس في هذه الروايات من جهة زوال النجاسة بالمشي على الأرض لا العفو عن النجاسة بواسطة الصلاة في الخفّ أو النعل الذي تجوز الصلاة فيه لأنّه لا تتم الصلاة فيه منفردا- كما توهّم- و معنى قوله: انّ الأرض تطهر إلخ أنّ الأرض النجسة إذا تعلّقت أجزائها برجل أحدا و بنعله تطهر أرض أخرى تلك النجاسة بعد زوال العين- بالمشي عليها و اللّه العالم.

و منها صحيحة الأحول عنه عليه السلام في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا قال: لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا و نحو ذلك «2».

و هذه الرواية بظاهرها منافية لإطلاق سائر الروايات لأن قيد خمسة عشر ذراعا لا يوجد في سائر الروايات الّا أن يحمل على ما إذا لم يذهب أثر النجاسة إلّا بها.

و منها صحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها أ ينقض ذلك وضوءه و هل يجب عليه غسلها فقال: لا يغسلها الّا أن يقذرها و لكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها و يصلّى «3».

و هذه الرواية تدلّ على عدم اعتبار المشي مطلقا اى و لو أقلّ من خمسة عشر

ذراعا فلا بدّ من حمل صحيحة الأحول الظاهرة في التقدير- على ما ذكرناه أو على أنّ التقدير المذكور أحد الأفراد التي تتحقّق بها الطهارة- أي طهارة الرجل و الفرد الآخر تحقق مسمى المشي و لو كان خطوة أو خطوتين و الفرد الآخر المسح على الأرض حتى يذهب أثر النجاسة.

ثم انّه هل تعتبر طهارة الأرض أولا- فيه وجهان بل قولان و استدلّ لاعتبار طهارتها بأمور.

الأوّل ارتكاز العرف على أنّ المتنجّس لا يكون مطهرا فانّ الفاقد للطهارة كيف يكون معطيا لها.

______________________________

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 4- 1

(2) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 4- 1

(3) الوسائل الباب 32 من أبواب النجاسات الحديث 7

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 361

الثاني الاستقراء فانّ الماء لا يكون بنحو الإطلاق مطهرا سواء أ كان قليلا أم كثيرا الّا أن يكون طاهرا فكذا التراب الذي يكون مطهرا من الحدث لا بدّ من أن يكون طاهرا كتراب التيمّم بل لا يكون مطهرا من الخبث إلّا إذا كان طاهرا كحجر الاستنجاء.

الثالث دلالة صحيحة الأحول المتقدّمة- على ذلك حيث قال السائل: الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا حيث انّ الظاهر ان المراد بالمكان النظيف المكان الطاهر و هذا القيد و ان كان في كلام السّائل الّا أنّ تقرير الامام عليه السلام له على هذا القيد و عدم ردعه كاشف عن اعتباره.

الرابع ما استدلّ به في الحدائق- على ما حكى عنه- من قوله صلّى اللّه عليه و آله: جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا- بناء على أنّ المراد بالطهور الطاهر في نفسه المطهر لغيره فلا بدّ من أن تكون الأرض طاهرة و مطهرة حتّى يصدق عليها الطهور.

و

لكن يرد عليه أنّه على فرض أن يكون المراد بالطهور الطاهر في نفسه المطهر لغيره لا تدلّ الرواية على اعتبار كون الأرض طاهرة فإنّ المراد من قوله ص: جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا- الطاهرة من حيث الذات اى مع قطع النظر عن عروض النجاسة عليها فلا ينافيه نجاستها- لعارض و الحاصل عدم استفادة اعتبار القيد الأوّل من قوله: طهورا، هذه الأدلة مما ذكرها الأستاذ دام ظله مستدلّا بها على اعتبار طهارة الأرض تبعا لمن شرط ذلك.

و يمكن الخدشة في الكل أمّا الارتكاز فيمكن أن يدّعى أنّ ارتكازهم على خلاف ذلك كما لا يخفى على من راجع ارتكازهم فإنّه إذا قيل لهم: انّ الأرض مطهرة لباطن النعل و القدم لا يسألون عن أنّه هل يعتبر طهارة الأرض أولا بل لا ينقدح في أذهانهم السّؤال عن ذلك و أمّا الاستقراء فهو ايضا كسابقه إذ لا يمكن إثبات حكم من الأحكام الشرعيّة بالاستقراء فانّ الاستقراء لا يفيد الّا الظنّ و انّ الظنّ لا يغني من الحق شيئا مع أنّ مبنى الشريعة الإسلامية على جمع المختلفات و تفريق المجتمعات.

و أمّا صحيحة الأحول فليس فيها سوى الاشعار على ذلك و فرض المكان النظيف و غير النظيف انّما هو في كلام السائل لا في كلام الامام عليه السلام و انّما قرره الامام عليه السلام في مفروضه و هو المكان النظيف و من المعلوم ان مفهوم اللقب ليس بحجة و لم ينف الامام عليه السلام الطهارة من المكان غير النظيف مع أنّه يمكن أن يكون المراد بالمكان

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 362

النظيف المكان الخالي عن القذارات الظاهرية اى الخالي عن الأوساخ لا الخالي عن النجاسات و ان كان هذا الاحتمال

بعيدا عن مساق الرواية و لكن مع ذلك كلّه الأحوط هو اعتبار طهارة الأرض كما عليه المشهور.

و يعتبر ايضا جفاف الأرض على المشهور و الدليل عليه رواية محمد بن علىّ الحلبي المنقولة عن مستطرفات السرائر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: انّ طريقي الى المسجد في زقاق يبال فيه فربّما مررت فيه و ليس علىّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته فقال ع: أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة فقلت: نعم فقال: لا بأس إنّ الأرض يطهر بعضها بعضا «1».

و حسنة المعلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا فقال: أ ليس ورائه شي ء جافّ قلت: بلى قال: لا بأس انّ الأرض يطهر بعضا «2».

و الخدشة في سندهما- مع أنّ الثانية حسنة في غير محلّها لأنّ المشهور قد عملوا بهما.

ثم انّه لا فرق ظاهرا بين النعل و القدم و بين أقسام النعل من الخفّ و غيره بل يمكن التعدّي إلى أسفل عصا الأعرج بل ركبتي من يمشى على الأرض بركبتيه.

و كذا لا فرق في الأرض بين المفروشة بالآجر و الحصى و غيرهما تمسّكا في ذلك كلّه بإطلاق النصوص نعم يشكل الحكم في المفروشة بالقير و الآهك و الجصّ للشك في صدق اسم الأرض عليها.

(الثامن)

من المطهرات ماء الغيث ذكره غير واحد من القدماء تبعا للنصوص و هل يعتبر في صدق اسم المطر الجريان على وجه الأرض- كما ذكر ذلك كثير من الفقهاء بل نسب ذلك الى المشهور- فيه قولان فلنذكر أوّلا النصوص ثم ننظر في دلالتها فنقول و من اللّه التوفيق:

من النصوص مرسل الكاهلي عن

أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: يسيل علىّ من ماء المطر أرى فيه التغيّر و أرى فيه آثار القذر فتقطر القطرات علىّ و ينتضح علىّ منه و البيت يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا قال: ما بذا بأس و لا تغسله كلّ شي ء يراه ماء المطر فقد

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث 9- 3

(2) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث 9- 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 363

طهر «1».

و هذه الرواية فيها إطلاق يصدق على غير الجاري على وجه الأرض اللّهم الّا أن يقال بعدم صدق المطر على غير الجاري و هو بعيد.

و منها مرسلة الفقيه قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن طين المطر يصيب الثوب فيه البول و العذرة و الدم فقال: طين المطر لا ينجس «2».

و منها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الكنيف يكون خارجا فتمطر السماء فتقطر علىّ القطرة قال: ليس به بأس «3».

و منها صحيحة على بن جعفر أنّه سأل أخاه عليه السلام عن الرجل يمرّ في ماء المطر و قد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلّى فيه قبل أن يغسله فقال: لا يغسل ثوبه و لا رجله و لا بأس به «4».

و منها ما عن الفقيه أنّه سأل هشام بن سالم أبا عبد اللّه عليه السلام عن السطح يبال عليه فتصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب فقال: لا بأس به ما أصابه من الماء أكثر منه «5».

و هذه الروايات من الروايات المطلقة و ليس فيها تقييد بالجريان و لكن في بعض الروايات ما يظهر منه التقييد بالجريان مثل صحيحة علىّ بن جعفر قال: سألت أبا لحسن موسى عليه

السلام عن البيت يبال على ظهره و يغتسل فيه من الجنابة ثم يصيبه المطر أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة فقال: إذا جرى فلا بأس به «6».

و روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب أ يصلّى فيه قبل أن يغسل قال: إذا جرى به المطر فلا بأس «7».

و روايته الأخرى عنه عليه السلام قال: سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب أ يصلّى فيها قبل أن تغسل قال: إذا جرى من ماء المطر فلا بأس يصلّى فيه «8» و لكن هذه الروايات لا ظهور لها في كون مصداق المطر لا يتحقق إلّا إذا جرى على وجه

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 3

(2) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 12

(3) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 9

(4) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 8

(5) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 4

(6) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 5

(7) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 7

(8) جامع الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 6

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 364

الأرض لإمكان أن يكون المراد بالجريان الجريان من الميزاب بمعنى أنّه إذا جاء المطر من الميزاب فلا بدّ في مطهريّته من الجريان و يحتمل في خصوص صحيحة علىّ بن جعفر «1» أنّ اعتبار الجريان انّما هو لأجل كون الموضع معدّا للقذارات فما لم يجر فيه المطر لا يمكن الأخذ من مائه و التوضؤ به لأجل اختلاطه بالقاذورات و أمّا في صورة الجريان فيذهب ماء المطر بها مضافا الى

ان مفروض السؤال في هذه الروايات هو المكان المعدّ للقاذورات الذي لا يمكن تطهيره الأبعد جريان المطر عليه لأنّه بواسطة كثرة النجاسات لا يمكن غلبة المطر عليه الّا بعد جريانه على وجه الأرض و ذهاب النجاسات بواسطة كثرة المطر و الّا تصير النجاسات غالبة عليه بواسطة كثرة النجاسات و قلته كما هو واضح.

و يحتمل أن يكون المراد بالجريان الجريان من السّماء بمعنى أنّه يشترط في عاصمية ماء المطر من النجاسة بحيث إذا و كف على الثوب لا يتنجس الثوب بذلك و كذا في جواز التوضي به- الجريان من السماء و عدم انقطاع المطر لأنّ الموضع موضع قذر فمجرد انقطاع المطر عنه يصير الماء الباقي على وجه الأرض متنجسا لملاقاته للنجس و هذا الاحتمال لم يذكره الأستاذ دام ظلة فح يكون الأقوى ما عليه كثير من الفقهاء من عدم اعتبار جريانه على وجه الأرض تبعا لإطلاق النصوص المتقدمة.

ثم انّ المطر كما يطهر الأرض المتنجّسة و ما بحكمها كذلك يطهر الماء المتنجّس و لكنّ الأحوط حصول الاختلاط بينهما لأنّه بدون الاختلاط و الامتزاج لا يصدق عليه أنّه رآه ماء المطر لأنّ الماء الذي يكون في أسفل الحوض لم يره و لم يلاقه ماء المطر فلم يتحقق مصداق قوله ع: كل ما رآه ماء المطر فقد طهر و هذا نظير ما إذا كان أحد جانبي القميص مثلا نجسا و كان في المطر و كان الجانب الآخر خارجا عنه فكما أنّ الجانب الذي لا يراه المطر لا يطهر بملاقاة المطر للجانب الآخر الذي رآه ماء المطر فكذا فيما نحن فيه.

أقول: على رغم جهودنا الجبّارة في ضبط مطالب الأستاذ مد ظلّه قد فاتتنا بقية المطهرات فلم اسجلها في المسودة.

______________________________

(1) جامع

الأحاديث الباب 4 من أبواب المياه الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 365

المبحث الثالث عشر

في أحكام آنية الذهب و الفضّة. بحرم الأكل و الشرب إجماعا منّا في الجملة و من العامّة الّا من الشّاذ منهم من آنية الذهب و الفضة و الأخبار في ذلك من الطرفين كثيرة.

فمن العامة ما روى من طرقهم عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: لا تشربوا في آنية الذهب و لا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة «1».

و عنه صلّى اللّه عليه و آله من طرقهم ايضا أنّه قال: الذي يشرب في آنية الذهب و الفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنم «2».

و من طرقنا ما روى عن الصادق عليه السلام بطريق حسن أو صحيح قال: لا تأكل في آنية من فضّة و لا في آنية مفضّضة «3» و ما روى عن داود بن سرحان عنه عليه السلام أنّه قال: لا تأكل في آنية الذهب و الفضّة «4».

و ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنّه نهى عن آنية الذهب و الفضّة «5».

و ما روى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كذا روى عن الكاظم عليه السلام انهما قالا: آنية الذهب و الفضّة متاع الذين لا يوقنون «6».

و ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تأكل من آنية ذهب

______________________________

(1) كنز العمال- على ما حكى عنه جلد 8 صفحة 16

(2) المستدرك الباب 40 من أبواب النجاسات الحديث 4

(3) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 1 و 65 و الحديث 73- 7- 3- 4

(4) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 1

و 65 و الحديث 73- 7- 3- 4

(5) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 1 و 65 و الحديث 73- 7- 3- 4

(6) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 1 و 65 و الحديث 73- 7- 3- 4

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 366

و لا فضّة «1».

و هذه الروايات ظاهرة في حرمة الأكل من آنية الذهب و الفضّة و الشرب منها و بعض هذه الروايات له إطلاق بالنسبة إلى حرمة مطلق الاستعمالات و لكن تعارض هذه الروايات روايات أخر ظاهرة في كراهة الأكل و الشرب منها بل كراهة مطلق استعمالها.

منها صحيحة ابن بزيع قال: سألت الرضا عليه السلام عن آنية الذهب و الفضة فكرههما فقلت: روى أنّه كان لأبي الحسن عليه السلام مرآة ملبّسة فضّة فقال: لا و الحمد للّه انّما كانت لها حلقة من فضّة و هي عندي ثم قال: انّ العبّاس حين عذر اى ختن عمل له قضيب ملبّس من فضّة من نحو ما يعمل للصبيان تكون فضّة نحوا من عشرة دراهم فأمر به أبو الحسن عليه السلام فكسر «2».

و منها رواية بريد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: أنّه كره الشرب في الفضة و في القدح المفضّض و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض و المشطة كذلك «3».

و منها موثقة ابن مهران عنه عليه السلام قال: لا ينبغي الشرب في آنية الذهب و الفضّة «4». حيث انّ لفظ لا ينبغي ظاهر في الكراهة.

و لكن يمكن الجواب عن هذه الروايات بأنّ الكراهة في لسان الأئمّة عليهم السلام ليست ظاهرة في الكراهة المصطلحة عند الفقهاء لأنّ الكراهة في لسانهم عليهم السلام تطلق على مطلق ما يكون مرجوحا سواء أ كان محرما أم

مكروها و كثيرا ما تطلق على المحرم القطعي فهذه الروايات لا تعارض تلك الروايات الدالّة على الحرمة و على فرض معارضتها فالترجيح لتلك الروايات لعمل الأصحاب بها فانّ فتواهم مطبقة على حرمة الأكل و الشرب منها و لم ينقل الخلاف من أحد في الحرمة إلّا ما حكى القول بجواز الشرب منها من المحقق السبزواري في الذخيرة لعدم ما يدلّ على الحرمة فإنّ ما دلّ على الحرمة يدل على حرمة الأكل فقط.

و ما روى عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يمكن الاستناد اليه لكونه عاميّا كما مرّ و ما دلّ على كراهة الشرب كرواية بريد و رواية سماعة بن مهران فإنّما هو بلفظ

______________________________

(1) الوسائل الباب 65 من أبواب النجاسات الحديث 1- 5

(2) الوسائل الباب 65 من أبواب النجاسات الحديث 1- 5

(3) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 2

(4) الوسائل الباب 65 من أبواب النجاسات الحديث 7-

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 367

الكراهة أو لا ينبغي و هما لا يدلّان على الحرمة».

و لكن يجاب بأنّ الرواية العاميّة ضعفها مجبور بعمل الأصحاب و لفظ الكراهة أولا ينبغي ليس صريحا في الكراهة المصطلحة و إن كان ظاهرا فيها الّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن ظهوره بواسطة فتوى الأصحاب القائلين بالحرمة.

و ربّما حملت روايات الكراهة على التقية لموافقتها لفتوى بعض العامّة.

و هل يحرم خصوص الأكل و الشرب من آنية الذهب و الفضّة أو يحرم مطلق استعمالاتها- الظاهر هو الثاني وفاقا لأكثر المتأخّرين لأنّه- و إن كان أكثر الأخبار المتقدمة النهي عن الأكل و الشرب منها- إلا أنّ رواية محمد بن مسلم المتقدمة ظاهرة في حرمة مطلق الاستعمال لأنّ الباقر عليه السلام قد نهى

عن آنية الذهب و الفضّة و من المعلوم عدم تعلّق النهى بنفس الآنية فلا بدّ من تقدير المتعلّق و حيث انّ حذف المتعلّق مفيد للعموم فالمنهى عنه مطلق الاستعمال و كذا الرواية المروية عن النبي و الكاظم صلوات اللّه عليهما و آلهما فإنّهما قالا: آنية الذهب و الفضة متاع الذين لا يوقنون.

و كذا صحيحة ابن بزيع المتقدمة قال: سألت الرضا عليه السلام عن آنية الذهب و الفضة فكرههما و قد تقدمت الرواية فإنّه يستفاد من هذه الروايات ممنوعية مطلق استعمالها و لا يضر بالاستدلال ضعف سند بعضها لجبر الضعف بعمل الأصحاب فح يحرم جميع أقسام الاستعمالات مثل التدهين منها أو الاستنجاء بها أو التوضؤ أو الاغتسال منها سواء أ كان بالارتماس فيها أم بالاغتراف منها.

و هل يبطل الوضوء أو الغسل منها أولا- أمّا إذا كان بالارتماس فهو باطل قطعا لاتحاد المحرّم مع المأتي به لأنّ الوضوء منها هو عين التصرف فيها و استعمالها فما عن كشف اللثام من عدم البطلان ضعيف جدا.

و أمّا إذا كان بنحو الاغتراف فكذلك أيضا إذا كان مع الانحصار لأنّه و ان لم يكن التصرف في الإناء هو عين التوضّؤ منه الّا أنّه لم يكن مأمورا بالوضوء مع الانحصار بل يكون فرضه التيمّم فبطلانه ح لأجل عدم الأمر به لا لأجل التصرف في إناء الذهب مثلا.

و أمّا مع عدم الانحصار فيمكن القول بصحّة الوضوء لأنّه ح مأمور بالوضوء و لا يكون التصرف في الإناء بنظر العرف هو عين التوضّؤ منه فيكون اغترافه من الإناء حراما و وضوئه

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 368

صحيحا.

ثم انّ المناط في صدق الإناء و الآنية هو تشخيص العرف لأنّه ليس في كتب اللغة ما يفسّرها تفسيرا

واضحا فانّ في أكثر كتب اللغة أنّ الاناع و الآنية معروف لا يزيدون على هذا شيئا نعم عن المصباح المنير أنّ الإناء و الآنية كالوعاء و الأوعية لفظا و معنى» و ظاهره ترادفهما و أنّ الإناء و الآنية عين الوعاء و الأوعية و ان قال في الجواهر: انّه تفسير بالأعمّ لأنّ الوعاء بمعنى مطلق الظرف أعم من الإناء فإن كان تفسير مصباح اللغة بالأعم فهو و الّا فيشمل تفسيره قراب السيف و نحوه مما لا يكون إناء قطعا.

ثم- بناء على المراجعة إلى العرف في تشخيص الإناء- يشمل الإناء كلّ ما يطبخ فيه أو يستعمل في الأكل و الشرب و التطهير كالقدر و الكأس و المشقاب و القوري و الاستكان و النعلبكى و المطهرة بل و المصفاة و الملعقة بل و القليان اى الموضع الذي يجعل الماء فيه دون رأسه لأنّ موضع الماء منه يصدق عليه الإناء و أمّا مثل رأس القليان و رأس الشطب و غلاف السيف و موضع الأنفية أو الترياك أو موضع الجگائر أو موضع التعويذ و نحو ذلك فالظاهر عدم صدق الإناء عليها.

و الحاصل أنّ ملاك الحرمة هو صدق الإناء على شي ء بنظر العرف و إن كان مشبكا بل و ان لم يكن له أطراف كالصينية و المشقاب إذا لم يكن لهما أطراف كالظروف النايلونية فما عن كشف الغطاء من اختصاص الحرمة بما له أسفل يمسك ما يوضع فيه اى بماله قعر أو اختصاصها بما له حواش و أطراف ليس له وجه بعد صدق الإناء على ما ليس كذلك.

ثم انّه لا فرق في الإناء بين ما يؤكل أو يشرب منه و بين ما يكون من مقدّمات الأكل أو الشرب فمثل السماور و

القوري معدود من الإناء و ان لم يشرب منهما بلا واسطة.

و هل يحرم استعمال الإناء المفضض و المراد به امّا الإناء الذي يكون منبتا بالفضّة أو بعض مواضعه معبّأ بها أو المراد به ما كان مموها بماء الفضّة- فيه وجهان و لنذكر أوّلا بعض الأخبار و اللّه المستعان.

فمنا الصحيحة أو الحسنة المروية عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تأكل في آنية من فضّة و لا في آنية مفضّضة «1» و ظاهر النهى هو التحريم.

______________________________

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب النجاسات الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 369

و منها رواية بريد عنه عليه السلام أنّه كره الشرب في الفضّة و القدح المفضض و كذلك أن يدهن في مدهن مفضّض و المشط كذلك و زاد الصدوق (ره) على هذه الرواية: فان لم يجد بدّا من الشرب في القدح المفضّض عدل بفمه عن مواضع الفضّة «1».

و منها صحيحة معاوية بن وهب قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الشرب في القدح فيه ضبّة من فضة قال: لا بأس الّا أن يكره الفضّة فينزعها «2».

و هذه الصحيحة فيها دلالة على جواز الشرب من الآنية التي فيها شي ء من الفضة فلا بدّ من حمل الروايتين المتقدمتين على كراهة الشرب من الآنية المفضّضة فإنّ الحسنة المتقدمة و إن كانت ظاهرة في التحريم لأنّ النهي ظاهر فيه و كذا رواية بريد فانّ الكراهة غير ظاهرة في الكراهة المصطلحة- أعني مرجوح الفعل مع عدم المنع منه- لأنّها تستعمل في لسان الأخبار في الأعمّ من الحرمة و الكراهة الّا أنه لا بدّ من حملهما على الحرمة أو الكراهة فيما إذا جعل فمه على موضع الفضّة بقرينة ذيل رواية بريد على نقل

الصدوق المشتمل على زيادة قوله: فان لم يجد بدا إلخ.

و يدلّ ايضا عليه اى أنّ المحرم وضع فمه على موضع الفضّة صحيحة ابن سنان أو حسنته عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض و اعزل فمك عن موضع الفضّة «3» فإنّ هذه الرواية تدل صريحا على جواز الشرب من القدح المفضض لكن بشرط عزل الفم عن موضع الفضّة فمقتضى الجمع بين الطائفتين من الأخبار هو حمل أخبار النهي أو الكراهة على الكراهة المصطلحة أي كراهة الشرب من الآنية المفضّضة و على هذا المعنى ايضا يمكن حمل رواية عمر و بن أبى المقدام قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام قد اتى بقدح من ماء فيه ضبّة من فضّة فرأيته ينزعها بأسنانه «4». لكن هذه الرواية لا تدل على شربه عليه السلام منه قبل نزع الفضة فإنّ الإمام عليه السلام لا يرتكب مكروها و إن كان جائزا.

______________________________

(1) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 1- 2

(2) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 4- 5

(3) الوسائل الباب 66 من أبواب النجاسات الحديث 4- 5

(4) الوسائل الباب 16 من أبواب الصيد الحديث 1 و الباب 18 الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 370

(المبحث الرابع عشر)

في أحكام اللحوم و الشحوم و الجلود المشكوكة التذكية إذا وجد أحد هذه الثلاثة و لم يعلم بتذكيته فان وجده في البريّة و لم تكن عليه أمارات التذكية أو وجده في بلاد الكفر أو في الحدّ المشترك بين المسلمين و الكفّار فالظاهر الحكم عليه بأنّه ميتة وفاقا لأكثر الأصحاب بل ادّعى عليه الإجماع لاعتبار إحراز التذكية و العلم بتحقّقها أو قيام الامارة الشرعية بوقوعها في الحلية

و الطهارة.

و أصالة عدم الموت حتف الأنف- كما قيل- لا تثبت كونه مذكى لعدم اعتبار الأصل المثبت كما تقرّر في محلّه مع أنّ موضوع الحرمة و النجاسة ليس الموت حتف أنفه بل الموضوع هو الأعمّ منه لأنّ موضوعه هو غير المذكى سواء أمات حتف أنفه أم ذبح على غير الوجه الشرعي و من المعلوم أنّ نفى الخاصّ لا يستلزم نفى العام كما هو واضح مضافا الى أنّ هذا الأصل أي أصل عدم الموت حتف الأنف معارض بأصالة عدم التذكية و الأصل الثاني هو الاستصحاب.

و لكن يرد عليه بعدم تحقّق الحالة السابقة الّا أن يقال بتحقق الحالة السابقة بأن يقال:

انّ هذا الحيوان كان في حال حياته غير مذكّى و الآن نشكّ في انقلاب تلك الحالة عنه بعد موته و الأصل بقائها.

لكن يرد عليه أنّ موضوع الحرمة و النجاسة ليس كونه غير مذكّى فقط حتّى في حال حياته بل الموضوع هو غير المذكى مع موته و هذا ليس له حالة سابقة اللّهم الّا أن يقال: انّ عدم التذكية محرز بالأصل و موته محرز بالوجدان فيتحقق كلا جزئي الموضوع بذلك فتتحقق الحرمة و النجاسة.

و كيف كان فعمدة المستند في هذا الحكم هو الأخبار.

فمنها رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: من جرح صيدا بسلاح و ذكر اسم اللّه عليه ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع و قد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه ان شاء «1».

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الصيد الحديث 1 و الباب 18 الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 371

فإنّه عليه السلام قد علق جواز الأكل منه بالعلم بأن سلاحه قتله.

و منها صحيحة سليمان بن خالد

قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرمية يجدها صاحبها أ يأكلها؟ قال: ان كان يعلم أنّ رميته هي التي قتلته فليأكل «1» و مثله صحيحة حريز «2».

و منها موثقة سماعة قال: سألته عن رجل رمى حمار وحش أو ظبيا فأصابه ثم كان في طلبه فوجده من الغد و سهمه فيه فقال: ان علم أنه أصابه و أنّ سهمه هو الذي قتله فليأكل منه و الّا فلا يأكل منه «3».

و منها رواية زرارة عنه عليه السلام قال: إذا رميت فوجدته و ليس به أثر غير السهم و ترى أنّه لم يقتله غير سهمك فكل تغيب عنك أو لم يغب عنك «4».

و منها رواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في صيد وجد فيه سهم و هو ميّت لا يدرى من قتله: لا تطعمه «5».

هذا كلّه فيما إذا لم تكن عليه أمارات التذكية و أمّا إذا كانت عليه أمارات التذكية بأن وجد في سوق المسلمين أو كان بيد المسلم أو في أرض الإسلام مع غلبة المسلمين بواسطة كثرتهم على الكفّار أو اخبار المسلم بتذكيته أو معاملة المسلم معه معاملة المذكى فحكمه في جميع ذلك حكم المذكى و لا يجب السؤال عنه و تدلّ عليه الأخبار الكثيرة.

فمنها ما يدل على اعتبار سوق المسلمين. مثل صحيحة أحمد بن محمّد بن ابى نصر عن الكاظم عليه السلام قال سألته عن الرجل يأتي السوق فيشترى جبّة فراء لا يدرى أ ذكيّة هي أم غير ذكية أ يصلّى فيها قال: نعم ليس عليكم المسئلة انّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول: انّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم انّ الدين أوسع من ذلك

«6».

و رواه الصدوق عن سليمان بن جعفر الجعفري عنه عليه السلام و كذا صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق فقال: اشتر و صلّ فيها حتّى

______________________________

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الصيد الحديث 1 و الباب 118 الحديث 2

(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الصيد الحديث 1 و الباب 118 الحديث 2

(3) الوسائل الباب 18 من أبواب الصيد الحديث 3- 5

(4) الوسائل الباب 18 من أبواب الصيد الحديث 3- 5

(5) الوسائل الباب 19 من أبواب الصيد الحديث 1

(6) الوسائل الباب 50 من أبواب النجاسات الحديث 3

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 372

تعلم أنّه ميتة بعينه «1» و مثلها صحيحته الأخرى «2» و رواية أحمد بن محمد بن أبى نصر عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخفّ لا يدرى أ ذكيّ هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدرى أ يصلّى فيه؟

قال: نعم أنا أشترى الخفّ من السوق و يصنع لي و أصلّي فيه و ليس عليكم المسألة «3» و كذا رواية الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: أعترض السوق فاشترى خفا لا أدرى أ ذكي هو أم لا قال: صلّ فيه قلت: فالنعل قال: مثل ذلك قلت: انّى أضيق من هذا قال: أ ترغب عمّا كان أبو الحسن عليه السلام يفعله؟ «4» و رواية عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: انى أدخل سوق المسلمين أعنى هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام فأشترى منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها:

أ ليس هي ذكية فيقول: بلى هل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكيّة فقال:

لا و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنّها ذكيّة قلت: و ما أفسد ذلك قال: استحلال أهل العراق للميتة و زعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك الّا على رسول صلى اللّه عليه و آله «5».

و تدلّ على ذلك أيضا رواية إسماعيل بن عيسى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الخيل (الجبل) أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك و إذا رأيتم (رأيتموهم خ ل) يصلّون فيه فلا تسألوا عنه «6».

و يستفاد من هذه الرواية أنّ المفروض في السؤال أنّ ذلك السوق كان مختلطا فيه المسلمون و الكفّار و لم يكن بحيث كان غالب افراده المسلمين ليعدّ سوق الإسلام فلذا لم يعتد عليه السلام بيد المسلم فقال: و إذا رأيتم (اى المسلمين) يصلون فيه (اى يعاملونه معاملة المذكى) فلا تسئلوا عنه و معناه و اللّه العالم- أن المسلم غير العارف المختلط مع الكفار بحيث لا يكون غلبة الأفراد مع المسلمين لا بدّ لكم امّا أن تسألوا عن ذكاة الفراء التي اشتريتموها منه

______________________________

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب النجاسات الحديث 2

(2) جامع الأحاديث الباب 33 من أبواب النجاسات الحديث 6- 2- 4

(3) جامع الأحاديث الباب 33 من أبواب النجاسات الحديث 6- 2- 4

(4) جامع الأحاديث الباب 33 من أبواب النجاسات الحديث 6- 2- 4

(5) جامع الأحاديث الباب 33 من أبواب النجاسات الحديث 10- 5

(6) جامع الأحاديث الباب 33 من أبواب النجاسات الحديث 10- 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 373

و امّا ترون أنّهم يعاملون معها معاملة المذكى كالصلاة فيها فلا تسئلوا ح عن ذكاتها فيعلم من هذه الرواية أنّ سوق المسلمين انّما يكون حجة إذا كان الغالب عليه المسلمين و امّا إذا لم يكن كذلك فليس بحجّة.

و تدلّ عليه أيضا موثقة إسحاق بن عمّار عن العبد الصالح عليه السلام أنّه قال: لا بأس بالصلاة في الفرو اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام قلت له: فان كان فيها غير أهل الإسلام قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس «1».

و من الأخبار ما يدلّ على اعتبار ما صنع في أرض الإسلام كرواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: تكره الصلاة في الفراء الّا ما صنع في أرض الحجاز «2».

و هل تكون هذه الرواية و كذا موثقة عمار المتقدمة معارضة لتلك الروايات الدالة على اعتبار سوق المسلمين أو مقيّدة لها حيث انّ تلك الروايات دلّت على اعتبار سوق المسلمين فما يشترى من غير سوق المسلمين و لو علم أنّه صنع في أرض الإسلام- لا يكون ذكيّا و هذه الرواية تدلّ على اعتبار ما صنع في أرض الإسلام و إن كان يشترى من غير سوق المسلمين إذا كان الغالب فيه المسلمين فما التوفيق بينهما.

و لكن يمكن الجمع بين الطائفتين من الروايات بأن يقال: انّه يحتمل أن يكون الشارع جعل كل واحد من سوق المسلمين و أرض الإسلام علامة للتذكية فما وجد في سوق المسلمين يكون مذكّى و ما اشترى من مسلم ايضا يكون مذكّى و معنى اعتبار سوق المسلمين هو اعتبار يد المسلم و أنّ ما يشترى من المسلم أو يؤخذ من سوق المسلمين محكوم بالتذكية ففي الواقع المعتبر هو يد المسلم و السوق

كاشف عن يده و كذا ما صنع في أرض الإسلام و علم أنّه من مصنوعات الإسلام يحكم عليه بالتذكية و ان بيع في بلاد الكفر.

و حاصل الجمع بين الطائفتين من الأخبار أنّ اللحم أو الجلد إذا أخذ من سوق المسلمين يكون بحكم المذكى سواء أخذ من المسلم أو من مجهول الحال و أمّا إذا أخذ من الكافر فان علم بعدم سبق يد المسلم عليه فهو بحكم الميتة و ان لم يعلم بعدم سبق يد المسلم عليه و احتمل أنّه أخذه من مسلم فلا يترتّب عليه أحكام المذكّى لرواية إسماعيل بن عيسى المتقدّمة «3» الدالّة على

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 32

(2) جامع الأحاديث الباب 32

(3) جامع الأحاديث الباب 33 من أبواب النجاسات الحديث 5

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 374

وجوب السؤال عمّا يبيعه المشركون و كذا لا يترتب عليه أحكام المذكى إذا أخذه من المسلم غير العارف إذا لم يكن السوق مما يكون غالب أفراده المسلمين إلّا إذا صلّى المسلم فيه و أمّا إذا أخذ ما صنع في أرض الإسلام سواء أخذه من المسلم أو أخذه من مجهول الحال بل و ان أخذه من الكافر إذا علم أنّه مصنوع في بلاد الإسلام فهو بحكم المذكى على اشكال في الأخير أي فيما إذا أخذه من الكافر حيث انّه ادّعى الإجماع على أنّه بحكم الميتة فالأحوط الترك.

نعم إذا علم أنّ ما بيد الكافر هو مصنوع المسلم فلا اشكال فيه فح إذا كانت الجلود المجلوبة من بلاد الكفّار ممّا علم أنّه مصنوع أرض الإسلام و كان البائع مسلما فلا اشكال فيه بل و ان بيع في بلاد الكفر بعد ما علم أنه من مصنوعات بلاد الإسلام.

(المبحث الخامس عشر في كيفية غسل الأواني) و فيه مباحث

البحث الأوّل في وجوب غسل الإناء لو لوغ الكلب

اشارة

و فيه مقامات

المقام الأوّل

وجوب غسله ثلاثا إحداهن التراب على المشهور بل عن غير واحد دعوى الإجماع. و الخلاف في ذلك في القول الشاذ في عدد الغسلات.

و هو وجوب السبع و هو المحكي عن ابن الجنيد و مستنده ما حكى عن كنز العمّال عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا أولاهن بالتراب «1» و لكنّ الرواية حيث انّه لم ترد من طرقنا لا يمكن الاعتماد عليها مع أنّه يمكن حملها على الاستحباب نعم في موثقة عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الإناء يشرب فيه النبيذ قال: تغسله سبع مرات و كذلك الكلب «2».

لكن لا بدّ من حملها على الاستحباب جمعا بينها و بين صحيحة البقباق الآتية.

المقام الثاني

في كون الغسل بالتراب لا بدّ من أن يقع في الأولى من الغسلات الثلاث- كما هو المشهور- لكن عن المفيد قده في المقنعة أنّه تجب فيه ثلاث غسلات وسطاهن التراب و لم يعلم مستنده لأنّ مستند وجوب تعفيره أوّلا بالتراب هو صحيحة البقباق عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال سألته عن فضل الهرّة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال

______________________________

(1) كنز العمال- على ما حكى عنه- جلد 5 صفحة 89

(2) الوسائل الباب 70 من أبواب النجاسات الحديث 1 و الباب 30 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 375

و الوحش و السباع فلم أترك شيئا الّا و سألته عنه فقال: لا بأس به حتّى انتهيت الى الكلب فقال:

رجس نجس لا تتوضّأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أوّل مرّة ثم بالماء «1» و هي ظاهرة في وجوب

كون الأولى بالتراب.

المقام الثالث

هل تكفى غسلة واحدة بعد التعفير بالتراب أو لا بدّ من غسلتين- ظاهر المدارك هو الأوّل حيث قال بعد نقل صحيحة البقباق المتقدّمة: كذا وجدته فيما وقفت عليه من كتب الأحاديث و نقله كذلك الشيخ رحمه اللّه في مواضع من الخلاف العلّامة في المختلف إلا أن المصنف ره نقله بزيادة لفظ مرّتين- بعد قوله: اغسله بالماء و قلّده في ذلك من تأخر عنه و لا يبعد أن يكون الزيادة وقعت سهوا من قلم الناسخ و مقتضى إطلاق الأمر بالغسل الاكتفاء بالمرة الواحدة بعد التعفير الّا أنّ ظاهر المنتهى و صريح الذكرى انعقاد الإجماع على تعدّد الغسل بالماء فان تمّ فهو الحجة و الّا أمكن الاجتزاء بالمرّة الواحدة لحصول الامتثال بها انتهى.

و مراده قدّه من قوله: كذا وجدته- أي في الرواية من قوله ع و اغسله بالتراب أوّل مرّة ثم بالماء اى من دون كلمة مرتين بعد قوله ثم بالماء و لكن نقل المصنف اى صاحب الشرائع الرواية مع اضافة كلمة مرتين فتصير دليلا لقول المشهور.

أقول: و ذكر غيره أنّ كلمة مرتين و ان لم تكن موجودة فيما وصل إلينا من النسخ الّا ان المحقّق ذكره في المعتبر و العلامة في المنتهى و أفتى القدماء في كتبهم الاستدلالية بوجوب غسله مرّتين بعد التعفير بالتراب و لعلّهم عثروا على لفظ المرّتين فيما بأيديهم من الأصول خصوصا المحقّق الذي يروى عن الأصول التي لم نسمع اليوم إلّا أسماءها».

و كيف كان فالقول هو قول المشهور من اعتبار غسله مرّتين أمّا لصحيحة البقباق التي نقلها المحقق قده بزيادة مرتين و إمّا للأدلة العامّة الدالة على وجوب غسل مطلق الإناء ثلاث مرّات و صحيحة البقباق دلّت على كون

وجوب الغسلة الأولى بالتراب فيستفاد من صحيحة البقباق و من الأدلة العامّة ما هو المشهور من وجوب الغسلات الثلاث لولوغ الكلب إحداهن بالتراب.

هذا كلّه فيما إذا غسل الإناء بالماء القليل و أمّا إذا غسل بالماء الجاري أو الكرّ فالظاهر

______________________________

(1) الوسائل الباب 70 من أبواب النجاسات الحديث 1 و الباب 30 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 376

كفاية المرّة لإطلاق قوله عليه السلام: هذا و أشباهه لا يصيب شيئا الا و قد طهّره «1» نعم لا يسقط التعفير بالتراب ح لإطلاق صحيحة البقباق و دعوى سقوطه لإطلاق روايات الجاري ساقطة عن الاعتبار لأنّه انّما يمكن التمسّك بالإطلاق فيما لم يكن له مطهّر سوى الماء دون ما نحن فيه الذي يكون من أجزاء مطهّره التراب.

(المقام الرابع)

هل تجب الغسلات الثلاث بولوغ الكلب من الإناء فقط و هو شربه منه كما عن المصباح المنير و عن الصحاح شربه بطرف لسانه و في القاموس شرب ما فيه بأطراف لسانه أو أدخل لسانه فيه انتهى أو تجب الغسلات ايضا و لو بمباشرة سائر أعضائه للإناء- ظاهر صحيحة البقباق هو الأوّل لأنّ قوله عليه السلام: لا تتوضّأ بفضله ظاهر في أنّ حكم التعفير مختصّ بفضل سؤره اى بفضل ما شرب منه و لذا قد عبّر الفقهاء عنه اى عن فضل ما شرب منه بالولوغ فانّ لفظ الولوغ و ان لم يكن في الروايات الصحيحة- نعم هو موجود في النبوي المتقدّم- الّا أنّ التعبير بقوله في صحيحة البقباق: لا تتوضأ بفضله يستفاد منه أنّ المراد منه الولوغ فانّ المراد منه ما يفضل عن شربه و من المعلوم أنّ شربه للماء بحسب المتعارف انّما هو أخذه بأطراف لسانه و

الفضل و ان كان يشمل ما يفضل من مأكوله أيضا الّا أنّ من المعلوم أنّ المراد من فضله هو المائع لأنّ أكل الجامد من الإناء لا يوجب نجاسته فح القدر المتيقّن من وجوب التعفير هو ما إذا ولغ فيه اى شرب بأطراف لسانه فلا يشمل سائر مباشراته للإناء حتّى لطعه له.

نعم بالنسبة إلى اللطع يقال: بأنّه مشتمل على جميع ما اشتمل عليه الولوغ و انّا و ان لم نقطع بذلك لاحتمال دخل خصوص الشرب من الإناء عند الشارع الّا أنّه لا يمكننا الإفتاء بعدم وجوب التعفير ح لاحتمال اتّحاد مناطيهما فالأحوط احتياطا شديدا وجوبه.

و هل يلحق بالولوغ وقوع لعابه في الإناء أولا- عن العلامة قده في النهاية وجوب التعفير لدعوى أنّ وجوب التعفير بالولوغ انّما هو لأجل اشتماله على اللعاب فلعابه أولى بالحكم بوجوب التعفير.

و لكن لا شاهد لهذه الدعوى سوى الاحتمال فكما أنّه يحتمل ذلك فكذا يحتمل أن

______________________________

(1) لم أظفر بها في مظانها

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 377

يكون في الولوغ خصوصيّة يجب معها التعفير لا نعرفها فانّ أحكام الشرع الأطهر لا يمكن إثباتها بصرف الاحتمال.

و أمّا مباشرة سائرا أعضائه للإناء فلا تلحق بولوغه لعدم الدليل على الإلحاق سوى صحيحة البقباق و هي لا تدلّ الّا على ثبوت حكم التعفير بالنسبة إلى الولوغ لأنه قال ع:

لا تتوضّأ بفضله و لا يطلق الفضل الا على ما فضل من شربه فانّ الماء الذي باشره سائر أعضائه لا يطلق عليه الفضل و لكن مع ذلك ألحقها بعضهم بالفضل و قال: بأولوية سائر الأعضاء من الولوغ لأنّها أنجس من فمه لأنّ فمه أطيب نكهة من سائر الحيوانات لكثرة لهثه أي إخراج لسانه و تحريكه فإذا كان مباشرة فمه-

مع طيب نكهته موجبة للتعفير فسائر أعضائه أولى.

و لكن ما أشبه هذه الوجه بالاستحسان بل بالقياس فإنّ الأحكام الشرعية توقيفية لا تنالها يد العقل و لا يمكن إثبات شي ء منها بهذه الوجوه الاستحسانية كما هو واضح.

نعم في رواية فقه الرضا ع ما يدلّ على الإلحاق قال عليه السلام: و ان وقع الكلب في الماء أو شرب منه أهريق و غسل الإناء ثلاث مرّات «1». حيث دلّت على غسله ثلاث مرّات بوقوع الكلب فيه. و لكن لا يمكن الاعتماد على رواية فقه الرضا كما ذكرنا ذلك غير مرّة فح الأقوى عدم الإلحاق بل مباشرة سائر الأعضاء للإناء حكمها حكم سائر النجاسات لا يجب فيها أكثر من غسله ثلاث مرّات و لكنّ الأحوط الإلحاق خصوصا في لعابه.

(المقام الخامس)

أنّ وجوب غسله بالتراب أوّل مرّة في الجملة إجماعي كما ادّعاه غير واحد و تدلّ عليه صحيحة البقباق المتقدّمة.

و هل يجب غسله بالتراب الخالص اى من دون اختلاط الماء معه نظرا الى أن التراب في قوله ع: اغسله بالتراب ظاهر في التراب الخالص أو يجب اختلاطه بالماء اختلاطا لا يخرجه عن صدق الترابية نظرا الى ظهور الرواية في ذلك بحسب المتفاهم العرفي فإنّه إذا قيل لأحد: اغسل يديك بالأشنان أو بالصابون لا ينقدح في ذهنه. ادلك يديك بالصابون أو بالأشنان اليابس بل ينقدح في ذهنه اغسل يديك بالصابون أو بالأشنان مع الماء فكذا فيما نحن فيه أو يجب غسله بالماء المختلط بالتراب في الجملة نظرا الى ظهور الغسل في الغسل بالماء

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 19 من أبواب النجاسات الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 378

فيصير معنى الرواية اغسله بالماء مع التراب فتكون الباء للمصاحبة أو يجب الغسل بالتراب الخالص

أوّلا ثم بالتراب الممزوج مع الماء في الجملة- وجوه بل أقوال و الأقوى كفاية كلّ واحد من الوجهين الأوّلين لإطلاق صحيحة البقباق المتقدّمة و أمّا الوجه الثالث فيرد عليه أن الغسل و ان كان ظاهرا في الغسل بالماء الّا أنّه بعد ما ذكر متعلّقه اى ما يغسل به- في الرواية و هو التراب في قوله ع: اغسله بالتراب أوّل مرّة إلخ- لا يمكن حمله على الغسل بالماء.

و الحاصل أنّه لا بدّ من ارتكاب التجوز إمّا بالنسبة إلى الغسل بأن يقال: انّ معناه الحقيقي هو الغسل بالماء و لكن استعماله في الغسل بالتراب مجازي و إمّا بالنسبة إلى التراب بأن يقال: انّ الغسل مستعمل في الغسل بالماء و لكن اسناد الغسل الى التراب مجازيّ باعتبار اشتمال الماء على التراب فعلى كلّ منهما لا بدّ من ارتكاب المجاز و لكنّ الرواية ظاهرة في المعنى المجازيّ الأوّل.

و أمّا الوجه الرابع فلا وجه له سوى الاحتياط و قد عرفت أنّ الرواية بإطلاقها دالّة على كفاية كلّ واحد من الوجهين الأوّلين فلا وجه للاحتياط.

ثم انّ ظاهر الرواية عدم كفاية غير التراب مكان التراب كالأشنان و الرماد و غيرهما للأمر بغسله بالتراب و هل يسقط وجوب التعفير بفقدان التراب أو بعدم إمكان تعفيره لضيق رأسه أو عدم تحمله للتعفير بأن ينكسر بتعفيره- فيه وجهان: وجه الأوّل أن يقال: انّ الأمر بغسله بالتراب ظاهر في إمكان الغسل به فلا يشمل غير ممكن الغسل من أوّل الأمر أو ينصرف الإطلاق عنه.

و وجه الثاني أنّ ظاهر الرواية اناطة حصول الطهارة على غسله بالتراب أوّل مرّة فلا تتحقّق الطهارة بتعذّر تعفيره أو تعسّره خصوصا إذا قلنا: انّ الأمر بغسله بالتراب ليس أمرا تكليفيا بل الأمر

بالغسل أمر وضعي أي يشترط في حصول طهارة الإناء الذي ولغ فيه الكلب غسله بالتراب أوّل مرّة فما لم يحصل الشرط لم يحصل المشروط و هذا الوجه هو الأحوط و ان كان الوجه الأوّل لا يخلو من وجه.

ثم انّ الظاهر اعتبار طهارة التراب لعدم معهودية مطهرية المتنجّس في الشرع و للاستقراء بأنّ ما يرفع الحدث أو الخبث يعتبر أن يكون طاهرا كتراب التيمّم و حجر الاستنجاء.

و لكن ربّما يستدلّ لعدم اعتبار طهارته بإطلاق صحيحة البقباق المتقدّمة حيث انّه

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 379

لم يقيّد فيها باعتبار طهارة التراب مع أنّه عليه السلام كان في مقام البيان.

و هذا الوجه و ان لم يرتضه الأستاذ دام ظلّه الّا أنّه بنظري القاصر لا يخلو عن قوّة لكن الإنصاف أنّ التمسك بالإطلاق لا يخلو عن قوّة و أنّ ما يصلح للقرينية و هو ارتكاز المتشرعة بأن المتنجس لا يطهر التمسّك به مشكل جدّا و اللّه العالم.

(البحث الثاني في حكم الإناء الذي شرب منه الخنزير)

و لا يلحق الخنزير بالكلب و ان ألحقه الشيخ قده به و مستنده في الإلحاق- على ما حكى عنه- أنّه أطلق عليه الكلب لغة فيثبت له حكمه و لكن يرد عليه أوّلا بعدم ثبوت ذلك لغة و ثانيا على فرض الثبوت فالحكم الشرعي الثابت للكلب لا يمكن إثباته للخنزير لأنّ الحكم الشرعي منزّل على الموضوع العرفي و العرف لا يطلق الكلب على الخنزير.

و الذين لا يلحقونه بالخنزير اختلفوا في أنّه هل يجب غسله سبع مراّت أو ثلاث مراّت أو مرّة واحدة و مستند الثلاث مراّت هو إطلاق الروايات العامّة الدالة على وجوب غسل الإناء ثلاثا لكلّ نجاسة و حمل صحيحة علىّ بن جعفر الآتية على الاستحباب لقلّة العامل بها من القدماء.

و مستند

القول بالسبع هو صحيحة علىّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: و سألته عن خنزير شرب من الإناء كيف يصنع به قال: يغسل سبع مرّات «1».

و لكنّ العمل على الصحيحة هو المتعين و لا يعلم وجه عدم عمل القدماء بها لكن أكثر المتأخرين من زمان العلّامة قده الى زماننا هذا قد عملوا بها و وجه كفاية غسله مرّة واحدة هو كفاية المرّة في مطلق الإناء الذي تنجّس بأيّ نجاسة كان و هو ضعيف ايضا لم نقل به في مطلق النجاسات الملاقية للإناء كما سيجي ء.

و كذا قيل بوجوب غسل الإناء سبع مرات إذا شرب فيه الخمر و مستنده موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في حديث يشرب فيه النبيذ قال: يغسل سبع مرّات و كذا الكلب. «2» و لكن تعارض هذه الموثقة موثقته الأخرى عنه عليه السلام أنّه قال في حديث: في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر تغسله ثلاث مراّت و سئل أ يجزيه أن يصبّ فيه الماء؟

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 23 من أبواب النجاسات الحديث 9

(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 2

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 380

قال: لا يجزيه حتّى يدلكه و يغسله ثلاث مراّت «1».

فيمكن حمل الموثقة الأولى على الاستحباب خصوصا بقرينة عطف الكلب على الخمر و الحكم بوجوب غسل الإناء منه سبع مراّت مع أنّه لم يقل به أحد في الكلب.

و ربّما يقال: انّ رواية السبع مختصّة بشرب النبيذ فيه و هو شراب متّخذ من الزبيب أو التمر كما صرّحت به الرواية و رواية الثلاث مختصّة بالخمر ما عدا النبيذ و لكن هذا التفصيل لم يقل به أحد إذ كلّ من قال بوجوب السبع

قاله به في جميع أقسام الخمر و من قال بوجوب الثلاث قاله به في جميع أقسامها.

و كذا قيل بوجوب غسل الإناء سبعا لموت الجرذ فيه و هو الفأرة الكبيرة الموجودة في الصحراء غالبا و مستند هذا القول موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مراّت الحديث «2» و لكن من لم يعمل برواية عمّار و يقول: انّه فطحي لا يعتمد على رواياته- قال بوجوب الثلاث في موته استنادا الى الروايات التي سنذكرها في مطلق النجاسات الملاقية للإناء و نحن حيث نقول باعتبار روايات عمّار لأنّه و ان كان فطحيا الّا أنّ رواياته موثوق بها لا يبعد القول بوجوب السبع لموت الجرذ.

(البحث الثالث في كيفية غسل مطلق الإناء)

و كيفيته في غير ولوغ الكلب و الخنزير و شرب الخمر فيه و موت الجرذ ثلاث مراّت و مستند ذلك موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الكوز و الإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ و كم مرّة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مراّت يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ثم يفرغ منه ثم يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثم يفرغ ذلك ثم يصبّ فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر «3».

و هذه الرواية يستدلّ بها لكلّ نجاسة تصيب الإناء الّا أن يقوم دليل آخر يخرجه عن هذه الكلّية كشرب الخمر بناء على ترجيح رواية السبع و كموت الجرذ- بناء على العمل برواية عمّار المتقدّمة- كما قوّينا ذلك- لأنّا نعمل بروايات عمّار خصوصا إذا لم يكن لها

______________________________

(1) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب النجاسات الحديث 9 و الباب 19 الحديث 1

(2) جامع الأحاديث الباب 7 من أبواب

النجاسات الحديث 9 و الباب 19 الحديث 1

(3) جامع الأحاديث الباب 19 من أبواب النجاسات الحديث 1

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 381

معارض كما هنا أي في موت الجرذ حيث أنّه لا معارض لها الّا هذه الرواية الدالة بإطلاقها على وجوب ثلاث غسلات لكل نجاسة و لا بدّ من تقييد إطلاقها بتلك الرواية الواردة في موت الجرذ الدالة على وجوب السبع لموته.

قد تم تبييض ما أثبتناه في المسودّة من مباحث الطهارة من تقريرات أبحاث سيّدنا الأستاذ العلّامة الحجة الآية الحاج السيّد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني مدّ ظلّه العالي في ليلة العشرين من صفر المظفر ليلة الأربعين من شهادة سيّد شباب أهل الجنة أبي عبد اللّه الحسين صلوات اللّه عليه من سنة 1402 من الهجرة النبوية على مهاجرها ألف ألف صلاة و سلام و تحيّة، و لعلّى زدت على مطالب الأستاذ دام ظله أو نقصت عنها سهوا و غفلة و قد بعد العهد و طال الزمان و الإنسان لا يخلو عن الغفلة و النسيان و أستغفر اللّه من الزيادة و النقصان و الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على سيدنا محمّد و آله الطاهرين و قد كان تصحيح الكتاب بإشراف من الأستاذ دام ظله و قرائتى عليه و قد بذل الأخ العزيز الفاضل الأديب الحاج الشيخ محمد كاظم الخوانساري دام تأييده جهدا مشكورا في طبع الكتاب و إخراجه و اللّه ولى التوفيق.

المؤلف محمد هادي المقدس النجفي قم المقدسة 1 ربيع الثاني 1402

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 390

ترجمة مؤلّف هذا الكتاب

اشارة

هو محمّد هادي المقدس النجفي ابن المرحوم المغفور له الحاج الشيخ على المقدس الرشتي مولدا و النجفي مسكنا و مدفنا أعلى اللّه مقامه، ولد المؤلف في العشر الأخير

من شهر ربيع الثاني من سنة ألف و ثلاثمائة و أربع و أربعين هجريّة في النجف الأشرف على مشرّفها ألف ألف صلاة و سلام و تحية، و تلمذ بعض السطوح على جماعة من أفاضل ذلك العهد الى أن بلغ إلى الروضة البهية و قوانين الأصول، ثمّ، انتقل في سنة ألف و ثلاثمأة و ثمانية و ستّين إلى إيران فقطن في بلدة قم المحمية من طوارق الحدثان حرم أهل البيت و عش آل محمد عليهم السلام فأخذ العلم من أفاضلها الى أن فرغ من السطوح ثم حضر الخارج من السطوح فحضر دروس سيّدنا الأعظم آية اللّه الحاج السّيد حسين الطباطبائي البروجردي قدس سرّه و دروس سيّدنا الأستاذ آية اللّه الحاج السيّد محمّد رضا الموسوي الگلپايگاني دام ظلّه و غيرهما من الأعاظم الى أن بلغ بحمد اللّه الى مرتبة الاجتهاد.

مؤلفات المؤلّف

1- كتاب الطهارة و هو هذا الكتاب الذي بين يديك و هو من تقريرات بحث آية اللّه الگلپايگاني و هو حاو على معظم بحوث كتاب الطهارة على نحو الإيجاز و هو يحتوي على خمسة عشر بحثا من بحوث كتاب الطهارة فلا حظ.

2- ايضا كتاب الطهارة تقريرات أبحاث سيدنا الأستاذ آية اللّه البروجردي الّا أنه غير تامّ فإنّه قد قرّر قليلا من بحوث الطهارة ثم فاجأه الأجل فانتقل الى جوار رضوان اللّه، و ذلك في سنة ألف و ثلاثمأة و ثمانين من الهجرة، فابتلينا بعد ارتحاله المولم بمصائب لا تحصي و دامت بل اشتدت الى زماننا هذا و لعلّ اللّه يفرّج عنا و عن جميع المؤمنين بكشف هذه المصائب بيد الحجّة ابن الحسن عليهما السلام.

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 391

3 و 4: مرقاة الكمال في مجلّدين ضخمين يحتويان

على 60 موضوعا من الموضوعات الهامة الإسلامية مفيدة للخطباء و الوعاظ الكرام جدّا، و قد انطبع المجلّد الأول في أربعين بابا و 700 صفحة، لا حظ فهرس الكتاب و هو من صفحة 12 الى 16.

5 الى 9: خودسازى انسان و هو في خمسة مجلدات و هذا الكتاب بالفارسية ترجمنا الآيات و الروايات الموجودة في كتاب مرقاة الكمال بكيفية خاصة حيث أوضحناهما بأكثر مما في مرقاة الكمال و قد بيّنا في الكتابين- أعني مرقاة الكمال و خودسازى في كل باب، المفاسد الموجودة في اجتماعنا هذا.

10: كتاب الحجّ من تقريرات بحوث سيدنا الأستاذ آية اللّه الگلپايگاني و قد جمعنا فيه جميع واجبات الحج و العمرة و واجبات الإحرام و محرمات و قد فاتنا ذكر مقدمات الحج و العمرة.

11: كتاب البيع من تقريرات بحث آية اللّه المذكور الّا أنه حفظه اللّه لم يذكر من هذا المبحث الا قليلا من كثير فترك هذا المبحث و شرع في كتاب القضاء.

12: كتاب القضاء من تقريرات بحث آية اللّه الگلپايگاني ايضا.

13: كتاب الشهادات من تقريرات بحثه دام ظله ايضا.

14: كتاب الحدود و قد ذكر مدّ ظله مبحث حد الزنا و حدّ اللواط ثم فاجأه المرض و نسأل اللّه تعالى أن يعافيه عافية كاملة حتى يمكنه أن يتمم هذا المبحث الجليل بل يطيل عمره الى ظهور مولانا الحجة عجل اللّه تعالى فرجه بجاه محمد و آله.

15: منية الأحباب و هو أول مؤلفات المؤلف و قد اشتمل الكتاب المذكور على ثلاثة و ثمانين بابا و اقتصرنا في هذا الكتاب على ذكر الروايات فقط بخلاف مرقاة الكمال فإنه قد صدرنا أكثر أبوابه بذكر آية أو آيتين أو أكثر ثم عقبناها بتفسيرها، و كذا الروايات قد

عقبناها بتوضيحها و تشريحها و بيان لغاتها المشكلة فمنية الأحباب كالمختصر لمرقاة الكمال الّا أنه حاو على بعض الأبواب الذي خلى منه مرقاة الكمال.

16: كتاب أحسن الحكايات و هو حاو على مأة و أربع عشر حكاية على عدد السور المباركة القرآنية، و قد جمعنا هذا الكتاب من خمسة و عشرين كتابا تقريبا من كتب العامة و الخاصة و جمعنا فيه من الروايات و الحكايات اللطيفة الطريقة العجيبة التي قلّ من سمعها،

كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، ص: 392

و قد بيّنا اللغات المشكلة فيها تحت الصفحة أو بعد الفراغ من الحكاية.

17 و 18: بهترين داستانها في مجلدين و هو بالفارسية و ترجمة لكتاب أحسن الحكايات، الى غير ذلك من مؤلفاته في الفقه و الأصول التي لم تخرج الى البياض، و الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا محمد و آله الطاهرين الغرّ الميامين 25 ذي القعدة الحرام يوم دحو الأرض من سنة 1407 هجرية المؤلف: محمد هادي المقدس النجفي

________________________________________

گلپايگانى، سيد محمد رضا موسوى، كتاب الطهارة (للگلبايگاني)، در يك جلد، دار القرآن الكريم، قم - ايران، اول، 1407 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.